النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبدالوهاب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    255

    الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبدالوهاب

    الرسائل الشخصية
    للشيخ محمد بن عبدالوهاب



    القسم الأول
    عقيدة الشيخ وبيان حقيقة دعوته
    ورد ما ألصق به من التهم


    الرسالة الأولى
    ص ( 7 )(1)
    رسالة الشيخ إلى أهل القصيم لما سألوه عن عقيدته :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى لا سمي له ولا كفؤ له، ولا ندله، ولا يقاس بخلقه فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل : وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل فقال : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين!) والفرقة الناجية وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية، وهم في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية ؛ وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج. وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود : وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيء في العالم يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور.
    وأعتقد الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأومن بفتنة القبر ونعيمة، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
    وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل آنيته عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم.. وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع، ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى كما قال تعال :(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )، وقال تعالى : (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)، وقال تعالى : (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) وهو لا يرضى إلا التوحيد ؛ ولا يأذن إلا لأهله. وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب ؛ كما قال تعالى : (فما تنفعهم شفاعة الشافعين ).
    وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان ؛ وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.
    وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته ؛ وأن أفضل أمته أبو بكر الصديق ؛ ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضي، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكر محاسنهم وأترضى عنهم وأستغفر لهم وأكف عن مساويهم وأسكت عما شجر بينهم، وأعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى : (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم ) وأترض عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء وأقر بكرامات الأولياء ومالهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء، ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام، وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته ؛ وحرم الخروج عليه، وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة.
    وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية هو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن طريق، وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة.
    فهذه عقيدة وجيزة حررنها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي والله على ما نقول وكيل.
    ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم والله يعلم أن الرجل افترى علي أموراً لم أقلها ولم يأت أكثرها على بالي. ( فمنها ) قوله : إني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وإني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء وإني أدعي الاجتهاد، وإني خارج عن التقليد وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أكفر من توسل بالصالحين، وإني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق، وإني أقول لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخدت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفر من حلف بغير الله، وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي، وإني أحرق دلائل الخيرات وروض الرياحين وأسمية روض الشياطين. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم. وقبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور. قال تعالى : (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيراً قي النار. فأنزل الله في ذلك : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ).
    وأما المسائل الأخر وهي أنى أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله وأني أعرف من يأتيني بمعناها وأني أكفر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر والذبيحة حرام. فهذه المسائل حق وأنا قائل بها. ولي عليها من كلام الله وكلام رسوله، ومن أقوال العلماء المتبعين كالأئمة الأربعة وإذا سهل الله تعالى بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة إن شاء الله تعالى.
    ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة )











    الرسالة الثانية
    ص ( 15 )
    ومنها رسالة إلى محمد بن عباد مطوع ثرمداء وكان قد أرسل إليه كتاباً فيه كلام حسن في تقرير التوحيد وغيره وطلب من الشيخ رحمه الله أن يبين له إن كان فيه شيء يخفاه فكتب له رحمه الله :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى الأخ محمد بن عباد وفقه الله لما يحبه ويرضاه سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
    وصلنا أوراق في التوحيد بها كلام من أحسن الكلام وفقك الله للصواب، وتذكر فيه أن ودك نبين لك إن كان فيها شيء غاترك فاعلم أرشدك الله أن فيها مسائل غلط.
    الأولى : قولك أول واجب على كل ذكر وأنثى النظر قي الوجود ثم معرفة العقيدة ثم علم التوحيد، وهذا خطأ وهو من علم الكلام الذي أجمع السلف على ذمه، وإنما الذي أتت به الرسل أول واجب هو التوحيد ليس النظر في الوجود ولا معرفة العقيدة كما ذكرته أنت في الأوراق أن كل نبي يقول لقومه : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.
    الثانية : قولك في الإيمان بالله وملائكته إلى آخره والإيمان هو التصديق الجازم بما أتى به الرسول فليس كذلك، وأبو طالب عمه جازم بصدقه والذين يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، والذين يقولون الإيمان هو التصديق الجازم هم الجهمية، وقد اشتد نكير السلف عليهم في هذه المسألة.
    الثالثة : قولك إذا قيل للعامي ونحوه ما الدليل على أن الله ربك، ثم ذكرت ما الدليل على اختصاص العبادة بالله، وذكرت الدليل على توحيد الألوهية.
    فاعلم أن الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان كما في قوله : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس ) وكما يقال رب العالمين وإله المرسلين وعند الإفراد يجتمعان كما في قول القائل من ربك، مثاله الفقير والمسكين نوعان في قوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) ونوع واحد في قوله : (افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم ) إذا ثبت هذا فقول الملكين للرجل في القبر : من ربك ؟ معناه من إلهك لأن الربوبيية التي أقر بها المشركون ما يمتحن أحد بها، وكذلك قوله : (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) وقوله: (قل أغير الله أبغي ربا) وقوله : (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) فالربوبية في هذا هي الألوهية ليست قسيمة لها كما تكون قسيمة لها عند الاقتران فينبغي التقطن لهذه المسألة.
    الرابعة : قولك في الدليل على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودليله الكتاب والسنة ثم ذكرت الآيات، كلام من لم يفهم المسألة لأن المنكر للنبوة أو الشاك فيها إذا استدللت عليه بالكتاب والسنة يقول كيف تستدل علي بشيء ما أتى به إلا هو، والصواب في المسألة أن تستدل عليه بالتحدي بأقصر سورة من القرآن أو شهادة علماء أهل الكتاب كما في قوله : ( أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) أو لكونهم يعرفونه قبل أن يخرج كما في قوله تعالى : (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) الآية إلى غير ذلك من الآيات التي تفيد الحصر وتقطع الخصم.
    الخامسة : قولك اعلم يا أخي لا علمت مكروها فأعلم أن هذه كلمة تضاد التوحيد وذلك أن التوحيد لا يعرفه إلا من عرف الجاهلية والجاهلية هي المكروه فمن لم يعلم المكروه لم يعلم الحق فمعنى هذه الكلمة أعلم لا علمت خيراً، ومن لم يعلم المكروه ليجتنبه لم يعلم المحبوب.
    وبالجملة فهي كلمة عامية جاهلية، ولا ينبغي لأهل العلم أن يقتدوا بالجهال.
    السادسة : جزمك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (اطلبوا العلم ولو من الصين ) فلا ينبغي أن يجزم الإنسان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يعلم صحته، وهو من القول بلا علم، فلو أنك قلت وروى، أو ذكر فلان، أو ذكر في الكتاب الفلاني لكان هذا مناسباً، وأما الجزم بالأحاديث التي لم تصح فلا يجوز فتفطن لهذه المسألة فما أكثر من يقع فيها.
    السابعة : قولك في سؤال الملكين : والكعبة قبلتي وكذا وكذا، فالذي علمناه عن رسول الله عليه وسلم أنهما يسألان عن ثلاث. عن التوحيد، وعن الدين، وعن محمد صلى الله عليه وسلم. فإن كان في هذا عندكم رابعة فأفيدونا، ولا يجوز الزيادة على ما قال الله ورسوله.
    الثامنة : قولك في الإيمان بالقدر إنه الإيمان بأن لا يكون صغير ولا كبير إلا بمشية الله وإرادته، وأن يفعل المأمورات ويترك المنهيات وهذا غلط لأن الله سبحانه له الخلق والأمر والمشيئة والإرادة وله الشرع والدين. إذا ثبت هذا ففعل المأمورات وترك المنهيات هو الإيمان بالأمر وهو الإيمان بالشرع والدين، ولا يذكر في حد الإيمان بالقدر.
    التاسعة : قولك الآيات التي قي الاحتجاج بالقدر كقوله تعالى ( وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ) الآية ثم قلت : فإياك والاقتداء بالمشركين في الاحتجاج على الله وحسبك من القدر الإيمان به. فالذي ذكرنا في تفسير هذه الآيات غير المعنى الذي أردت فراجعه وتأمله بقلبك فإن اتضح لك وإلا فراجعني فيه لأنه كلام طويل.
    العاشرة : وأخرناها لشدة الحاجة إليها قولك : إن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقروا بتوحيد الربوبية، ثم أوردت الأدلة الواضحة على ذلك، وإنما قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند توحيد الألوهية، ولم يدخل الرجل في الإسلام بتوحيد الربوبية إلا إذا انضم إليه توحيد الألوهية فهذا كلام من أحسن الكلام وأبينه تفصيلا، ولكن العام لما وجهنا إليه إبراهيم كتبوا له علماء سدير مكاتبة وبعثها لنا وهى عندنا الآن ولم يذكروا فيها إلا توحيد الربوبية، فإذا كنت تعرف هذا فلأي شيء ما أخبرت إبراهيم ونصحته. إن هؤلاء ما عرفوا التوحيد، وإنهم منكرون دين الإسلام، وكذلك أحمد بن يحيى راعي رغبه عداوته لتوحيد الألوهية والاستهزاء بأهل العارض لما عرفوه، وإن كان يقربه أحياناً عداوة ظاهرة لا يمكن أنها لا تبلغك، وكذلك ابن إسماعيل إنه نقض ما أبرمت في التوحيد وتعرف أن عنده الكتاب الذي صنفه رجل من أهل البصرة كله من أوله إلى آخره في إنكار توحيد الألوهية وأتاكم به ولد محمد بن سليمان راعي وثيثيه وقرأه عندكم وجادل به جماعتنا، وهذا الكتاب مشهور عند المويس وأتباعه مثل ابن سحيم وابن عبيد يحتجون به علينا ويدعون الناس إليه، ويقولون هذا كلام العلماء. فإذا كنت تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قاتل الناس إلا عند توحيد الألوهية، وتعلم أن هؤلاء قاموا وقعدوا ودخلوا وخرجوا وجاهدوا ليلا ونهاراً في صد الناس عن التوحيد يقرءون عليهم مصنفات أهل الشرك لأي شيء لم تظهر عداوتهم وأنهم كفار مرتدون ؟ فإن كان باين لك أن أحداً من العلماء لا يكفر من أنكر التوحيد أو أنه يشك في كفره فاذكره لنا وأفدنا، وإن كنت تزعم أن هؤلاء فرحوا بهذا الدين وأحبوه ودعوا الناس إليه، ولما أتاهم تصنيف أهل البصرة في إنكار التوحيد كفروه وكفروا من عمل به، وكذلك لما أتاهم كتاب ابن عفالق الذي أرسله المويس لابن إسماعيل وقدم به عليكم العام وقرأه على جماعتكم يزعم فيه أن التوحيد دين ابن تيمية وأنه لما أفتى به كفره العلماء وقامت عليه القيامة.
    إن كنت تقول ما جرى من هذا شيء فهذا مكابرة، وإن كنت تعرف أن هذا هو الكفر الصراح والردة الواضحة، ولكن تقول أخشى الناس فالله أحق أن تخشاه. ولا تظن أن كلامي هذا معاتبة وكلام عليك، فوالله الذي لا إله إلا هو إنه نصيحة لأن كثيراً ممن واجهناه وقرأ علينا يتعلم هذا ويعرفه بلسانه.
    فإذا وقعت المسألة لم يعرفها بل إذا قال له بعض المشركين نحن نعرف أن رسول الله لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وأن النافع الضار هو الله يقول جزاك الله خيراً. ويظن أن هذا هو التوحيد ونحن نعلمه أكثر من سنة أن هذا هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون. فالله الله في التفطن لهذه المسألة فإنها الفارقة بين الكفر والإسلام، ولو أن رجلا قال : شروط الصلاة تسعة ثم سردها كلها فإذا رأى رجلا يصلي عرياناً بلا حاجة أو على غير وضوء أو لغير القبلة لم يدر أن صلاته فاسدة لم يكن قد عرف الشروط ولو سردها بلسانه، ولو قال الأركان أربعة عشر ثم سردها كلها ثم رأى من لا يقرأ الفاتحة ومن لا يركع ومن لا يجلس للتشهد ولم يفطن أن صلاته باطلة لم يكن قد عرف الأركان ولو سردها فالله الله في التفطن لهذه المسألة، ولكن أشير عليك بعزيمة أنك تواصلنا ونتذاكر معك، وكذلك أيضاً من جهة البدع قيل لي إنك تقول فيها شيء ما يقوله الذي هو عارف مسألة البدع، وصلى الله على محمد وآله وسلم.





    الرسالة الثالثة
    ص (23 )
    ومنها رسالة أرسلها إلى بن عيد من مطاوعة ثرمدا قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن عيد وفقنا الله وإياه. لما يحبه ويرضاه وبعد :
    وصل الكراس وتذكرون أن الحق إن بان لكم اتبعتم، وفيه كلام غير هذا يسر الخاطر من طرفك خاصة بسبب أن لك عقلا. والثانية أن لك عرضاً تشح به.والثالثة : أن الظن فيك إن بان لك الحق أنك ما تبيعه بالزهايد، فأما تقريركم أول الكلام أن الإسلام خمس كأعضاء الوضوء وأنكم تعرفون كلام الله وكلام رسوله وإجماع العلماء أن له نواقض كنواقض الوضوء الثمانية : اعتقاد القلب وإن لم يعمل أو يتكلم يعني إذا اعتقد خلاف ما عمله الرسول أمته بعد ما تبين له، ومنها كلام باللسان وإن لم يعمل ولم يعتقد، ومنها عمل بالجوارح وإن لم يعتقد ويتكلم ولكن من أظهر الإسلام وظننا أنه أتى بناقض لا نكفره بالظن لأن اليقين لا يعرفه الظن، وكذلك لا نكفر من لا نعرف منه الكفر بسبب ناقض ذكر عنه ونحن لم نتحققه وما قررتم هو الصواب الذي يجب على كل مسلم اعتقاده والتزامه، ولكن قبل الكلام اعلم أني عرفت بأربع مسائل :
    الأولى : بيان التوحيد مع أنه لم يطرق آذان أكثر الناس.
    الثانية : بيان الشرك ولو كان في كلام من ينتسب إلى العلم أو عبادة من دعوة غير الله، أو قصده بشيء من العبادة، ولو زعم أنهم يريدون أنهم شفعاء عند الله مع أن أكثر الناس يظن أن هذا من أفضل القربات كما ذكرتم عن العلماء أنهم يذكرون أنه قد وقع في زمانهم.
    الثالثة : تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم أبغضه ونفر الناس عنه. وجاهد من صدق الرسول فيه ومن عرف الشرك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإنكاره وأقر بذلك ليلا ونهاراً ثم مدحه وحسنه للناس وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم، وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن الله ورسوله.
    الرابعة : الأمر بقتال هؤلاء خاصة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله الله فلما اشتهر عني هؤلاء الأربع صدقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان في التوحيد وفي نفي الشرك وردوا على التكفير والقتال. إذا تحققت ما ذكرت لك انبنى الجواب على ما ذكرتم في أول الأوراق من إقراركم بمعرفة نواقض الإسلام بإجماع العلماء بشرط أنكم لا تكفرون بالظن ولا من لا تعرفون فنقول: من المعلوم عند الخاص والعام ما عليه البوادي أو أكثرهم فإن كابر معاند لم يقدر على إن عنزة وآل ظفير وأمثالهم كلهم مشاهير هم والأتباع إنهم مقرون بالبعث ولا يشكون فيه، ولا يقدر أن يقول إنهم يقولون إن كتاب الله عند الحضر وأنهم عانقوه ومتبعون ما أحدث آباؤهم مما يسمونه الحق ويفضلونه على شريعة الله فإن كان للوضوء ثمانية نواقض ففيهم من نواقض الإسلام أكثر من المائة ناقض فلما بينت ما صرحت به آيات التنزيل وعلمه الرسول أمته، وأجمع عليه العلماء من أنكر البعث أو شك فيه، أو سب الأذان إذا سمعه، أو فضل فراضة الطاغوت على حكم الله، أو سب من زعم أن المرأة ترث أو أن الإنسان لا يؤخذ في القتل بجريرة أبيه وابنه إنه كافر مرتد قال علماؤكم معلوم أن هذا حال البوادي لا ننكره ولكن يقولون : لا إله إلا الله وهي تحميهم من الكفر ولو فعلوا كل ذلك، ومعلوم أن هؤلاء أولى وأظهر من يدخل في تقريركم فلما أظهرت تصديق الرسول فيما جاء به سبوني غاية المسبة، وزعموا أني أكفر أهل الإسلام وأستحل أموالهم، وصرحوا أنه لا يوجد في جزيرتنا رجل واحد كافر، وأن البوادي يفعلون من النواقص مع علمهم أن دين الرسول عند الحضر، وجحدوا كفرهم وأنتم تذكرون أن من رد شياً مما جاء به الرسول بعد معرفته أنه كافر.
    فإذا كان المويس وابن إسماعيل والعديلى وابن عباد وجميع أتباعهم كلهم على هذا فقد صرحتم غاية التصريح أنهم كفار مرتدون، وإن ادعى مدع أنهم يكفرونهم أو ادعى أن جميع البادية لم يتحقق من أحد منهم من النواقض شيئاً أو ادعى أنهم لا يعرفون أن دين الرسول خلاف ما هم عليه فهذا كمن ادعى أن ابن سليمان وسويد وابن دواس وأمثالهم عباد زهاد فقراء ما شاخوا في بلد قط ومن ادعى هذا فأسقط الكلام معه.
    ونقول ثانياً : إذا كانوا أكثر من عشرين سنة يقرون ليلا ونهاراً سراً وجهاراً أن التوحيد الذي أظهر هذا الرجل هو دين الله ورسوله لكن الناس لا يطيعوننا، وأن الذي أنكره هو الشرك وهو صادق في إنكاره، ولكن لو يسلم من التكفير والقتال كان حق. هذا كلامهم على رؤوس الأشهاد ثم مع هذا يعادون التوحيد ومن مال إليه العداوة التي تعرف ولو لم يكفر ويقاتل، وينصرون الشرك نصره الذي تعرف مع إقرارهم بأنه شرك مثل كون المويس وخواص أصحابه ركبوا وتركوا أهليهم وأموالهم إلى أهل قبة الكواز وقبة رجب سنة يقولون إنه قد خرج من ينكر قبتكم وما أنتم عليه، وقد أحل دماءهم وأموالهم وكذلك ابن إسماعيل وابن ربيعة والمويس أيضاً بعدهم بسنة رحلوا إلى أهل قبة أبي طالب وأغروهم بمن صدق النبي صلى الله وسلم وأحلوا دماءنا وأموالنا حتى جرى على الناس ما تعرف مع أن كثيراً منهم لم يكفر ولم يقاتل وقررتم أن من خالف الرسول في عشر معشار هذا ولو بكلمة أو عقيدة قلب أو فعل فهو كافر فكيف بمن جاهد بنفسه وماله وأهله ومن أطاعه في عداوة التوحيد وتقرير الشرك مع إقراره بمعرفة ما جاء به الرسول فإن لم تكفروا هؤلاء ومن اتبعهم ممن عرف أن التوحيد حق وأن ضده الشرك فأنتم كمن أفتى بانتقاض وضوء من بزغ منه مثل رأس الإبرة من البول وزعم أن من يتغوط ليلا ونهاراً وأفتى للناس أن ذلك لا ينقض وتبعوه على ذلك حتى يموت أنه لا ينقض وضوءه، وتذكرون أني أكفرهم بالموالاة وحاشا وكلا، ولكن أقطع أن كفر من عبد قبة أبي طالب لا يبلغ عشر كفر المويس وأمثاله كما قال تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) الآيتين، وأنا أمثل لك مثالا لعل الله أن ينفعك به لعلمي أن الفتنة كبيرة وأنهم يحتجون بما تعرفون : منها في الأوراق أنهم لم يقصدوا بحربكم رد التوحيد وإحياء الشرك وإنما قصدوا دفع الشر عن أنفسهم خوف البغي عليهم. فتقول لو نقدر أن السلطان ظلم أهل المغرب ظلماً عظيماً في أموالهم وبلادهم ومع هذا خافوا استيلاءهم على بلادهم ظلماً وعدواناً ورأوا أنهم لا يدفعونهم إلا باستنجاد الفرنج وعلموا أن الفرنج لا يوافقونهم إلا أن يقولوا نحن معكم على دينكم ودنياكم ودينكم هو الحق ودين السلطان هو الباطل وتظاهروا بذلك ليلا ونهاراً مع أنهم لم يدخلوا في دين الفرنج ولم يتركوا الإسلام بالفعل، لكن لما تظاهروا بما ذكرنا ومرادهم دفع الظلم عنهم هل يشك أحد أنهم مرتدون في أكبر ما يكون من الكفر والردة إذا صرحوا أن دين السلطان هو الباطل مع علمهم أنه حق وصرحوا أن دين الفرنج هو الصواب، وأنه لا يتصور أنهم لا يتيهون لأنهم أكثر من المسلمين ولأن الله أعطاهم من الدنيا شيئاً كثيراً ولأنهم أهل الزهد والرهبانية فتأمل هذا تأملا جيداً وتأمل ما صدرتم به الأوراق من موافقتكم به الإسلام ومعرفتكم بالناقض إذا تحققتموه وأنه يكون بكلمة ولو لم تعتقد ويكون بفعل ولو لم يتكلم ويكون في القلب من الحب والبغض ولو لم يتكلم ولم يعمل تبين لك الأمر اللهم إلا إن كنتم ذاكرين في أول الأوراق وأنتم تعقدون خلافه فذلك أمر آخر.
    وأما ما ذكرتم من كلام العلماء فعلى الرأس والعين، ولكن عنه جوابان :
    أحدهما : أنكم لو لم تنقلوا كلام ابن عقيل ( في الفنون ) وكلام الشيخ في ( اقتضاء الصراط المستقيم ) وكلام ابن القيم لقلت لعلهم مخطئون قائلون بمبلغ علمهم هذا كله عندنا في هذه الكتب كما هو عندكم وابن عقيل ذكر أنهم كفار بهذا الفعل أعني دعوة صاحب التربة ودس الرقاع وأنتم تعلمون ذلك، وأصرح منه كلام الشيخ في قوله ومن ذلك ما يفعله الجاهلون بمكة يا سبحان الله كيف تركتم صريحه في العبارة بعينها إن هذا من فعله كان مرتداً، و إن المسلم إذا ذبح للزهرة والجن ولغير الله فهو مما أهل لغير الله به وهي أيضاً ذبيحة مرتد لكن يجتمع في الذبيحة مانعان فصرح أن هذا الرجل إذا ذبح للجن مرة واحدة صار كافراً مرتداً وجميع ما يذبحه للأكل بعد ذلك لا يحل لأنه ذبيحة مرتد، وصرح في مواضع من الكتاب كثيرة بكفر من فعل شيئاً من الذبح والدعوة حتى ذكر ثابت بن قرة وأبا معشر البلخي وذكر أنهم كفار مرتدون وأمثالهم مع كونهم من أهل التصانيف، وأصرح من الجميع كلام ابن القيم في كثير من كتبه فلما نقلتم بعض العبارة وتركتم بعضها علمت أنه ليس بجهالة، ولكن الشرهة عليك لو أنك فاعل كما فعل بعض أهل الحسا لما صنف بعضهم كتاباً في الرد علينا يريد أن يبعثه تكلم رجل منهم وقال أحب ما إلى ابن عبد الوهاب وصول هذا إليه أنتم ما تستحيون فتركوا الرسالة.
    الجواب الثاني : أنه على سبيل التنزل أن الشرك لا يكفر من فعله أو أنه شرك أصغر أو أنه معصية غير الكفر مع أن جميع ما ذكرتم لا يدل على ذلك فإن أردت بينت لك في غير هذه المرة معاني هذه العبارات من الأدلة من كلام كل رجل كما بينته لك من كلام الشيخ. لكن أنتم مسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكره ونهى عنه، فلو أن رجلا أقر بذلك مع كونه لم يفعله لكنه زينه للناس ورغبهم فيه أليس هذا كافراً مرتداً ولو قدرنا أن الأمر الذي كرهه وصد الناس عنه ما أمر به الرسول إلا أمر استحباب كركعتي الفجر، أو أن الذي نهى عنه ما نهى عنه إلا نهي تنزيه كأكل بالشمال والنوم للجنب من غير وضوء ولو أن رجلاً عرف نهي الرسوم وزعم لأجل غرض من الأغراض أن الأكل بالشمال هو الأحب المرضى عند الله وأن الأكل باليمين يضر عند الله وأن الوضوء للجنب إذا أراد النوم يضر عند الله وأن النوم من غير وضوء أحب إلى الله مع علمه بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أليس هذا كلام كافر مرتد فكيف بمن سب دين الله الذي بعث به جميع الأنبياء مع إقراره ومعرفته به، ومدح دين المشركين الذي بعث الله الأنبياء بإنكاره ودعا الناس إليه مع معرفته، ولكن أرى لك أن تقوم في السحر وتدعو بقلب حاضر بالأدعية المأثورة وتطرح نفسك بين يدي الله أن يهديك لدينه ودين نبيه عليه السلام وصلى الله على محمد وآله وسلم.


