صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 20

الموضوع: كتاب جديد/التحقيق والتبيين في أن الخروج على أئمة الجور ليس مذهباً للسلف أئمة المسلمين

  1. كتاب جديد/التحقيق والتبيين في أن الخروج على أئمة الجور ليس مذهباً للسلف أئمة المسلمين

    التحقيق والتبيين
    في أن الخروج على أئمة الجور
    ليس مذهباً للسلف أئمة المسلمين
    (فصل من كتابي: فصل الكلام في فريضة نصب الأئمة وتحريم عدم الطاعة والخروج على الإمام)



    بسم الله الرحمن الرحيم


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)

    أما بعد:

    فإن الله - جل وعلا - كان يبعث أنبياءه ورسله لهداية المكلفين من خلقه، فهو الذي - دون سواه - يعلم ما يصلحهم، وقد قال ـ سبحانه ـ :( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

    وأرسل إلى هذه الأمة محمداً صلى الله عليه وسلم - خير رسله - رحمة بهم وإكراماً لهم، وقال عنه:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )، وقال -تعالى-:(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، وقال:( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)، وقال:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ).

    وقال صلى الله عليه وسلم:«يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة»، وقال: « أنا نبي الرحمة»، وفي لفظ: «أنا نبي المرحمة» .

    أرسله والبشرية - عربهم وعجمهم - في ظلمة ظلماء وجاهلية جهلاء وضلالة عمياء لا يعرفون إلى هدى ربهم سبيلاً ولا إلى النور طريقاً، فجاءهم بالهدى والنور والضياء، وختم الله به الرسل والرسالات، وكانت رسالته للناس كافة، بل للثقلين الإنس والجن.

    وأكمل الدين الذي رضيه لهم وأتم عليهم به النعمة، وأنزل عليه في حجة الوداع - يوم عرفة - قوله -تعالى-:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

    وإن من علو هذا الدين ومن كماله ومحاسنه العظيمة ومطالبه العالية ومقاصده السامية جعله السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصلاً من أصول العقيدة؛ ولذلك فإنه قل أن يخلو كتاب فيها من التنصيص عليه وتقريره وشرحه وبيانه؛ بل ألفت فيه كتب مفردة؛ وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه؛ فبفقد ولاة الأمر أو الافتيات عليهم عند وجودهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا.

    وقد علم بالضرورة: أنه لابد للإسلام من جماعة، ولا جماعة إلا بإمامة أو إمارة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة.

    قال الحسن البصري - رحمه الله - في الأمراء: ( كما في جامع العلوم والحكم لابن رجب2/117، والجليس الصالح لسبط بن الجوزي ص207):" هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن - والله - إن طاعتهم لغيظ، وأن فرقتهم لكفر".

    وقال أبو عمر أحمد بن عبد ربه الأندلسي ( في العقد الفريد 1/7):" السلطان زمام الأمور ونظام الحقوق وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدنيا، وهو حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم وينتصر مظلومهم وينقمع ظالمهم ويأمن خائفهم.

    قالت الحكماء: إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام غشوم خير من فتنة تدوم، ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن".

    فإذا كان انتصاب الإمام وطاعته في غير معصية والقيام بحقوقه وقيامه هو بما عليه من حقوق للأمة بهذه الأولوية والمكانة في الإسلام ومن عظيم المهمات وثوابت الدين وأصوله الراسخات، وقد أولاه أئمة وعلماء الإسلام ما فرض له من عظيم الاهتمام - كما سبقت الإشارة إليه -، فإن الأمر يحتاج إلى الاستمرار الدائب في إظهاره وإشاعته في أمة الإسلام، خصوصاً مع كثرة من يفتنهم عن دينهم: أصولاً وفروعاً - وللأسف - من بني جلدتهم من خوارج عصريين سائرين على سنة سلفهم، ولديهم من المكر والخداع والتطور في الأساليب وتقنيات العصر واختراعاته والتفنن في إلقاء الشبه ما لم يكن عند أوائلهم الأقدمين، ومن ذلك علاقتهم بالكافرين - أعداء الله وأعداء دينه والمسلمين - والارتماء في أحضانهم والاستقواء بهم.
    لهذا ومن باب النصيحة الواجبة التي هي الدين - كما قال صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة» ثلاثاً، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال:«لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»

    وإنه في هذه الأيام التي تحقق فيها ما يريده أولئك الحركيون –الذين سنختم الكتاب في الحديث عنهم- وأعداء الإسلام, يتكئ الحركيون السياسيون في خروجهم على حكامهم بقول للحافظ أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني محتجين به وهو: أن الخروج بالسيف على أئمة الجور مذهب للسلف قديم قد ترك.

    واغتر بفعلهم هذا الشنيع: بعض ضعاف طلبة العلم المنتسبين إلى أهل السنة، فأخذوا يحتجون - لجهلهم - كما يحتج الحركيون !!

    ولهذا وجب بيان معتقد أهل السنة؛ نصيحة للأمة (ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة).

