وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ج24 ص 296 و ما بعدها
وسئل رحمه الله
مفتى الأنام بقية السلف الكرام تقي الدين بقية المجتهدين أثابه الله وأحسن إليه
عن تلقين الميت في قبره بعد الفراغ من دفنه هل صح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته وهل إذا لم يكن فيه شيء يجوز فعله أم لا
فأجاب هذا التلقين المذكور قد نقل عن طائفة من الصحابة أنهم أمروا به كأبي أمامة الباهلي وغيره وروى فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه مما لا يحكم بصحته ولم يكن كثير من الصحابة يفعل ذلك فلهذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء أن هذا التلقين لا بأس به فرخصوا فيه ولم يأمروا به واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وكرهه طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم والذي في السنن عن النبي أنه كان يقوم على قبر الرجل من أصحابه إذا دفن ويقول ( سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ( وقد ثبت في الصحيحين أن النبي قال ( لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله ( فتلقين المحتضر سنة مأمور بها
وقد ثبت أن المقبور يسأل ويمتحن وأنه يؤمر بالدعاء له فلهذا قيل أن التلقين ينفعه فان الميت يسمع النداء كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( انه ليسمع قرع نعالهم ( وأنه قال ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ( وأنه أمرنا بالسلام على الموتى فقال ( ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله روحه حتى يرد عليه السلام ( والله أعلم
وسئل رحمه الله
هل يجب تلقين الميت بعد دفنه أم لا وهل القراءة تصل إلى الميت
فأجاب تلقينه بعد موته ليس واجبا بالإجماع ولا كان من عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النبي وخلفائه بل ذلك مأثور عن طائفة من الصحابة كأبي أمامة وواثلة بن الأسقع
فمن الأئمة من رخص فيه كالإمام أحمد وقد استحبه طائفة من أصحابه وأصحاب الشافعي ومن العلماء من يكرهه لاعتقاده أنه بدعة فالأقوال فيه ثلاثة الاستحباب والكراهة والإباحة وهذا أعدل الأقوال
فأمأ المستحب الذي أمر به وحض عليه النبي فهو الدعاء للميت
وأما القراءة على القبر فكرهها أبو حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين ولم يكن يكرهها في الأخرى وإنما رخص فيها لأنه بلغه أن ابن عمر أوصى أن يقرأ عند قبره بفواتح البقرة وخواتيمها وروى عن بعض الصحابة قراءة سورة البقرة فالقراءة عند الدفن مأثورة في الجملة وأما بعد ذلك فلم ينقل فيه أثر والله أعلم
وسئل
هل يشرع تلقين الميت الكبير والصغير أو لا
فأجاب وأما تلقين الميت فقد ذكره طائفة من الخراسانيين من أصحاب الشافعي واستحسنوه أيضا ذكره المتولي والرافعي و غيرهما وأما الشافعي نفسه فلم ينقل عنه فيه شيء
ومن الصحابة من كان يفعله كأبي أمامة الباهلى وواثلة بن الإسقع وغيرهما من الصحابة
ومن أصحاب أحمد من استحبه والتحقيق أنه جائز وليس بسنة راتبة والله أعلم

وسئل
عن الختمة التي تعمل على الميت والمقرئين بالأجرة هل قراءتهم تصل إلى الميت وطعام الختمة يصل إلى الميت أم لا وإن كان
الميت يداين لأجل الصدقة إلى الميسور تصل إلى الميت
فأجاب استئجار الناس ليقرأوا ويهدوه إلى الميت ليس بمشروع ولا استحبه أحد من العلماء فإن القرآن الذي يصل ما قرىء لله فإذا كان قد استؤجر للقراءة لله والمستأجر لم يتصدق عن الميت بل استأجر من يقرأ عبادة لله عز وجل لم يصل إليه
لكن إذا تصدق عن الميت على من يقرأ القرآن أو غيرهم ينفعه ذلك باتفاق المسلمين وكذلك من قرأ القرآن محتسبا وأهداه إلى الميت نفعه ذلك والله أعلم
وسئل
عن جعل المصحف عند القبر ووقيد قنديل في موضع يكون من غير أن يقرأ فيه مكروه أم لا
فأجاب وأما جعل المصحف عند القبور وايقاد القناديل هناك فهذا مكروه منهي عنه ولو كان قد جعل للقراءة فيه هنالك فكيف إذا لم يقرأ فيه فإن النبي قال ( لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ( فإيقاد السرج من قنديل
وغيره على القبور منهي عنه مطلقا لأنه أحد الفعلين اللذين لعن رسول الله من يفعلهما
كما قال ( لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك ( رواه أبو داود وغيره ومعلوم انه ينهى عن كشف العورة وحده وعن التحدث وحده وكذلك قوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا فتوعد على مجموع أفعال وكل فعل منها محرم وذلك لأن ترتيب الذم على المجموع يقتضى أن كل واحد له تأثير فى الذم ولو كان بعضها مباحا لم يكن له تأثير في الذم والحرام لا يتوكد بانضمام المباح المخصص إليه والأئمة قد تنازعوا فى القراءة عند القبر فكرهها أبو حنيفة ومالك وأحمد في أكثر الروايات ورخص فيها في الرواية الأخرى عنه هو وطائفة من أصحاب أبى حنيفة وغيرهم وأما جعل المصاحف عند القبور لمن يقصد قراءة القرآن هناك
وتلاوته فبدعة منكرة لم يفعلها أحد من السلف بل هي تدخل فى معنى ( اتخاذ المساجد على القبور ( وقد استفاضت السنن عن النبي ( في النهى ( عن ذلك حتى قال ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( يحذر ما صنعوا قالت عائشة ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا وقال ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فاني أنهاكم عن ذلك ( ولا نزاع بين السلف والأئمة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد ومعلوم أن المساجد بنيت للصلاة والذكر وقراءة القرآن فإذا اتخذ القبر لبعض ذلك كان داخلا في النهى فإذا كان هذا مع كونهم يقرأون فيها فكيف إذا جعلت المصاحف بحيث لا يقرأ فيها ولا ينتفع بها لا حي ولا ميت فان هذا لا نزاع في النهى عنه
ولو كان الميت ينتفع بمثل ذلك لفعله السلف فإنهم كانوا أعلم بما يحبه الله ويرضاه وأسرع إلى فعل ذلك وتحريه
وسئل
عن الميت هل يجوز نقله أم لا وأرواح الموتى هل تجتمع بعضها ببعض أم لا وروح الميت هل تنزل فى القبر أم لا ويعرف الميت من يزوره أم لا
فأجاب الحمد لله لا ينبش الميت من قبره إلا لحاجة مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذى الميت فينقل إلى غيره كما نقل بعض الصحابة في مثل ذلك
وأرواح الأحياء إذا قبضت تجتمع بأرواح الموتى ويسأل الموتى القادم عليهم عن حال الإحياء فيقولون ما فعل فلان فيقولون فلان تزوج فلان على حال حسنة ويقولون ما فعل فلان فيقول ألم يأتكم فيقولون لا ذهب به إلى أمه الهاوية
وأما أرواح الموتى فتجتمع الأعلى ينزل إلى الأدنى والأدنى لا يصعد إلى الأعلى والروح تشرف على القبر وتعاد إلى اللحد أحيانا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ( والميت قد يعرف من يزوره ولهذا كانت السنة أن يقال السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ( والله أعلم