    الرسالة الرابعة
    ص ( 31)
    ومنها رسالة أرسلها إلى فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى الشيخ فاضل آل مزيد زاده الله من الإيمان وأعاذه من نزغات الشيطان. أما بعد :
    فالسبب في المكاتبة أن راشد بن عربان ذكر لنا عنك كلاماً حسناً سر الخاطر، وذكر عنك أنك طالب مني المكاتبة بسبب ما يجيك عنا من كلام العدوان من الكذب والبهتان وهذا هو الواجب من مثلك أنه لا يقبل كلاماً إلا إذا تحققه، وأنا أذكر لك أمرين قبل أن أذكر لك صفة الدين.
    الأمر الأول : أني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصى به النبي صلى اله عليه وسلم أمته، وأقول لهم الكتب عندكم انظروا فيها ولا تأخذوا من كلامي شيئاً لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم فاتبعوه ولو خالفه أكثر الناس.
    والأمر الثاني : أن هذا الذي أنكروا علي وأبغضوني من أجله إذا سألوا عنه كل عالم في الشام واليمن أو غيرهم يقول هذا هو الحق وهو دين الله ورسوله ولكن ما أقدر أن أظهره في مكاني لأجل أن الدولة ما يرضون وابن عبد الوهاب أظهره لأن الحاكم في بلده ما أنكره، بل لما عرف الحق اتبعه هذا كلام العلماء وأظن أنه وصلك كلامهم فأنت تفكر في الأمر الأول وهو قولي لا تطيعوني ولا تطيعوا إلا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم وتفكر في الأمر الثاني أن كل عاقل به لكن ما يقدر أن يظهره.
    فقدم لنفسك ما ينجيك عند الله. واعلم أنه لا ينجيك إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدنيا زائلة والجنة والنار ما ينبغي للعاقل أن ينساهما. وصورة الأمر الصحيح أني أقول ما يدعى إلا الله وحده لا شريك له كما قال تعالى في كتابه : ( فلا تدعوا مع الله أحداً ) وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ) فهذا كلام الله والذي ذكره لنا رسول الله ووصانا به، ونهى الناس أن لا يدعوه فلما ذكرت لهم أن هذه المقامات التي في الشام والحرمين وغيرهم أنها على خلاف أمر الله ورسوله، وأن دعوة الصالحين والتعلق بهم هو الشرك بالله الذي قال الله فيه : (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) فلما أظهرت هذا أنكروه وكبر عليهم، وقالوا أجعلتنا مشركين وهذا ليس إشراكاً. هذا كلامهم وهذا كلامي أسنده عن الله ورسوله، وهذا هو الذي بيني وبينكم فإن ذكر عني شيء غير هذا فهو كذب وبهتان، والذي يصدق كلامي هذا أن العالم ما يقدر أن يظهره حتى من علماء الشام من يقول هذا هو الحق ولكن لا يظهره إلا من يحارب الدولة، وأنت ولله الحمد ما تخاف إلا الله نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى دين الله ورسوله والله أعلم ).


    الرسالة الخامسة
    ص (35 )
    ومنها رسالة أرسلها إلى السويدي عالم من أهل العراق وكان قد أرسل له كتاباً وسأله عما يقول الناس فيه فأجابه بهذه الرسالة وهي :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الرحمن بن عبد الله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
    فقد وصل كتابك وسر الخاطر جعلك الله من أئمة المتقين ومن الدعاة إلى دين سيد المرسلين وأخبرك أني ولله الحمد متبع ولست بمبتدع عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة لكني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأحياء والأموات من الصالحين، وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة، وبينت لهم أن أول من أدخل الشرك في هذه الأمة هم الرافضة الملعونة الذين يدعون علياً وغيره ويطلبون منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة فأنكر هذا بعض الرؤساء لأنه خالف عادة نشأوا عليها وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتم عن الربا وشرب المسكر، وأنواع من المنكرات فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسناً عند العوام فجعلوا قدحهم وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد وأنهى عنه من الشرك، ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه أكثر الناس وكبرت الفتنة جداً، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلا عن أن يفتريه، ومنها ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة. ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون، وكذلك قولهم إنه يقول لو أقدر أهدم قبة النبي صلى الله عليه وسلم لهدمتها.
    وأما ( دلائل الخيرات ) فله سبب وذلك أني أشرت على من قبل نصيحتي من إخواني أن لا يصير في قلبه أجل من كتاب الله ويظن أن القراءة فيه أجل من قراءة القرآن، وأما إحراقه والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ كان فهذا من البهتان.
    والحاصل أن ما ذكر عنا من الأسباب غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشرك فكله من البهتان، وهذا لو خفي على غيركم فلا يخفى على حضرتكم، ولو أن رجلا من أهل بلدكم ولو كان أحب الخلق إلى الناس قام يلزم الناس بالإخلاص ويمنعهم من أهل القبور وله أعداء وحساد أشد منه رياسة وأكثر أتباعاً وقاموا يرمونه بما تسمع ويوهمون الناس أن هذا تنقص بالصالحين وأن دعوتهم من إجلالهم واحترامهم تعلمون كيف يجري عليه ومع هذا وأضعافه فلا بد من الإيمان بما جاء به الرسول ونصرته كما أخذ الله على الأنبياء قبله وأنهم في قوله تعالى : (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه )، فلما فرض الله الإيمان لم يجز ترك ذلك وأنا أرجو أن يكرمك الله بنصر دينه ونبيه وذلك بمقتضى الاستطاعة ولو بالقلب والدعاء وقد قال صلى الله عليه وسلم : (إذا أُمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) فإن رأيت عرض كلامي على من ظننت أنه يقبل من إخواننا فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ومن أعجب ما أجرى من الرؤساء المخالفين أني لما بينت لهم كلام الله وما ذكر أهل التفسير في قوله ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ) وقوله : (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) وقوله : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وما ذكر الله من إقرار الكفار في قوله : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض) الآية وغير ذلك، قالوا القرآن لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا ولا بكلام الرسول ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون، قلت لهم أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية والمالكي والشافعي والحنبلي كل أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبو ذلك نقلت لهم كلام العلماء من كل مذهب وذكرت ما قالوا بعد ما حدثت الدعوة عند القبور والنذر لها فصرفوا ذلك وتحققوه ولم يزدهم إلا نفوراً. وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك. وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام.

    الرسالة السادسة
    ص (39 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام نصر الله بهم سيد الأنام وتابعي الأئمة الأعلام، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم وسببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين فلما كبر هذا على العامة لظنهم أنه تنقيص للصالحين ومع هذا نهيناهم عن دعواهم وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله فلما أظهرنا هذه المسئلة مع ما ذكرنا من هدم البنيان على القبور كبر على العامة جداً وعاضدهم بعض من يدعى العلم لأسباب أخر التي لا تخفى على مثلكم أعظمها اتباع هوى العوام مع أسباب أخر فأشاعوا عنا أنا نسب الصالحين وأنا على غير جادة العلماء، ورفعوا الأمر إلى المشرق والمغرب وذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها وأنا أخبركم بما نحن عليه ( خبراً لا أستطيع أن أكذب ) بسبب أن مثلكم لا يروج عليه الكذب على أناس متظاهرون بمذهبهم عند الخاص والعام فنحن ولله الحمد متبعين غير مبتدعين على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وحتى من البهتان الذي أشاع الأعداء إني ادعي الاجتهاد ولا أتبع الأئمة فإن بان لكم أن هدم البنا على القبور والأمر بترك دعوة الصالحين لما أظهرناه وتعلمون أعزكم الله أن المطاع في كثير من البلدان لو تبين بالعمل بهاتين المسئلتين أنها تكبر على العامة الذين درجوهم وإياهم على ضد ذلك فإن كان كان الأمر كذلك فهذه كتب الحنابلة عندكم بمكة شرفها الله مثل (الإقناع ) (وغاية المنتهى) (والإنصاف) اللاتي عليه اعتماد المتأخرين وهو عند الحنابلة ( كالتحفة ) (والنهاية) عند الشافعية وهم ذكروا في باب الجنايز هدم البنا على القبور واستدلوا عليه بما في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه بهدم القبور المشرفة وأنه هدمها، واستدلوا على وجوب إخلاص الدعوة لله والنهى عما اشتهر في زمنهم من دعاء الأموات بأدلة كثيرة، وبعضهم يحكى الإجماع على ذلك فإن كانت المسئلة إجماعاً فلا كلام، وإن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه، وما أشاعوا عنا من التكفير وأني أفتيت بكفر البوادي الذي ينكرون البعث والجنة والنار، وينكرون ميراث النساء مع علمهم أن كتاب الله عند الحضر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بالذي أنكروا، فلما أفتيت بكفرهم مع أنهم أكثر الناس في أرضنا استنكر العوام ذلك وخاصتهم الأعداء ممن يدعي العلم، وقالوا من قال لا إله إلا الله لا يكفر ولو أنكروا البعث وأنكروا الشرائع كلها، ولما وقع ذلك من بعض القرى مع علمهم اليقين بكفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض حتى أنهم يقولون من أنكر فرعاً مجمعاً عليه كفر، فقلت لهم إذا كان هذا عندكم فيمن أنكر فرعاً مجمعاً عليه فكيف بمن أنكر الإيمان باليوم الآخر ؟ وسب الحضر وسفه أحلامهم إذا صدقوا بالبعث. فلما أفتيت بكفر من تبر البوادي من أهل القرى مع علمه بما أنزل الله وبما أجمع عليه العلماء كثرت الفتنة وصدق الناس بما قيل فينا من الأكاذيب والبهتان. وبالجملة هذا ما نحن عليه وأنتم تعلمون أن من هو أجل منا لو تبين في هذه المسائل قامت عليه القيامة وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسوله أني متبع لأهل العلم وما غاب عني من الحق وأخطأت فيه فبينوا لي، وأنا أشهد الله أني أقبل على الرأس والعين، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.



    الرسالة السابعة
    ص ( 43 )
    وله أيضاً رحمه الله تعالى لعالم من أهل المدينة :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ؛ إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم، ثم ينتهى إلى جناب...... لا زال محروس الجناب، بعين الملك الوهاب وبعد :
    الخط وصل أوصلك الله إلى رضوانه وسر الخاطر حيث أخبر بطيبكم فإن سألت عنا فالحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، وإن سألت عن سبب الاختلاف الذي هو بيننا وبين الناس فما اختلفنا في شئ من شرائع الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، ولا في شئ من المحرمات، الشيء الذي عندنا زين هو عند الناس زين، والذي عندهم شين هو عندنا شين إلا إذا نعمل بالزين ونغصب الذي يدنا عليه وننهي عن الشين ونؤدب الناس عليه، والذي قلب الناس علينا الذي قلبهم على سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، وقلبهم على الرسل من قبله (( كلما جاء أمة رسولها كذبوه)) ومثل ما قال ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم والله ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي. فرأس الأمر عندنا وأساسه إخلاص الدين لله نقول : ما يدعى إلا الله ولا ينذر إلا لله ولا يذبح القربان إلا لله ولا يخاف خوف الله إلا من الله، فمن جعل من هذا شيئاً لغير الله فنقول هذا الشرك بالله الذي قال الله فيه (( إن الله لا يغفر أن يشرك به )) الآية، والكفار الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم يقرون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له النافع الضار المدبر لجميع الأمور، واقرأ قوله تعالى : لنبيه صلى الله عليه وسلم : (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار )) الآية (( قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله))، وأخبر الله عن الكفار أنهم يخلصون لله الدين أوقات الشدائد واذكر قوله سبحانه : (( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين )) والآية الأخرى (( وإذا غشيهم موج كالظل دعوا الله مخلصين له الدين )) وبين غاية الكفار ومطلبهم أنهم يطلبون الشفع واقرأ أول سورة الزمر تراه سبحانه بين دين الإسلام وبين دين الكفار ومطلبهم والآيات في هذا من القرآن ما تحصي ولا تعد.
    وأما الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فلما قال بعض الصحابة ما شاء الله وشئت قال : (( أجعلتني لله نداً، قل ما شاء الله وحده )). وفي الحديث الثاني قال بعض الصحابة : قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق قال : (( إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله وحده )) وفى الحديث الثالث أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت له كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور قال : (( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح ـ أو العبد الصالح ـ بنوا على قبره مسجداً وصورا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة )) والحديث الرابع لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : (( إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ))، والحديث الخامس عن معاذ قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي : (( يا معاذ أتدرى ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ )) قلت : الله ورسوله أعلم قال : (( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً )) الحديث، والأحاديث في هذا ما تحصى وأما تنويهه صلى الله عليه وسلم بأن دينه يتغير بعده فقال صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بسني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالتواجد وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) وفى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ))، وفى الحديث قال : (( افترقت الأمم قبلكم، افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا من الواحدة يا رسول الله ؟ قال : (( من كان مثل ما أنا عليه وأصحابي )) وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : (( فمن ؟ )).
    ويكون عندك معلوماً أن أساس الأمر ورأسه ودعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه قال تعالى : (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) وقال تعالى ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله )) وقال تعالى : (( يا أيها المدثر )) الآيتين ويكون عندك معلوماً أن لله تعالى أفعالا وللعبيد أفعالا، فأفعال الله الخلق والرزق والنفع والضر والتدبير وهذا أمر ما ينازع فيه لا كافر ولا مسلم، وأفعال العبد العبادة كونه ما يدعو إلا الله ولا ينذر إلا لله ولا يذبح إلا له ولا يخاف خوف السر إلا منه ولا يتوكل إلا عليه، فالمسلم من وحد الله بأفعاله سبحانه وأفعاله بنفسه، والمشرك الذي يوحد الله بأفعاله سبحانه ويشرك بأفعاله بنفسه، وفى الحديث لما نزل الله عليه ((قم فأنذر)) صعد الصفا صلى الله عليه وسلم فنادى : (( واصباحاه )) فلما اجتمع إليه قريش قال لهم : ما قال فقال عمه تبا لك، ما جمعتنا إلا لهذا وأنزل الله فيه : (( تبت يدا أبي لهب وتب )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( يا عباس عم رسول الله، ويا صفية عمة رسول الله اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا )) أين هذا من قول صاحب البردة :
    يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
    وقوله :
    ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم
    وذكر صاحب السيرة أنه صلوات الله وسلامه عليه قام يقنت على قريش ويخصص أناساً منهم في مقتل حمزة وأصحابه فأنزل الله عليه : (( ليس لك من الأمر شيء )) الآية ولكن مثل ما قال صلى الله عليه وسلم : (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ)).
    فإن قال قائلهم إنهم يكفرون بالعموم فنقول : سبحانك هذا بهتان عظيم الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد، ويسميهم الخوارج ويتبين مع أهل القبب على أهل التوحيد، ولكن نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني )) الآية ويكون عندك معلوماً أن أعظم المراتب وأجلها عند الله الدعوة إليه التي قال الله : (( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله )) الآية وفي الحديث (( والله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم )). ثم بعد هذا يذكر لنا عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فنقول سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع صاحب المقام المحمود نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا وأن يحشرنا تحت لوائه ـ هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين وتابع التابعين والأئمة الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، وهم أحب الناس لنبيهم وأعظمهم في اتباعه وشرعه ؛ فإن كانوا يأتون عند قبره يطلبونه الشفاعة فإن اجتماعهم حجة. والقائل إنه يطلب الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله، أو من سنة رسول الله أو من إجماع الأمة ؛ والحق أحق أن يتبع.



    الرسالة الثامنة
    ص (51 )
    وله قدس الله روحه :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الذي يعلم من وقف عليه من الإخوان المتبعين محمداً صلى الله عليه وسلم أن ابن صياح سألني عما ينسب إلي فطلب مني أن اكتب الجواب فكتبته :
    الحمد لله رب العالمين أما بعد :
    فما ذكره المشركون على أني أنهي عن الصلاة على النبي، أو أني أقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أني أتكلم في الصالحين، أو أنهي عن محبتهم فكل هذا كذب وبهتان افتراه على الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل مثل أولاد شمسان، وأولا إدريس الذين يأمرون الناس ينذرون لهم وينخونهم ويندبونهم، وكذلك فقراء الشيطان الذين ينتسبون إلى الشيخ عبد القادر رحمه الله وهو منهم بري كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة، فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم أن لا يعبدوا إلا الله، وأن من دعا عبد القادر فهو كافر وعبد القادر منه بريء ، وكذلك من نخا الصالحين أو الأنبياء أو ندبهم أو سجد لهم أو نذر لهم أو قصدهم بشيء من أنواع العبادة التي هي حق الله على العبيد، وكل إنسان يعرف أمر الله ورسوله لا ينكر هذا الأمر بل يقربه ويعرفه، وأما الذي ينكره فهو بين أمرين : إن قال إن دعوة الصالحين واستغاثتهم والنذر لهم وصيرورة الإنسان فقيراً لهم أمر حسن ولو ذكر الله ورسوله أنه كفر فهو مصر بتكذيب الله ورسوله، ولا خفاء في كفره فليس لنا معه كلام، وإنما كلامنا مع رجل يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب ما أحب الله ورسوله، ويبغض ما أبغض الله ورسوله لكنه جاهل قد لبست عليه الشياطين دينه، ويظن أن الاعتقاد في الصالحين حق ولو يدرى أنه كفر يدخل صاحبه في النار ما فعله، ونحن نبين لهذا ما يوضح له الأمر فنقول : الذي يجب على المسلم أن يتبع أمر الله ورسوله، ويسأل عنه والله سبحانه أنزل القرآن وذكر فيه ما يحبه ويبغضه، وبين لنا فيه ديننا، وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء فليس على وجه الأرض أحد أحب إلى أصحابه منه، وهم يحبونهم على أنفسهم وأولادهم، ويعرفون قدره ويعرفون أيضاً الشرك والإيمان فإن كان أحد من المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعاه أو نذر له أو ندبه أو أحد من أصحابه جاء عند قبره بعد موته يسأله أو يندبه أو يدخل عليه للالتجاء له عند القبر فاعرف أن هذا الأمر صحيح حسن ولا تطعني ولا غيري، وإن كان إذا سألت إذا أنه صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن اعتقد في الأنبياء والصالحين، وقتلهم وسباهم وأولادهم، وأخذ أموالهم، وحكم بكفرهم فاعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق والواجب على كل مؤمن اتباعه فيما جاء به، وبالجملة فالذي أنكره الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره، فإن كنت قلته من عندي فارم به، أو من كتاب لقيته ليس عليه عمل فارم به كذلك، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسوله، وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه لأجل أهل زمانه أو أهل بلده، وأن أكثر الناس في زمانه أعرضوا عنه.
    واعلم أن الأدلة على هذا من كلام الله وكلام رسوله كثيرة لكن أنا أمثل لك بدليل واحد ينبهك على غيره قال الله تعالى (( قل ادعو الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب )) الآية. ذكر المفسرون في تفسيرها أن جماعة كانوا يعتقدون في عيسى عليه السلام وعزير فقال تعالى : هؤلاء عبيدي كما أنتم عبيدي، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ويخافون عذابي كما تخافون عذابي. فيا عباد الله تفكروا في كلام ربكم تبارك وتعالى إذا كان ذكر عن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دينهم الذي كفرهم به هو الاعتقاد في الصالحين، وإلا فالكفار يخافون الله ويرجونه ويحجون ويتصدقون ولكنهم كفروا بالاعتقاد في الصالحين، وهم يقولون إنما اعتقدنا فيهم ليقربونا إلى الله زلفى ويشفعوا لنا كما قال تعالى : (والذين اتخذوا من دونهم أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) وقال تعالى : ((ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله )) فيا عباد الله إذا كان الله ذكر في كتابه أن دين الكفار هو الاعتقاد في الصالحين، وذكر أنهم اعتقدوا فيهم ودعوهم وندبوهم لأجل أنهم يقربوهم إلى الله زلفى هل بعد هذا البيان بيان ؟ فإذا كان اعتقد في عيسى ابن مريم مع أنه نبي من الأنبياء وندبه ونخاه فقد كفر فكيف بمن يعتقدون في الشياطين كالكلب أبي حديدة، وعثمان الذي في الوادي، والكلاب الأخر في الخرج وغيرهم في سائر البلدان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله وأنت يا من هداه الله لا تظن أن هؤلاء يحبون الصالحين بل هؤلاء أعداء الصالحين وأنت والله الذي تحب الصالحين لأن من أحب قوماً أطاعهم، فمن أحب الصالحين وأطاعهم لم يعتقد إلا في الله، وأما من عصاهم ودعاهم يزعم أنه يحبهم فهو مثل النصارى الذين يدعون عيسى ويزعمون محبته وهو بريء منهم، ومثل الرافضة الذين يدعون على بن أبى طالب وهو بريء منهم، ونختم هذا الكتاب بكلمة واحدة وهى أن أقول : يا عباد الله لا تطيعوني ولا تفكروا واسألوا أهل العلم من كل مذهب عما قال الله ورسوله وأنا أنصحكم لا تظنوا أن الاعتقاد في الصالحين مثل الزنا والسرقة بل هو عبادة للأصنام من فعله كفر وتبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباد الله تفكروا وتذكروا والسلام


    الرسالة التاسعة
    ص (57 )
    وله أيضاً رحمه الله :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه من المسلمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ وبعد :
    ما ذكر لكم عني أني أكفر بالعموم فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم إني أقول من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده أنه ما يكفيه حتى يجييء عندي فهذا أيضا من البهتان ؛ إنما المراد اتباع دين الله ورسوله في أي أرض كانت ؛ ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه ؛ وكذلك من عبد الأوثان بعد ما عرف أنها دين للمشركين وزينة للناس ؛ فهذا الذي أكفره وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجلاً معانداً أو جاهلاً والله أعلم والسلام.




    الرسالة العاشرة
    ص ( 59 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى الأخ حمد التويجري ألهمه الله رشده، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد :
    وصل الخط أوصلك الله ما يرضيه، وأشرفنا على الرسالة المذكورة، وصاحبها ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وما تضمنته رسالته من الكلام في الصفات مخالف لعقيدة الإمام أحمد، وما تضمنته من الشبه الباطلة في تهوين أمر الشرك بل في إباحته فمن أبين الأمور بطلانه لمن سلم من الهوى والتعصب ؛ وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول : الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر ؛ ونقول : سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهتيه بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها والله المستعان والسلام.