    فأقول والله المعين والموفق للصواب:

    إن ابن حجر – رحمه الله - لم يكن على منهج أهل السنة، ولم يفهم فهمهم في هذا الأصل الأصيل، وقد فسر عقيدة السلف في الإيمان بعقيدة المرجئة؛ حيث يرى أن الإيمان يبقى بدون أي عمل، فكان تفسيره لعقيدة السلف في الإيمان غلطاً مقطوعاً به, ويرى تأويل الصفات على مذهب الأشاعرة، وغير ذلك مما خالف أهل السنة والجماعة في منهاجهم وأصولهم.

    وقد رد عليه في تأويله للصفات على طريقة الأشاعرة سماحة شيخنا الإمام عبدالعزيز بن باز-رحمه الله- في تعليقه على الأجزاء الثلاثة من فتح الباري - شرح ابن حجر لصحيح البخاري -.

    وفي غير ذلك من أجوبته.

    ومن عقيدة الإيمان عند أهل السنة عدم الخروج على الأئمة حتى في حال الجور إلا بخروجهم إلى الكفر البواح, ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عند البيعة: « فيما أَخَذَ علينا أن بَايَعَنَا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان ».

    وهذا نص كلام ابن حجر, قال: (في تهذيب التهذيب2/288), في ترجمة الحسن بن صالح بن حي): "وقولهم كان يرى السيف يعني يرى الخروج على أئمة الجور.

    وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك, لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه, ففي: وقعة الحرة, ووقعة ابن الأشعث, وغيرهما عظة لمن تدبر, والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد, وأما ترك الجمعة ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلي خلف فاسق, ولا يصحح ولاية الإمام الفاسق, فهذا ما يعتذر به عن الحسن وإن كان الصواب خلافه؛ فهو إمام مجتهد ".

    وقد فرح بقول الحافظ هذا سفر بن عبد الرحمن الحوالي، و بكلام لابن حزم فزاد الطين بله (في كتابه ظاهرة الإرجاء، في النشرة التي على الإنترنت) فقال:" وأما خروج عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فقد كان مذهب بعض السلف هو الخروج على حكام الظلم والجور لمنع ظلمهم وجورهم بالسلاح، ولكن كما قال ابن حجر رحمه الله – تعالى - :
    (وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى ما هو أشد منه )، هذا وقد حكى ابن حزم عن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة أن مذهبهم كان جواز منع ظلم السلطة بالقوة ".

    قلت:
    أولاً:عقيدة أهل السنة والجماعة إنما تؤخذ من مصادرها الأصيلة، وهي كتب العقائد التي صنفها أئمة أهل السنة، ومن شروح أولئك الأئمة، ولا تؤخذ من مثل بن حجر أو النووي أو ابن حزم فهم على جلالتهم وعلو قدرهم في العلم ليسوا راسخين في هذا الجانب مثل الأئمة السنيين، بل هم على طريقة أهل البدع من أشاعرة وغيرهم في جل مسائل العقيدة، ولا يعلم أن أحداً من علماء أهل السنة والجماعة جعل كتبهم مصدراً ومرجعاً للاعتقاد عند أهل السنة.

    ثانياً:أنه لا يعلم أن أحداً من علماء أهل السنة قال هذا القول أو قرره، يدرك ذلك من اطلع على أقوالهم وتقريراتهم في هذا الباب، ولو كان مذهباً قديماً لهم لحكوه ولو على سبيل الرد.

    ثالثاً: تضافرت نصوص أهل السنة والجماعة على تحريم الخروج على أئمة الجور قولاً واحداً ولم يفصلوا، بل إنهم ردوا على ما أورده بن حجر وبينوا خطأه وأنكروه وأنكروا على معتقديه والقائلين به وفاعليه، ولم يعتذروا له كما اعتذر له بن حجر وهذا يدل دلالة صريحة على أن مذهبهم واحد مجمع عليه لم يختلف قديمه عن حديثه؛ ولو كان مذهباً في ذلك الوقت لما صح أن يوصف بالخطأ عندهم.

    بل نقل عمن قال بذلك تخطئته لنفسه وتوبته من خطئه كما فعل صاحب كتاب: (الرد على أهل البدع) أبو محمد عبدالله بن فروخ الفارسي الخرساني ـ رحمه الله ـ: أنه كان يرى الخروج على أئمة الجور إذا اجتمع عدة أهل بدر، فلما خرج إلى مصر وشيعه الناس التفت فقال: " اشهدوا أني قد رجعت عما كنت أقول به من الخروج على أئمة الجور"، ذكره العلامة عبد السلام بن برجس ـ رحمه الله ـ (في تاريخ العقيدة السلفية ص16).

    رابعاً: أن شأن ابن حزم شأن من جاء بعده: ابن حجر وغيره.

    خامساً: أن ابن حزم تكلم بكلام طويل لا طائل تحته, وأمعن وتعسف في رد النصوص مما يدل على غلبة الهوى وعدم التوفيق.

