ذكر الهيثم بن عدي عن محمد بن زياد أن الحارث بن السليل الأزدي خرج زائرا لعلقمة بن حزم الطائي،وكان حليفا له،فنظر إلى ابنة له تدعى الرباب وكانت من أجمل النساء،فأعجب بها وعشقها عشقا حال بينه وبين الانصراف إلى أهله،فقال لعلقمة:إني أتيتك خاطبا وقد ينكح الخاطب،ويدرك الطالب ويمنح الراغب،قال:كفو كريم فأقم حتى ننظرفي أمرك،ثم انكفأإلى أم الجارية فقال لها:إن الحارث سيد قومه حسبا ومنصبا وبيتا فلا ينصرفن من عندنا إلا بحاجته،فشاوري ابنتك وأديريها عما في نفسها،فقالت لها:أي بنية،أي الرجال أعجب إليك؟الكهل الجحجاح المفضل المياح أم الفتى الوضاح الملول الطماح؟قالت:الفتى الوضاح ،فقالت:إن الفتى يغيرك وإن الشيخ يميرك وليس الكهل الفاضل الكثير النائل كالحديث السن الكثير المن،فقالت:يا أماه أحب الفتى كحب الرعاء أنيق الكلا،قالت:يا بنية إن الفتى شديد الحجاب كثير العتاب،قالت:يا أماه أخشى من الشيخ أن يدنس ثيابي ويبلي شبابي ويشمت بي أترابي،فلم تزل بها الأم حتى غلبتها على رأيها فتزوجها الحارث على خمسين ومائة من الإبل وخادم وألف درهم،فبنى بها وكانت عنده أحب شئ إليه،فارتحل بها إلى أهله،فإنه لجالس يوما بفناء مظلته وهي إلى جانبه إذ أقبل فتية بعتلجون[1]الصراع فتنفست الصعداء،ثم أرسلت عينيها بالبكاء،فقال: ما يبكيك؟فقالت:مالي وللشيوخ الناهضين كالفروخ،فقال:ثكلتك أمك قد تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها[2]،فسارت مثلا وكان أول من نطق بها، ثم قال:أما وأبيك لرب غارة شهدتها وسبية أردفتها وخمرة شربتها الحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك ،ثم أنشأ يقول:
وعيرت أن رأتني لابسا كبرا***وغاية النفس بين الموت والكبر
فإن بقيت رأيت الشيب راغمة***وفي التفرق ما يقضي من العبر
وإن يكن قد علا رأسي وغيره***صرف الزمان وتقتير من الشعر
فقد أروح للذات الفتى جذلا***وهمتي لم تشب فاستخبري أثري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
]1اعتلج القوم أي اصطرعوا واقتتلوا.
2]أي لا تكون ظئرا والظئر هي المرضعة لغير ولدها.