    الرسالة الحادية عشرة
    ص (61 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ومنها رسالة أرسلها جواباً لعبد الله بن سحيم مطوع أهل المجمعة حين سأله عن الكتاب الذي أرسله عدو الله سليمان بن محمد بن سحيم مطوع أهل الرياض، وكانت رسالة أرسلها إلى أهل البصرة والحسا يشنع فيها على الشيخ بالكذب والبهتان والزور والباطل الذي ما جرى، وما كان قصده بذلك الاستنصار بكلامهم على إبطال ما أظهره الشيخ من بيان التوحيد وإخلاص الدعوة لله، وهدم أركان الشرك، وإبطال مناهج الضلال والإفك ورام هذا أن يرتقي إلى ذلك بأسباب، ويستدعى من كل معاند مكابر الجواب، فإن الله تعالى بفضله قد أزال اللبس والحجاب، وكشف عن القلوب ظلمات الرين والاحتجاب وهذا نص الرسالة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن سحيم وبعد :
    ألفينا مكتوبك وما ذكرت فيه من ذكرك وما بلغك، ولا يخفاك أن المسائل التي ذكرت أنها بلغتكم في كتاب من العارض جملتها أربعة وعشرون مسألة بعضها حق بهتان وكذب، وقبل الكلام فيها لا بد من تقديم أصل وذلك أن أهل العلم إذا اختلفوا، والجهال إذا تنازعوا ومثلى ومثلكم إذا اختلفنا في مسألة هل الواجب اتباع أمر الله ورسوله وأهل العلم ؟ أو الواجب اتباع عادة الزمان التي أدركنا الناس عليها، ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم، وإنما ذكرت هذا ولو كان واضحاً لأن بعض المسائل التي ذكرت أنا قلتها لكن هي موافقة لما ذكره العلماء في كتبهم. الحنابلة وغيرهم، ولكن هي مخالفة لعادة الناس التي نشأوا عليها فأنكرها علي لأجل مخالفة العادة وإلا فقد رأوا تلك في كتبهم عياناً، وأقروا بها وشهدوا أن كلامي هو الحق لكن أصابهم ما أصاب الذين قال الله فيهم (( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )) الآية وهذا هو ما نحن فيه بعينه، فإن الذي راسلكم هو عدو الله ابن سحيم، وقد بينت ذلك له فأقر به، وعندنا كتب يده في رسائل متعددة أن هذا هو الحق، وأقام على ذلك سنين، لكن أنكر آخر الأمر لأسباب أعظمها البغي أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، وذلك أن العامة قالوا له ولأمثاله إذا كان هذا هو الحق فلأي شيء لم تنهونا عن عبادة شمسان وأمثاله، فتعذروا أنكم ما سألتمونا، قالوا : وإن لم نسألكم كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا، وظنوا أن يأتيهم في هذا غضاضة وأن فيه شرفاً لغيره، وأيضاً لما أنكرنا عليهم أكل السحت والرشا إلى غير ذلك من الأمور، فقام يدخل عندكم وعند غيركم بالبهتان والله ناصر دينه ولو كره المشركون، وأنت لا تستهون مخالفة العادة على العلماء فضلا عن العوام، وأنا أضرب لك مثلا بمسألة واحدة وهي مسئلة الاستجمار ثلاثاً فصاعدا غير عظم ولا روث، وهو كاف مع وجود الماء عند الأئمة الأربعة وغيرهم وهو إجماع الأمة لا خلاف في ذلك، ومع هذا لو يفعله أحد لصار هذا عند الناس أمراً عظيماً ولنهوا عن الصلاة خلفه، وبدعوه مع إقرارهم بذلك ولكن لأجل العادة. إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها : ماهو من البهتان الظاهر وهي قوله : إني مبطل كتب المذاهب، وقوله : إني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء وقوله إني أدعى الاجتهاد، وقوله : إني خارج عن التقليد، وقوله إني أقول : إن اختلاف العلماء نقمة، وقوله إني أكفر من توسل بالصالحين، وقوله : إني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق، وقوله إني أقول لو أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وقوله إني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم وإني أكفر من يحلف بغير الله فهذه اثنتا عشرة مسألة جوابي فيها أن أقول : ((سبحانك هذا بهتان عظيم )) ولكن قبله من بهت النبي محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين ((تشابهت قلوبهم )) وبهتوه بأنه يزعم أن الملائكة، وعيسى، وعزيراً في النار فأنزل الله في ذلك ( إن الذين سبقت لهم الحسنى أولئك عنها مبعدون) الآية، وأما المسائل الأخر وهي أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، ومنها أني أعرف من يأتيني بمعناها، ومنها أني أقول الإله هو الذي فيه السر، ومنه تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير الله وأخذ النذر كذلك، ومنها أن الذبح للجن كفر، والذبيحة حرام ولو سمى الله عليها إذا ذبحها للجن فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قائلها. ونبدأ بالكلام عليها لأنها أم المسائل وقبل ذلك أذكر معنى لا إله إلا الله فنقول : التوحيد نوعان توحيد الربوبية وهو : أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم، وهذا حق لابد منه، لكن لا يدخل الرجل في الإسلام لأن أكثر الناس مقرون به قال الله تعالى : ((قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار)) إلى قوله ((أفلا تتقون)) وأن الذي يدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية، وهو : أن لا يعبد إلا الله لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث وأهل الجاهلية يعبدون أشياء مع الله، فمنهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة فنهاهم عن هذا، وأخبرهم أن الله أرسله ليوحد ولا يدعي أحد من دونه لا الملائكة ولا الأنبياء، فمن تبعه ووحد الله فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة واستنصرهم، والتجأ إليهم فهو الذي جحد لا إله إلا الله مع إقراره أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، وهذه جملة لها بسط طويل، لكن الحاصل أن هذا مجمع عليه بين العلماء، ولما جرى في هذه الأمة ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم حيث قال: (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) وكان من قلبهم كما ذكر الله عنهم : ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) فصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي وعدي بن مسافر، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح، فأنكر عليهم أهل العلم غاية الإنكار، وزجروهم عن ذلك، وحذروهم غاية التحذير والإنذار من جميع المذاهب في سائر الأقطار والأمصار فلم يحصل منهم انزجار بل استمروا على ذلك غاية الاستمرار. وأما الصالحون الذين يكرهون ذلك فحاشاهم من ذلك، وبين أهل العلم أن أمثال هذا هو الشرك الأكبر، وأنت ذكرت في كتابك تقول : يا أخي مالنا والله دليل إلا من كلام أهل العلم وأنا أقول كلام أهل العلم رضي، وأنا أنقله لك وأنبهك عليه فتفكر فيه وقم لله ساعة ناظراً ومناظراً مع نفسك ومع غيرك، فإن عرفت أن الصواب معي، وأن دين الإسلام اليوم من أغرب الأشياء أعني دين الإسلام الصرف الذي لا يمزج بالشرك والبدع وأما الإسلام الذي ضده الكفر فلا شك أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأمم وعليها تقوم الساعة فإن فهمت أن كلامي هو الحق فاعمل لنفسك واعلم أن الأمر عظيم والخطب جسيم، فإن أشكل عليك شيء فسفرك إلى المغرب في طلبه غير كثير، واعتبر لنفسك حيث قلت لي فيما مضى إن هذا هو الحق الذي لا شك فيه لكن لا نقدر على تغيره، وتكلمت بكلام حسن، فلما غربلك الله بولد المويس ولبس عليك، وكتب لأهل الوشم يستهزئ بالتوحيد، ويزعم أنه بدعة، وأنه خرج من خراسان ويسب دين الله ورسوله لم تفطن لجهله وعظم ذنبه وظننت أن كلامي فيه من باب الانتصار للنفس، وكلامي هذا لا يغيرك فإن مرادي أن تفهم أن الخطب جسيم وأن أكابر أهل العلم يتعلمون هذا ويغلطون فيه فضلا عنا وعن أمثالنا فلعله إن أشكل عليك تواجهني، هذا إن عرفت أنه حق وإن كنت إذا نقلت لك عبارات العلماء عرفت أني لم أفهم معناها وأن الذي نقلت لك كلامهم أخطئوا، وأنهم خالفهم أحد من أهل العلم فنبهي على الحق وأرجع إليه إن شاء الله تعالى.
    فنقول : قال الشيخ نقي الدين وقد غلط في مسمى التوحيد طوائف من أهل النظر، ومن أهل العبادة حتى قلبوا حقيقته، فطائفة ظنت أن التوحيد هو نفي الصفات، وطائفة ظنوا أنه الإقرار بتوحيد الربوبية ومنهم من أطال في تقرير هذا الموضع وظن أنه بذلك قرر الوحدانية وأن الألوهية هي القدرة على الاختراع ونحو ذلك، ولم يعلم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد قال الله تعالى : (( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون )) الآيات، وهذا حق لكن لا يخلص به عن الإشراك بالله الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص الدين لله فلا يعبد إلا الله فيكون دينه لله والإله هو المألوه الذي تألهه القلوب، وأطال رحمه الله الكلام.
    وقال أيضاً في ( الرسالة السنية ) التي أرسلها إلى طائفة من أهل العبادة ينتسبون إلى بعض الصالحين، ويغلون فيه، فذكر حديث الخوارج ثم قال : فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين ممن ينتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام قد يمرق من الدين وذلك بأمور : منها : الغلو الذي ذمه الله مثل الغلو في عدي بن مسافر أو غيره بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح ونحوه فكل من غلا في نبي أو صحابي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول يا سيدي فلان أغثني أو أنا في حسبك ونحو هذا فهذا كافر يستتاب، فإن تاب وإلاقتل فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبد ولا يدعى معه إله آخر والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل الشمس والقمر والصالحين والتماثيل المصورة على صورهم لم يكونوا يعتقدون أنها تنزل المطر، وتنبت النبات وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فبعث الله الرسل، وأنزل الكتب تنهى أن يدعى أحد من دونه لادعاء عبادة ولا دعاء استغاثة. وأطال الكلام رحمه الله، فتأمل كلامه في أهل عصره من أهل النظر الذين يدعون العلم، ومن أهل العبادة الذين يدعون الصلاح. وقال في ( الإقناع ) في باب حكم المرتد في أوله : فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته إلى أن قال أو استهزأ بالله أو رسله قال الشيخ، أو كان مبغضاً لرسوله أو لما جاء به اتفاقاً، أو جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كفر إجماعاً. إلى أن قال : أو أنكر الشهادتين أو إحداهما، فتأمل هذا الكلام بشراشر قلبك، وتأمل هل قالوا هذا في أشياء وجدت في زمانهم، واشتد نكيرهم على أهلها أو قالوا ولم تقع، وتأمل الفرق بين جحد الربوبية والوحدانية والبغض لما جاء به الرسول.
    وقال أيضاً في أثناء الباب : ومن اعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم، أولا يجب عليه اتباعه، أو أن لغيره خروجاً عن اتباعه، أو قال أنا محتاج إليه في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة أو قال إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى كفر في هذا كله، ولو تعرف من قال هذا الكلام فيه وجزم بكفرهم وعلمت ما هم عليه من الزهد والعبادة وأنهم عند أكثر أهل زماننا من أعظم الأولياء لقضيت العجب.
    وقال أيضاً في الباب : ومن سب الصحابة واقترن بسبه دعوى أن علياً إله أو نبي أو أن جبريل غلط فلا شك في كفر هذا، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره فتأمل، هذا إذا كان كلامه هذا في علي فكيف بمن ادعى أن ابن عربي أو عبد القادر إله ؟ وتأمل كلام الشيخ في معنى الإله الذي تألهه القلوب، واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدة، ويطلبون منهم تفريج الكربات وقضاء الحاجات مع كونهم يدعون الملائكة والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب بهم، وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله فهم لا يدعونهم إلا في الرخاء فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا لله قال الله تعالى : " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم " الآية.
    وقال أيضاً في ( الإقناع ) في الباب : ويحرم تعلم السحر وتعليمه وفعله، وهو عقد ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله، ومنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يبعض أحدهما للآخر ويحبب بين اثنين، ويكفر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته، فتأمل هذا الكلام، ثم تأمل ما جرى في الناس خصوصاً الصرف والعطف تعرف أن الكفر ليس ببعيد، وعليك بتأمل هذا الباب في الإقناع وشرحه تأملا جيداً وقف عند المواضع المشكلة، وذاكر فيها كما تفعل في باب الوقف والإجازة يتبين لك إن شاء الله أمر عظيم.
    وأما الحنفية فقال الشيخ قاسم في شرح (درر البحار ) : النذر الذي يقع من أكثر العوام، وهو أن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلا: يا سيدي فلان إن رد غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي فلك كذا وكذا باطل اجماعأً لوجوه : منها : أن النذر للمخلوق لا يجوز، ومنها ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر، إلى أن قال إذا عرف هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها وينقل إلى ضرائح الأولياء فحرام بإجماع المسلمين، وقد ابتلى الناس بهذا لا سيما في مولد أحمد البدوي، فتأمل قول صاحب النهر مع أنه بمصر ومقر العلماء كيف شاع بين أهل مصر مالا قدرة للعلماء على دفعه، فتأمل قوله من أكثر العوام أتظن أن الزمان صلح بعده ؟ أما المالكية، فقال الطرطوشي في كتاب (الحوادث والبدع ) روى البخاري عن أبي واقد الليثي قال : ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي حنين ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا. يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنوط فقال الله أكبر هذا كما قال بنو إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، لتركبن سنن من كان قبلكم ) فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة يقصدها الناس، وينوطون بها الخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها، وقال صلى عليه وسلم (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبي للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس )) ومعنى هذا أن الله لما جاء بالإسلام فكان الرجل إذا أسلم في قبيلته غريباً مستخفياً بإسلامه قد جفاه العشيرة فهو بينهم ذليل خائف، ثم يعود غريباً لكثرة الأهواء المضلة والمذاهب المختلفة حتى يبقى أهل الحق غرباء في الناس لقلتهم وخوفهم على أنفسهم.
    وروى البخاري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال : ( والله ما أعرف فيهم من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعاً)، وذلك أنه أنكر أكثر أفعال أهل عصره. وقال الزهري : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : ما أعرف فيهم شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت انتهى كلام الطرطوشي.
    فليتأمل اللبيب هذه الأحاديث، وفي أي زمان قيلت وفي أي مكان وهل أنكرها أحد من أهل العلم، والفوائد فيها كثيرة، ولكن مرادي منها ما وقع من الصحابة وقول الصادق المصدوق إنه مثل كلام الذين اختارهم الله على العالمين لنبيهم اجعل لنا إلهاً، يا عجباً إذا جرى هذا من أولئك السادة كيف ينكر علينا أن رجلا من المتأخرين غلط في قوله يا أكرم الخلق، كيف تعجبون من كلامي فيه وتظنون به خيراً وأعلم منهم ؟ ولكن هذه الأمور لا علم لكم بها، وتظنون أن من وصف شركاً أو كفراً أنه الكفر الأكبر المخرج عن الملة ، ولكن أين كلامك هذا من كتابك الذي أرسلت إلي قبل أن يغربلك الله بصاحب الشام، وتذكر وتشهد أن هذا هو الحق وتعتذر أنك لا تقدر على الإنكار، ومرادي أن أبين لك كلام الطرطوشي وما وقع في زمانه من الشرك بالشجر مع كونه في زمن القاضي أبي يعلي أتظن الزمان صلح بعده ؟
    وأما كلام الشافعية فقال الإمام محدث الشام أبو شامة في كتاب ( الباعث على إنكار البدع والحوادث ) وهو في زمن الشارح وابن حمدان، وقد وقع من جماعة من النابذين لشريعة الإسلام المنتمين إلى الفقر الذي حقيقته الافتقار من الإيمان من اعتقادهم في مشايخ لهم ضالين مضلين فهم داخلون تحت قوله: (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الذين ما لم يأذن به الله )) وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا القسم ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وإسراج مواضع في كل بلد يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه أحداً ممن شهر بالصلاح فيفعلون ذلك، ويظنون أنهم يتقربون إلى الله، ثم يجاوزون ذلك إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم، وهي بين عيون وشجر وحائط وحجر، وفي دمشق صانها الله من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى، والشجرة الملعونة خارج باب النصر سهل الله قطعها فما أشبهها بذات أنواط، ثم ذكر كلاماً طويلا إلى أن قال : أسال الله الكريم معافاته من كل ما يخالف رضاه ولا يجعلنا ممن أضله فاتخذ إلهه هواه، فتأمل ذكره في النوع أنه نبذ لشريعة الإسلام وأنه خروج على الإيمان، ثم ذكر أنه عم الابتلاء في الشام فأنت قل لصاحبكم هؤلاء العلماء من الأئمة الأربعة ذكروا أن الشرك عم الابتلاء به وغيره، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، وذكروا أن الدين عاد غريباً، فهو بين اثنتين : إما أن يقول كل هؤلاء العلماء جاهلون ضالون مضلون خارجون، وإما أن يدعي أن زمانه وزمان مشايخه صلح بعد ذلك، ولا يخفاك أني عثرت على أوراق عند ابن عزاز فيها إجازات له من عند مشايخه، وشيخ مشايخه رجل يقال له عبد الغني، ويثنون عليه أوراقهم، ويسمونه العارف بالله، وهذا اشتهر عنه أنه على دين ابن عربي الذي ذكر العلماء أنه أكفر من فرعون، حتى قال ابن المقري الشافعي من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر، فإذا كان إمام دين ابن عربي والداعي إليه هو شيخهم ويثنون عليه أنه العارف بالله فكيف يكون الأمر ؟ ولكن أعظم من هذا كله ما تقدم عن أبي الدرداء وأنس وهما بالشام ذلك الكلام العظيم. واحتج به أهل العلم على أن زمانهم أعظم فكيف بزماننا ؟ وقال ابن القيم رحمه الله في (الهدي النبوي ) في الكلام على حديث وفد الطائف لما أسلموا وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك لهم اللات لا يهدمها سنة، ولما تقدم ابن القيم على المسائل المـأخوذة من القصة قال : ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، فإنها شعائر الشرك والكفر، وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة، وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثاناً تعبد من دون الله، ولأحجار التي تقصد للتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى بل أعظم شركا عندها وبها والله المستعان ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من قبلهم وسلكوا سبيلهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وغلب الشرك على أكثر النفوس لغلبة الجهل وخفاء العلم، وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشاً في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام واشتدت غربة الإسلام وقل العلماء، وغلب السفهاء وتفاهم الأمر، واشتد البأس، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي انتهى كلامه.
    وقال أيضاً : في الكلام على هذه القصة لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ مال اللات وصرفه في المصالح، ومنها جواز صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه الطواغيت في الجهاد ومصالح المسلمين فيجب عليه أن يأخذ أموال هذه الطواغيت التي تساق إليها، ويصرفها على الجند والمقاتلة، ومصالح الإسلام كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال اللات، وكذا الحكم في وقفها، والوقف عليها باطل، وهو مال ضائع فيصرف في مصالح المسلمين، فإن الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة الله ورسوله فلا يصح على مشهد ولا قبر يسرج عليه ويعظم وينذر له ويعبد من دون الله، وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الدين، ومن اتبع سبيلهم انتهى كلامه.
    فتأمل كلام هذا الرجل هو من أهل العلم، وهو أيضاً من أهل الشام كيف صرح أنه ظهر في زمانه فيمن يدعي الإسلام في الشام وغيره عبادة القبور والمشاهد والأشجار والأحجار التي هي أعظم من عبادة اللات والعزى أو مثله، وأن ذلك ظهر ظهوراً عظيماً حتى غلب الشرك على أكثر النفوس، وحتى صار الإسلام غريباً بل اشتدت غربته أين هذا ؟ من قول صاحبكم لأهل الوشم في كتابه لما ذكروا له أن في بلدانكم شيئاً من الشرك يأبى الله أن يكون ذلك في المسلمين، وكلام هؤلاء الأئمة من أهل المذاهب الأربعة أعظم وأعظم وأطم مما قال ابن عيدان وصاحبه في أهل زمانهما افترى هؤلاء العلماء أتوا فرية عظيمة ومقالة جسيمة ؟فهذا ما يسر الله نقله من كلام أهل العلم على سبيل العجلة فأنت تأمله تأملاً جيداً، واجعل تأملك لله مستعيذاً بالله من اتباع الهوى، ولا تفعل فعلك أولا، لما ذكرت لك أنك تتأمل كلامي وكلامه، فإن كان كلامي صحيحاً لا مجازفة فيه، وأن شاميكم لا يعرف معنى لا إله إلا الله، ولا يعرف عقيدة الإمام أحمد، وعقيدة الذين ضربوه فاعرف قدره فهو بغيره أجهل، واعرف أن الأمر أمر جليل، فإن كان كلامي باطلا ونسبت رجلا من أهل العلم إلى هذه الأمور العظيمة بالكذب والبهتان فالأمر أيضاً عظيم فأعرضت عن ذلك كله وكتبت لي كتاباً في شيء آخر، فإن كان مرادك اتباع الهوى أعاذنا الله منه، وأنك مع ولد المويس كيف كان فاترك الجواب، فإن بعض الناس يذكرون عنك أنك صائر معه لأجل شيء من أمور الدنيا، وإن كنت مع الحق فلا أعذرك من تأمل كلامي هذا وكلامي الأول وتعرضهما على كلام أهل العلم وتحررهما تحريراً جيداً ثم تتكلم بالحق.
    إذا تقرر هذا فخمس المسائل التي قدمت جوابها في كلام العلماء وأضيف إليها مسألة سادسة وهى : إفتائي بكفر شمسان وأولاده ومن شابههم وسميتهم طواغيت، وذلك أنهم يدعون الناس إلى عبادتهم من دون الله عبادة أعظم من عبادة اللات والعزى بأضعاف، وليس في كلامي مجازفة بل هو الحق لأن عباد اللات والعزى يعبدونها في الرخاء، ويخلصون لله في الشدة وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياهم في شدائد البر والبحر، فإن كان الله أوقع في قلبك معرفة الحق والانقياد له والكفر بالطاغوت والتبري ممن خالف هذه الأصول ولو كان أباك أو أخاك فاكتب لي وبشرني لأن هذا ليس مثل الخطأ في الفروع، بل ليس الجهل بهذا فضلا عن إنكاره مثل الزنا والسرقة بل والله ثم والله ثم والله إن الأمر أعظم، وإن وقع في قلبك إشكال فاضرع إلى مقلب القلوب أن يهديك لدينه ودين نبيه.
    وأما بقيه المسائل فالجواب عنها ممكن إذا خلصنا من شهادة أن لا إله إلا الله وبيننا وبينكم كلام أهل العلم لكن العجب من قولك أنا هادم قبور الصحابة، وعبارة الإقناع في الجنائز يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أسست على معصية الرسول والنبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه بعث علياً لهدم القبور ومثل صاحب كتابكم لو كتب لكم أن ابن عبد الوهاب ابتدع لأنه أنكر على رجل تزوج أخته فالعجب كيف راج عليكم كلامه فيه ؛ وأما قولي : إن الإله الذي فيه السر فمعلوم أن اللغات تختلف فالمعبود عند العرب وإلإله الذي يسمونه عوامنا السيد، والشيخ، والذي فيه السر، والعرب الأولون يسمون الألوهية ما يسميها عوامنا السر لأن السر عندهم هو القدرة على النفع والضر، وكونه يصلح أن يدعى ويرجى ويخاف ويتوكل عليه فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )) وسئل بعض العامة ما فاتحة الكتاب ما فسرت له إلا بلغة بلده، فتارة تقول هي فاتحة الكتاب وتارة تقول هي أم القرآن، وتارة تقول هي الحمد، وأشباه هذه العبارات التي معناها واحد، ولكن إن كان السر في لغة عوامنا ليس هذا وأن هذا ليس هو الإله في كلام أهل العلم فهذا وجه الإنكار فبينوا لنا. والحمد لله رب العالمين.