    قلت:

    والحسن (في سير أعلام النبلاء للذهبي 7/361): هو أبو عبد الله الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الكوفي، ولد سنة مئة ومات سنة مئة وتسع وستين، وعاش تسع وستين سنة.

    وعقيدته قد أنكرها الأئمة: ابن ادريس، وأحمد, ويحيى بن معين, وسفيان الثوري، وابن المبارك, وغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة وبدعوه وأتباعه من أجلها.

    وقال فيه الإمام أحمد ( كما في السنة للخلال رقم93): " كان يرى السيف ولا يُرْضى مذهبه...، وقد كان ابن حي ترك الجمعة بآخرة، وقد كان أفتن الناس بسكوته وورعه".

    وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته -هنا- أن ابن المبارك قال: كان الحسن بن صالح لا يشهد الجمعة.

    وقال ابن داود: " كان الحسن بن صالح إذا ذكر عثمان سكت: يعني لم يترحم عليه، وترك... الجمعة سبع سنين".

    وقد نقل الحافظ في ترجمته عن عدد من الأئمة: أنه كان يتشيع: ابن المبارك, والعجلي, وابن حبان, وابن سعد, والساجي.

    وفي سير أعلام النبلاء للذهبي: قال أبو سعيد الأشج سمعت ابن إدريس يقول ما أنا وابن حي؟ لا يرى جمعة ولا جهاداً.

    وقال محمد ابن غيلان عن أبي نعيم قال: ذكر الحسن بن صالح عند الثوري فقال ذلك رجل يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
    وقال يوسف بن أسباط كان الحسن ابن حي يرى السيف.

    قال بشر ابن الحارث كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه, قال وكانوا: يرون السيف.

    وقال أبو صالح الفراء حكيت ليوسف ابن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: ذاك يشبه أستاذه-يعني الحسن ابن حي-.
    وقال أبو أسامة سمعت زائدة يقول ابن حي قد استصلب منذ زمان, وما نجد أحداً يصلبه.

    قلت: ومع ذلك فقد ذكر له الكثير من العبادة والزهد والثقة في الرواية ولم يغتر به الأئمة وأنكروا عليه البدعة، وحذروه وأصحابه، وحذروا منهم, ولم يعتذروا لهم, وقد قال الذهبي قلت: هو من أئمة الإسلام لو لا تلبسه ببدعة.

    قلت: ومع ذلك فمذهب الحسن بن حي المخالف للكتاب والسنة وأئمة أهل السنة وإجماعهم عند ابن حجر مذهب للسلف؟!!.

    ولا يقول هذا ويغتر بقول ابن حجر إلا أهل الأهواء ومن لم يضبط منهج أهل السنة والجماعة.

    وأقول: إن نسبة مذهب الخوارج إلى السلف وزعمه أنه مذهب لهم استقر الأمر على تركه دليل على خلطه في القضية وجهله لمذهبهم على ما هو معلوم عنه – رحمه الله -، وقد رد عليه أهل السنة في الصفات والإيمان وغيره، وبينت ذلك في كتابي: سواطع البرهان في حقيقة الإيمان، وضمن ذلك البيان ردي عليه في هذه الدعوى وما مثل به على رأيه الخاطيء، والذي خطأ أصحابه فيه أئمة السلف، ولم يحمدوهم عليه-كما تقدم-؛ لوضوح مذهب السلف؛ ولوضوح أدلته من الكتاب والسنة، بل من بقي من أولئك الثوار ولم يقتلوا لم يحمدوا هم ذلك لأنفسهم، وندموا عليه أشد الندم – كما سبق عن الشعبي وغيره، قولهم عن خروجهم-، وهو عظة لهم ولمن جاء بعدهم، ولم يوفق ابن حجر في اعتذاره لابن حي؛ لأنه مما لا عذر لأحد فيه، وهو مذهب القعد من الخوارج، الذين لا يعتبر تأويلهم سائغاً، أو لهم فيه وجه عذر، والقعد أصل مذهبهم، وقد ذكر ذلك ابن حجر نفسه (في مقدمة شرحه لصحيح البخاري: هدي الساري ص459) فقال عن القعدية:" القعدية الذين يزينون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك".

    وقوله: "هذا ما يعتذر به عن الحسن وإن كان الصواب على خلافه فهو إمام مجتهد"، فكما يقال: (عذر أقبح من ذنب)؛ لأنه لا يعتذر لأهل البدع أئمة أو غير أئمة، ومن أهل البدع أئمة في الضلالة، ومنهم الحسن ابن حي؛ فبدعته غليظة شنيعة، ولذلك حمل عليه أئمة أهل السنة، هو وأتباعه، فهل يقبل اجتهاده ويعتذر له به فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد، ويوصف بإمام مجتهد؟!!.

