قال العلامة محمد أحمد عبد السلام رحمه الله في كتابه القيم(حكم القراءة للأموات و هل يصل ثوابها إليهم؟): أخرج أبو داود في سننه أنه صلى الله عليه وسلم:"كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال:استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل"حديث حسن،وأخرج أبو داود وغيره بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم:"كان إذا وضع الميت في لحده قال:بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله"فليس في هذه الأحاديث أنه قرأ سورة كذا هو ولا أحد من أصحابه على القبر كما يفعل ذلك القراء الآن،وكذا رواية مسلم عن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال:"استأذنت ربي أن استغفر لها فلم يأذن لي،واستأذنته في أن أزور قبرها قأذن لي،فزوروا القبور،فإنها تذكر الموت.وفي رواية:فإن فيها عبرة،فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة".فظهر أن المعروف عنه صلى الله عليه وسلم إنما هو الإستغفار لا تلاوة القرآن،وهذا هو المنقول و المعقول،أما تلاوة القرآن التي هي أحكام الدين وآدابه وحلاله وحرامه فلا يمكن أن تفيد الميت شيئا قط،والقرآن والسنة معنا على ذلك.انتهى كلامه رحمه الله.قال رحمه في نفس كتابه القيم بعد أن ذكر أحاديث صحيحة في انتفاع الميت بصدقة أحد فروعه أو الدعاء له ثم قال:هذا هو الوارد في هذا الباب مما ينفع الأموات من الأحياء وليس فيها دليل واحد يستأنس به أو يشم منه رائحة جواز قراءة القرآن للموتى أو سورة مخصوصة كسورة (يس) أوغيرها. الخ كلامه رحمه الله.قال العلامة ابن كثير في قوله تعالى(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى):ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى،لأنه ليس من عملهم ولا من كسبهم،ولهذا لم يندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه،ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء،ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم،ولو كان خيرا لسبقونا إليه،وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء،فأما الصدقة والدعاء فذلك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.انتهى كلامه رحمه الله،ويقصد بالصدقة أي من أحد فروعه إلا ففي وصولها من غيره نزاع بين العلماء ليس هذا محل سرده.قال الإمام الشوكاني في شرح المنتقى: والمشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن.انتهى.وقال الشيخ رشيد رضا في قوله تعالى:(ولا تزر وازرة وزر أخرى):إن ما جرت به العادة من قراءة القرآن والأذكار وإهداء ثوابها إلى الموتى واستأجار القراء وحبس الأوقاف على ذلك،بدع غير مشروعة.ثم قال رحمه الله:واعلم أن ما اشتهر في البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية.الخ كلامه رحمه الله.ونقل محمد رشيد رضا عن السيوطي عن الحافظ ابن حجر أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن ثم قال:اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال:فأجاب:هذا مخترع من متأخري القراء لا أعرف لهم سلفا.انتهى.قال النووي في شرح مسلم في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه عند ذكر حديث عائشة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص،وأظنها لو تكلمت تصدقت،فلها أجر إن تصدقت عنها؟قال:"نعم"فقال النووي:وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصل ثوابها وهو مجمع عليه،و كذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع ويصح الحج عن الميت والصوم للأحاديث الصحيحة فيه،والمشهور من مذهبنا أن القراءة لا يصله ثوابها.انتهى.قال العلامة محمد عبد السلام رحمه الله:أن مما يدل دلالة واضحة على أن القراءة لا ينفع الموتى ولايتلى على القبور قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي بلفظ:اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا"وأيضا:"صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا"رواه الترمذي والنسائي وأبو يعلى و الضياء المقدسي وصححه السيوطي في الصغير،فلو كان القرآن يتلى لنفع الأموات ويقرأ على قبورهم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم:"اقرؤوا وصلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا"وإنما قال ذلك لأن القبور ليست محلا لقراءة القرآن ولا للصلاة،ولهذا لم يرد حديث واحد بسند صحيح ولا حسن مقبول أنه صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن ولا شيئا منه مرة واحدة في حياته كلها مع كثرة زيارته للقبور وتعليمه للناس كيفية زيارتها.