    الرسالة الثانية عشرة
    ص (77 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذه كلمات جواب عن الشبهة التي احتج بها من أجاز وقف الجنف والإثم، ونحن نذكر قبل ذلك صورة المسألة ثم نتكلم على الأدلة. وذلك أن السلف اختلفوا في الوقف الذي يراد به وجه الله على غير من يرثه مثل الوقف على الأيتام، وصوام رمضان، أو المساكين، أو أبناء البسبيل. فقال شريح القاضي، وأهل الكوفة لا يصح ذلك الوقف حكاه عنهم الإمام أحمد، وقال جمهور أهل العلم : هذا وقف صحيح واحتجوا بحجج صحيحه صريحة ترد قول أهل الكوفة، فهذه الحجج التي ذكرها أهل العلم يحتجون بها على علماء أهل الكوفة مثل قوله ((صدقة جارية )) ومثل وقف عمر أوقاف أهل المقدرة من الصحابة على جهات البر التي أمر الله بها ورسوله ليس فيها تغيير لحدود الله.
    وأما مسألتنا فهي إذا أراد الإنسان أن يقسم ماله على هواه، وفر من قسمة الله وتمرد عن دين الله. مثل : أن يريد أن امرأته لا ترث من هذا النخل، ولا تأكل منه إلا حياة عينها، أو يريد أن يزيد بعض أولاده على بعض فراراً من وصية الله بالعدل، أو يريد أن يحرم نسل البنات، أو يريد أن يحرم على ورثته بيع هذا العقار لئلا يفتقروا بعده، ويفتي له بعض المفتين أن هذه البدعة الملعونة صدقة بر تقرب إلى الله، ويوقف على هذا الوجه قاصداً وجه الله فهذه مسألتنا فتأمل هذا بشراشر قلبك، ثم تأمل ما نذكره من الأدلة فنقول : من أعظم المنكرات وأكبر الكبائر تغيير شرع الله ودينه والتحيل على ذلك بالتقرب إليه وذلك مثل أوقافنا هذه إذا أراد أن يحرم من أعطاه الله من امرأة أو امرأة ابن أو نسل بنات أو غير ذلك، أو يعطى من حرمه الله، أو يزيد أحداً عما فرض الله، أو ينقصه من ذلك، ويريد التقرب إلى الله بذلك مع كونه مبعداً عن الله فالأدلة على بطلان هذا الوقف، وعوده طائعاً، وقسمه على قسم الله ورسوله أكثر من أن تحصر، ولكن من أوضحها دليل واحد وهو أن يقال لمدعى الصحة. إذا كانت تدعى أن هذا مما يحبه الله ورسوله، وفعله أفضل من تركه، وهو داخل فيما حض عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة الجارية وغير ذلك، فمعلوم أن الإنسان مجبول على حبه لولده وإيثاره على غيره حتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) فإذا شرع الله لهم أن يوقفوا أموالهم على أولادهم، ويزيدوا من شاءوا، أو يحرموا النساء والعصبة ونسل البنات فلأي شيء لم يفعله التابعون، ولأي شيء لم يفعله الأئمة الأربعة وغيرهم ؟ أتراهم راغبوا عن الأعمال الصالحة ولم يحبوا أولادهم، وآثروا البعيد عليهم، وعلى العمل الصالح، ورغب في ذلك أهل القرن الثاني عشر، أم تراهم خفي عليهم حكم هذه المسألة، ولم يعلموها حتى ظهر هؤلاء فعلموها ؟ سبحان الله ما أعظم شأنه وأعز سلطانه، فإن ادعى أحد أن الصحابة فعلوا هذا الوقف فهذا عين الكذب والبهتان والدليل على أن هذا أن هذا الذي تتبع الكتب، وحرص على الأدلة لم يجد إلا ما ذكره ونحن نتكلم على ما ذكره. فأما حديث أبى هريرة الذي فيه (( صدقة جارية )) فهذا حق وأهل العلم استدلوا به على من أنكر الوقف على اليتيم وابن السبيل والمساجد، ونحن أنكرنا على من غير حدود الله وتقرب بما لم يشرعه ولو فهم الصحابة وأهل العلم هذا الوقف من هذا الحديث لبادروا إليه، وأما حديث عمر أنه تصدق بالأرض على الفقراء والرقاب والضيف وذوي القربى وأبناء السبيل فهذا بعينه من أبين الأدلة على مسألتنا، وذلك أن من احتج على الوقف على الأولاد ليس له حجة إلا هذا الحديث لأن عمر قال : لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف، وإن حفصة وليته، ثم وليه عبد الله بن عمرو فاحتجوا بأكل حفصة وأخيها دون بقية الورثة، وهذه الحجة من أبطل الحجج، وقد بينه الشيخ الموفق رحمه الله والشارح، وذكروا أن أكل الولي ليس زيادة على غيره وإنما ذلك أجرة عمله كما كان في زماننا هذا يقول صاحب الضحية لوليها الجلد والأكارع ففي هذا دليل من جهتين :
    الأولى : أن من وقف من الصحابة مثل عمر وغيره لم يوقفوا على ورثتهم ولو كان خيراً لبادروا إليه، وهذا المصحح لم يصحح بقوله : (( ثم أدناك أدناك )) فإذا كان وقف عمر أولاده أفضل من الفقراء، وأبناء السبيل فما باله لم يوقف عليهم أتظنه اختار المفضول وترك الفاضل أم تظن أنه هو ورسوله الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره لم يفهما حكم الله ؟
    الثانية : أن من احتج على صحة الوقف على الأولاد وتفضيل البعض لم يحتج إلا بقوله تليه حفصة، ثم ذو الرأي، وإنه يأكل بالمعروف، وقد بينا معنى ذلك وأنه لم يبر أحداً، وإنما جعل ذلك للولي عن تعبه في ذلك فإذا كان المستدل لم يجد عن الصحة إلا هذا تبين لك أن قولهم تصدق أبو بكر بداره على ولده وتصدق فلان وفلان، وأن الزبير خص بعض بناته، ليس معناه كما فهموا، وإنما معناه أنهم تصدقوا بما ذكر صدقة عامة على المحتاجين، فكان أولاده إذا قدموا البلد نزلوا تلك الدار لأنهم من أبناء السبيل كما يوقف الإنسان مسقاة ويتوضأ منها وينتفع بها هو وأولاده مع الناس، وكما يوقف مسجداً ويصلى فيه. وعباده البخاري في صحيحه : وتصدق أنس بدار فكان إذا قدم نزلها وتصدق الزبير بدوره، واشترط للمردودة من بناته أن تسكنها. فتأمل عبارة البخاري يتبين لك أن ما ذكر عن الصحابة مثل من وقف نخلا عن المفطرين من الفقراء في هذا المسجد ويقول : إن افتقر أحد من ذريتي فليفطر معهم فأين هذا من وقف الجنف والإثم ؟ على أن هذه العبارة كلام الحميدي والحميدي في زمن القاضي أبي يعلي، وأجمع أهل العلم على أن مراسيل المتأخرين لا يجوز الاحتجاج بها فمن احتج بها فقد خالف الإجماع هذا لو فرضنا أنه يدل على ذلك فكيف وقد بينا معناه ولله الحمد ؟
    إذا تبين لك أن من أجاز الوقف على الأولاد والتفصيل لم يجد إلا حديث عمر، وقوله ليس على من وليه جناح وأن الموفق وغيره ردوا على من احتج به تبين لك أن حديث عمر من أبين الأدلة على بطلان وقف الجنف والإثم، وأما قوله لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف فهل هذا يدل على صحة وقف الجنف والإثم، وما مثله إلا كمن رأى رجلا يصلي في أوقات النهي فأنكر عليه فقال : ( أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى )، ويقول إن أصحاب رسول الله عليه وسلم يصلون أو يذكر فضل الصلوات، وكذلك مسألتنا إذا قلنا : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) – ( ولهن الربع مما تركتم ) وغير ذلك، أو قلنا إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث أو قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم غلظ القول فيمن تصدق بماله كله، أو قلنا : (( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )) وادعو علينا أنم الصحابة وقفوا أهل أنكرنا الوقف كأهل الكوفة حتى يحتج علينا بذلك ؟
    وأما قول أحمد من رد الوقف فكأنما رد السنة فهذا حق ومراده وقف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما ذكره أحمد في كلامه. وأما وقف الإثم والجنف فمن رده فقد عمل بالسنة ورد البدعة، واتبع القرآن، وأما قوله إن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل بالمعروف، وإن زيداً وعمراً سكنا داريهما التى وقفا، فيا سبحان الله من أنكر هذا ؟ وهذا كمن وقف مسجداً وصلى فيه وذريته، أو وقف مسقاة واستسقى منها وذريته، وقول الخرقي والظاهر أنه عن شرط فكذلك وهذا شرط صحيح وعمل صحيح كمن وقف داره على المسجد، أو أبناء السبيل، أو استثنى سكناها مدة حياته، وكل هذا يردون به على أهل الكوفة فإن هذا ليس من وقف الجنف والإثم. وأما قوله : (( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول )) وقوله : (( صدقتك على رحمك صدقة وصلة )) وقوله : (( ثم أدناك أدناك )) وأشباه ذلك فكل هذا صحيح لا إشكال فيه لكن لا يدل على تغيير حدود الله. فإذا قال : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) ووقف الإنسان على أولاده ثم أخرج نسل الإناث محتجاً بقوله : (ثم أدناك أدناك ) أو صلة الرحم فمثلة كمثل رجل أراد أن يتزوج خالة أو عمة فقيرة فتزوجها يريد الصلة واحتج بتلك الأحاديث، فإن قال إن الله حرم نكاح الخالات والعمات، قلنا وحرم تعدي حدود الله التي حد في سورة النساء قال تعالى : (( ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها )) فإذا قال الوقف ليس من هذا، قلنا : هذا مثل قوله من تزوج خالته إذا تزوجها لفقرها ليس من هذا، فإذا كان عندكم بين المسألتين فرق فبينوه. وأما قول عمر : إن حدث بي حادث فإن ثمغى صدقة هذا يستدلون به على تعليق الوقف بالشرط وبعض العلماء يبطله، فاستدلوا به على صحته، وأما القول بأن عمر وقفه على الورثة فيا سبحان الله كيف يكابرون النصوص، ووقف عمر وشرطه ومصارفه ثمغي وغيرها معروفة مشهورة، وأما قول عمر إلا سهمي الذي بخيبر أردت أن أتصدق به فهذا دليل على أهل الكوفة كما قدمناه، فأين في هذا دليل على صحة هذا الوقف الملعون ؟ الذي بطلانه أظهر من بطلان أصحاب بكثير.
    وأما وقف حفصة الحلي على آل الخطاب فيا سبحان الله ؟ هل وقفت على ورثتها أو حرمت أحداً أعطاه الله، أو أعطت أحداً حرمه الله، أو استثنت غلته مدة حياتها، فإذا وقف محمد بن مسعود نخلا على الضعيف من آل مقرن أو مثل ذلك هل أنكرنا هذا، وهذا وقف حفصة فأين هذا مما نحن فيه ؟. وأما قولهم إن عمر وقف على ورثته، فإن كان المراد ولاية الوقف فهو صحيح وليس مما نحن فيه، فإن كان مراد ولاية الوقف صحيح وليس مما نحن فيه، فإن كان مراد القائل إنه ظن أنه وقف يدل على صحة ما نحن فيه، فهذا كذب ظاهر ترده النقول الصحيحة في صفة وقف عمر.
    وأما كون صفية وقفت على أخ لها يهودي فهو لا يرثها ولا ننكر ذلك، وأما كلام الحميدي فتقدم الكلام عنه. وسر المسألة أنك تفهم أن أهل الكوفة يبطلون الوقف على المساجد، وعلى الفقراء والقرابات الذين لا يرثونهم، فرد عليهم أهل العلم بتلك الأدلة الصحيحة، ومسألتنا هي إبطال هذا الوقف الذي يغير حدود الله، وإيتاء حكم الجاهلية وكل هذا ظاهر لا خفاء فيه، ولكن إذا كان الذي كتبه يفهم معناه وأراد به التلبيس على الجهال كما فعل غيره فالتلبيس يضمحل، وإن كان هذا قدر فهمه وأنه ما فهم هذا الذي تعرفه العوام فالخلف والخليفة على الله، وأما ختمه الكلام بقوله : (( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) فيا لها من كلمة ما أجمعها و والله إن مسألتنا هذه من إنكارها، وقد أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزم حدود الله والعدل بين الأولاد، ونهانا عن تغيير حدود الله، والتحيل على محارم الله، وإذا قدرنا أن مراد صاحب هذا الوقف وجه الله لأجل من أفتاه بذلك فقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البدع في دين الله ولو صحت نية فاعلها فقال : : (( من أحدث قي أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) وفي لفظ : ((ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) هذا نص الذي قال الله فيه : ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) وقال ((وإن تطيعوه تهتدوا )) وقال : ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) فمن قبل ما آتاه الرسول، وانتهى عما نهى وأطاعه ليهتدي، واتبعه ليكون محبوباً عند الله فليوقف كما أوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما وقف عمر رضي الله عنه، وكما وقفت حفصة وغيرهم من الصحابة وأهل العلم، وأما هذا الوقف المحدث الملعون المغير لحدود الله فهذا الذي قال الله فيه بعد ما حد المواريث والحقوق للأولاد والزوجات وغيرهم : ((تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحته الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين )) وقد علمتم ما قال الرسول فيمن أعتق ستة من العبيد، وما رد وأبطل من ذلك فهو شبيه بمن أوقف ماله كله خالصاً لوجه الله على مسجد أو صوام أو غير ذلك، فكيف بما هو أعظم وأطم من هذه الأوقاف ؟
    وأما قوله : (( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) فوالله الذي لا إله إلا هو إن فعل الخير اتباع ما شرع الله، وإبطال من غير حدود الله، والإنكار على من ابتدع في دين الله، هذا هو فعل الخير المعلق به الفلاح خصوصاً مع قوله صلى الله عليه وسلم : (( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )) وقوله : (( لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل )) وقوله : (( لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها )) فليتأمل اللبيب الخالي عن التعصب والهوى الذي يعرف أن وراءه جنة وناراً الذي يعلم أن الله يطع خفيات الضمير هذه النصوص ويفهمها فهماً جيداً، ثم ينزلها على مسئلة وقف الجنف والإثم فيتبين له الحق إن شاء الله، صلى الله على محمد وآله وسلم. هذا آخر ما ذكره الشيخ رحمة الله في الرد على من أجاز وقف الجنف وبيان الوقف الصحيح الموافق لما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    الرسالة الثالثة عشرة
    ص (87 )
    وله أيضاً حشره الله في زمرة النبيين والصديقين
    بسم الله الرحمن الرحيم
    يعلم من يقف عليه أني وقفت على أوراق بخط ولد ابن سحيم صنفها يربد أن يصد بها الناس عن دين الإسلام، وشهادة أن لا إله إلا الله فأردت أن أنبه على ما فيها من الكفر الصريح وسب دين الإسلام، وما فيها من الجهالة التي يعرفها العامة، فأما تناقض كلامه فمن وجوه :
    الأول : أنه صنف الأوراق يسبنا ويرد علينا في تكفير كل من قال لا إله إلا الله، وهذا عمدة ما يشبه به على الجهال وعقولها، فصار في أوراقه يقول : أما من قال لا إله إلا الله لا يكفر، ومن ؟أم القبلة لا يكفر، فإذا ذكرنا لهم الآيات التي فيها كفره، وكفر أبيه، وكفر الطواغيت يقول نزلت في النصارى نزلت في الفلاني ثم رجع في أوراقه يكذب نفسه ويوافقنا ويقول : من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أملس الكف كفر ومن قال كذا كفر تارة يقول ما يوجد الكفر فينا، وتارة يقرر الكفر أعجب لبانيه يخربه.
    الثاني : أنه ذكر في أوراقه أنه لا يجوز الخروج عن كلام العلماء وصادق في ذلك.
    ثم ذكر فيها كفر القدرية، والعلماء لا يكفرونه فكفر ناساً لم يكفروا وأنكر علينا تكفير أهل الشرك.
    الثالث : أنه ذكر معنى التوحيد أن تصرف جميع العبادات من الأقوال والأفعال لله وحده لا يجعل فيها شيء لا لملك مقرب ولا نبي مرسل، وهذا حق، ثم يرجع يكذب نفسه ويقول : إن دعاء شمسان وأمثاله في الشدائد والنذر لهم ليبرئوا المريض، ويفرجوا عن المكروب الذي لم يصل إليه عبدة الأوثان بل يخلصون في الشدائد لله، ويجعل هذا ليس من الشرك، ويستدل على كفره الباطل بالحديث الذي فيه أن الشيطان يئس أن يعبد في جزيرة العرب.
    الرابع : أنه قسم التوحيد إلى نوعين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية ويقول إن الشيخ بين ذلك، ثم يرجع يرد علينا في تكفير طالب الحمضي وأمثاله الذين يشركون بالله في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، ويزعمون أن حسيناً وإدريس ينفعون ويضرون، وهذه الربوبية، ويزعم أنهم ينخون ويندبون وهذا توحيد الألوهية.
    الخامس : أنه ذكر في (( قل هو الله أحد )) أنها كافية في التوحيد فوحد نفسه الأفعال فلا خالق فلا خالق إلا الله، وفي الألوهية فلا يعبد إلا إياه، وبالأمر والنهي فلا حكم إلا لله، فيقرر هذه الأنواع الثلاثة، ثم يكفر بها كلها ويرد علينا ؛ فإذا كفرنا من قال إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون قال : كفرتم أهل الإسلام، وإذا كفرنا من يدعو شمسان وتاجا وحطاباً قال كفرتم أهل الإسلام، والعجب أنه يقول إن من التوحيد توحيد الله بالأمر والنهي فلا حكم إلا لله، ثم يرد علينا إذا عملنا بحكم الله ويقول من عمل بالقرآن كفر والقرآن ما يفسر.
    السادس : أنه ينهي عن تفسير القرآن ويقول ما يعرف، ثم يرجع يفسره في تصنيفه، ويقول قل هو الله أحد فيها كفاية، فلما فسرها كفر بها.
    السابع : أنه ذكر أن التوحيد له تعلق بالصفات وتعلق بالذات، وقبل ذلك قد كتب إلينا أن التوحيد في ثلاث كلمات أن الله ليس على شيء وليس في ولا من شيء، فتارة يذكر أن التوحيد إثبات الصفات، وتارة ينكر ذلك ويقول التوحيد نفي الصفات.
    الثامن : أنه ذكر آيات في الأمر بالتوحيد، وآيات في الأمر بالتوحيد، وآيات في النهي عن الشرك ثم قال المراد بهذا الشرك في هذه الآيات والأحاديث الشرك الجلي كشرك عباد الشمس لا على العموم كما يتوهمه بعض الجهال فصرح بأن مراد الله، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل فيه إلا عبادة الأوثان وأن الشرك الأصغر لا يدخل فيه، ويسمى الذين أدخلوه فيه الجهال ثم في آخر الصفح بعينه قال : وقد يطلق الشرك بعبارات أخر وكل ذلك في قوله : (( وما أنا من المشركين )) فرد علينا في أول الصفح وكذب على الله ورسوله في أن معنى ذلك بعض الشرك، ثم رجع يقرر ما أنكره ويقول إن الشرك الأكبر والأصغر داخل في قوله : (( وما أنا من المشركين ))
    التاسع : أنه ذكر أن الشرك أربعة أنواع : شرك الألوهية، وشرك الربوبية وشرك العبادة، وشرك الملك، وهذا كلام من لا يفهم ما يقول فإن شرك العبادة هو شرك الالهية وشرك الربوبية هو شرك الملك.
    العاشر : أنه قال في مسألة الذبح والنذر، ومن قال إن النذر والذبح عبادة فهو منه دليل على الجهل لأن العبادة ما أمر به شرعاً من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي لكن البهيم لا يفهم معنى العبادة فاستدل على النقي بدليل الإثبات.
    الحادي عشر : بعد أربعة أسطر كذب نفسه في كلامه هذا فقال من ذبح لمخلوق يقصد به التقرب، أو لرجاء نفع، أو دفع ضر من دون الله فهذا كفر، فتارة يرد علينا إذا قلنا إنه عبادة وتارة يكفر من فعله.
    الثاني عشر : أنه قرر أن من ذبح لمخلوق لدفع ضر أنه يكفر، ثم قرر أن الذبح للجن ليس بكفر.
    الثالث عشر : أنه رد علينا في الاستدلال بقوله : (( فصل لربك وانحر )) ثم رجع يقرر ما قلنا بكلام البغوي كان ناس يذبحون لغير الله فنزلت فيهم الآية فيا سبحان الله ما من عقول تفهم أنم هذا الرجل من البقر التي لا تميز بين التين والعنب والحمد لله رب العالمين.



    الرسالة الرابعة عشرة
    ص (93 )
    وله رسالة إلى البكبلي صاحب اليمن.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي نزل الحق في الكتاب، وجعله تذكره لأولي الألباب، ووفق من من عليه من عباده للصواب، لعنوان الجواب وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله وخيرته من خلفه محمد وعلى آله وشيعته وجميع الأصحاب، ما طلع نجم وغاب، وانهل وابل من سحاب.
    من عبد العزيز بن محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب. إلى الأخ في الله أحمد بن محمد العديلي البكبلي سلمه الله من جميع الآفات واستعمله بالباقيات الصالحات، وحفظه من جميع البليات، وضاعف له الحسنات، ومحا عنه السيئات.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد :
    لفانا كتابكم وسر الخاطر بما ذكرتم فيه من، سؤالكم وما بلغنا على البعد من أخباركم وسؤالكم عما نحن عليه وما دعونا الناس إليه فأردنا أن نكشف عنكم الشبهة بالتفصيل ونوضح لكم القول الراجح بالدليل، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسلك بنا ربكم أحسن منهج وسبيل.
    أما ما نحن عليه من الدين فعلى دين الإسلام الذي قال الله فيه : (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )) وأما ما دعونا الناس إليه فندعوهم إلى التوحيد الذي قال الله فيه خطاباً لنبيه صلى الله عليه وسلم : (( قل هذه سبيلي أدعو إلى على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ))وقوله تعالى : (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً )) وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه : (( ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ))، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليط وإلا فهو منزه هو وإخوانه عن الشرك : (( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من فبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين )) وغير ذلك من الآيات ونقاتلهم عليه كما قال تعالى : (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة )) أي شرك (( ويكون الدين كله لله )) وقوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجد تموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل )) وقولة تعالى (( فاعلم أنه لا إله إ لا الله )) وسماها سبحانه بالعروة الوثقى وكلمة التقوى وسموها الطواغيت كلمة الفجور، من قال لا إله إلا الله عصم دمه وماله ولو هدم أركان الإسلام الخمسة، وكفر بأصول الإيمان الستة.
    وحقيقة اعتقادنا أنها تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح وإلا فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار أنهم يقولون لا إله إلا الله، بل ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، بل ويصومون، ويحجون، ويجاهدون وهم مع ذلك تحت آل فرعون في الدرك الأسفل من النار، وكذلك ما نصه الله سبحانه عن بلعام وضرب له مثلا بالكلب ما معه من العلم فضلا عن الاسم الأعظم :
    وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
    وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى.
    وأما ما سألتم عنه من حقيقة الإيمان فهو التصديق وأنه يزيد بالأعمال الصالحة، وينقص بضدها قال الله تعالى : (( ويزداد الذين آمنوا إيماناً )) وقوله (( فأما الدين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون )) وقوله تعالى : (( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً )) وغير ذلك من الآيات. قال الشيباني رحمه الله :
    وإيماننا قول وفعل ونية ويزداد بالتقوى وينقص بالردى
    وقوله صلى الله وعليم وسلم : (( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول : لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن طريق )) وقوله صلى الله عليه وسلم : ((فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) وقوله تعالى : (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )) (( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود )) فقال الطواغيث الذي قال الله فيهم : (( اتخذوا أخبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) : إن فساق مكة حشو الجنة مع أن السيئات تضاعف فيها كما تضاعف الحسنات فانقلبت القضية بالعكس حتى آل الأمر إلى الهتيميات المعروفات بالزنا والمصريات يأتون وفوداً يوم الحج الأكبر كل من الأشراف معروفة بغيته منهن جهاراً وأن أهل اللواط وأهل الشرك والرافضة وجميع الطوائف من أعداء الله ورسوله آمنين فيها، وأن من دعا أبا طالب آمن، ومن وحد الله وعظمه ممنوع من دخولها ولو استجار بالكعبة ما أجارته، وأبو طالب والهتيميات بجيرون من استجار بهم سبحانك هذا بهتان عظيم ( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون).
    وما جئنا بشيء يخالف النقل ولا ينكره العقل ولكنهم يقولون ما لا يفعلون ونحن نقول ونفعل ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) نقاتل عباد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولكن ما هو إلا كما قال ورقة بن نوفل ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا عودي وأوذي وأخرج وما قل وكفى خير مما كثر وألهي.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


    الرسالة الخامسة عشرة
    ص ( 99 )
    وأرسل إليه صاحب اليمن.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من إسماعيل الجراعي إلى من وقفه الله محمد بن عبد الوهاب.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..... أم بعد
    بلغني على ألسن الناس عنك ممن أصدق علمه وما لا أصدق والناس اقتسموا فيكم بين قادح ومادح فالذي سرني عنك الإقامة على الشريعة في آخر هذا الزمان وفي غربة الإسلام أنك تدعو به وتقوم أركانه فوالله الذي لا إله غيره مع ما نحن فيه عند قومنا ما نقدر على ما تقدر عليه من بيان الحق والإعلان بالدعوة.
    وأما قول من لا أصدق أنك تكفر بالعموم ولا تبغي الصالحين ولا تعمل بكتب المتأخرين فأنت أخبرني واصدقني بما أنت عليه وما تدعو الناس إليه ليستقر عندنا خبرك ومحبتك.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى إسماعيل الجراعي :
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... أما بعد
    فما تسأل عنه فنحمد الله الذي لا إله غيره ولا رب لنا سواه فلنا أسوة وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام أجمعين، وأما ما جرى لهم مع قومهم وما جرى لقومهم معهم فهم قدرة وأسوة لمن اتبعهم.
    فما تسأل عنه من الاستقامة على الإسلام فالفضل لله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( بدأ الإسلام غربياً وسيعود غريباً كما بدأ )).
    وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم.
    وأما الصالحون فهم على صلاحهم رضي الله عنهم ولكن نقول ليس لهم شيء من الدعوة قال الله : (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ))
    وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا فنعمل بما وافق النص منها وما لا يوافق النص لا نعمل به.
    فاعلم رحمك الله أن الذي ندين به وندعو الناس إليه إفراد الله بالدعوة وهي دين الرسل قال الله (( وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله )) فانظر رحمك الله ما أحدث الناس من عبادة غير الله فتجده في الكتب جعلني الله وإياك ممن يدعو إلى الله على بصيرة كما قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) وصلى الله على محمد.







    الرسالة السادسة عشرة
    ص (103 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام التام على سيدنا محمد الأنام وعل آله وأصحابه البررة الكرام إلى عبد الله بن عبد الله الصنعاني وفقه الله وهداه وجنبه الإشراك والبدعة وحماه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما بعد. فوصل الخط وتضمن السؤال فيه عما نحن عليه من الدين ( فنقول ) وبالله التوفيق الذي ندين به عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بعبادة غيره ومتابعة الرسول النبي الأمي حبيب الله وصفيه من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم فأما عبادة الله فقال : (( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون )) وقال تعالى: (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ))، فمن أنواع العبادة الدعاء وهو الطلب بياء النداء لأنه ينادي به القريب والبعيد، وقد يستعمل في الاستغاثة أو بأحد أخواتها من حروف النداء، فإن العبادة اسم جنس، فأمر تعالى عباده أن يدعوه ولا يدعوا معه غيره فقال تعالى : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) وقال في النهي : (( وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً )) وأحداً كلمة تصدق على كل ما دعي مع الله تعالى، وقد روى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء مخ العبادة، وعن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الدعاء هو العبادة )) ثم قرأ : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )) رواه أحمد وأبو داود والترمذي قال العلقمي في شرح الجامع الصغير حديث الدعاء مخ العبادة قال شيخنا : قال في النهاية مخ الشيء خالصه وإنما كان مخها لأمرين :
    أحدهما : انه امتثال لأمر الله تعالى حيث قال : (( ادعوني استجب لكم )) فهو مخ العبادة وهو خالصها.
    الثاني : أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله قطع أمله عما سواه ودعاه لحاجته وحده، ولأن الغرض من العبادة هو الثواب عليها وهو المطلوب بالدعاء وقوله : الدعاء هو العبادة قال شيخنا قال الطيبي أتى بالخبر المعرف باللام ليدل على الحصر وأن العبادة ليست غير الدعاء انتهى كلام العلقمي.
    إذا تقرر هذا فنحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحداً من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها وأن ذلك من الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله قال تعالى : (( ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون. وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين )) وقال تعالى : (( فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين )) وقال (( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك )) الآيات، وهذا من مغنى لا إله إلا الله فإن ( لا ) هذه النافية للجنس فنفى جميع الآلهة و ( إلا ) حرف استثناء يفيد حصر جميع العبادة على الله عز وجل، ( والإله ) اسم صفة لكل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق وهو الله تعالى وهو الذي بخلق ويرزق ويدبر الأمور (( والتأله )) التعبد قال الله تعالى : (( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم )) ثم ذكر الدليل فقال : (( إن في خلق السموات والأرض إلى قوله : (( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً ) ). الآية.
    وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال قال الله تعال : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) وقال صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) رواه البخاري ومسلم (( وفي رواية لمسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله فما وافق منها قبل وما خالف رد على فاعله كائنا من كان، فإن شهادة أن محمداً رسول الله تتضمن تصديقه فيما أخبر به وطاعته ومتابعته في كل ما أمر به وقد روى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل : ومن يأبى قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.
    فتأمل رحمك الله ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين وما عليه الأئمة المقتدى بهم من أهل الحديث والفقهاء كأبي حنفية ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين لكي نتبع آثارها.
    وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها.
    والمقصود بيان ما نحن عليه من الدين وأنه عبادة الله وحده لا شريك له فيها بخلع جميع الشرك، ومتابعة الرسول فيها نخلع جميع البدع إلا بدعة لها أصل في الشرع كجمع المصحف في كتاب واحد وجمع عمر رضي الله عنه الصحابة على التراويح جماعة وجمع ابن مسعود أصحابه عل القصص كل خميس ونحو ذلك خميس ونحو ذلك فهذا حسن والله أعلم.


    الرسالة السابعة عشرة
    ص ( 109 )
    وله أيضاً قدس الله روحه ونور ضريحه رسالة إلى أهل المغرب هذا نصها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولن يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئاً وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد. فقد قال الله تعالى : ((قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) وقال تعالى: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) وقال تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا، وترك البدع والتفرق والاختلاف فقال تعالى: (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ؛ قليلاً ما تذكرن )) وقال تعالى : (( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )) والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن أمته تأخذ مأخذ القرن قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا : من هي يا رسول الله ؟
    قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
    إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات وكذلك التقرب إليهم بالنذر وذبح القربان، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله. وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً كما قال تعالى: " فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدى من هو كاذب كفار فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده، وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار فكذبهم في هذه الدعوى وكفرهم فقال : (( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار )) وقال تعالى : ((ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون )) فاخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى : (( قل لله الشفاعة جميعاً )).
    فلا يشفع عنده أحد إلا كما قال تعالى : (( من ذا الذي يشفع عنده إلا بأذنه )) وقال تعالى : (( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا )) وهو سبحانه لا يرض إلا التوحيد كما قال تعالى : (( ولا يشفعون إلا لمن ارتض ) ) وقال تعالى : (( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيها من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )) فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله تعالى كما قال تعالى : (( وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً )) وقال : (( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين )) فإذا كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع إبتداء بل : (( يأتي فيخر ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة )) فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء ؟
    وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم.
    وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج والصلاة عندها واتخاذها أعياداً وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها
    النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان )) وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يوصل إلى الشرك فنهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر، وثبت فيه أيضاً أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع فبراً مشرفاً إلا سواه ولا تمثال إلا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القبب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
    فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى : (( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )) فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان كما قال تعالى : (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلهم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ))، وندعو الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر كما قال تعالى : (( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )).
    فهذا هو الذي نعتقد وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا.
    ونعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين لسنته لا تجتمع على ضلالة وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وصلى الله على محمد.