    وقد رأيت ما تقدم من الطعن فيه والنقول عن أهل السنة، ولم يذكر أحد منهم هذا المذهب، فيكون قول ابن حجر مجرد دعوى، وأن سبب ذلك جهله بمذهب السلف، وهذا مبلغ ابن حجر من العلم، فلم يفرق بين مذهب الحسن ابن حي الخارجي وبين مذهب اجتهاد المخطئين من أهل السنة الذين يوصفون بالبغي ولهم تأويل سائغ فيما جرى منهم، الذين جاء في مثلهم قول الله - تعالى - ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

    قال الإمام العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (كما في الدرر السنية 8/378): "ولم يدر هؤلاء المفتونون، أن أكثر ولاة أهل الإسلام، من عهد يزيد بن معاوية - حاشا عمر بن عبد العزيز، ومن شاء الله من بني أمية - قد وقع منهم ما وقع من الجراءة، والحوادث العظام، والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام؛ ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم، معروفة مشهورة، لا ينزعون يداً من طاعة، فيما أمر الله به ورسوله، من شرائع الإسلام وواجبات الدين.

    وأضرب لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتهر أمره في الأمة بالظلم والغشم، والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله، وقتل من قتل من سادات الأمة، كسعيد بن جبير، وحاصر ابن الزبير وقد عاذ بالحرم الشريف، واستباح الحرمة، وقتل ابن الزبير، مع أن ابن الزبير قد أعطاه الطاعة، وبايعه عامة أهل مكة والمدينة واليمن، وأكثر سواد العراق.

    والحجاج نائب عن مروان، ثم عن ولده عبد الملك، ولم يعهد أحد من الخلفاء إلى مروان، ولم يبايعه أهل الحل والعقد، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته،
    والانقياد له فيما تسوغ طاعته فيه، من أركان الإسلام وواجباته. وكان ابن عمر ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينازعونه، ولا يمتنعون من طاعته، فيما يقوم به الإسلام، ويكمل به الإيمان. وكذلك من في زمنه من التابعين، كابن المسيب، والحسن البصري، وابن سيرين، وإبراهيم التيمي، وأشباههم ونظرائهم من سادات الأمة. واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة، من سادات الأمة وأئمتها، يأمرون بطاعة الله ورسوله، والجهاد في سبيله مع كل إمام بر أو فاجر، كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد.

    وكذلك بنو العباس، استولوا على بلاد المسلمين قهراً بالسيف، لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين، وقتلوا خلقاً كثيراً، وجماً غفيراً من بني أمية وأمرائهم ونوابهم، وقتلوا ابن هبيرة أمير العراق، وقتلوا الخليفة مروان؛ حتى نقل أن السفاح قتل في يوم واحد نحو الثمانين من بني أمية، ووضع الفرش على جثثهم، وجلس عليها، ودعا بالمطاعم والمشارب؛ ومع ذلك فسيرة الأئمة، كالأوزاعي، ومالك، والزهري، والليث بن سعد، وعطاء بن أبي رباح، مع هؤلاء الملوك، لا تخفى على من له مشاركة في العلم واطلاع.

    والطبقة الثانية من أهل العلم، كأحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن نصر، وإسحاق بن راهويه، وإخوانهم، وقع في عصرهم من الملوك ما وقع، من البدع العظام، وإنكار الصفات، ودعوا إلى ذلك، وامتحنوا فيه، وقتل من قتل، كأحمد بن نصر؛ ومع ذلك فلا يعلم أن أحداً منهم نزع يداً من طاعة، ولا رأى الخروج عليهم".

    ومما قاله أهل السنة في مذهب ابن حجر ومنهجه ما قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسالته إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف ( كما في مجموع مؤلفات الشيخ القسم الخامس- الرسالة رقم1، وكما في الدرر السنية،ط2: 1/39، ط 5: 1/50، وروضة الأفكار والأفهام ص 221 للعلامة المؤرخ حسين بن غنام):"... وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي، بل من عقولهم، ومعترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك، مثل ما ذكر في ( فتح الباري)[1/46 – 47] في مسألة الإيمان على قول البخاري: وهو قول وعمل ويزيد وينقص؛ فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله، ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين ولم يرده".

    قلـت: قول الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله, في استدراكه على ابن حجر -:"حكى كلام المتأخرين ولم يرده".

    يتوجه إلى خطأ ابن حجر في تفسيره للإيمان، - وقد نقل إجماع أهل السنة على أنه قول وعمل ويزيد وينقص - بقوله: "وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله", مخالفاً لإجماع السلف؛ وذلك لعدم إتقانه معتقد السلف، بل أئمة الدعوة وعلى رأسهم الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله, إضافة إلى ما سبق - فقد غلّطوا ابن حجر في مسألة الإيمان، وهذا التغليط هو تغليط له ولمن وافقه أو قلده، ومنهم الشيخ الألباني- رحمه الله -.

    فقد قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في رده على عثمان بن منصور دفاعاً عن الإمام محمد بن عبد الوهاب (كما في الدرر السنية 12/8) إذ يقول:" ... وحضر مشايخ الأحساء، ومن أعظمهم: عبد الله بن عبد اللطيف القاضي، فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري، ويبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان"
    فابن حجر ليس من أئمة أهل السنة والجماعة الراسخين في منهجهم وعقيدتهم، بل هو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في منهاج السنة 6/369):"من جنس نقلة التواريخ التي لا يعتمد عليها أولوا الأبصار".