انتهى.قال ملا علي القاري الحنفي في الفقه الأكبر:ثم القراءة عند القبور مكروهة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله في رواية،لأنه محدث لم ترد به السنة.انتهى. وكذلك قال شارح الإحياء(3/280).قال الإمام البركوي الحنفي في الطريقة المحمدية في الفصل الثالث في أمور مبتدعة وباطلة أكب الناس عليها على ظن أنها قرب مقصودة....:ومنها الوصية من الميت باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطاء دراهم لمن يتلو القرآن لروحه ويسبح أو يهلل له،وكلها بدع منكرة باطلة،والمأخوذ منها حرام للأخذ وهو عاص بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا.انتهى.وقال تاج الشريعة في شرح الهداية:إن القراءة بالأجرة لا يصل ثوابها لا للميت ولا للقارئ.انتهى.قال النووي في شرح مسلم :وفي شرح المنهاج لابن النحوي :لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور.انتهى.وسئل العز ابن عبد السلام عن ثواب القراءة المهدى للميت هل يصل أو لا؟فقال:ثواب القراءة مقصور على القارئ ولايصل إلى غيره.انتهى.وقال: والعجب من الناس من يثبت ذلك بالمنامات وليست المنامات من الحجج.انتهى.قال العلامة ابن أبي جمرة المالكي:أن القراءة عند القبر بدعة وليست سنة كذا في المدخل وقال الشيخ الدردير في كتابه الشرح الصغير(1/180):وكره قراءة شئ من القرآن عند الموت، وبعده على القبور،لأنه ليس من عمل السلف وإنما كان من شأنهم الدعاء بالمغفرة والرحمة والإتعاظ.انتهى.وكذلك في شرح العدوي على شرح أبي الحسن.قال الإمام أحمد لمن رآه يقرأ على القبر:يا هذا إن قراءة القرآن على القبر بدعة.قال محمد عبد السلام: وهو قول جمهور السلف وعليه قدماء أصحابه.وقال أحمد أيضا:والقراءة على الميت بعد موته بدعة.وقال:ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا أو قرؤوا القرآن أن يهدوا ثواب ذلك إلى موتى المسلمين ،فلا ينبغي العدول عن طريق السلف.انتهى.قال أبو الحسن البعلي في الإختيارات:ولا يصح الإستأجار على القراءة وإهداؤها إلى الميت لأنه لم ينقل عن أحد من العلماء الإذن في ذلك.انتهى.قال في شرح الإقناع:قال الأكثرلا يصل إلى الميت ثواب القراءة وإن ذلك لفاعله.انتهى
قال صاحب(طريق الوصول إلى إبطال البدع بالأصول):قراءة القرآن على القبور،رحمة بالميت،تركه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة مع قيام المقتضى للفعل والشفقة للميت وعدم المانع منه،فمقتضى القاعدة المذكورة يكون تركه هو السنة وفعله هو البدعة المذمومة،وكيف يعقل أن يترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا نافعا لأمته يعود عليها بالرحمة ويتركه الرسول صلى الله عليه وسلم طول حياته ولا يقرؤه على ميت مرة واحدة.انتهى قال العلامة ابن باز:القراءة على الأموات ليس لها أصل يعتمد عليه ولا تشريع ،وإنما المشروع القراءة على الأحياء لينتفعوا ويتدبروا كتاب الله ويعقلوه،أما القراءة على الأموات عند القبر أو بعد وفاته قبل أن يقبر أو القراءة له في أي مكان حتى تهدى له فهذا لا نعلم له أصلا.انتهى.قلت :وكذلك قال العلامة الفوزان والعلامة عبد الله آل حميد وغيرهم كثير من المعاصرين.وقال العلامة ابن باز:مات حمزة وماتت خديجة ومات ثلاثة أبناء للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعل أي شئ من هذا فلم يقرأ على واحد منهم.انتهى
وأما حديث أبي أمامة الذي استدل به شيخ الإسلام على استحباب التلقين وهو:عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره،فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول:يا فلان ابن فلانة،فإنه يستوي قاعدا،ثم يقول:يا فلان ابن فلانة،فإنه يقول:أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تشعرون،ثم يقول:اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالإسلام دينا وبمحمد نبيا،وبالقرآن إماما فإن منكرا ونكير يأخذ كل منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما نقعد عند من لقن حجته فيكون الله حجيجه دونهما،فقال رجل:يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟قال:فينسبه إلى حواء:يا فلان ابن حواء"ضعفه العجلوني في كشف الخفاء وعزاه للطبراني وأقول وبالله التوفيق:هذا الحديث قي إسناده محمد ابن إبراهيم بن العلاء الحمصي كذبه ابن أبو نعيم والدارقطني وفيه إسماعيل ابن عباس ضعيف في عير الشاميين وفيه عبد الله بن محمد القرشي وأظنه ابن أبي الدنيا صاحب التصانيف المشهورة قال عنه ابن أبي حاتم:كتبت عنه مع أبي وسئل عنه أبي فقال:صدوق،وقال صالح بن محمد:صدوق وكان يختلف معنا إلا إنه كان يسمع من إنسان يقال له محمد بن إسحاق بلخي وكان يضع للكلام إسنادا وكان كذابا يروي أحاديث من ذات نفسه مناكير...