    القسم الثاني
    بيان أنواع التوحيد
    ص ( 117 )
    الرسالة الثامنة عشرة
    ص ( 119 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
    قال السائل : ما يقول الشيخ شرح الله صدره، ويسر له أمره، في مسائل أشكلت علي فيما يجب علينا من معرفة الله، إذا كان موجب الإلهية الربوبية وأراك قليل التعريج عليها عند تقرير الإلهية ؟ ويشكل علي أيضاً كون مشركي العرب أقروا به، هل يكون من غير معرفة لوضوحه أم توغلوا في التقليد ولم يلتفتوا للحقيقة الموجبة للعبادة، أم زعمهم إن هذا شيء يرضاه الرب أم كيف الحال ؟ أيضاً كلمة التوحيد كونها محتوية على جميع الدين من إنزال الكتب وإرسال الرسل، وأنها نافية جميع المقصودات المسمات بالآلهة الباطلة إذ حدها القصد فتسمى بذلك من غير استحقاق لأنها مخلوقة مربوبة مقهورة، والواحد في القصد هو الواحد في الخلق وإن تكلم الناس في معناها وعملها، وأن ألفاظها مجردة من غير معرفة لا يفيد شيئاً، لكن نظرت في حديث الشفاعة الكبرى عند قوله سبحانه : (( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً )) وإخراجه العصاة من أمته بإذن ربه حتى قال : (( إنذن لي فيمن قال : لا إله إلا الله )) هذا مشكل علي جداً وقاصر فهمي عن معرفته إذا كان كلمة التوحيد هي الغاية وتقييدها بالمعرفة مع العمل، وإخراجه صلى الله عليه وسلم من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأنت جزاك الله خيراً بين لي معنى هذا الكلام لا أضل ولا أضل، وأخبرك أني غافل الفهم في الربوبية ما فهمي بجيد في الإلهية فحين بان لي شيء من معرفتها واتضح لي بعض المعرفة في الإلهية بضرب المثل : أن فيصل ما استعبد لعريعر إلا لأجل كبر ملك عريعر مع أنه قبيل له، وأظن غالب الناس كذلك وفيهم من لا يرى الربوبية ولا يعتبرها أو يتهاون بها وهذا تسمعه من بعضهم فجزاك الله خيراً صرح بالجواب فأجاب.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إلى الأخ حسن، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( وبعد ) سرني ما ذكرت من الإشكال وانصرافك إلى الفكرة في توحيد الربوبية، ولا يخفاك أن التفصيل يحتاج إلى أطوال، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله؛ فأما توحيد الربوبية فهو الأصل ولا يغلط في الإلهية إلا من لم يعطه حقه، كما قال تعالى، فيمن أقر بمسئلة منه : (( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون )) ومما يوضح لك الأمر أن التوكل من نتائجه والتوكل من أعلى مقامات الدين ودرجات المؤمنين وقد تصدر الإنابة والتوكل من عابد الوثن بسبب معرقته بالربوبية، كما قال تعالى : (( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه )) الآية، وأما عبادته سبحانه بالإخلاص دائماً في الشدة والرخاء فلا يعرفونها وهي نتيجة الإلهية، وكذلك الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالكتب ؛ والرسل وغير ذلك، وأما الصبر والرضا، والتسليم والتوكل، والإنابة، والتفويض والمحبة، والخوف، والرجاء، فمن نتائج توحيد الربوبية، وهذا وأمثاله لا يعرف إلا بالتفكر لا بالمطالعة، وفهم العبارة، وأما الفرق بينهما فإن أفراد أحدهما مثل قوله : (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا )) فهو توحيد الإلهية ؛ وكذلك إذا أفرد توحيد الإلهية مثل قوله : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) وأمثال ذلك ؛ فإن قرن بينهما فسرت كل لفظة بأشهر معانيها كالفقير والمسكين.
    وأما ما ذكرت من أهل الجاهلية كيف لم يعرفوا الإلهية إذا أقروا بالربوبية هل هو كذا أو كذا أو غير ذلك فهو لمجموع ما ذكرت وغيره ؟
    وأعجب من ذلك ما رأيت وسمعت ممن يدعى أنه أعلم الناس، ويفسر القرآن ويشرح الحديث بمجلدات ثم يشرح ( البردة ) ويستحسنها ويذكر في تفسيره وشرحه للحديث أنه شرك، ويموت ما عرف ما خرج من رأسه، هذا هو العجب العجاب، أعجب بكثير من ناس لا كتاب لهم ولا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا رسولا ولا إلهاً، وأما كون لا إله إلا الله تجمع الدين كله، وإخراج من قالها من النار إذا كان في قلبه أدنى مثقال ذرة، فلا إشكال في ذلك : وسر المسألة أن الإيمان يتجزأ، ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله، بل هذا مذهب الخوارج، فالذي يقول الأعمال كلها من ( لا إله إلا الله ) فقوله الحق، والذي يقول يخرج من النار من قالها وفي قلبه من الإيمان مثقال ذرة فقوله الحق، السبب مما ذكرت لك من التجزي، وبسبب الغفلة عن التجزي غلط أبو حنيفة وأصحابه في زعمهم، أن الأعمال ليست من الإيمان والسلام.


    الرسالة التاسعة عشرة
    ص ( 123 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته خصوصاً محمد بن عبيد وعبد القادر العديلي وابنه وعبد الله بن سحيم وعبد الله بن عضيب وحميدان بن تركي وعلي بن زامل ومحمد أبا الخيل وصالح بن عبد الله، أما بعد.
    فإن الله تبارك وتعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلينا على حين فترة من الرسل فهدى الله به إلى الدين الكامل والشرع التام وأعظم ذلك وأكبره، وزبدته هو إخلاص الدين لله بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن الشرك وهو أن لا يدعى أحداً من أحد من دونه من الملائكة والنبين فضلاً عن غيرهم، فمن ذلك أنه لا يسجد إلا لله ولا يركع إلا له ولا يدعى لكشف الضر إلا هو ولا لجلب الخير إلا هو ولا ينذر إلا له ولا يحلف إلا به ولا يذبح إلا له وجميع العبادات لا تصلح له وحده لا شريك له، وهذا معني قول لا إله إلا الله فإن المألوه هو المقصود المعتمد عليه وهذا أمر هين عند من لا يعرفه كبير عظيم عند من عرفه، فمن عرف هذه المسألة عرف أن أكثر الخلق قد لعب بهم الشيطان وزين لهم الشرك بالله وأخرجه في قالب حب الصالحين وتعظيمهم.
    والكلام في هذا ينبني على قاعدتين عظيمتين :
    ( القاعدة الأولى ) : أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون الله ويعظمونه ويحجون ويعتمرون ويزعمون أنهم على دين إبراهيم الخليل، وأنهم يشهدون أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر إلا الله وحده لا شريك له كما قال تعالى : " قل من يرزقكم من السماء والأرض الآية فإذا عرفت أن الكفار يشهدون بهذا كله فاعرف :
    ( القاعدة الثانية ) : وهي أنهم يدعون الصالحين مثل الملائكة وعيسى وعزيز وغيرهم وكل من ينتسب إلى شيء من هؤلاء سماه إلهاً ولا يعنى بذلك أن يخلق أو يرزق بل يدعون الملائكة وعيسى ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى والإله في لغتهم هو الذي يسمى في لغتنا الذي فيه سر والذين يسمونه الفقراء شيخهم يعنون بذلك أنه يدعى وينفع ويضر إلا أنهم مقرون لله بالتفرد بالخلق والرزق وليس ذلك معنى الإله به الإله المقصود المدعو المرجو لكن المشركون في زماننا أضل من الكفار في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين :
    أحدهما : أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأما في الشدائد فيخلصون لله الدين كما قال تعالى : (( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه))الآية.
    والثاني أن مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازنون عيسى والملائكة. إذ عرفتم هذا فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر عبادة الأصنام هذا يأتى إلى قبر نبي، وهذا إلى قبر صحابي كالزبير وطلحة، وهذا إلى قبر رجل صالح، وهذا يدعوه في الضراء وفي غيبته، وهذا ينذر له وهذا يذبح للجن، وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا والآخرة، وهذا يسأله خير الدنيا والآخرة فإن كنتم تعرفون أن هذا من الشرك كعبادة الأصنام الذي يخرج الرجل من الإسلام، وقد ملأ البر والبحر وشاع وذاع حتى إن كثيراً ممن يفعله يقوم الليل ويصوم النهار وينتسب إلى الصلاح والعبادة فما بالكم لم تفشوه في الناس وتبينوا لهم أن هذا كفر بالله مخرج عن الإسلام أرأيتم لو أن بعض الناس أو أهل بلدة تزوجوا أخواتهم أو عماتهم جهلا منهم أفيحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتركهم لا يعلمهم أن الله حرم الأخوات والعمات، فإن كنتم تعتذرون أن نكاحهم أعظم مما يفعله الناس اليوم عند قبور الأولياء والصحابة، وفي غيبتهم عنها فاعلموا أنكم لم تعرفوا دين الإسلام ولا شهادة أن لا إله إلا الله ودليل هذا مما تقدم من الآيات التي بينها الله في كتابه، وإن عرفتم ذلك فكيف يحل لكم كتمان ذلك والإعراض عنه، وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فإن كان الاستدلال بالقرآن عندكم هزؤاً وجهلا كما هي عادتكم ولا تقبلونه فانظروا في ( الإقناع ) في باب حكم المرتد، وما ذكر فيه من الأمور الهائلة التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها فقد ارتد وحل دمه مثل الاعتقاد في الأنبياء والصالحين، وجعلهم وسائط بينه وبين الله، ومثل الطيران في الهواء، والمشي في الماء فإذا كان من فعل هذه الأمور منكم مثل السائح الأعرج ونحوه تعتقدون صلاحه وولايته، وقد صرح في ( الإقناع ) بكفره، فاعلموا أنكم لم تعرفوا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن بان لكم في كلامي هذا شيء من الغلو من أن هذه الأفاعيل لو كانت حراماً فلا تخرج من الإسلام وإن فعل أهل زماننا في الشدائد في البر والبحر وعند قبور الأنبياء والصالحين ليست من هذه بينوا لنا الصواب وأرشدونا إليه ؛ وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجتا فرحم الله من أدى الواجب عليه وتاب إلى الله وأقر على نفسه فإن التائب منم الذنب كمن لا ذنب له وعسى الله أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى والسلام.


    الرسالة العشرون
    ( ص 129 )
    ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الله بن سحيم مطوع المجمعة قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن سحيم حفظه الله تعالى، سلام عليكم ورحمه الله وبركاته، أما بعد، فقد وصل كتابك تطلب شيئاً من معنى كتاب المويس الذي أرسل لأهل الوشم وأنا أجيبك عن الكتاب جملة فإن كان الصواب فيه فنبهني وأرجع إلى الحق، وإن كان الأمر كما ذكرت لك من غير مجازفة بل أنا مقتصر فالواجب على المؤمن أن يدور مع الحق حيث دار وذلك أن كتابة مشتمل على الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم :
    الأول : علم الأسماء والصفات الذي يسمى علم أصول الدين ويسمى أيضاً العقائد.
    والثاني : الكلام على التوحيد والشرك.
    والثالث : الاقتداء بأهل العلم واتباع الأدلة، وترك ذلك.
    أما الأول : فإنه أنكر على أهل الوشم إنكارهم على من قال ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض، وهذا الإنكار جمع فيه بين اثنتين :
    إحداهما : أنه لم يفهم كلام ابن عيدان وصاحبه.
    الثانية : أنه لم يفهم صورة المسألة ؛ وذلك أن مذهب الإمام أحمد وغيره من السلف أنهم لا يتكلمون في هذا النوع إلا بما يتكلم الله به ورسوله فما أثبته الله لنفسه أو أثبته رسوله أثبتوه مثل الفوقية والاستواء والكلام والمجيء وغير ذلك وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله نفوه مثل المثل والند والسمي وغير ذلك.
    وأما ما لا يوجد عن الله ورسوله إثباته ونفيه مثل الجوهر والجسم والعرض والجهة وغير ذلك لا يثبتونه ولا ينفونه فمن نفاه مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عيدان وصاحبه فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن أثبته مثل هشام ابن الحكم وغيرهم فهو عندهم مبتدع، والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا معنى كلام الإمام أحمد الذي في رسالة المويس أنه قال : لا أرى الكلام إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن العجب استدلاله بكلام الإمام أحمد على ضده، ومثاله في ذلك كمثل حنفي يقول الماء الكثير ولو بلغ قلتين ينجس بمجرد الملاقاة من غير تغير فإذا سئل عن الدليل قال قوله صلى الله عليه وسلم : (( الماء طهور لا ينجسه شيء)) فيستدل بدليل خصمه فهل يقول هذا من يفهم ما يقول ؟
    وأنا أذكر لك كلام الحنابلة في هذه المسألة قال الشيخ تقي الدين بعد كلام له على من قال إنه ليس بجوهر ولا عرض ككلام صاحب الخطبة قال رحمه الله : فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة ونحو ذلك من الألفاظ ولهذا لما سئل ابن سريج عن التوحيد فذكر توحيد المسلمين قال : وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك، وكلام السلف والأئمة في ذم الكلام وأهله مبسوط في غير هذا الموضع، والمقصود أن الأئمة كأحمد وغيره لما ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة كلفظ الجسم والجوهر والحيز لم يوافقوهم لا على إطلاق الإثبات ولا على إطلاق النفي انتهى كلام الشيخ تقي الدين.
    إذا تدبرت هذا عرفت أن إنكار ابن عيدان وصاحبه على الخطيب الكلام في هذا عين الصواب، وقد اتبعا في ذلك إمامها أحمد بن حنبل وغيره في إنكارهم ذلك على المبتدعة ففهم صاحبكم أنهما يريدان إثبات ضد ذلك وأن الله جسم وكذا ولا كذا، تعالى الله عن ذلك، وظن أيضاً أن عقيدة أهل السنة هي نفي أنه لا جسم ولا جوهر ولا كذا، وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت من أثبت بدعوه ومن نفى بدعوه، فالذي يقول ليس بجسم ولا.. ولا.. هم الجهمية والمعتزلة، والذين يثبتون ذلك هو هشام وأصحابه. والسلف بريئون من الجميع من أثبت بدعوه ومن نفى بدعوه فالمويس لم يفهم كلام الأحياء ولا كلام الأموات وجعل النفي الذي هو مذهب الجهمية والمعتزلة مذهب السلف، وظن أن من أنكر النفي أنه يريد الإثبات كهشام وأتباعه، ولكن أعجب من ذلك استدلاله على ما فهم بكلام أحمد المتقدم ومن كلام أبو الوفا ابن عقيل قال أنا أقطع أن أبا بكر وعمر ماتا عرفا الجوهر والعرض فإن رأيت أن طريقة أبي علي الجبائي وأبي هاشم خير لك من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت انتهى، وصاحبكم يدعي أن الرجل لا يكون من أهل السنة حتى يتبع أبا علي وأبا هاشم بنفي الجوهر والعرض، فإن أنكر الكلام فيهما مثل أبي بكر وعمر فهو عنده على مذهب هشام الرافضي.
    فظهر بما قررناه أن الخطيب الذي يتكلم بنفي العرض والجوهر أخذه من مذهب الجهمية والمعتزلة، وأن ابن عيدان وصاحب أنكرا ذلك مثل ما أنكره أحمد والعلماء كلهم على أهل البدع، وقوله في الكتاب ومذهب أهل السنة إثبات من غير تعطيل ولا تجسيم ولا كيف ولا أين إلى آخره وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة ولم يميز بينها وبين عقيدة المبتدعة وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل وأهل السنة يثبتونه اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال للجارية أين الله ؟ فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة وأن إنكارها مذهب أهل السنة كما قيل وعكسه بعكسه / وأما الجسم فتقدم الكلام أن أهل الحق لا يثبتونه ولا ينفونه فغلظ عليهم في إثباته، وأما التعطيل والكيف فصدق في ذلك فجمع لكم أربعة ألفاظ نصفها حق من عقيدة الحق ونصفها باطل من عقيدة الباطل وساقها مساقاً واحداً وزعم أنه مذهب أهل السنة فجهل وتناقض. وقوله أيضاً ويثبتون ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام إلى آخره، وهذا أيضاً من أعجب جهله وذلك أن هذا مذهب طائفه من المبتدعة يثبتون الصفات السبع وينفون ما عداها ولو كان في كتاب الله ويؤولونه. وأما أهل السنة فكل ما جاء عن الله ورسوله أثبتوه وذلك صفات كثيرة لكن أظنه نقل هذا من كلام المبتدعة وهو لا يميز بين كلام أهل الحق من كلام أهل الباطل إذا تقرر هذا فقد ثبت خطؤه من وجوه :
    الأول : أنه لم يفهم الرسالة التي بعثت إليه.
    الثاني : أنه بهت أهلها بإثبات الجسم وغيره.
    الثالث : أنه نسبهم إلى الرافضة، ومعلوم أن الرافضة من أبعد الناس عن هذا المذهب وأهله.
    الرابع : أنه نسب من أنكر هذه الألفاظ إلى الرفض والتجسيم، وقد تبين أن الإمام أحمد وجميع السلف ينكرونه فلازم كلامه أن مذهب الإمام أحمد وجميع السلف مجسمة على مذهب الرفض.
    الخامس : أنه نسب كلامهما إلى الفرية الجسمية فجعل عقيدة إمامه وأهل السنة فرية جسمية.
    السادس : أنه زعم أن البدع اشتعلت في عصر الإمام أحمد ثم ماتت حتى أحياها أهل الوشم فمفهوم كلامه بل صريحه أن عصر الإمام أحمد وأمثاله عصر البدع والضلال وعصر ابن إسماعيل عصر السنة والحق.
    السابع : أنه نسبها إلى التعطيل، والتعطيل إنما هو جحد الصفات.
    الثامن : بهتهما أنهما نسبا من قبلهما من العلماء إلى التعطيل لكونهما أنكرا على خطيب المبتدعة وهذا من البهتان الظاهر.
    التاسع : أنه نسبهما إلى وراثة هشام الرافضي.
    العاشر : أن المسلم أخو المسلم فإذا أخطأ أخوه نصحه سراً وبين له الصواب فإذا عاند أمكنه المجاهرة بالعداوة وهذا لما راسلاه صنف عليهما ما علمت وأرسله إلى البلدان اعرفوني.. اعرفوني تراى جاي من الشام.
    وأما التناقص وكون كلامه يكذب بعضه بعضاً فمن وجوه : منها نسبهما تارة إلى التجسيم وتارة إلى التعطيل، ومعلوم أن التعطيل ضد التجسيم، وأهل هذا أعداء لأهل هذا والحق وسط بينهما، ومنها أن نسبهما إلى الجهمية وإلى المجسمة والجهمية والمجسمة بينهما من التناقض والتباعد كما بين السواد والبياض وأهل السنة وسط بينهما، ومنها : أنه يقول مذهب أهل الحق إثبات الصفات ثم يقول ولا أين ولا ولا وهذا تناقض، ومنها أنه يقول ما أثبته الله ورسوله أثبت ثم يخص ذلك بالصفات السبع فهذا عين التناقض. فعقيدته التي نسب لأهل السنة جمعها من نحو أربع فرق من المبتدعة يناقض بعضهم بعضاً ويسب بعضهم بعضا ولو فهمت حقيقة هذه العقيدة لجعلتها ضحكة، ومنها : أنه يذكر عن أحمد أن الكلام في هذه الأشياء مذموم إلا ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم ثم ينقل لكم إثبات كلام المبتدعة ونفيهم ويتكلم بهذه العقيدة المعكوسة ويزعم أنها عقيدة أهل الحق. هذا ما تيسر كتابته عجلا على السراج والمأمول فيك أنك تنظر فيها بعين البصيرة، وتتأمل هذا الأمر، واعرض هذا عليه واطلب منه الجواب عن كل كلمة من هذا فإن أجابك بشيء فاكتبه وإن عرفته باطلا وإلا فراجعني فيه أبينه لك ولا تستحقر هذا الأمر فإن حرصت عليه جداً عرفك عقيدة الإمام أحمد وأهل السنة وعقيدة المبتدعة وصارت هذه الواقعة أنفع لك من القراءة في علم العقائد شهرين أو ثلاثة بسبب الخطأ والاختلاف مما يوضح الحق ويبين لخبائه.
    وأما النوع الثاني : فهو كلام في الشرك والتوحيد وهو المصيبة العظمى والداهية الصما والكلام على هذا النوع والرد على هذا الجاهل يحتمل مجلداً وكلامه فيه كما قال ابن القيم إذا قرأ المؤمن تارة يبكي وتارة يضحك ولكن أنبهك منه على كلمتين :
    الأولى : قوله إنهما نسبا من قبلهما إلى الخروج من الإسلام والشرك الأكبر أفيظن أن قوم موسى لما قالوا اجعل لنا إلهاً خرجوا من الإسلام ؟
    أفيظن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالوا اجعل لنا ذات أنواط فحلف لهم أن هذا مثل قول قوم موسى اجعل لنا إلهاً أنهم خرجوا من الإسلام ؟ أيظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعهم يحلفون بآبائهم فنهاهم وقال : (( من حلف بغير الله فقد أشرك )) أنهم خرجوا من الإسلام ؟ إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تحصر فلم يفرق بين الشرك المخرج عن الملة من غيره ولم يفرق بين الجاهل والمعاند.
    والكلمة الثانية : قوله إن المشرك لا يقول لا إله إلا الله، فياعجباً من رجل يدعى العلم وجاي من الشام يحمل كتب فلم تكلم ؟ إذ أنه لا يعرف الإسلام من الكفر ولا يعرف الفرق بين أبي بكر الصديق وبين مسيلمة الكذاب، أما علم أن مسيلمة يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم، أما علم أن غلاة الرافضة الذين حرقهم علي يقولونها وكذلك الذين يقذفون عائشة ويكذبون القرآن، وكذلك الذين يزعمون أن جبريل غلط وغير هؤلاء ممن أجمع أهل العلم على كفرهم منهم من ينتسب إلى الإسلام، ومنهم من لا ينتسب إليه كاليهود وكلهم يقولون لا إله إلا الله وهذا بين عند من له أقل معرفة بالإسلام من أن يحتاج إلى تبيان. وإذا كان المشركون لا يقولونها فما معنى باب حكم المرتد الذي ذكر الفقهاء من كل مذهب ؟ هل الذين ذكروهم الفقهاء وجعلوهم مرتدين لا يقولونها هذا الذي ذكر أهل العلم أنهم أكفر من اليهود والنصارى، وقال بعضهم من شك في كفر أتباعه فهو كافر وذكرهم في ( الإقناع ) في باب حكم المرتد وإمامهم ابن عربي أيظنهم لا يقولون لا إله إلا الله لكن هو آت من الشام وهم يعبدون ابن عربي جاعلين على قبره صنماً يعبدونه ولست أعني أهل الشام كلهم حاشا وكلا بل لا تزال طائفة على الحق وإن قلت واغتربت لكن العجب العجاب استدلاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى قول لا إله إلا الله، ولم يطالبهم بمعناها وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الأعاجم وقنعوا منهم بلفظ إلى آخر كلامه فهل يقول هذا من يتصور ما يقول فنقول أولا هو الذي نقض كلامه وكذبه بقوله دعاهم إلى ترك عبادة الأوثان فإذا كان لم يقنع منهم إلا بترك عبادة الأوثان تبين أن النطق بها لا ينفع إلا بالعمل بمقتضاها وهو ترك الشرك وهذا هو المطلوب ونحن إذا نهينا عن الأوثان المجعولة على قبر الزبير وطلحة وغيرهما في الشام أو في غيره فإن قلتم ليس هذا من الأوثان وإن دعاء أهل القبور والاستغاثة بهم في الشدائد ليست من الشرك مع كون المشركين الذين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلصون لله في الشدائد ولا يدعون أوثانهم فهذا كفر، وبيننا وبينكم كلام العلماء من الأولين والآخرين الحنابلة وغيرهم وإن أقررتم أن ذلك كفر وشرك وتبين أن قول لا إله إلا الله لا ينفع إلا مع ترك الشرك، وهذا هو المطلوب وهو الذي نقول وهو الذي أكثرتم النكير فيه وزعمتم أنه لا يخرج إلا من خراسان وهذا القول كما في أمثال العامة لا وجه سميح ولا بنت رجال، لا أقول صواباً إلا خطأً ظاهراً وسباً لدين الله ولا هو أيضاً قول باطل يصدق بعضه بعضا بل مع كونه خطأً فهو متناقض يكذب بعضه بعضاً لا يصدر إلا ممن هو أجهل الناس وأما دعواه أن الصحابة لم يطلبوا من الأعاجم إلا مجرد هذه الكلمة ولم يعرفوهم بمعناها فهذا قول من لا يفرق بين دين المرسلين ودين المنافقين الذين في الدرك الأسفل من النار فإن المؤمنين يقولونها والمنافقين يقولونها لكن المؤمنين يقولونها مع معرفة قلوبهم بمعناها، وعمل جوارحهم بمقتضاها والمنافقون يقولونها من غير فهم لمعناها ولا عمل بمقتضاها فمن أعظم المصائب وأكبر الجهل من لا يعرف الفرق بين الصحابة والمنافقين لكن هذا لا يعرف النفاق ولا يظنه في أهل زماننا بل يظنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأما زمانه فصلح بعد ذلك وإذا كان زمانه وبلدانه ينزهون عن البدع ومخرجها من خراسان فكيف بالشرك والنفاق ؟ ويا ويح هذا القائل ما أجرأه على الله وما أجهله بقدر الصحابة وعلمهم حيث ظن أنهم لا يعلمون الناس لا إله إلا الله. أما علم هذا الجاهل أنهم يستدلون بها على مسائل الفقه فضلا عن مسائل الشرك، ففي الصحيحين أن عمر رضي الله عنه لما أشكل عليه قتال ما نعي الزكاة لأجل قوله صلى الله عليه وسلم (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها )) قال أبو بكر فإن الزكاة من حقها فإذا كان منع الزكاة من منع حق لا إله إلا الله فكيف بعبادة القبور والذبح للجن ودعاء الأولياء وغيرهم مما هو دين المشركين. وصرح الشيخ تقي الدين في ( اقتضاء الصراط المستقيم ) بأن من ذبح للجن فالذبيحة حرام من جهتين :
    من جهة أنها مما أهل لغير الله به.
    ومن جهة أنها ذبيحة مرتد.
    فهي كخنزير مات من غير ذكاة، ويقول ولو سمى الله عند ذبحها إذا كانت نيته ذبحها للجن ورد على من قال إنه إن ذكر اسم الله حل الأكل منها مع التحريم ـ وأما ما سألت عنه من قوله اللهم صلى على محمد إلى آخره فهذه المحامل التي ذكر غير بعيدة ولو كان الإنكار على الرجل الميت الذي صنفها والإنكار إنما هو على الخطباء والعامة الذين يسمعون، فإن كان يزعم أن عامة أهل هذه القرى كل رجل منهم يفهم هذا التأويل فهذا مكابرة، وإن كان يعرف أنهم ما قصدوا إلا المعاني التي لا تصلح إلا لله لم يمنع من الإنكار عليهم وتبين أنه شرك كون الذي قالها أولا قصد معنى صحيحاً كما لو أن رجلا من أهل العلم كتب إلى عامة أن نكاح الأخوات حلال ففهموا منه ظاهرة وجعلوا يتزوجون أخواتهم خاصتهم وعامتهم لم يمنع من الإنكار عليهم وتبين أن الله حرم نكاح الأخوات كون القائل أراد الأخوات في الدين كما قال إبراهيم عليه السلام لسارة هي أختي وهذا واضح بحمد الله ولكن من انفتح له تحريف الكلم عن مواضعه نفتح له باب طويل عريض.
    وأما النوع الثالث وهو الكلام على التقليد والاستدلال فكلامه فيه من أبطل الباطل وأظهر الكذب وهو أيضاً كلام جاهل ينقض بعضه بعضاً ونحن ما أردنا المعنى الذي ذكر والكلام على هذا طويل ولكن أنا كتبت له كلاماً في هذا مع رسالة طويلة فاطلبه وراجعه وتأمله وتكلم لله في سبيل الله بما يرضي الله ورسوله واحذر من فتنة (( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)) فمن نجا منها فقد نجا من شر كثير ولا تغفل عن قوله في خطية ( شرح الإقناع ) من عثر على شيء مما طغى به القلم إلى آخره، وقوله في آخرها اعلم رحمك الله أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب إلى آخره، وإن طمعت بالزيارة والمذاكرة من الرأس لعلك أيضاً تحقق علم العقائد وتميز بين حقه من باطله، وتعرف أيضاً علوم الإيمان بالله وحده والكفر بالطاغوت فتراى أشير وألزم فإن رأيت أمر الله ورسوله فهو المطلوب وإلا فقد وهبك الله من الفهم ما تميز به بين الحق والباطل إن شاء الله تعالى.
    وهذا الكتاب لا تكتمه عن صاحب الكتاب بل اعرضه عليه فإن تاب وأقر ورجع إلى الله فعسى إن زعم أن له حجة ولو في كلمة واحدة أو أن في كلامي مجازفة فاطلب الدليل فإن أشكل شيء عليك فراجعني فيه حتى تعرف كلامي وكلامه، نسأل الله أن يهدينا وإياك والمسلمين إلى ما يحبه ويرضاه، وأنت لا تلمني على هذا الكلام تراني استدعيته أولا بالملاطفة وصبرت منه على أشياء عظيمة، والآن أشرفت منه على أمور ما ظننتها لا في عقله ولا في دينه : منها أنه كاتب إلى أهل الحساء يعاونهم على سب دين الله ورسوله