    والأخباريون، وعلماء الوسط: أمثال الذهبي، فيهم قول الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - الذي قاله في الذهبي (في شريط الدمعة البازية):" الذهبي ليس من أهل الفقه .. ما هو من أهل البصيرة .. عالم من علماء الوسط يعتني بمصطلح الحديث لا يعتمد به في الشريعة".

    ومن هذا القبيل اتهام الذهبي (في كتابه العلو ص144)، لشيخ الإسلام وحافظ الشرق الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله - في رده على المريسي، بقوله: "وفي كتابه بحوث عجيبة مع المريسي يبالغ فيها في الإثبات، والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث".
    وتبعه الألباني ( كما في تحشيته على كلام المعلمي (في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل1/348، ترجمة156) فقال:"لا شك في حفظ الدارمي وإمامته في السنة، ولكن يبدو من كتابه (( الرد على المريسي )) أنه مغال في الإثبات فقد ذكر فيه ما عزاه الكوثري إليه من القعود والحركة والثقل ونحوه، وذلك مما لم يرد به حديث صحيح، وصفاته - تعالى - توقيفية فلا تثبت له صفة بطريق اللزوم مثلاً، كأن يقال: يلزم من ثبوت مجيئه – تعالى - ونزوله ثبوت الحركة، فإن هذا إن صح بالنسبة للمخلوق، فالله ليس كمثله شيء فتأمل"، وكان هذا تعقيباً على تعقيب المعلمي على قول محمد بن زاهد الكوثري (في تأنيب الخطيب ص35): "وعثمان بن سعيد صاحب النقض مجسم مكشوف يعادي أئمة التنزيه ويصرح بإثبات القيام والقعود والحركة والثقل والاستقرار والحد، ونحو ذلك له - تعالى - ومثله يكون جاهلاً بالله ".

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( كما في مجموع الفتاوى 5/577): " ذكر عثمان بن سعيد الدارمي إثبات لفظ ( الحركة) في كتاب نقضه على بشر المريسي، ونصره على أنه قول أهل السنة والحديث، وذكره حرب بن إسماعيل الكرماني لما ذكر مذهب أهل السنة والأثر عن أهل السنة والحديث قاطبة، وذكر ممن لقي منهم على ذلك أحمد بن حنبل واسحق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وهو قول أبى عبد الله بن حامد وغيره ".

    وقال ( في الاستقامة 1/70): " لفظ ( الحركة) أثبته طوائف من أهل السنة والحديث وهو الذي ذكره حرب بن إسماعيل الكرماني في السنة التي حكاها عن الشيوخ الذين أدركهم كالحميدي, وأحمد بن حنبل, وسعيد ابن منصور, وإسحاق بن إبراهيم, وكذلك هو الذي ذكره عثمان ابن سعيد الدارمى في نقضه على بشر المريسى, وذكر أن ذلك مذهب أهل السنة".

    قال الإمام ابن القيم ( في اجتماع الجيوش الإسلامية ص: 231) عن كتابي أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي: " كتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جداً.

    وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما".

    قلت: هؤلاء الأئمة الأعلام وحملة الإسلام, ومرجعية أهل السنة في باب العقيدة والدين، قولهم هو الذي يجب أن يعتمد ولا يلتفت إلى غيره, لا ابن حجر ولا الذهبي ولا غيرهما, مهما سما قدره وعلا كعبه في العلم, وهو ما اتسم به الحافظان ابن حجر و الذهبي - رحمهما الله - ولا تنكر خدمتهما للإسلام.

    والمقلدون لهم ومعظموهم قد أُتوا من عدم التفريق بينهم وبين أمثالهم، وبين علماء وأئمة أهل السنة والجماعة, والجهل في مذهبهم وقواعدهم في الإيمان.

    وكلام ابن حجر ومن على شاكلته ينطوي على تجهيل للسلف وكأن مذهبهم في الأصول مبني على التجارب والأمور الحادثة, ولم يدر أنهم برآء من ذلك وإنما هم متبعون للنصوص من الكتاب والسنة، وعقيدتهم مستقرأة من ذلك مبنية على عشرات الأدلة، ولو وجد في كتب منهاجهم وعقيدتهم شيء من الآثار ما فيه نظر لا يكون المعتمد عندهم، وإنما لإدراجه تحت الأدلة الثابتة, وربما المتواترة ثبوتاً ولفظاً ومعنى.