وفي إسناد الحديث يحيى بن أبى كثير مختلف فيه وسعيد بن عبد الله الأودي مجهول وشيخ الطبراني أسلم مجهول أيضا وقال الهيثني:وفي إسناده جماعة لم أعرفهم،وعزاه للطبراني.وقال ابن القيم في الزاد:هذا حديث لا يصح رفعه ولكن قال الأثرم:قلت لأبي عبد الله:فهذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول:يا فلان ابن فلانة اذكر ما فارقت عليه الدنيا،شهادة أن لا إله إلا الله فقال:ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء أنسان فقال ذلك وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه وكان عياش يروي فيه.انتهى كلام ابن القيم من الزاد. قلت :يريد ابن القيم بحديث عياش هو هذا الذي رواه الطبراني عن أبي أمامة و أقول بكل تواضع أن هذا الحديث موضوع وقد سبق أن بينت ذلك.وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه فروي مرفوعا وضعفه الهيثمي وروي موقوفا وهو ضعيف كذلك.قال العلامة الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز بعدما ذكر ما ذكره ابن القيم في الروح في قصة الإمام أحمد مع محمد بن قدامة مع حديث بن عمر في القراءة على القبر:والجواب من وجوه الأول أن في ثبوت هذه القصة عن احمد نظر لأن شيخ الخلال وهو الوراق الحسن بن أحمد لم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه،وإن قيل أنه كان صدوقا،فإن الظاهر أن القائل هو الوراق هذا وقد عرفت حاله.الثاني أنه إن ثبت ذلك عن أحمد فإنه أخص مما رواه عنه أبو داود،وينتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر ألا عند الدفن الثالث:أن السند بهذا الأثر لا يصح عن ابن عمر ولو فرض عن أحمد وذلك لأن فيه عبد الرحمن اللجلاج الراوي عن بن عمر وهو مجهول كما يشعر قول الذهبي في ترجمته من الميزان،...وأما توثيق ابن حبان له فلا يعتد به لما اشتهر من التساهل في التوثيق.(يقصد توثيق المجهولين لا الضعفاء)ولذلك لم يعرج عليه الحافظ ابن حجر في التقريب...الرابع: أنه لو ثبت سنده عن ابن عمر فهو موقوف لم يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم فل احجة فيه أصلا ومثل هذا ما ذكره ابن القيم عن الشعبي من ثبوت ذلك عنه فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة، فقد رأيت السيوطي قد أورده في شرح الصدور بلفظ:كانت الأنصار يقرؤون عند الميت سورة البقرة،وقال:رواه ابن ابي شيبة والمروزي أورده في باب ما يقول الإنسان في مرص الموت وما يقرأ عنه،ثم رأيته في المصنف لابن ابي شيبة وترجم له بقوله:باب ما يقال عند المريض إذا احتضر،فتبين أن في سنده مجالد وهو ضعيف فظهر بهذا أن الأثر ليس في القراءة عند القبر بل عند الإحتضار ثم هو مع هذا ضعيف السند.انتهى كلامه رحمه الله.أقول :وأعظم دليل يرد به على القائلين بهذا القول قوله تعالى في سورة (يس) وهذا من الطرائف العجيبة حيث يقول الله "إنا أنزلنا إليك كتابا عربيا لتنذر به من كان حيا ويحق القول على الكافرين"(80)وقال بالنسبة لتلقين الميت:"يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة "فالله هو الذي يثبت المؤمن في قبره ويوم حشره ويلقنه حجته ويطلق منطقه قال سبحانه"ألا أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
وزد على ذلك أن أفضل الخلق وسيد البشر ترك ذلك وأصحابه من بعده فحتى وإن صح عن ابن أمامة و ابن عمر ما سبق ذكره لما كان دليلا يعتمد عليه وقد تركه الخلفاء الأربعة وتركه علماء الصحابة فيصبح فعلهما مردودا كما رد على ابن عمر غسله لرجله في الوضوء سبعا وإطالة الغرة عند ابي هريرة وهكذا وما أحسن من قال:
ألم تر اختلاف أصحاب النظر***وحسن ما نحاه ذو الأثر
فإنهم قد اكتفوا بالمصطفى***وصحبه من غير زيغ وجفا

هذا والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.