    الرسالة الحادية والعشرون
    ( ص 143 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب سلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلى محمد بن سلطان سلمه الله تعالى بعد.
    لا يخفاك أنه ذكر لنا عنك كلام حسن ويذكر أيضاً كلام ما هو بزين، وننتظر قدومك إلينا ونبين لك عسى الله أن يهدينا وإياك الصراط المستقيم، وجاءنا عنك أنك تقول أبغيكم تكتبون لي الدليل من قول الله وقول رسوله، وكلام العلماء على كفر الذين ينصبون أنفسهم للنذور والنخي في الشدائد، ويرضون بذلك، وينكرون على من زعم أنه شرك، ويذكرون عنك أنك تقول أبغي أعرضه على العلماء في الخرج وفي الأحساء ولكم على أني ما أقبل منهم الطفايس والكلام الفاسد فإن بينوا حجة صحيحة من الله ورسوله أو عن العلماء تفسد كلامكم وإلا اتبعت أمر الله ورسوله، واعتقدت كفر الطاغوت ومن عبدهم وتبرأت منهم فإن كنت قلت هذا فهو كلام حسن وفقك الله لطاعته ولا يخفاك أني أعرض هذا من سنين على أهل الأحساء وغيرهم وأقول كل إنسان أجادله بمذهبه إن كان شافعياً فبكلام الشافعية، وإن كان مالكياً فبكلام المالكية، أو حنبلياً أو حنفياً فكذلك فإذا أرسلت إليهم ذلك عدلوا عن الجواب لأنهم يعرفون أني على الحق وعم على الباطل وإنما يمنعهم من الانقياد التكبر والعناد على أهل نجد كما قال تعالى : (( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه )) وأنا أذكر لك الدليل على هذا الأمر وأوصيك بالبحث عنه والحرص عليه وأحذرك عن الهوى والتعصب بل أقصد وجه الله واطلب منه وتضرع إليه أن يهديك للحق وكن على حذر من أهل الأحساء أن يلبسوا عليك بأشياء لا ترد على المسألة أو يشبهوا عليك بكلام باطل كما قال تعالى ((إن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، وأنا أشهد الله وملائكته إن أتاني منهم حق لأقبلنه على الرأس والعين ولكن هيهات أن يقدر أحد أن يدفع حجج الله وبيناته.
    واعلم أرشدك الله أن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب لمسألة واحدة هي توحيد الله وحده والكفر بالطاغوت كما قال تعالى : (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ))، والطاغوت هو الذي يسمى السيد الذي ينخى وينذر له ويطلب منه تفريج الكربات غير الله تعالى وهذا يتبين بأمرين عظيمين :
    الأول : توحيد الربوبية وهو الشهادة بأنه لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الأمور إلا هو وهذا حق، ولكن أعظم الكفار كفراً الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون به ولم يدخلهم في الإسلام كما قال تعالى : (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون )) فإذا تدبرت هذا الأمر العظيم وعرفت أن الكفار يقرون بهذا كله لله وحده لا شريك له، وأنهم إنما اعتقدوا في آلهتهم لطلب الشفاعة والتقرب إلى الله كما قال تعالى : (( ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله" وفي الآية الأخرى : (( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) فإذا تبين لك هذا وعرفته معرفة جيدة بقي للمشركين حجة أخرى وهي أنهم يقولون هذا حق ولكن الكفار يعتقدون في الأصنام فالجواب القاطع أن يقال لهم إن الكفار في زمانه صلى الله عليه وسلم منهم من يعتقد في الأصنام، ومنهم من يعتقد في قبر رجل صالح مثل اللات، ومنهم من يعتقد في الأصنام، ومنهم من يعتقد في الصالحين وهم الذين ذكر الله في قوله عز وجل : (( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه )) يقول تعالى هؤلاء الذين يدعونهم الكفار ويدعون محبتهم قوم صالحون يفعلون طاعة الله ومع هذا راجون خائفون، فإذا تحققت أن العلي الأعلى تبارك وتعالى ذكر في كتابه أنهم يعتقدون في الصالحين وأنهم لم يريدوا إلا الشفاعة عند الله والتقرب إليه بالاعتقاد في الصالحين وعرفت أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين من اعتقد في الأصنام ومن اعتقد في الصالحين بل قاتلهم كلهم وحكم بكفرهم تبين لك حقيقة دين الإسلام وعرفت.
    الأمر الثاني : وهو توحيد الآلهية وهو أنه لا يسجد إلا لله ولا يركع إلا له ولا يدعي في الرخاء والشدايد إلا هو، ولا يذبح إلا له، ولا يعبد بجميع العبادات إلا الله وحده لا شريك له وأن من فعل ذلك في نبي من الأنبياء أو ولي من الأولياء فقد أشرك بالله وذلك النبي أو الرجل الصالح بريء ممن أشرك به كتبرء عيسى من النصارى، وموسى من اليهود، وعلى من الرافضة وعبد القادر من الفقراء، وعرفت أن الألوهية هي التي تسمى في زماننا السيد لقوله تعالى : (( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون )). فتأمل قول نبي إسرائيل مع كونهم إذ ذاك أفضل العالمين لنبيهم اجعل لنا إلهاً يتبين لك معنى الإله، ويزيدك بصيرة قوله تعالى : (( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه )) فيا سبحان الله إذا كان الله يذكر عن أولئك الكفار أنهم يخلصون لله في الشدائد لا يدعون نبياً ولا ولياً وأنت تعلم ما في زمانك أن أكثر ما بهم الكفر والشرك ودعاء غير الله عند الشدائد فهل بعد هذا البيان بيان، وأما كلام أهل العلم فقد ذكر في (الإقناع ) في باب حكم المرتد إجماع المذاهب كلهم على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أنه كافر مرتد حلال المال والدم وذكر فيه أن الرافضي إذا شتم الصحابة فقد توقف الإمام في تكفيره فإن ادعى أن علياً يدعى في الشدائد والرخاء فلا شك في كفره هذا معنى كلامه في الاقناع وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما اعتقد فيه النفع والضر أناس في زمانه حرقهم بالنار مع عبادتهم فكذلك الذين يدعون شمسان وأمثاله وأجناسه لاشك في كفرهم. واعلم أن هذه المسألة مسألة عظيمة جداً وهي التي خلق الله الجن والإنس لأجلها ولكن أكثر الناس لا يعلمون فأنت اعرض هذا الكلام على كل من يدعي العلم وأنا أعيذك بالله وجميع المسلمين من التكبر والعناد الذي يرد صاحبه الحق بعد ما تبين، واعلم أن أكثر القرآن في هذه المسألة وتقريرها وضرب الأمثال لها والله أعلم.



    الرسالة الثانية والعشرون
    ( ص 149 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه من المسلمين.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( وبعد ).
    أخبركم أني – ولله الحمد – عقيدتي وديني الذي أدين الله به مذهب أهل السنة والجماعة الذي عليه أئمة المسلمين مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم إلى يوم القيامة لكني بينت للناس إخلاص الدين لله ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم. وعن إشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة. وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة فأنكر هذا بعض الرؤساء لكونه خالف عادة نشأوا عليها، وأيضاً ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع من المنكرات فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسناً عند العوام فجعلوا قدحهم وعداتهم فيما آمر به من التوحيد وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جداً، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله.
    فنقول : التوحيد نوعان، توحيد الربوبية وهو أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم وهذا حق لابد منه لكن لا يدخل الرجل في الإسلام بل أكثر الناس مقرون به قال الله تعالى : (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ؛ ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون )) وأن الذي يدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الإلهية وهو ألا يعبد إلا الله لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلا وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث والجاهلية يعبدون أشياء مع الله فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة فنهاهم عن هذا وأخبرهم أن الله أرسله ليوحد ولا يدعي أحد لا الملائكة ولا الأنبياء فمن تبعه ووحد الله فهو الذي يشهد أن لا إله إلا الله ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة واستنصرهم والتجأ إليهم فهو الذي جحد لا إله إلا الله مع إقراره أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله وهذه جملة لها بسط طويل ولكن الحاصل أن هذا مجمع عليه بين العلماء.
    فلما جرى في هذه الأمة ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم حيث قال : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذوة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه )) وكان من قبلهم كما ذكر الله عنهم : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) وصار ناس من الضالين يدعون أناساً من الصالحين في الشدة والرخاء مثل عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وعدي بن مسافر وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح صاح عليهم أهل العلم من جميع الطوائف أعني – على الداعي – وأما الصالحون الذين يكرهون
    ذلك فحاشاهم، وبين أهل العلم أن هذا هو الشرك الأكبر عبادة الأصنام فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبد وحده ولا يدعى معه إله آخر والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل الشمس والقمر والصالحين والتماثيل المصورة على صورهم لم يكونوا يعتقدون أنها تنزل المطر أو تنبت النبات وإنما كانوا يعبدون الملائكة والصالحين ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فبعث الله الرسل وأنزل الكتب تنهى عن أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء الاستغاثة.
    واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الملائكة والأولياء والصالحين، ويريدون شفاعتهم والتقرب إليهم وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله فهم لا يدعونها إلا في الرخاء فإذا جاءت الشدائد أخلصوا لله قال الله تعالى : (( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم )) الآية واعلم أن التوحيد : هو إفراد الله سبحانه بالعبادة وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده فأولهم نوح عليه السلام أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي كسر صور الصالحين أرسله الله إلى أناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله تعالى يقولون نريد منهم التقرب إلى الله تعالى ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين. فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين إبراهيم ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله تعالى لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عن غيرهما وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له وأنه لا يخلق ولا يرزق إلا هو، ولا يحيي ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو وأن جميع السموات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره، فإذا أدرت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى : (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون )) وقوله تعالى : (( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجبر ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل فأنى تسحرون )) وغير ذلك من الآيات الدالات على تحقق أنهم يقولون بهذا كله لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد كما كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى ليلا ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله عز وجل ليشفعوا لهم ويدعو رجلا صالحاً مثل اللات أو نبيا مثل عيسى وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على ذلك ودعاهم على إخلاص العبادة لله وحده كما قال تعالى : (( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً )) وقال تعالى : (( له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )) وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدين كله لله والذبح كله لله والنذر كله لله ؛ والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادة كلها لله وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله تعالى بهم هو الذي أحل دماءهم وأموالهم ؛ عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك لا إله إلا الله، فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكاً أو نبياً أو ولياً هو معنى قولك لا إله إلا الله، فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور سواء كان ملكاً أو نبياً أو ولياً أو شجرة أو قبراً أو جنياً لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر فإنهم يقرون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها والكفار والجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله بالتعلق والكفر بما يعبد من دونه، والبراءة منه فإنه لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله قالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب.
    فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني والحاذق منهم يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الأمر إلا الله فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله.
    فإذا عرفت ما قلت لك معرفة قلب وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) الآية وعرفت دين الله الذي بعث به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا أفادك فائدتين :
    الأولى : الفرح بفضل الله وبرحمته قال الله تعالى : (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) وأفادك أيضاً الخوف العظيم فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله خصوصاً إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين : (( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة )) فحينئذ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله.
    واعلم أن الله سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال تعالى : (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً )) وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى : (( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم )) فإذا عرفت ذلك عرفت أن الطريق إلى الله لابد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج كما قال تعالى : (( ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله )) الآية فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل: (( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)). ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حجج الله وبيناته فلا تخف ولا تحزن إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى (( إن جندنا لهم الغالبون )) فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد من الله علينا بكتابة الذي جعله تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها كما قال تعالى : (( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً )) قال بعض المفسرين : هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.
    والحاصل أن كل ما ذكر عنا من الأشياء غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشرك فكله من البهتان.
    ومن أعجب ما جرى من الرؤساء المخالفين أني لما بينت لهم كلام الله وما ذكر أهل التفسير في قوله تعالى : (( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب )) الآية وقوله : (( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله )) وقوله : (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) وما ذكر الله من إقرار الكفار في قوله (( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار )) وغير ذلك. قالوا : القرآن لا يجوز العمل به لنا ولأمثالنا ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون قلت لهم أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية والمالكي والشافعي والحنبلي كل أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم فلما أبو ذلك نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله وذكرت كل ما قالوا بعد ما صرحت الدعوة عند القبور والنذر لها فعرفوا ذلك وتحققوه فلم يزدهم إلا نفوراً وأما التفكير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة وجزاء سيئة مثلها وكذلك من جاهز بسب دين الرسول بعد ما عرف فإنا نبين لكم أن هذا الحق الذي لا ريب فيه وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال.
    فرحم الله من أدى الواجب عليه وتاب إلى الله وأقر على نفسه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يحبه ويرضاه.


    القسم الثالث
    بيان معنى لا إله إلا الله
    وما يناقضها من الشرك في العبادة
    الرسالة الثالثة والعشرون
    ( ص 161 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلي ثنيان بن سعود سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    سألتم عن معني قوله تعالي لنبيه صلي الله عليه وسلم : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) وكونها نزلت بعد الهجرة فهذا مصداق كلامي لكم مراراً عديدة أن الفهم الذي يقع في القلب غير فهم اللسان وذلك أن هذه المسألة من أكثر ما يكون تكرارً عليكم وهي التي بوب لها الباب الثاني في كتاب التوحيد وذلك أن العلم لا يسمي علماً إلا إذا أثمر وإن لم يثمر فهو جهل كما قال تعالي : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وكما قال عن يعقوب ( وإنه لذو علم لما علمناه ) والكلام في تقرير هذا ظاهر، والعلم هو الذي يستلزم العمل ومعلوم تفاضل الناس في الأعمال تفاضلا لا ينضبط وكل ذلك بسبب تفاضلهم في العلم فيكفيك في هذا استدلال الصديق على عمر في قصة أبي جندل مع كونها من أشكل المسائل التي وقعت في الأولين والآخرين شهادة أن محمداً رسول الله، وسر المسألة العلم بلا إله إلا الله، ومن هذا قوله تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم ( ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير. ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ) فإن العلم بهذه الأصول الكبار يتفاضل فيه الأنبياء فضلا عن غيرهم، ولما نهى نوح بنيه عن الشرك أمرهم بلا إله إلا الله فليس هذا تكراراً ؛ بل هذان أصلان مستقلان كبيران وإن كانا متلازمين فالنهي عن الشرك يستلزم الكفر بالطاغوت، ولا إله إلا الله الإيمان بالله، وهذا وإن كان متلازماً فيوضحه لكم الواقع وهو أن كثيراً من الناس يقول لا أعبد إلا الله وأنا أشهد بكذا وأقر بكذا ويكثر الكلام فإذا قيل له ما تقول في فلان وفلان إذا عبدا أو عبدا من دون الله قال ما علي من الناس الله أعلم بحالهم، ويظن بباطنه أن ذلك لا يجب عليه فمن أحسن الاقتران أن الله قرن بين الإيمان به والكفر بالطاغوت فبدأ بالكفر به على الإيمان بالله وقرن الأنبياء بين الأمر بالتوحيد النهى عن الشرك مع أن في الوصية بلا إله إلا الله ملازمة الذكر بهذه اللفظة والإكثار منها ويتبين عظم قدرها كما بين صلى الله عليه وسلم فضل سورة ( قل هو الله أحد ) على غيرها من السور ذكر أنها تعدل ثلث القرآن مع قصرها، وكذلك حديث موسى عليه السلام فإن في ذكره ما يقتضي كثرة الذكر بهذه الكلمة كما في الحديث ( أفضل الذكر لا إله إلا الله ) والسلام

    الرسالة الرابعة والعشرون
    ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن ربيعة مطوع أهل ثادق وهي هذه :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم : من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الرحمن بن ربيعة سلمه الله تعالى وبعد.
    فقد وصل كتابك تسأل عن مسائل كثيرة وتذكرة أن مرادك اتباع الحق، منها مسألة التوحيد، ولا يخفاك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن له : ( إن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ) إلى آخره. فإذا كان الرجل لا يدعي إلى الصلوات الخمس إلا بعد ما يعرف التوحيد وينقاد له فكيف بمسائل جزئية اختلف فيها العلماء. فاعلم أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلي آخرهم إفراد الله بالعبادة كلها ليس فيها حق لملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عن غيرهم فمن ذلك لا يدعي إلا إياه كما قال تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) فمن عبد الله ليلا ونهاراً ثم دعا نبياً أو ولياً عند قبره فقد اتخذ إلهين اثنين ولم يشهد أن لا إله إلا الله لأن الإله هو المدعو كما يفعل المشركون اليوم عند قبر الزبير أو عبد القادر غيرهم وكما يفعل قبل هذا عند قبر زيد وغيره ومن ذبح لله ألف ضحية ثم ذبح لنبي أو غيره فقد جعل إلهين اثنين كما قال تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) والنسك هو الذبح وعلى هذا فقس. فمن أخلص العبادات لله ولم يشرك فيها غيره فهو المشرك الجاحد لقول لا إله إلا الله وهذا الشرك الذي أذكره اليوم قد طبق مشارق الأرض ومغاربها إلا الغرباء المذكورين في الحديث وقليل ما هم، وهذه المسألة لا خلاف فيها بين أهل العلم من كل المذاهب. فإذا أردت مصداق هذا فتأمل باب حكم المرتد في كل كتاب وفي كل مذهب وتأمل ما ذكروه في الأمور التي تجعل المسلم مرتداً يحل دمه وماله منها : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم كيف حكى الإجماع في ( الإقناع ) على ردته ثم تأمل ما ذكروه في سائر الكتب، فإن عرفت أن في المسألة خلافاً ولو في بعض المذاهب فنبهي، وإن صح عندك الإجماع على تكفير من فعل هذا أو رضيه أو جادل فيه فهذه خطوط المويس وابن اسماعيل وأحمد بن يحيى عندنا في إنكار هذا الدين والبراءة منه وهم الآن مجتهدون في صد الناس عنه فإن استقمت على التوحيد وتبينت فيه ودعوت الناس إليه وجاهرت بعداوة هؤلاء خصوصاً ابن يحيى لأنه من أنجسهم وأعظمهم كفراً وصبرت على الأذى في ذلك فأنت أخونا وحبيبنا وذلك محل المذاكرة في المسائل التي ذكرت، فإن بان الصواب معك وجب علينا الرجوع إليك، وإن لم تستقم على التوحيد علماً وعملا ومجاهدة فليس هذا محل المراجعة في المسائل والله أعلم.


    الرسالة الخامسة والعشرون
    ( ص169)
    (رسالة جوابية للشيخ عن كتاب لم نقف عليه ويستغنى عنه بجوابه ).
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد :
    قال الله سبحانه وتعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) وقال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ) وقال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ).
    قيل إنها آخر آية نزلت، وفسر نبي الله صلى الله عليه وسلم الإسلام لجبريل عليه السلام وبناه أيضاً على خمسة أركان، وتضمن كل ركن علماً وعملاً فرضاً على كل ذكر وأنثى لقوله : ( لا ينبغي لأحد يقدم على شيء حتى يعلم حكم الله فيه ).
    فاعلم أن أهمها وأولاها الشهادتان وما تضمنا من النفي والإثبات من حق الله على عبيده، ومن حق الرسالة على الأمة، فإن بان لك شيء من ذلك ما ارتعت وعرفت ما الناس فيه من الجهل والغفلة والإعراض عما خلقوا له، وعرفت ما هم عليه من دين الجاهلية وما معهم من الدين النبوي ؛ وعرفت أنهم بنوا دينهم على ألفاظ وأفعال أدركوا عليها أسلافهم نشأ عليها الصغير وهرم عليها الكبير، ويؤيد ذلك أن الولد إذا بلغ عشر سنين غسلوا له أهله وعلموه ألفاظ الصلاة وحيي على ذلك ومات عليه.
    أتظن من كانت هذه حاله هل شم لدين الإسلام الموروث عن الرسول رائحة ؟ فما ظنك به إذا وضع في قبره وأتاه الملكان وسألاه، عما عاش عليه من الدين بماذا يجيب ؟ : ( هاه هاه، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته )، وما ظنك إذا وقف بين يدي الله سبحانه وسأله : ماذا كنتم تعبدون وبماذا أجبتم المرسلين، بماذا يجيب ؟ رزقنا الله وإياك علماً نبوياً وعملاً خالصاً في الدنيا ويوم نلقاه آمين. فانظر يا رجل حالك وحال أهل هذا الزمان أخذوا دينهم عن آبائهم ودانوا بالعرف والعادة، وما جاز عند أهل الزمان والمكان دانوا يه وما لا فلا، فأنت وذاك، وإن كانت نفسك عليك عزيزة ولا ترضى لها بالهلاك فالتفت لما تضمنت أركان الإسلام من العلم والعمل خصوصا الشهادتين من النفي والإثبات، وذلك ثابت من كلام الله وكلام رسوله.
    قيل إن أول آية نزلت قوله سبحانه بعد اقرأ : ( يا أيها المدثر، قم فأنذر ) قف عندها ثم قف ثم قف ترى العجب العجيب، ويتبين لك ما أضاع الناس من أصل الأصول، وكذلك قوله تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ) وكذلك قوله تعالى : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه )
    الآية، وكذلك قوله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) وغير ذلك من النصوص الدالة على حقيقة التوحيد الذي هو مضمون ما ذكرت في رسالتك أن الشيخ محمداً قرر لكم ثلاثة أصول : توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية والولاء والبراء، وهذا هو حقيقة دين الإسلام ولكن قف عند هذه الألفاظ واطلب ما تضمنت من العلم والعمل ولا يمكن في العلم إلا أنك تقف على كل مسمى منهما مثل الطاغوت أكاد سليمان والمويس وعريعر وأبا ذراع والشيطان رءوسهم كذلك قف عند الأرباب منهم أكادهم العلماء والعباد كائناً من كان أفنوك بمخالفة الدين ولو جهلا منهم فأطعتهم، كذلك قوله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله ) يفسرها قوله تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وإخوانكم ) كذلك قوله تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) وهذه أعم مما قبلها وأضرها وأكثرها وقوعاً، ولكن أظنك وكثير من أهل الزمان ما يعرف من الآلهة المعبودة إلا هبل ويغوث ويعوق ونسرا واللات والعزى ومناة، فإن جاد فهمه عرف أن المقامات المعبودة اليوم من البشر والشجر والحجر ونحوها مثل شمسان وإدريس وأبو حديدة ونحوهم منها. هذا ما أثمر به الجهل والغفلة والأعراض عن تعلم دين الله ورسوله، ومع هذا يقول لكم شيطانكم المويس أن بنيات حرمة وعيالهم يعرفون التوحيد فضلا عن رجالهم، وأيضاً تعلم معنى لا إله إلا الله بدعة استغربت ذلك مني فاحضر عندك جماعة واسألهم عما يسئلون عنه في القبر هل تراهم يعبرون عنه لفظاً وتعبيراً ؟ فكيف إذا طولبوا بالعلم والعلم ؟
    هذا ما أقول لك فإن بان لك شيء من ذلك ارتعت روعة صدق على ما فاتك من العلم والعمل في دين الإسلام أكبر من روعتك التي ذكرت في رسالتك من تجهيلنا جماعتك، ولكن هذا حق من أعرض عما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام فكيف بمن له قريب من أربعين سنة يسب دين الله ورسوله ويبغضه ويصد عنه مهما أمكن ؟ فلما عجز عن التمرد في دينه الباطل، وقيل له أجب عن دينك وجادل دونه وانقطعت حجته أقر أن هذا الذي عليه ابن عبد الوهاب أنه هو دين الله ورسوله، قيل له : فالذي عليه أهل حرمة قال : هو دين الله ورسوله، كيف يجتمع هذا وهذا في قلب رجل واحد ؟ فكيف بجماعات عديدة بين الطائعتين من الاختلاف سنين عديدة ما هو معروف ؟ حتى أن كلا منهم شهر السيف دون دينه واستمر الحرب مدة طويلة وكل منهم يدعي صحة دينه ويطعن في دين الآخر نعوذ بالله من سوء الفهم وموت القلوب أهل دينين مختلفين وطائفتان يقتتلون كل منهم على صحة دينه، ومع هذا يتصور أن الكل دين صحيح يدخل من دان به الجنة (سبحانك هذا بهتان عظيم ) فكيف والناقد بصير، فيا رجل ألق سمعك لما فرض الله عليك خصوصا الشهادتين وما تضمنتاه من النفي والإثبات، ولا تغير باللفظ والفطرة وما كان عليه أهل الزمان والمكان فتهلك.
    فاعلم أن أهم ما فرض على العباد معرفة أن العباد معرفة أن الله رب كل شيء وملكيه ومدبره بإرادته، فإذا عرفت هذا فانظر ما حق من هذه صفاته عليك بالعبودية بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء والتأله المتضمن للذل والخضوع لأمره ونهيه، وذلك قبل فرض الصلاة والزكاة ولذلك يعرف عباده بتقرير ربوبيته ليرتقوا بها إلي معرفة إلهيته التي هي مجموع عبادته على مراده نفياً وإثباتاً علماً وعملاً جملة وتفصيلاً.
    ( هذا آخر الرسالة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ).