    وأقول: إنه لو صح لكم ما ادعيتموه وسلمتم أنه مذهب ميت قديم للسلف قد تركوه, ادعي لكم فادعيتموه وانتحلتموه, فلماذا تنكبتم طريقهم الذي رغبوا فيه وأحيوه، ورغبتم فيما رغبوا عنه فبعثتموه وأحييتموه ؟!! إنه للهوى والبعد عن الحق والسنة وتقليد العميان, وجهلة الصواب:

    أعمى يقود بصيراً لا أبا لكمو###قد ضل من كانت العميان تهديه

    وأما قول ابن حجر وإن كان قد قال بغير علم وشهد بغير حق, إلا أنه شاهد عليكم وليس شاهداً لكم, وشهادته على ما ادعاه أن السلف تركوه، ولم يقدم دليلاً على ما ادعاه من أنه كان مذهباً لهم قديماً تركوه، إذ لا دليل.

    وقد والله اتبعتم الهوى الذي يهوي بأهله إلى سبل الضلال:

    تبعوا الهوى فهوى بهم وكذا ### الهوى منه الهوان بأهله فـحذارِ

    فانظر بعين الحق لا عيـن###الهوى فالحق للعين الجلية عاري

    وأقول إذا كان فيما قرره ابن حجر والذهبي والألباني ما يخالف ما عليه أئمة السلف أهل السنة والجماعة فيطرح, فهم أعلم وأرسخ في هذا الشأن.
    قال المعلمي في تعقيبه على كلام الكوثري هذا: " أقول: كان الدارمي من أئمة السنة الذين يصدقون الله – تعالى - في كل ما أخبر به عن نفسه، ويصدقون رسوله في كل ما أخبر به عن ربه، بدون تكييف، ومع إثبات أنه – سبحانه - ليس كمثله شيء، وذلك هو الإيمان وإن سماه المكذبون جهلاً وتجسيماً".

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في الاستقامة 1/72): "والمنصوص عن الإمام أحمد إنكار نفي ذلك، ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة، وإن أثبت أنواعاً قد يدرجها المثبت في جنس الحركة، فإنه لما سمع شخصاً يروي حديث النزول، ويقول ينزل بغير حركة، ولا انتقال ولا بغير حال، أنكر أحمد ذلك، وقال قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كان أغير على ربه منك".

    قلت: وهذا ما يفهم من حجاج الدارمي - رحمه الله - مع المريسي وابن الثلجي في كتابه النقض.

    وينقض على الألباني كلامه حين ما سئل ( كما في التعليقات السنية جمع عمرو بن عبد المنعم سليم ص99): " نسب إليكم أنكم تقولون: إن مؤسس الدعوة السلفية هو الله فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً فكيف ننسب إليه صفة لم ينسبها لنفسه؟.

    فكانت إجابة الشيخ الألباني " نعم قلت ذلك، وهذه ليست صفة، فالتحدث عن الله – عز وجل – بلغتنا للتعبير عن حقيقة واقعة هذا لا يعني أننا نصف الله بما لم يصف به نفسه، فإذا قلت: - رداً على من يقول: فلان مؤسس الدعوة الفلانية – المؤسس: الله، هو الذي أسس بنيان هذا الكون، فهذا ليس وصفاً مما اتفق عليه العلماء أنه لا يجوز إطلاقه على الله، فالتأسيس ليس من أمر البشر وإنما أمر رب البشر", فمن فمه يدان.

    وكلام الدارمي في الرد على الخصم من هذا القبيل – أيضاً -:

    أحرام على بلابله الدوح ...

    وينقض على الذهبي والألباني ما يأتي:

    قول شيخ الإسلام ابن القيم ( في بدائع الفوايد 1/162): " إن ما يطلق عليه [الله] في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الإخبار لا يجب أن يكون توقيفياً، كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه".

    وقول العلامة عبد الرزاق عفيفي لما سئل ( كما في فتاواه 1/164): هل يجوز الإخبار عن الله – تعالى – بأنه واجب الوجود، وهذا من باب الإخبار لا من باب الصفة.

    فأجاب - رحمه الله – " يصح الإخبار عن الله – تعالى – بأنه واجب الوجود، وهذا من باب الإخبار لا من باب الصفة".

    قلت: وهذا معلوم عن علماء أهل السنة قاطبة.

    وقال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله - ( في التعالم ص108): " ومن موجبات الغلط على الأئمة ما تغافل عنه كثير من الخلق لشدة ضراوتهم على السلف في الاعتقاد؛ ذلك أن الاستقراء دل على أن التقييد لتقرير الاعتقاد ليس كالتقييد للنقض على أهل الفرق كالأشاعرة وذوي الاعتزال، وبيان هذا: أن السلف إذا كتبوا الاعتقاد على سبيل التقرير والبيان قصروا ذلك على موارد النصوص الثابتة، ومنها: عقيدة الطحاوي, وأبي الخطاب الكولذاني, وابن تيمية في العقيدة الواسطية وغيرها.

    وأما إذا كتبوا للرد والنقض مثل كتاب: نقض الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، فإن مقام النقض يفرض الإبطال لكلام الخلفي.
    ولهذا فلا يهولنك ما يهرِّج به الخلف على السلف من: أنهم أطلقوا على الله كذا كذا، كما هوش بذلك الكوثري في مقالاته على أهل السنة بعبارة نقلها عن الدارمي في نقضه.

