مجموع فتاوى ابن تيمية
وسئل رحمه الله: عن الصلاة خلف المرازقة، وعن بدعتهم.
فأجاب: يجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة، ولا فسقاً، باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين. وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه، فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال.
ولو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع ففي صحة صلاته قولان مشهوران في مذهب أحمد، ومالك. ومذهب الشافعي، وأبي حنيفة الصحة.
وقول القائل لا أسلم مالي إلا لمن أعرف. ومراده لا أصلي خلف من لا أعرفه، كما لا أسلم مالي إلا لمن أعرفه، كلام جاهل لم يقله أحد من أئمة الإسلام. فإن المال إذا أودعه الرجل المجهول فقد يخونه فيه، وقد يضيعه. وأما الإمام فلو أخطأ أو نسي لم يؤاخذ بذلك المأموم، كما في البخاري وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «أئمتكم يصلون لكم ولهم. فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم» . فجعل خطأ الإمام على نفسه دونهم، وقد صلى عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم وهو جنب ناسياً للجنابة، فأعاد ولم يأمر المأمومين بالإعادة، وهذا مذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه...............
ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة، ونحو ذلك. فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم.
والصحيح أنه يصليها، ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشرب الخمر حتى أنه صلى بهم مرة الصبح أربعاً ثم قال: أزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة! ولهذا رفعوه إلى عثمان. وفي صحيح البخاري أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان. فقال: إنك إمام عامة، وهذا [الذي] يصلي بالناس إمام فتنة. فقال: يا ابن أخي! إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم، ومثل هذا كثير.
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجوراً لا يرتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك حتى يتوب، أو يعزل، أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه
اسم الكتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية
رقم الجزء: 23
رقم الصفحة: 351
ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام براً كان أو فاجراً، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد، فإنها تصلى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقاً. هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل، والشافعي، وغيرهما، بل الجماعة واجبة على الأعيان في ظاهر مذهب أحمد. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد.
مجموع فتاوى ابن تيمية
رقم الجزء: 23
رقم الصفحة: 351