    الرسالة السادسة والعشرون
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلي من يصل إليه من علماء الإسلام، أنس الله بهم غربة الدين، وأحيى بهم سنة إمام المتقين، ورسول رب العالمين، سلام عليكم معشر الإخوان ورحمة الله وبركاته أما بعد :
    فإنه قد جرى عندنا فتنة عظيمة، بسبب أشياء نهيت عنها بعض العوام من العادات التي نشؤوا عليها، وأخذها الصغير عن الكبير، مثل عبادة غير الله وتوابع ذلك من تعظيم المشاهد، وبناء القباب على القبور وعبادتها واتخاذها مساجد، وغير ذلك مما بينه الله ورسوله غاية البيان، وأقام الحجة وقطع العذرة، ولكن الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم :
    ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدا ) فلما عظم العوام قطع عاداتهم وساعدهم على إنكار دين الله بعض من يدعي العلم وهو من أبعد الناس عنه- إذ العالم من يخشى الله –فأرضى الناس بسخط الله ؛ وفتح للعوام باب الشرك بالله، وزين لهم وصدهم عن إخلاص الدين لله ؛ وأوهمهم أنه من تنقيص الأنبياء الصالحين، وهذا بعينيه هو الذي جرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن عيسى عليه السلام عبد مربوب، ليس له من الأمر شيء، قالت النصارى : إنه سب المسيح وأمه، وهكذا قالت الرافضة لمن عرف حقوق أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وأحبهم، ولم يغل فيهم، رموه ببغض أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا هؤلاء، لما ذكرت لهم ما ذكره الله ورسوله، وما ذكره أهل العلم من جميع الطوائف، من الأمر بإخلاص الدين لله، والنهي عن مشابهة أهل الكتاب من قبلنا في اتخاذ الأحبار والرهبان أربابآ من دون الله، قالوا لنا تنصم الأنبياء والصالحين والأولياء، والله تعالى ناصر لدينه ولو كره المشركون، وها أنا أذكر مستندي في ذلك، من كلام أهل العلم من جميع الطوائف فرحم الله من تدبرها بعين البصيرة، ثم نصر الله ورسوله وكتابه ودينه، ولم تأخذه في ذلك لومة لائم.
    فأما كلام الحنابلة فقال الشيخ تقي الدين رحمة الله لما ذكر حديث الخوارج : فإذا كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ممن قد انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فيعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة قد يمرق أيضاً ؛ وذلك بأمور منها : الغلو الذي ذمه الله تعالى كالغلو في بعض المشائخ كالشيخ عدي بل الغلو في علي بن أبي طالب بل الغلو في المسيح ونحوه، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يدعوه من دون الله بأن يقول : يا سيدي فلان أغثني أو أجرني، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك ؛ فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل فإن الله أرسل الرسل ليعبده وحده لا يجعل معه إله آخر، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى مثل الملائكة أو المسيح أو العزيز أو الصالحين أو غيرهم، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يدعونهم يقولون : ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) فبعث الله الرسل تنهى أن يدعى أحد من دون الله، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة انتهى، وقال في ( الإقناع ) في أول باب حكم المرتد : أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم فهو كافر إجماعاً.
    وأما كلام الحنفية فقال الشيخ قاسم : في شرح ( درر البحار ) النذر الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلا: يا سيدي إن رد غائبي، أو عوفي مريضي، أو قضيت حاجتي فلك من الذهب أو الطعام الشمع كذا وكذا باطل إجماعاً، بوجوه منها : أن النذر للمخلوق لا يجوز ومنها : أنه ظن الميت يتصرف في الأمر، واعتقاد هذا كفر إلى أن قال : وقد ابتلى الناس بذلك ولا سيما في مولد الشيخ أحمد البدوي، وقال الإمام البزازي في ( فتاويه ) : إذا رأى رفض صوفية زماننا هذا في المساجد مختلطاً بهم جهال العوام الذين لا يعرفون القرآن والحلال والحرام، بل لا يعرفون الإسلام والإيمان، لهم نهيق يشبه نهيق الحمير يقول : هؤلاء لا محالة اتخذوا دينهم لهواً ولعباً، فويل للقضاة والحكام حيث لا يغيرون هذا مع قدرتهم.
    وأما كلام الشافعية فقال الإمام محدث الشام أبو شامة : وهو في زمن الشارح وابن حمدان في كتاب ( الباعث على إنكار البدع والحوادث ) : لكن نبين من هذا ما وقع فيه جماعة من جهال العوام، النابذين لشريعة الإسلام، وهو ما يفعله الطوائف من المنتسبين إلى الفقر الذي حقيقته الافتقار من الإيمان من الإيمان من مؤاخات النساء الأجانب،، واعتقادهم في مشائخ لهم، وأطال رحمه الله الكلام – إلى أن قال :-وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها، ومن هذا ما قد عم الابتلاء به من تزين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد يحكى لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح ثم يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها وهي ما بين عيون وشجر وحائط، وفي مدينة دمشق صانها الله من ذلك مواضع متعددة، ثم ذكر رحمه الله الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض من معه اجعل لنا ذات أنواط قال : ( الله أكبر قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ) انتهى كلامه رحمة الله، وقال : في ( اقتضاء الصراط المستقيم ) إذا كان هذا كلامه صلى الله عليه وسلم في مجرد قصد شجرة لتعليق الأسلحة والعكوف عندها فكيف بما هو أعظم منها الشرك بعينه بالقبور ونحوها ؟
    وأما كلام المالكية فقال أبو بكر ( الطرطوشي ) في كتاب ( الحوادث والبدع ) لما ذكر حديث الشجرة ذات أنواط فانظروا رحمكم الله أين ما وجدتم سدرة أو شجرة، يقصدها الناس ويعظمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء لمرضاهم من قبلها، فهي ذات أنواط فاقطعوها، وذكر حديث العرباض بن سارية الصحيح وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) قال في البخاري : عن أبي الدرداء أنه قال : والله ما أعرف من أمر محمد شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً، وروى مالك في الموطأ عن بعض الصحابة أنه قال : ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة، قال الزهري : دخلت على أنس بدمشق وهو يبكي... فقال : ما أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت، قال الطرطوشي رحمه الله : فانظروا رحمكم الله إذا كان في ذلك الزمن طمس الحق، وظهر الباطل، حتى ما بعرف من الأمر القديم إلا القبلة، فما ظنك بزمنك هذا والله المستعان.
    وليعلم الواقف على هذا الكلام من أهل العلم أعزهم الله أن الكلام في مسألتين :
    ( الأولى ) : أن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لإخلاص الدين لله لا يجعل معه أحد في العبادة والتأله، لا ملك ولا نبي ولا قبر ولا حجر ولا شجر ولا غير ذلك، وأن من عظم الصالحين بالشرك بالله فهو يشبه النصارى وعيسي عليه السلام برئ منهم.
    ( والثانية ) : وجوب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك البدع، وإن اشتهرت بين أكثر العوام، وليعلم أن العوام محتاجون إلى كلام أهل العلم من تحقيق هذه المسائل، ونقل كلام العلماء، فرحم الله من نصر الله ورسوله ودينه ولم تأخذه في الله لومة لائم، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


    الرسالة السابعة والعشرون
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إلى من يصل إليه من المسلمين هدانا الله وإياهم لدينه القويم وسلوك صراطه المستقيم ورزقنا وإياهم ملة الخليلين محمد وإبراهيم.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
    قال الله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) وقال تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) وقال تعالى : ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً ) إلى قوله: ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) فيجب على كل إنسان يخاف الله والنار، أن يتأمل كلام ربه الذي خلقه هل يحصل لأحد من الناس أن يدين الله بغير دين النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ) ودين النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد وهو معرفة لا إله إلا الله، محمد رسول الله والعمل بمقتضاهما.
    فإن قيل : كل الناس يقولونها، قيل منهم من يقولها، ويحسب معناها أنه لا يخلق إلا الله ولا يرزق إلا الله وأشباه ذلك ومنهم من لا يفهم معناها، ومنهم لا من لا يعمل بمقتضاها، ومنهم من لا يعقل حقيقتها، وأعجب من ذلك من عرفها من وجه، وعاداها وأهلها من وجه، وأعجب منه من أحبها وانتسب إلى أهلها، ولم يفرق بين أوليائها وأعدائها، يا سبحان الله العظيم أتكون طائفتان مختلفتين في دين واحد وكلهم على الحق كلا والله ! فماذا بعد الحق إلا الضلال فإذا قيل : التوحيد زين والدين حق إلا التكفير والقتال، قيل اعملوا بالتوحيد ودين الرسول، ويرتفع حكم التكفير والقتال، فإن كان حق التوحيد الإقرار به والإعراض عن أحكامه فضلا عن بغضه ومعاداته، فهذا والله عين الكفر وصريحة، فمن أشكل عليه من ذلك شيء فليطالع سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والسلام عائد عليكم كما بدا ورحمة الله وبركاته.


    الرسالة الثامنة والعشرون
    ومنها رسالة أرسلها إلى أهل الرياض ومنفوحة وهو إذ ذاك مقيم في بلد العيينة، وكتب إلى عبد الله بن عيسى قاضي الدرعية يسجل تحتها بما رآه من الكلام ليكون ذلك سبباً لقولها، وهذا نص الرسالة :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد :
    فقد قال الله تعالى : ( والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد ) وذلك أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم ليبين للناس الحق من الباطل، فبين صلى الله عليه وسلم للناس جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم بياناً تاماً وما مات صلى الله عليه وسلم حتى ترك الناس على المحجبة البيضاء ليلها كنهارها، فإذا عرفت ذلك فهؤلاء الشياطين من مردة الإنسن يحاجون في الله من بعد ما استجيب له إذا رأوا من يعلم الناس ما أمرهم به محمد صلى الله عليه وسلم من شهادة أن لا إله إلا الله وما نهاهم عنه مثل الاعتقاد في المخلوقين الصالحين وغيرهم قاموا يجادلون ويلبسون على الناس ويقولون كيف تكفرون المسلمين كيف تسبون الأموات آل فلان أهل ضيف آل فلان أهل كذا وكذا ومرادهم بهذا لئلا يتبين معنى لا إله إلا الله، ويتبين أن الاعتقاد في الصالحين النفع والضر ودعاءهم كفر ينقل عن الملة فيقولون الناس لهم إنكم قبل ذلك جهال لأي شيء لم تأمرونا بهذا. وأنا أخبركم عن نفسي والله الذي لا إله إلا هو لقد طلبت العلم واعتقد من عرفني أن لي معرفة وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى لا إله إلا الله، ولا أعرف دين الإسلام قبل هذا الخير الذي من الله به. وكذلك مشايخي ما منهم رجل عرف ذلك، فمن زعم من علماء العارض أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت أو زعم عن مشايخه أن أحداً عرف ذلك فقد كذب وافترى ولبس على الناس ومدح نفسه بما ليس فيه. وشاهد هذا أن عبد الله بن عيسى ما نعرف في علماء نجد ولا علماء العارض ولا غيره أجل منه، وهذا كلامه واصل إليكم إن شاء الله فاتقوا الله عباد الله ولا تكبروا على ربكم ولا نبيكم، واحمدوه سبحانه الذي من عليكم ويسر لكم من يعرفكم بدين نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا تكونوا من الذين بدلوا نعمه الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار، إذا عرفتم ذلك فاعلموا أن قول الرجل : لا إله إلا الله نفى وإثبات، إثبات الألوهية كلها لله وحده ونفيها عن الأنبياء والصالحين وغيرهم، وليس معنى الألوهية أنه لا يخلق ولا ولا يرزق ولا يدبر ولا يحيى ولا يميت إلا الله فإن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرون بهذا كما قال تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فتفكروا عباد الله فيما ذكر الله عن الكفار أنهم مقرون بهذا كله لله وحده لا شريك له، وإنما كان شركهم أنهم يدعون الأنبياء والصالحين ويندبونهم وينذرون لهم ويتوكلون عليهم يريدون منهم أنهم يقربونهم إلي الله كما ذكر الله عنهم ذلك في قوله تعالى : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إذا عرفتم ذلك فهؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم من أهل الخرج وغيرهم مشهورون عند الخاص والعام بذلك، وأنهم يترشحون له ويأمرون به الناس ؛ كلهم كفار مرتدون عن الإسلام ومن جادل عنهم أو أنكر على من كفرهم أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلا فلا يخرجهم إلى الكفر فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لا يقبل خطه ولا شهادته ولا يصلي خلفه بل لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم كما قال تعالى : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) ومصداق هذا أنكم إذا رأيتم من يخالف هذا الكلام وينكره فلا يخلو : إما أن يدعى أنه عارف فقولوا له هذا الأمر العظيم لا يغفل عنه فبين لنا ما يصدقك من كلام العلماء إذا لم تعرف كلام الله ورسوله، فإن زعم أن عنده دليلا فقولوا له يكتبه حتى نعرضه على أهل المعرفة، ويتبين لنا أنك على الصواب، ونتبعك فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد بين لنا الحق من الباطل، وإن كان المجادل يقر بالجهل ولا يدعي المعرفة فيا عباد الله كيف ترضون بالأفعال والأقوال التي تغضب الله ورسوله، وتخرجكم عن الإسلام إتباعاً لرجل يقول : إني عارف فإذا طالبتموه بالدليل عرفتم أنه لا علم عنده أو اتباعاً لرجل جاهل، وتعرضون عن طاعة ربكم وما بينه نبيكم صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعده، ما قص الله عليكم في كتابه لعلكم تعتبرون فقال : ( ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون ) وهؤلاء أهلكم الله بالصيحة وأنتم الآن إذا جاءكم من يخبركم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنكم فريقان تختصمون أفلا تخافون أن يصيبكم من العذاب ما أصابهم.
    والحاصل أن مسائل التوحيد ليست من المسائل التي هي من فن المطاوعة خاصة، بل البحث عنها أو تعلمها فرض لازم على العالم والجاهل والمحرم والمحل والذكر والأنثى، وأنا لا أقول لكم : أطيعوني ولكن الذي أقول لكم إذا عرفتم أن الله أنعم عليكم وتفضل عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم والعلماء بعده، فلا ينبغي لكم معاندة محمداً صلى الله عليه وسلم، وقولكم أننا نكفر المسلمين كيف تفعلون كذا كيف تفعلون كذا، فإنا لم نكفر المسلمين بل ما كفرنا إلا المشركين وكذلك أيضآ من أعظم الناس ضلال متصوفة في معكال وغيره مثل ولد موسى بن جوعان وسلامة بن مانع وغيرهما يتبعون مذهب ابن عربي وابن الفارض، وقد ذكر أهل العلم أن ابن عربي من أئمة أهل مذهب الاتحادية وهم أغلظ كفراً من اليهود والنصارى فكل من لم يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم ويتبرأ من دين الاتحادية فهو كافر برئ من الإسلام ولا تصح الصلاة خلفه، ولا تقبل شهادته، والعجب كل العجب أن الذي يدعي المعرفة يزعم أنه لا يعرف كلام الله، ولا كلام رسوله بل يدعى أني أعرف كلام المتأخرين مثل ( الأقناع ) وغيره وصاحب الإقناع قد ذكر أن من شك في كفر هؤلاء السادة والمشائخ فهو كافر، سبحان الله، كيف يفعلون أشياء في كتابهم أن من فعلها كفر ومع هذا يقولون نحن أهل المعرفة وأهل الصواب وغيرنا صبيان جهال، والصبيان يقولون أظهروا لنا كتابكم ويأبون عن إظهاره أما في هذا ما يدل على جهالتهم وضلالتهم، وكذلك أيضاً من جهالة هؤلاء وضلالتهم إذا رأوا من يعلم الشيوخ وصبيانهم أو البدو شهادة أن لا إله إلا الله قالوا : قولوا لهم يتركون الحرام وهذا من عظيم جهلهم فإنهم لا يعرفون إلا ظلم الأموال ؛ وأما ظلم الشرك فلا يعرفون وقد قال الله تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم ) وأين الظلم الذي إذا تكلم الإنسان بكلمة منه أو مدح الطواغيت أو جادل عنهم خرج من الإسلام ولو كان صائما قائماً من الظلم الذي لا يخرج من الإسلام بل إما أن يؤدي إلى صاحبه بالقصاص وإما أن يغفره الله فبين الموضعين فرق عظيم.
    وبالجملة رحمكم الله إذا عرفتم ما تقدم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد بين، الدين، كله فاعلموا أن هؤلاء الشياطين قد أحلوا كثيراً من الحرام في الربا والبيع وغير ذلك، وغير ذلك، وحرموا عليكم كثيراً من الحلال وضيقوا ما وسعه الله فإذا رأيتم الاختلاف فاسألوا عما أمر الله به ورسوله ولا تطيعوني ولا غيري، وسلام عليكم ورحمة الله.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي هدانا لإسلام ومن علينا باتباع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وبعد :
    فبقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن : إن أول واجب على كل ذكر وأنثى معرفة شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أرسل الله بها جميع رسله، وأنزل لأجلها جميع كتبه، وجعلها أعظم حقه على عباده كما ذكرنا الله لنا في كتابه وعلى لسان رسوله في مواضع لا تحصى، منها قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وقال تعالى : (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) وقال (فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) وقد أمر الله عباده بالاستجابة لهذه الكلمة فقال : (استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) وتوعد سبحانه أفضل الخلق وأكرمهم سيد ولد آدم والنبين قبله على مخالفتها فقال :
    (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فكيف بغيرهم من سائر الخلق، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصمون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) فمن نصح نفسه وأهله وعياله، وأراد النجاة من النار، فليعرف شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها العروة الوثقى وكلمة التقوى، لا يقبل الله من أحد عملا إلا بها : لا صلاة، ولا صوماً، ولا حجاً ولا صدقة، ولا جميع الأعمال الصالحة ـ إلا بمعرفتها والعمل بها، وهي كلمة التوحيد، وحق الله على العبيد، فمن أشرك مخلوقاً فيها من ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو ولي، أو صحابي وغيره، أو صاحب قبر أو جني، او غيره، أو استغاث به، أو استعان به فيما لا يطلب إلا من الله أو نر له أو ذبح له، أو توكل عليه أو رجاه أو دعاه دعاء استغاثة أو استعانة، أو جعله واسطة بينه وبين الله لقضاء حاجته، أو لجلب نفع أو كشف ضر، فقد كفر كفر عباد الأصنام القائلين ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى زلفى ) القائلين ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) كما ذكر الله عنهم في كتابه، وهم مخلدون في النار ـ وإن صاموا وصلوا وعملوا بطاعة الله الليل والنهار كما قال تعالى : ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) وغيرها من الآيات، وكذلك من ترشح بشيء من ذلك أو أحب من ترشح له، أو ذب عنه، أو جادل عنه ـ فقد أشرك شركاً لا يغفر، ولا يقبل ولا تصح منه الأعمال الصالحة : الصوم والحج وغيرها : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ) ولا يقبل عمل المشركين، وقد نهى الله نبيه وعباده عن المجادلة عمن فعل مادون الشرك من الذنوب بقوله : ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) فكيف بمن جادل عن المشركين وصد عن رب العالمين ؟ فالله الله عباد لا تغتروا بمن لا يعرف شهادة أن لا إله إلا الله وتلطخ بالشرك وهو لا يشعر ؛ فقد مضى أكثر حياتي ولم أعرف من أنواعه ما أعرفه اليوم، فلله الحمد على ما علمنا من دينه ولا يهولنكم اليوم أن هذا الأمر غريب فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال ( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ) واعتبروا بدعاء أبينا إبراهيم عليه السلام بقوله في دعائه : (واجبني وبني أن نعبد الأصنام. رب إنهن أضللن كثيراً من الناس) ولولا ضيق هذه الكراسة وأن الشيخ محمداً أجاد وأفاد بما أسلفه من الكلام فيها لأطلنا الكلام. وأما الاتحادي ابن عربي صاحب النصوص المخالف للنصوص، وابن الفارض الذي لدين الله محارب وبالباطل للحق معارض، فمن تمذهب بمذهبهما فقد اتخذ مع غير الرسول سبيلا، وانتحل طريق المغضوب عليهم والضالين المخالفين لشريعة سيد المرسلين، فإن ابن عربي، وابن الفارض ينتحلان نحلا تكفرهما وقد كفرهم كثير من العلماء العاملين فهؤلاء يقولون كلاماً أخشى المقت من الله في ذكره فضلا عمن انتحله، فإن لم يتب إلى الله من انتحل مذهبهما وجب هجره وعزله عن الولاية إن كان ذا ولاية من إمامة أو غيرها فإن صلاته غير صحيحة لا لنفسه ولا لغيره، فإن قال جاهل أرى عبد الله توه يتكلم في هذا الأمر، فيعلم أنه إنما تبين لي الآن وجوب الجهاد في ذلك علي وعلى غيري لقوله تعالى: ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) إلى أن قال : ( ملة أبيكم إبراهيم ) وصلى الله على محمد وآله وسلم.


    الرسالة التاسعة والعشرون
    ومنها الرسالة التي أرسلها إلي بعض البلدان قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد : فاعلموا رحمكم الله أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس بشيراً ونذيراً مبشراً لمن اتبعه بالجنة ومنذراً لمن لا يتبعه بالنار، وقد علمتم إقرار كل من له معرفة أن التوحيد الذي بينا للناس هو الذي أرسل الله به رسله، حتى كل مطوع معاند يشهد بذلك وأن الذي عليه غالب الناس من الاعتقادات في الصالحين وفي غيرهم هو الشرك الذي قال الله فيه : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) فإذا تحققتم هذا، وعرفتم أنهم يقولون لو يترك أهل العارض التكفير والقتال كانوا على دين الله ورسوله، ونحن ما جئناكم في التكفير والقتال لكن ننصحكم بهذا الذي قطعتم أنه دين الله ورسوله إن كنتم تعلمونه وتعملون به إن كنتم من أمة محمد باطناً وظاهراً وأنا أبين لكن هذه بمسألة القبلة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته يصلون والنصارى يصلون ولكن قبلته صلى الله عليه وسلم وأمته بيت الله وقبلة النصارى مطلع الشمس فالكل منا ومنهم يصلي ولكن اختلفنا في القبلة، ولو أن رجلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقر بهذا، ولكن يكره من يستقبل القبلة ويحب من يستقبل الشمس أتظنون أن هذا مسلم، وهذا ما نحن فيه فالنبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالتوحيد، وأن لا يدعى مع الله أحد لا نبي ولا غيره والنصارى يدعون عيسى رسول الله، ويدعون الصالحين يقولون ليشفعوا لنا عند الله فإذا كان كل مطوع مقراً بالتوحيد فاجعلوا التوحيد مثل القبلة واجعلوا الشرك مثل استقبال المشرق مع أن هذا أعظم من القبلة، وأنا أنصحكم لله وأنخاكم لا تضيعوا حظكم من الله، وتحبون دين النصارى على دين نبيكم فما ظنكم بمن واجه الله وهو يعلم من قلبه أنه عرف أن التوحيد دينه ودين رسوله وهو يبغضه ويبغض من اتبعه، ويعرف أن دعوة غيره هو الشرك، ويحبه ويحب من اتبعه أتظنون أن الله يغفر لهذا ؟ والنصيحة لمن خاف عذاب الآخرة، وأما القلب الخالي من ذلك فلا والسلام.


    الرسالة الثلاثون
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إلى الأخ فايز سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد :
    مسألة الشرك بالله بينها الله سبحانه، وأكثر الكلام فيها، وضرب لها الأمثال ؛ ومن أعظم ما ذكر فيها قوله : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) مع أن الذين طلبوا منه ليس شرك القلب، وأما كونك تعرفه مثل معرفة الفواحش، وتكرهه كما تكرهها فهذا له سببان أحدهما : اللجوء إلى الله، وكثرة الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم بحضور قلب، الثاني: الفكرة في المثل الذي ضربه الله في سورة الروم بقوله : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) فإذا أمعنت النظر وتأملت لو أن رجلا يشرك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين مسيلمة في الرسالة أنها أكبر قبحاً من الفواحش فكيف لو يشرك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين امرأة زانية، وأنت تعرف أن أهل بلد لو يصلون على شيخهم أو إمامهم كما يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم أعد هذا من أعظم الفواحش بكثير، فإذا وازنت بين هذا وبين ما يفعله أكثر الناس اليوم من دعوة الله ودعوة أبي طالب أو الكواز، أو أخس الناس، أو شجرة أو حجر أو غير ذلك تبين لك أن الأمر أعظم مما ذكرنا بكثير، لكن الذي غير القلوب أن هذا تعودته وألفته، وتلك الأنواع لم تعودها القلوب فلذلك تكرهها لأن القلوب على الفطرة إلا أن تتغير إذا كبرت بالعادات والسلام.