    وقد قف شعري وحصل في النفس حسيكة على الإمام الدارمي من خلال نقول الكوثري عنه، نص العبارة وبرقم الصفحة، فلما رجعت إلى مقولات المريسي وصاحبه ابن الثلجي وجدت أن الدارمي – رحمه الله تعالى – أمام عبارات فجة وإطلاقات خلفية لا تصدر من متماسك في دينه وعقله.
    فالدارمي لم يبدأ بتلك العبارات، وإنما هو في مجال النقض لا في مجال التقرير".

    قلت: فقد رأيتَ كلام الذهبي في اتهام الدارمي بالمبالغة في الإثبات، وفهمه مخالفة السلف في ذلك، وقد زاد الألباني الطين بلة، وأبعد النجعة باتهامه بالغلو، بناء على قول خصم الدارمي اللدود، بل وخصم أهل السنة الكوثري، حينما زعم أن الدارمي أثبت لله صفات بلا دليل، والحقيقة أنه لا وجود لذلك عند الإمام الدارمي، ولم يقل أن الحركة ونحوها مما قاله من لوازم صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة: إنها صفات مستقلة حتى يَرِدَ عليه ما قاله الألباني:

    وكم من عائب قولاً صحيحاً###وآفته من الفهم السقيم

    وما حصل للذهبي فإنه لعدم ضبطه لمنهج علماء أهل السنة، هو ما أشار إليه تلميذه الحافظ ابن كثير – رحمه الله – (في البداية والنهاية 10/22) عن تشيع أحمد بن عبد ربه: صاحب العقد الفريد، بقوله: " صاحب العقد فيه تشيع ... وربما لا يفهم أحد ما فيه من التشيع، وقد اغتر به شيخنا الذهبي فمدحه بالحفظ وغيره".

    وهي مشكلة ابن حجر, والذهبي, والألباني – رحمهم الله -، وهو ما أشار إليه الشيخ بكر بتغافل كثير من الخلق عنه.

    قلت: وقد تبع الذهبي على عبارته الشيخ عبدالله بن صالح البراك (في تعليقه على تحقيقه للعلو 2/ 1184) فقال:" الإمام الدارمي - رحمه الله - كان شديد الحماس في الدفاع عن العقيدة السلفية والرد على المخالفين، وإغلاظ القول لهم، لما تفوهوا به من رد النصوص والجرأة على تأويلها عن معناها الصحيح، فبالغ في سياقة بعض الألفاظ المحدثة التي لم ترد في الكتاب والسنة لاضطراره إليها فمقام المناقشة والرد يختلف عن التقرير والعرض"

    وغير مقبول أن يقال هذا عن الإمام الدارمي (شديد الحماس، إغلاظ القول،بالغ في سياقة بعض الألفاظ المحدثة،لاضطراره إليها ؟!!)

    أما أن مقام المناقشة والرد يختلف عن التقرير والعرض فصحيح على ما أوضح من قبل، وأنه طريقة معروفة عند السلف ليس عن حماس، أو مبالغة، أو إغلاظ قول، أو إحداث خلاف النصوص، فلا تعارض عند أهل السنة أصلاً.


    والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد خير المرسلين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    كتبه:

    فالح بن نافع بن فلاح الحربي

    http://www.sh-faleh.com/books.php?book_id=23
    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالعزيز النجدي ; 05-27-2012 الساعة 11:19 PM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    الدولة
    الكويت
    المشاركات
    1,036
    جزى الله خير شيخنا على ماكتب فقد بين وأوضح عقيدة أهل السنة والجماعة أوضح بيان
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو علي السلفي ; 05-27-2012 الساعة 11:15 PM

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2011
    الدولة
    ......
    المشاركات
    1,355
    بارك الله في شيخنا العلامة فالح بن نافع بن فلاح الحربي وجزاه خيرا على تبيينه وتحقيقه ونصرته لمذهب السلف وائمة السلف في مسألة الخروج على ائمة الجور المسلمين وانه مذهب الخوارج وليس مذهب السلف
    وبارك في علمه وعمله وعمره ووفقه لكل خير امين امين امين.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    169
    جزاك الله خيرا واعانك على نشر كتبك.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    2,547
    بارك الله تعالى في علم الشيخ ، أين المدخلي فقد جاء وقت التأليف وظهرت الدرر العلمية والمنضبطة وفق منهج أهل السنة والجماعة بل وحقائق مغيبة كثيرة جدا

    مثلا قولهم الشيخ طعن في الذهبي ، فسبحان الله اقرأوا النقولات وميزوا يا عميان ، وعندكم مثال آخر كلام شيخ الإسلام في بن حجر وغيره وغيره وغيره لكن الهوى والبدعة شر ما بعده شر ناهيك عن الحقد والحسد.
    التعديل الأخير تم بواسطة بن حمد الأثري ; 05-27-2012 الساعة 09:22 PM

