قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 27 ص 326 وما بعدها :(ولما مات دفن في حجرة عائشة قالت قال رسول الله في مرض موته ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( يحذر ما فعلوا قالت عائشة رضى الله عنها ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره ان يتخذ مسجدا وفى صحيح مسلم أنه قال قبل يموت بخمس ( إن من
كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ( وفى صحيح مسلم أيضا أنه قال ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ( فنهى عن اتخاذ القبور مساجد وعن الصلاة إليها ولعن اليهود والنصارى لكونهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لأن هذا كان هو أول أسباب الشرك في قوم نوح قال الله تعالى عنهم وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا قال ابن عباس وغيره من السلف هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم فهو لكمال نصحه لأمته حذرهم أن يقعوا فيما وقع فيه المشركون وأهل الكتاب فنهاهم عن اتخاذ القبور مساجد وعن الصلاة إليها لئلا يتشبهوا بالكفار كما نهاهم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لئلا يتشبهوا بالكفار ولهذا لما أدخلت الحجرة في مسجده المفضل في خلافة الوليد بن
عبد الملك كما تقدم بنوا عليها حائطا وسنموه وحرفوه لئلا يصلى أحد إلى قبره الكريم وفى موطأ مالك عنه أنه قال ( اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( وقد استجاب الله دعوته فلم يتخذ ولله الحمد وثنا كما اتخذ قبر غيره بل ولا يتمكن أحد من الدخول إلى حجرته بعد أن بنيت الحجرة وقبل ذلك ما كانوا يمكنون أحدا من أن يدخل إليه ليدعو عنده ولا غير ذلك مما يفعل عند قبر غيره لكن من الجهال من يصلى إلى حجرته أو يرفع صوته أو يتكلم بكلام منهي عنه وهذا إنما يفعل خارجا عن حجرته لا عند قبره وإلا فهو ولله الحمد استجاب الله دعوته فلم يمكن أحد قط أن يدخل إلى قبره فيصلى عنده أو يدعو أو يشرك به كما فعل بغيره اتخذ قبره وثنا فإنه في حياة عائشة رضى الله عنها ما كان أحد يدخل إلا لأجلها ولم تكن تمكن أحدا أن يفعل عند قبره شيئا مما نهى عنه وبعدها كانت مغلقة إلى أن أدخلت في المسجد فسد بابها وبنى عليها حائط آخر كل ذلك صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيدا وقبره وثنا وإلا فمعلوم أن أهل المدينة كلهم مسلمون ولا يأتي إلى هناك إلا مسلم وكلهم معظمون للرسول وقبور آحاد أمته في البلاد معظمة فما فعلوا ذلك ليستهان بالقبر المكرم بل فعلوه لئلا يتخذ وثنا يعبد ولا يتخذ بيته عيدا ولئلا يفعل به كما فعل أهل الكتاب بقبور أنبيائهم والقبر المكرم في الحجرة إنما عليه بطحاء وهو الرمل الغليظ ليس عليه حجارة ولا خشب ولا هو مطين كما فعل بقبور غيره وهو صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ذلك سدا للذريعة كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها لئلا يفضي ذلك إلى الشرك ودعا الله عز وجل أن لا يتخذ قبره وثنا يعبد فاستجاب الله دعاءه فلم يكن مثل الذين اتخذت قبورهم مساجد فإن أحدا لا يدخل عند قبره ألبتة فإن من كان قبله من الأنبياء إذا ابتدع أممهم بدعة بعث الله نبيا ينهى عنها وهو خاتم الأنبياء لا نبي بعده فعصم الله أمته أن تجتمع على ضلالة وعصم قبره المكرم أن يتخذ وثنا فإن ذلك والعياذ بالله لو فعل لم يكن بعده نبي ينهى عن ذلك وكان الذين يفعلون ذلك قد غلبوا الأمة وهو قد أخبر أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة فلم يكن لأهل البدع سبيل أن يفعلوا بقبره المكرم كما فعل بقبور غيره )0
قال ابن القيم في نونيته :
ودعا بأن لا يجعل القبر الذي *** قد ضمه وثنا من الأوثان
فأجاب رب العالمين دعائه *** وأحاطه بثلاثة الجدران
حتى اغتدت أرجائه بدعائه *** في عزة وحماية وصيان