احتج من أوجب القراءة خلف الإمام مطلقا بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) 0 ثم اختلف الموجبون في عموم هذا الحديث فذهب الإمام البخاري رحمه الله " كما في القراءة خلف الإمام " وغيره من العلماء إلى أنه على عمومه وبنى على هذا أن من أدرك الإمام راكعا أنه يعيد الركعة لعموم هذا الحديث 0 وذهب غيرهم من أهل العلم ممن أوجب القراءة خلف الإمام مطلقا إلى أنه مخصوص في هذه الحالة بحديث أبي بكرة رضي الله عنه ويأتي ذلك بشيء من التفصيل إن شاء الله 0
والجواب عن هذه المقدمة من وجوه :
الوجه الأول : المتعلق بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج23 وهو يناقش كلام الإمام البخاري رحمه الله في القراءة خلف الإمام:( وهذا أخرجه أصحاب الصحيح كالبخاري ومسلم في صحيحيهما وعليه اعتمد البخار في مصنفه فقال باب وجوب القراءة في كل ركعة وروى هذا الحديث من طرق مثل رواية ابن عيينة وصالح بن كيسان ويوسف بن زيد قال البخاري وقال معمر عن الزهري لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا وعامة الثقاة لم يتابع معمرا فى قوله فصاعدا مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب وقوله فصاعدا غير معروف ما أراد به حرفان أو أكثر من ذلك الا أن يكون كقوله لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا فقد تقطع اليد في ربع دينار وفي أكثر من دينار قال البخاري ويقال إن عبدالرحمن بن اسحاق تابع معمرا وأن عبدالرحمن ربما روى عن الزهري ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره ولا يعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا
قلت معنى هذا حديث صحيح كما رواه أهل السنن وقد رواه البخاري فى هذا المصنف حدثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد ثنا أبو عثمان النهدى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره فنادى أن لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وما زاد وقال أيضا حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال تجزىء بفاتحة الكتاب فان زاد فهو خير وذكر الحديث الآخر عن أبي سعيد في السنن قال البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة قال أمرنا نبينا صلى الله عليه و سلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر
قلت وهذا يدل على أنه ليس المراد به قراءة المأموم حال سماعه لجهر الإمام فان أحدا لا يقول ان زيادته على الفاتحة وترك انصاته لقراءة الامام في هذه الحال خير ولا أن المأموم مأمور حال الجهر بقراءة زائدة على الفاتحة وكذلك عللها البخاري فى حديث عبادة فانها تدل على أن المأموم المستمع لم يدخل في الحديث ولكن هب أنها ليست في حديث عبادة فهي فى حديث أبي هريرة
وأيضا فالكتاب والسنة يأمر بانصات المأموم لقراءة الامام ومن العلماء من أبطل صلاته اذا لم ينصت بل قرأ معه وحينئذ يقال تعارض عموم قوله لا صلاة الا بأم القرآن وعموم الأمر بالانصات فهؤلاء يقولون ينصت إلا فى حال قراءة الفاتحة وأولئك يقولون قوله لا صلاةإالا بأم القرآن يستثنى منه المأمور بالانصات ان سلموا شمول اللفظ له فانهم يقولون ليس في الحديث دلالة على وجوب القراءة على المأموم فانه إنما قال لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وقد ثبت بالكتاب والسنة وبالاجماع أن انصات المأموم لقراءة امامه يتضمن معنى القراءة معه وزيادة فان استماعه فيما زاد على الفاتحة أولى به بالقراءة باتفاقهم فلو لم يكن المأموم المستمع لقراءة امامه أفضل من القارىء لكان قراءته أفضل له ولأنه قد ثبت الأمر بالانصات لقراءة القرآن ولا يمكنه الجمع بين الانصات والقراءة ولولا أن الانصات يحصل به مقصود القراءة وزيادة لم يأمر الله بترك الأفضل لأجل المفضول وأيضا فهذا عموم قد خص منه المسبوق بحديث أبى بكرة وغيره وخص منه الصلاة بامامين فان النبي لما صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة قرأ من حيث انتهى أبو بكر ولم يستأنف قراءة الفاتحة لأنه بنى على صلاة أبى بكر فاذا سقطت عنه الفاتحة فى هذا الموضع فعن المأموم أولى وخص منه حال العذر وحال استماع الامام حال عذر فهو مخصوص وأمر المأموم بالانصات لقراءة الامام لم يخص معه شىء لا بنص خاص ولا اجماع واذا تعارض عمومان أحدهما محفوظ والآخر مخصوص وجب تقديم المحفوظ)0