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    الدولة
    الامارات
    المشاركات
    1,929
    حفظك الله ورعاك وبارك فيك يا شيخنا ما متعتنا من كتبك القيمة وما نقلت فيه من آثار السلف الصالح ودحض شبهات أهل الأهواء والضلال
    قال الإمام أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري - رحمه الله - " وإذا رأيت الرجل جالس مع رجل من الأهل الأهواء فحذره وعرفه ، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه ؛ فإنه صاحب هوى "

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    بلاد الله
    المشاركات
    1,500
    جزاك الله خير الجزاء شيخنا العلامة فالح بن نافع الحربي حفظه الله و جعله شوكة في حلوق الخوارج المارقون والمرجئة المميعون
    قال الشيخ العلامة الإمام صالح الفوزان حفظه الله (( فلا يُقاوم البدع إلا العلم والعلماء ، فإذا فقد العلم والعلماء أتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر ولأهلها ما يشاءون ))


  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    596
    بارك الله في شيخنا العلامة فالح بن نافع بن فلاح الحربي وجزاه خيرا
    "يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم قال لا بملئ فيهِ"

    قال سليمان بن موسى: ["إذا كان فقه الرجل حجازيا ، وأدبه عراقيا فقد كمل"]


  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    المشاركات
    2,615
    جزاك الله خيرا يا شيخنا أبا عبدالرحمن
    ونفع الله بك الإسلام والمسلمين
    قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: فمن أعرض عن الله بالكلية أعرض الله عنه بالكلية، ومن أعرض الله عنه لزمه الشقاءُ والبؤس والبخس فى أحواله وأعماله وقارنه سوءُ الحال وفساده فى دينه ومآله، فإن الرب تعالى إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس وأظلمت أرجاؤها وانكسفت أنوارها وظهرت عليها وحشة الإعراض وصارت مأْوى للشياطين وهدفاً للشرور ومصباً للبلاءِ، فالمحروم كل المحروم من عرف طريقاً إليه ثم أَعرض عنهاْ....

    موقع فضيلة العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي حفظه الله
    http://www.sh-faleh.com/index.php

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2005
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    63
    جزاكم الله خيرا على هذا التحقيق السديد لمسألة مهمة زلة فيها أقدام وضلت فيها أفهام*
    كلمة تكتب بماء الذهب :
    قال سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله :
    ( الإسلام هو دين الله ، وهو الحق الذي لاريب فيه ، من استقام عليه فله الجنة ، ومن مات على غيره فله النار).

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    الامارات
    المشاركات
    457
    نفع الله بعلمكم يا شيخنا وجزاكم الله خيرا على هذا البيان
    قال الملك المجاهد السلفي عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - ( أنا داعية لعقيدة السّلف الصالح. وعقيدة السّلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، وما جاء عن الخلفاء الراشدين. أما ما كان غير موجود فيها، فأرجع بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة، فآخذ منها ما فيه صلاح المسلمين )

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الدولة
    الجزيرة
    المشاركات
    136
    جزى الله خير شيخنا على ماكتب فقد بين وأوضح عقيدة أهل السنة والجماعة أوضح بيان

    ابنكم ماجد الدوسري

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    الامارات
    المشاركات
    61
    جزيت خيرا يا شيخنا وحفظكم الله ومتعكم بالصحة

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    الدولة
    \\\\\\\\\
    المشاركات
    2,713
    جزاك الله خيرا ونفع الله بعلمكم يا شيخنا وهدى الله ضال المسلمين
    قال العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي{{ وإنني أحذر المسلمين من هذه الشبكة الخبيثة -شبكة سحاب-المفسدة كما أرى أنه يجب على كل ناصح أن يحذرها، ويحذر منها؛
    فقد أصبحت ملتقى لأصحاب الطيش، والجهل وسيئ الأدب }}


  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    الدولة
    جزيرة العربية
    المشاركات
    76
    جزاكم الله خيرا يا شيخنا بارك فيكم
    قال العلامة فالح بن نافع الحربي - حفظه الله - ( ونحن ما قلنا عن الشيخ الألباني -رحمه الله - أنه مرجيء ، وما طعنا في الشيخ الألباني ، والله حسيب ما يتهمونا بذلك ، ولكن هنالك شيء اسمه ( ردٌّ ) ، وأنتم تعلمون أنهم يتهمونا بأشياء كثيرة ويفترون علينا في سحابٍ وفي غيرها ، وفي مايكتبه المدخلي كله لأجل الإسقاط ، واعتداءً وظلماً وزراً، وأما نحن فليس هذا شأننا ؛ فنحن نرد الخطأ ونحفظ للشيخ حقَّـهُ ، وهذا هو الذي جرى في حقِّ الشيخ الألباني -رحمة الله عليه - وبيّنا هذا بأوضح بيان في كتابنا [ تنبيَّه الألبـّاء.. ] ؛ فليُراجع ، ولنا كلام سابقٌ موجود في الثنايا ، وهو مسجل ومفرّغ ، ولعلَّه موجودٌ عندكم )

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •