لا حوار مع المفجرين المجرمين ولا مع من ساندهم وعاضدهم



الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:

فقد انتشرت في الآونة الأخيرة بعد قيام بعض الخوارج بالتفجير والتدمير في مناطق من المملكة العربية السعودية -حَرَسَهَا اللهُ- دعوات مشبوهة ، ومحاولات محمومة ، وأصوات مريبة تطالب بالحوار مع الخوارج المفجرين بدلَ الأخذ على أيديهم ومحاولة اجتثاثهم من جذورهم .

وهذه الدعوة باطلة مخالفة لكتاب الله ، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما عليه أهل السنة والجماعة .


###############################




والجواب على هذه الشبهة من وجوه :



الوجه الأول: أن الله أمر بالقصاص في كتابه الكريم ، وكذا النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- أمر به في سنته .

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ {178} وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {179}

والعفو إنما يكون من أولياء من قُتِل ، ولا يتفاوض مع القاتل أبداً لأن القاتل يجب عليه أن يسلم نفسه لولي الأمر لتطبيق شرع الله فيه ؛ إما القتل ، وإما العفو مع الدية ، وإما العفو عن القصاص والدية .

وهؤلاء الداعون للحوار يريدون من الدَّولة السعودية -حرسَها اللهُ- أن تتحاور مع القتلة المجرمين!!

والتحاور للمفاوضة على العفو إنما مع أولياء المقتول .

وهؤلاء المفجرون في الرياض وغيرها قتلوا النفوس المعصومة عمداً وعدواناً فيجب عليهم تسليم أنفسهم ومحاكمتهم بما شرع الله، ولا يجوز التحاور معهم ، ولا التفاوض معهم .

###############################




الوجه الثاني: أن من كان محارباً ، فقطع الطريق ، وأخاف السبيل ، وروع الآمنين ، وقتل المسلمين والمعاهدين والمستأمنين فلا يتفاوض معهم بل لا بد من تسليمهم أنفسهم ثم ينظر فيهم ولي الأمر ، أما إذا حصل منهم إخافة للسبيل دون قتل للنفوس ثم تابوا قبل القدرة عليهم فقد اختلف العلماء في قبول توبتهم .

قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {33} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {34}.

فالمحارب مفسد في الأرض لا يتفاوض معه ولا يحاور ، بل يطالب بالتوبة إلى الله، وتسليم نفسه إذا قتل النفوس المعصومة .

وهؤلاء الذين فجروا في الرياض محاربون لله ورسوله ، وساعون في الأرض فساداً، وقتلوا المؤمنين والمستأمنين والمعاهدين ، بل هم أخطر من المحاربين ، وأعظم ضرراً كما سيأتي.


###############################




الوجه الثالث: أن النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- أمر بقتل الخوارج ، ورغب في ذلك ، ووعد بالثواب الجزيل لمن قتلهم ، وللأجر العظيم لمن قتلوه –قتلهم الله- .

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن علي بن أبي طالب -رضي اللهُ عنه- أن النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((إن من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)).

ولهما عن علي -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسول الله -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة)).

وبوب الإمام البخاري على حديث علي -رضي اللهُ عنه- بقوله: " باب قتل الخوراج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى { وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون } وكان بن عمر يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين".

ولم يقل: نتحاور معهم!!

وروى أحمد وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما عن عبد الله بن أبي أوفى أنه كان غلام له قد لحق بالخوارج من الشق الآخر فناداه بعض أصحاب عبد الله بن أبي أوفى : يا فيروز ، يا فيروز ، هذا عبد الله بن أبي أوفى . فقال الغلام الخارجي: نعم الرجل لو هاجر! قال عبد الله: ما يقول عدو الله؟

فقيل له: يقول: نعم الرجل لو هاجر!

فقال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((طوبى لمن قتلهم وقتلوه)) .

وقال عليه الصلاة والسلام مبينا عظيم أجر من يقتلهم : (( لو يعلم الجيش الذين يصيبون مالهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل)).

فمن خرج على المسلمين مكفراً لهم أو لإمامهم وجنوده فهو خارجي مارق يجب قتله والقضاء عليه ، ولمن قتلهم أجر عظيم عند الله تعالى ، فليهنأ رجال الأمن بهذا الأجر الجزيل الذي وعدهم به نبيهم -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- إن قتلوا أولئك الخوارج المجرمين.

ولم يقل النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- تحاوروا معهم!!


###############################




الوجه الرابع : أن النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- أمر المؤمنين بقتل من خرج على ولي الأمر المسلم حتى ولو كان باغياً ، ولم يقل : حاوروه!!

عن أسامة بن شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من خرج على أمتي وهم جميع فاقتلوه كائنا ما كان))

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه))

وفي رواية: ((إنَّهُ ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان)) رواه مسلم في صحيحه(3/1479 ، 1480) من حديث عرفجة الأشجعي -رضي الله عنه-.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ((من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ؛ مات ميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصبية ، أو يدعو إلى عصبية ، أو ينصر عصبية ، فقتل ؛ فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ، ولست منه)) رواه مسلم في صحيحه(3/1477) عن أبي هريرة -رضي الله عنه.

ولم يقل النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- : حاوروه وفاوضوه!!

###############################




الوجه الخامس : أن الاكتفاء باستتابة الخوارج ومحاورتهم للرجوع إلى الحق يكون قبل تلوث أيديهم بالدماء ،

فإذا تلوثت أيديهم بالدماء فلا جزاء لهم إلا السيف ، وهذه سنة الخليفة الراشد علي -رضي اللهُ عنه- وأجمع عليه الصحابة -رضي اللهُ عنهم- .

فروى الإمام أحمد والضياء في المختارة بسند صحيح عن عبد الله بن شداد وهو يحدث عائشة -رضي اللهُ عنها- عن علي -رضي اللهُ عنه- أنه ناظر الخوارج ، وبعث إليهم عبد الله بن عباس -رضي اللهُ عنهما- فناظرهم فلما بقيت منهم بقية لم ترجع ولم ترعوي قال لهم علي -رضي اللهُ عنه- : (قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم- ، بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراماً ، أو تقطعوا سبيلاً ، أو تظلموا ذمة فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء : {إن الله لا يحب الخائنين}.

فقالت عائشة -رضي اللهُ عنها- لعبد الله بن شداد: فقتلهم؟

فقال عبد الله بن شداد: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل ، وسفكوا الدماء، واستحلوا أهل الذمة . فقالت: آلله؟ قال: آللهِ الذي لا إله إلا هو لقد كان ذلك.

فهؤلاء الخوارج الذين فجروا بالرياض وغيرها فعلوا كما فعل أسلافهم من الخوارج حيث حتى قطعوا السبيل ، وسفكوا الدماء، واستحلوا أهل الذمة.

فلا حوار معهم وإنما هو حكم الله في المحاربين والخوارج .


###############################




الوجه السادس: أن من يخطط لهؤلاء القتلة والمنتحرين ، ومن يساعدهم ويتعاون معهم بأي وجه من أوجه المساعدة التي تسهل لهم ما يفعلونه من قتل وتفجير فحكمهم حكم القتلة المفجرين لأنهم ردء لهم ومشاركون لهم في سفك الدماء وقطع السبيل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمَهُ اللهُ- : " ومذهب مالك في المحاربين وغيرهم إجراء الحكم على الردء والمباشر كما اتفق الناس على مثل ذلك في الجهاد ، ومن نازعه في هذا سلَّم أنَّ المشتركين في القتل يجب عليهم القود فإنه متفق عليه من مذهب الأئمة ، كما قال عمر: لو تمالأ أهل صنعاء لقتلتهم به.

فإن كانوا كلهم مباشرين فلا نزاع ، وان كان بعضهم غير مباشر لكنه متسبب سبباً يفضي إلى القتل غالباً كالمكره وشاهد الزور إذا رجع والحاكم الجائر إذا رجع فقد سلَّم له الجمهور على أن القَوَد يجب على هؤلاء كما قال علي رضى الله عنه في الرجلين اللذين شهدا على رجل أنه سرق ، فقطع يده ثم رجعا وقالا: أخطأنا ، قال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما. فدل على قطع الأيدي باليد ، وعلى وجوب القَوَد على شاهد الزور ، والكوفيون يخالفون في هذين ، وعمر بن الخطاب رضى الله عنه جعل رقبة المحاربين بينهم .

ومعلوم أن قول من جعل المتعاونين على الإثم والعدوان مشتركين في العقوبة أشبه بالكتاب والسنة لفظاً ومعنى مِمَّن لم يوجب العقوبة إلا على نفسِ المباشر" انتهى كلامه -رحمَهُ اللهُ- .

وقال -رحمهُ اللهُ- في منهاج السنة(6/279) : " وأما الردء فيما يحتاج فيه إلى المعاونة كقطع الطريق فجمهورهم على أن الحد يجب على الردء والمباشرة جميعا وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد وكان عمر بن الخطاب يأمر بقتل الربيئة وهو الناطور لقطاع الطريق" .

وقال-رحمَهُ اللهُ- في منهاج السنة-أيضاً-(6/283) : " وإذا كان قتل عمر وعثمان وعلي ونحوهم من باب المحاربة فالمحاربة يشترك فيها الردء والمباشر عند الجمهور".

وقال -رحمهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى(14/83) : " ودلت الآية على أن هذا الضمان على مجموع الطائفة يستوي فيه الردء والمباشر ، ولا يقال: انظروا من قتل صاحبكم هذا فطالبوه بديته ، بل يقال: ديته عليكم كلكم فإنكم جميعاً قتلتموه لأن المباشر إنما تمكن بمعاونة الردء له وعلى هذا دل قوله : {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا}".

وقال ابن القيم -رحمَهُ اللهُ- في زاد المعاد(3/421) : " وهذا حكم قطاع الطريق حكم ردئهم حكم مباشرهم لأن المباشر إنما باشر الإفساد بقوة الباقين ولولاهم ما وصل إلى ما وصل إليه وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه وهو مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة وغيرهم".