    القسم الرابع
    بيان الأشياء التي يكفر مرتكبها ويجب قتاله
    والفرق بين فهم الحجة وبيان قيام الحجة

    ص 203
    الرسالة الحادية والثلاثون
    ومنها رسالة كتبها إلى أحمد بن إبراهيم مطوع مرات من بلدان الوشم وكان قد أرسل إليه رسالة فأجابه الشيخ بهذه.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى أحمد بن إبراهيم هدانا الله وإياه وبعد :
    ما ذكرت من مسألة التكفير، وقولك أبسط الكلام فيها فلو بيننا اختلاف أمكنني أن أبسط الكلام أو أمتنع، وأما إذا اتفقنا على الحكم الشرعي لا أنت بمنكر الكلام الذي كتبت إليك، ولا أنا بمنكر العبارات التي كتبت إلي، وصار الخلاف في أناس معينين إقرار أن التوحيد الذي ندعو إليه دين الله ورسوله، وأن الذي ننهي عنه في الحرمين والبصرة والحسا هو الشرك بالله، ولكن هؤلاء المعينون هل تركوا التوحيد بعد معرفته وصدوا الناس عنه ؟ أم فرحوا به وأحبوه ودانوا به وتبرأوا من الشرك أهله ؟ فهذه ليس مرجعها إلى طالب العلم بل مرجعها إلى علم الخاص والعام.مثال ذلك إذا صح أن أهل الحسا والبصرة يشهدون أن التوحيد الذي نقول دين الله ورسوله، وأن هذا المفعول عندهم في الأحياء والأموات هو الشرك بالله، ولكن أنكروا علينا التكفير والقتال خاصة. والمرجع في المسألة إلى الحضر والبدو والنساء، والرجال هل أهل قبة الزبير وقبة الكواز تابو من دينهم وتبعوا ما أقروا به من التوحيد؟ أو هم على دينهم، ولو يتكلم الإنسان بالتوحيد فسلامته على أخذ ماله، فإن كنت تزعم أن الكواوزة، وأهل الزبير تابوا من دينهم وعادوا من لم يتب فتبعوا ما أقروا به، وعادوا من خالفه هذا مكابرة، وإن أقررتم أنهم بعد الإقرار أشد عداوة ومسبة للمؤمنين والمؤمنات كما يعرفه الخاص والعام، وصار الكلام في أتباع المويس، وصالح بن عبد الله هل هم مع أهل التوحيد؟ أم هم مع الأوثان ؟ بل أهل الأوثان معهم وهم حزبة العدو وحاملوا الراية، فالكلام في هذا نحيله على الخاص والعام فودى أنك تسرع بالنفور فتتوجه إلى الله وتنظر نظر من يؤمن بالجنة والخلود فيها ويؤمن بالنار والخلود فيها، وتسأله بقلب حاضر أن يهديك الصراط المستقيم هذا مع أنك تعلم ما جرى من ابن إسماعيل، وولد ابن ربيعة سنة الحبس لما شكونا عند أهل قبة أبي طالب يوم يكسيه صاية، وجميع من معك من خاص وعام معهم إلى الآن، وتعرف روحة المويس وأتباعه لأهل قبة الكواز، وسية طالب يوم يكسيه صاية، ويقول لهم طالع الناس ينكرون قببكم، وقد كفروا وحل دمهم ومالهم وصار هذا عندك وعند أهل الوشم، وعند أهل سدير والقصيم من فضائل المويس ومناقبه، وهم على دينه إلى الآن مع أن المكاتيب التي أرسلها علماء الحرمين مع المزيودي سنة الحبس عندنا إلى الآن تتناك، وقد صرحوا فيها أن من أقر بالتوحيد كفر وحل ماله ودمه وقتل في الحل والحرم ويذكرون دلائل على دعاء الأولياء في قبورهم، منها قوله تعالى ( لهم ما يشاءون عند ربهم ) فإن كانت ليست عندك، ولا صبرت إلى أن تجيء فأرسل إلى ولد محمد بن سليمان في وشيقر ولسيف العتيقي يرسلونها إليك ويجيبون عن قوله : (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) أنهم يدعون على أنهم المعطون المانعون بالأصالة، وأما دعوتهم على أنهم شفعاء فهو الدين الصحيح، ومن أنكره قتل في الحل والحرم، وأيضاً جاءنا بعض المجلد الذي صنفه القباني، واستكتبوه أهل الحسا، وأهل نجد وفيه نقل الإجماع على تحسين قبة الكواز وأمثالها، وعبادتها وعبادة سية طالب ويقول في تصنيفه إنه لم يخالف في تصنيفه إلا ابن تيمية وابن القيم، وعشرة أنا عاشرهم فالجميع اثنا عشر، فإذا كان يوم القيامة اعتزلوا وحدهم عن جميع الأمة وأنتم إلى الآن على ما تعلم مع شهادتكم أن التوحيد دين الله ورسوله وأن الشرك باطل وأيضاً مكاتيب أهل الحسا موجودة، فأما ابن عبد اللطيف وابن عفالق وابن مطلق فحشوا بالزبيل أعني : سبابة التوحيد واستحلال دم من صدق به أو أنكر الشرك، ولكن تعرف ابن فيروز أنه أقربهم إلى الإسلام وهو رجل من الحنابلة، وينتحل كلام الشيخ وابن القيم خاصة ومع هذا صنف مصنفاً أرسله إلينا قرر فيه هذا الذي يفعل عند قبر يوسف وأمثاله هو الدين الصحيح واستدل في تصنيفه بقول النابغة :
    أيا قبر النبي وصاحبيه ووا مصيبتنا لو تعلمونا
    وفي مصنف ابن مطلق الاستدلال بقول الشاعر :
    وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب
    ولكن الكلام الأول أبلغ من هذا كله وهو شهادة البدو والحضر والنساء والرجال أن هؤلاء الذين يقولون التوحيد دين الله ورسوله، ويبغضونه أكثر من بغض اليهود والنصارى، ويسبونه، ويصدون الناس عنه، ويجاهدون في زواله وتثبيت الشرك بالنفس والمال خلاف ما عليه الرسل وأتباعهم، فإنهم يجاهدون حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. وأما قولك أبغي أشارو إبراهيم فلا ودي تصير ثالثاً لابن عباد وابن عيد، أما ابن عباد فبقول أي شيء أفعل بالعناقر، وإلا فالحق واضح ونصحتهم وبينت لهم. وابن عيد أنت خابره حاول إبراهيم في الدخول في الدين، وتعذر من الناس أن إبراهيم ممتنع يا سبحان الله ! إذا كان أهل الوشم أهل سدير وغيرهم يقطعون أن كل مطوع في قرية لو ينقاد شيخها ما منهم أحد يتوقف كيف يكون قدر الدين عندكم ؟ كيف قدر رضا الله والجنة ؟ كيف قدر النار وغضب الله ؟ ولكن ودي تفكر فيما تعلم لما اختلف الناس بعد مقتل عثمان، وبإجماع أهل العلم أنهم لا يقال فيهم إلا الحسنى مع أنهم عثو في دمائهم، ومعلوم أن كلا من الطائفتين : أهل العراق، وأهل الشام معتقدة أنها على الحق والأخرى ظالمة، ونبغ من أصحاب علي من أشرك بعلي وأجمع الصحابة على كفرهم وردتهم وقتلهم، لكن حرقهم علي، وابن عباس يرى قتلهم بالسيف أترى أهل الشام لو حملهم مخالفة علي على الاجتماع بهم، والاعتذار عنهم والمقاتلة معهم لو امتنعوا أترى أحداً من الصحابة يشك في كفر من التجأ إليهم ؟ ولو أظهر البراءة من اعتقادهم، وإنما التجأ إليهم وزين مذهبهم لأجل الاقتصاص من قتلة عثمان، فتفكر في هذه القضية فإنها لا تبقى شبهة إلا على من أراد الله فتنته، وغير ذلك قولك أريد أماناً على كذا وكذا فأنت مخالف والخاص والعام يفرحون بجيتك مثل ما فرحوا بجية ابن غنام، والمنقور، وابن عضيب مع أن ابن عضيب أكثر الناس سباً لهذا الدين الآن وراحوا موقرين محشومين كيف لو تجيء أنت كيف تظن أن بجيئك ما تكره، فإن أردت تجديد الأمان على مابغيت فاكتب لي، ولكن تعرف حرصي على الكتب، فإن عزمت على الراضة وعجلتها على قبلك فتراها على بنو الخير، وإن ما جاز عندك كلها فبعضها ولو مجموع ابن رجب ترى ماجاءنا فهو عارية مؤداة وإن لم تأتنا.
    قال ابن القيم في النونيه :
    وقصوده وحقائق الإيمان
    يا فرقة جهلت نصوص نبيها

    بالبغي والتكفير والطغيان
    فسطوا على أتباعه وجنوده

    ولعبده حق هما حقان
    لله حق لا يكون لغيره

    من غير تمييز ولا فرقان
    لا تجعلوا الحقين حقاً واحداً

    المراد تعريفك لما صدقتك وأن لك نظراً في الحق أن في ذلك الزمان من يكفر العلماء إذا ذكروا التوحيد، ويظنونه تنقيصاً للنبي صلى الله عليه وسلم فما ظنك بزمانك هذا ؟ وإذا كان المكفرون ممن يعدون من علمائهم فما ظنك بولد المويس وفاسد وأمثالهما يوضحه تسجيلهم على جواب علماء مكة ونشره وقراءته على جماعتهم ودعوتهم إليه. ذكر ابن عبد الهادي في مناقب الشيخ لما ذكر المحنة التي نالته بسبب الجواب في شد الرحل فالجواب الذي كفروه بسببه ذكر أن كلامه في هذا الكتاب أبلغ منه، فالعجب إذا كان هذا الكتاب عندك والعلماء في زمن الشيخ كفروه بكلام دونه فكيف بالمويس وأمثاله لا يكفروننا بمحض التوحيد ؟ وذكر ابن القيم في النونية ما يصدق هذا الكلام لما قالوا له إنك مثل الخوارج رد عليهم بقوله :
    بالذنب تأويلا بلا إحسان
    من لي بمثل خوارج قد كفروا

    ثم ذكر في البيت الثاني أن هؤلاء لا يكفروننا بمحض الإيمان والخوارج يكفرون بالذنوب، وكلامي هذا تنبيه أن إنكار التوحيد متقدم، وكذلك التفكير لمن اتبعه، وأنت لا تعتقد أن الزمان صلح بعدهم، ولا تعتقد أن المويس وأمثاله أجل وأورع من أولئك الذين كفروا الشيخ وأتباعه، وعد ابن عبد الهادي من كتبه كتاب ( الاستغاثة ) مجلد ولفانا من الشام مع مربد. وسببه أن رجلا من فقهاء الشافعية يقال له ابن البكري عثر على جواب للشيخ في الاستغاثة بالموتى، فأنكر ذلك، وصنف مصنفاً في جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يستغاث الله فيه، وصرح بتكفير الشيخ في ذلك الكتاب وجعله مستنقصاً للأنبياء وأورد فيه آيات وأحاديث. فصنف الشيخ كتاب ( الاستغاثة ) رداً على ابن البكري وقرر فيه مذهب الرسل وأتباعهم، وذكر أن الكفار لم يبلغ شركهم هذا بل ذكر الله عنهم أنهم إذا مسهم الضر أخلصوا ونسوا ما يشركون، والمقصود أن في زمن الشيخ ممن يدعي العلم والتصنيف من أنكر التوحيد، وجعله سباً للأنبياء والأولياء، وكفر من ذهب إليه، فكيف تزعم أن عبدة قبة الكواز وأمثالها ما أنكروه ؟ بل تزعم أنهم قبلوه ودانوا به وتبرءوا من الشرك، ولا أنكروا إلا تكفير من لا يكفر، وأعظم وأطم أنكم تعرفون أن البادية كفروا بالكتاب كله، وتبرءوا من الدين كله واستهزءوا بالحضر الذين يصدقون بالبعث، وفضلوا حكم الطاغوت على شريعة الله واسهزءوا بها مع إقرارهم بأن محمداً رسول الله وأن كتاب الله عند الحضر لكن كذبوا وكفروا واستهزءوا عناداً، ومع هذا تنكرون علينا كفرهم وتصرحون بأن من قال لا إله إلا الله لا يكفر، ثم تذكر في كتابك أنك تشهد بكفر العالم العابد الذي ينكر التوحيد، ولا يكفر المشركين، ويقول هؤلاء السواد الأعظم ما يتيهون، فإن قلم إن الأولين وإن كانوا علماء فلم يقصدوا مخالفة الرسول بل جهلوا، وأنتم وأمثالكم تشهدون ليلاً ونهاراً أن هذا الذي أخرجنا للناس من التوحيد وإنكار الشرك أنه دين الله ورسوله، وأن الخلاف منا والتكفير والقتال، ولو قدرنا أن غيركم يعذر بالجهل فأنتم مصرحون بالعلم والله أعلم.




    الرسالة الثانية والثلاثون
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن فارس، سلام عليكم، وبعد :
    الواصل إليكم مسألة التكفير من كلام العلماء، وذكر في ( الإقناع ) إجماع المذاهب كلها على ذلك، فإن كان عند أحد كلمة تخالف ما ذكروه في مذهب من المذاهب فيذكرها وجزاه الله خيراً، وإن كان يبغي يعاند كلام الله وكلام رسوله، وكلام العلماء، ولا يصغي لهذا أبداً فاعرفوا أن هذا الرجل معاند ما هو بطلاب حق، وقد قال الله تعالى : (( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون)) والذي يدلكم على هذا أن هؤلاء يعتذرون بالتكفير إذا تأملتهم إذا أن الموحدين أعداؤهم يبغضونهم ويستثقلونهم، والمشركون والمنافقون هم ربعهم الذين يستأنسون إليهم، ولكن هذه قد جرت من رجال عندنا في الدرعية وفي العيينة الذين ارتدوا وأبغضوا الدين.
    وقال أيضاً رحمه الله تعالى.
    اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة :
    الأول : الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب.
    الثاني : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كفر إجماعاً.
    الثالث : من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً.
    الرابع : من اعتقد أن غير هدى النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.
    الخامس : من أبغض شيئاَ مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر إجماعاً، والدليل قوله تعالى : (( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ))
    السادس : من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر والدليل قوله تعالى : (( قل أبا لله وآياته ورسوله تستهزؤن، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ))
    السابع : السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضى به كفر والدليل قوله تعالى : (( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ))
    الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى : (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين ))
    التاسع :من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام فهو كافر.
    العاشر : الأعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى :(( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون )) ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، ومن أكثر ما يكون وقوعاً فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه وصلى الله على محمد.








    الرسالة الثالثة والثلاثون
    (ص215)
    ومنها رسالة أرسلها جواباً لرجل من أهل الحسا يقال له أحمد بن عبد الكريم وكان قد عرف التوحيد وكفر المشركين، ثم إنه حصل له شبهة في ذلك، بسبب عبارات رآها في كلام الشيخ تقي الدين ففهم منها غير مراد الشيخ رحمه الله قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلي أحمد بن عبد الكريم، سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
    أما بعد، فقد وصل مكتوبك تقرر المسألة التي ذكرت وتذكر أن عليك إشكالا تطلب إزالته، ثم ورد منك مراسلة تذكر أنك عثرت على كلام الشيخ أزال عنك الإشكال فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام وعلى أي شيء يدل كلامه على أن من عبد الأوثان عبادة أكبر من عبادة اللات والعزى وسب دين الرسول بعد ما شهد به مثل سب أبي جهل أنه لا يكفر بعينه، بل العبارة صريحة واضحة في تكفير مثل ابن فيروز وصالح ابن عبد الله وأمثالهما كفراً ظاهراً ينقل عن الملة فضلا عن غيرهما، هذا صريح واضح في كلام ابن القيم الذي ذكرت وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله، ودعاهم في الشدائد والرخاء، وسب دين الرسل بعد ما أقر به ودان بعبادة الأوثان بعد ما أقر بها، وليس في كلامي هذا مجازفة بل أنت تشهد به عليهم ولكن إذا أعمى الله القلب فلا حيلة فيه. وأنا أخاف عليك من قوله تعالى : ((ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون)) والشبهة التي دخلت عليك هذه البضيعة التي في يديك تخاف تغذى أنت وعيالك إذا تركت بلد المشركين وشاك في رزق الله، وأيضاً قرناء السوء أضلوك كما هي عادتهم، وأنت والعياذ بالله تنزل درجة درجة أول مرة في الشك، وبلد الشرك وموالاتهم والصلاة خلفهم، وبراءتك من المسلمين مداهنة لهم، ثم بعد ذلك طحت على ابن غنام وغيره، وتبرأت من ملة إبراهيم، وأشهدتهم على نفسك باتباع المشركين من غير إكراه لكن خوف ومداراة، وغاب عنك قوله تعالى في عمار بن ياسر وأشباهه : (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)) إلى قوله : (( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على طمأنينة قلبه. والإكراه لا يكون على العقيدة بل على القول والفعل فقد صرح بأن من قال المكفر أو فعله فقد كفر إلا المكره بالشرط المذكور، وذلك أن ذلك بسبب العقيدة فتفكر في نفسك هل أكرهوك وعرضوك على السيف مثل عمار أم لا ؟ وتفكر هل هذا بسبب أن ته عقيد تغيرت أم بسبب إيثار الدنيا ؟ ولم يبق عليك إلا رتبة واحدة وهي : أنك تصرح مثل ابن رفيع تصريحاً بمسبة دين الأنبياء، وترجع إلى عبادة العيدروس وأبي حديدة وأمثالهما، ولكن المر بيد القلوب فأول ما أنصحك به أنك تفكر هل هذا الشرك الذي عندكم هو الشرك الذي ظهر نبيك صلى الله عليه وسلم ينهي عنه أهل مكة، أم شرك أهل مكة نوع آخر أغلظ منه ؟ أم هذا أغلظ فإذا أحكمت المسألة، وعرفت أن غالب من عندكم سمع الآيات وسمع كلام أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، وأقر به وقال أشهد أن هذا هو الحق ونعرفه قبل ابن عبد الوهاب، ثم بعد ذلك يصرح بمسبة ما شهد أنه الحق، ويصرح بحسن الشرك وأتباعه وعدم البراءة من أهله فتفكر هل هذه مسألة أو مسألة الردة الصريحة التي ذكرها أهل العلم في الردة ؟ ولكن العجب من دلائلك التي ذكرت كأنها أتت ممن لا يسمع ولا يبصر. أما استدلالك بترك النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده تكفير المنافقين وقتلهم فقد عرفه الخاص والعام ببديهة العقل أنهم لو يظهرون كلمة واحدة أو فعلا واحداً من عبادة الأوثان أو مسبة التوحيد الذي جاء الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم يقتلون أشر قتله فإن كنت تزعم أن الذين عندكم أظهروا اتباع الدين الذي تشهد أنه دين الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبرؤا من أشرك بالقول والفعل، ولم يبق إلا أشياء خفية تظهر على صفحات الوجه أو فلتة لسان في السر، وقد تابوا من دينهم الأول وقتلوا الطواغيت وهدموا البيوت المعبودة فقل لي، وإن كنت تزعم أن الشرك الذي خرج عليه رسول الله عليه وسلم أكبر من هذا فقل لي وإن كنت تزعم أن الإنسان إذا أظهر الإسلام لا يكفر إذا أظهر عبادة الأوثان، وزعم أنها الدين، وأظهر سب دين الأنبياء وسماه دين أهل العارض وأفتى بقتل من أخلص لله الدين وإحراقه وحل ماله فهذه مسألتك، وقد قررتها وذكرت أن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لم يقتلوا أحداً ولم يكفروه من أهل الملة، أما ذكرت قول الله تعالى: (( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض )) إلى قوله: (( ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا )) واذكر قوله : (( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها )) إلى قوله : (( فخذوهم واقتلوهم )) واذكر قوله في الاعتقاد في الأنبياء : (( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )) واذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أشخص رجلاً معه الراية إلى من تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله فأي هذين أعظم ؟ تزوج امرأة الأب أو سب دين الأنبياء بعد معرفته، واذكر أنه قد هم بغزو بني المصطلق لما قيل إنهم منعوا الزكاة حتى كذب الله من نقل ذلك، واذكر قوله في أعبد هذه الأمة وأشدهم اجتهاداً : (( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة )) واذكر قتال الصديق وأصحابه ما نعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ؛ واذكر إجماع الصحابة على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم، وردتهم لما قالوا كلمة في تقرير بنوه مسيلمة، ولكن الصحابة اختلفوا في قبول توبتهم لما تابوا، والمسألة في صحيح البخاري وشرحه في الكفالة، واذكر إجماع الصحابة لما استفتاهم عمر على أن من زعم أن الخمر تحل للخواص مستدلا بقوله تعالى : (( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا )) مع كونه من أهل بدر، وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في على مثل اعتقاد هؤلاء في عبد القادر، وردتهم، وقتلهم، فأحرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم أحياء فخالفه ابن عباس في الإحراق وقال : يقتلون بالسيف، مع كونهم من أهل القرن الأول أخذوا العلم عن الصحابة، واذكر إجماع أهل العلم من التابعين وغيرهم على قتل الجعد بن درهم. قال ابن القيم :
    شكر الضحية كل سنة لله درك من أخي قربان
    ولو ذهبنا نعدد من كفره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردته وقتله لطال الكلام لكن من آخر ما جرى قصة بني عبيد ملوك مصر، وطائفتهم وهم يدعون أنهم من أهل البيت، ويصلون الجمعة والجماعة، ونصبوا القضاة والمفتين أجمع العلماء على كفرهم وردتهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب يجب قتالهم ولو كانوا مكرهين مبغضين لهم، واذكر كلامه في ( الإقناع ) و(شرحه) في الردة كيف ذكروا أنواعاً كثيرة موجودة عندكم، ثم قال منصور : وقد عمت البلوى بهذه الفرق وأفسدوا كثيراً من عقائد أهل التوحيد نسأل الله العفو والعافية. هذا لفظه بحروفه، ثم ذكر قتل الواحد منهم وحكم ماله هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة من أصحابه إلى زمن منصور إن هؤلاء يكفر أنواعهم لا أعيانهم. وأما عبارة الشيخ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، فإذا كان المعين، يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله : (( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه )) وقوله (( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)) وإذا كان كلام الشيخ ليس في الشرك والردة بل في المسائل الجزئيات سواء كانت من الأصول أو الفروع، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم في مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة الاستواء أو غير ذلك مذهب السلف، ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله والذي درج عليه هو وأصحابه، ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره، ويرجحونه ويسبون من خالفه. فلو قدرنا أنها لم تقم الحجة على غالبهم قامت على هذا المعين الذي يحكي مذهب الأشعري ومن معه فكلام الشيخ في هذا النوع يقول : إن السلف كفروا النوع، وأما المعين فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه وإلا لم يكفروا. وأنا أذكر لك من كلامه ما يصدق هذا لعلك تنتفع إن هداك الله وتقوم عليك الحجة قياماً بعد قيام، وإلا فقد قامت عليك وعلى غيرك قبل هذا. وقال رحمه الله في ( اقتضاء الصراط المستقيم ) في الكلام على قوله (( وما أهل لغير الله به )) ظاهره أنه ما ذبح لغير الله حرم سواء لفظ به أو لم يلفظ وهذا أظهر من تحريم ما ذبح للحم وقال فيه باسم المسيح ونحوه، فإن عبادة الله والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فكذلك الشرك بالنسك لغيره أعظم من الاستعانة باسمه، وعلى هذا لو ذبح لغير الله متقرباً إليه وإن قال فيه بسم الله كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال لكن يجتمع في الذبيحة مانعان، ومن هذا الباب ما قد يفعله الجاهلون بمكة وغيرها من الذبح للجن انتهى كلامه بحروفه، فانظر كلامه لمن ذبح لغير الله وسمى الله عليه عند الذبح أنه مرتد تحرم ذبيحته ولو ذبحها للأكل، لكن هذه الذبيحة تحرم من جهتين : من جهة أنها مما أهل به لغير الله، وتحرم أيضا لأنها ذبيحة مرتد يوضح ذلك ما ذكرته أن المنافقين إذا أظهروا نفاقهم صاروا مرتدين فأين هذا من نسبتك عنه أنه لا يكفر أحد بعينه، وقال أيضا في أثناء كلامه على المتكلمين ومن شاكلهم لما ذكر عن أئمتهم شيئا من أنواع الردة والكفر.
    وقال رحمة الله وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم المشركون واليهود والنصارى أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من النبيين والملائكة وغيرهم، فإن هذا أظهر شرائع الإسلام ثم تجد كثيرا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين، وكثير منهم تارة يرتد عن الإسلام ردة صريحة وتارة يعود إليه مع مرض في قلبه ونفاق والحكاية عنهم في ذلك مشهورة.
    وقد ذكر ابن قتيبة من ذلك طرفا في أول ( مختلف الحديث )، وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في الردة كما صنف الفخر الرازي في عبادة الكواكب، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين هذا لفظه بحروفه. فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية، وبين ما نحن فيه في كفر المعين وتأمل تكفيره رؤوسهم فلانا وفلانا بأعيانهم وردتهم ردة صريحة، وتأمل تصريحه بحكاية الإجماع على ردة الفخر الرازي عن الإسلام مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه أن المعين لا يكفر ؟ ولو دعا عبد القادر في الرخاء والشدة ولو أحب عبد الله بن عون وزعم أن دينه حسن مع عبادته أبي حديدة ولو أبغضك واستنجسك مع أنك أقرب الناس إليه لما رآك ملتفتا بعض الالتفات إلى التوحيد، مع كونك توافقهم على شيء من شركهم وكفرهم. وقال الشيخ أيضا : في رده على بعض المتكلمين وأشباههم : والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة وفيهم زهد وأخلاق فهذا لا يوجب السعادة إلا بالإيمان بالله وحده وإنما قوة الذكاء بمنزلة قوة البدن، وأهل الرأي والعلم بمنزلة الملك والإمارة فكل منهم لا ينفعه ذلك إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويتخذه إلها دون ما سواه وهو معنى قول لا إله إلا الله، وهذا ليس في حكمتهم ليس فيها إلا أمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة المخلوقات، بل كل شرك في العالم إنما حدث بزي جنسهم فهم الآمرون بالشرك الفاعلون له، ومن لم يأمر منهم بالشرك فلم ينه عنه بل يقر هؤلاء وهؤلاء ـ وإن رجح الموحدين ترجيحا ما فقد يرجح غيره المشركين وقد يعرض عن الأمرين جميعا، فتدبر هذا فإنه نافع جدا، وكذلك الذين كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد فإنما توحيدهم بالقول لا بالعبادة والعمل، والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإخلاص الدين كله لله وعبادته وحده لا شريك له وهذا شيء لا يعرفونه، والتوحيد الذي يدعونه إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات فلو كانوا موحدين بالكلام وهو أن يصفوا الله بما وصفته به رسله لكان معهم التوحيد دون العمل وذلك لا يكفيء في النجاة، بل لابد أن يعبد الله وحده ويتخذه إلها دون ما سواه، وهو معنى قوله : لا إله إلا الله فكيف وهم في القول معطلون جاحدون ولا مخلصون انتهى. فتأمل كلامه واعرضه على ماغرك به الشيطان من الفهم الفاسد الذي كذبت به الله ورسوله، وإجماع الأمة، وتحيزت به إلى عبادة الطواغيت فإن فهمت هذا وإلا أشير عليك أنك تكثر من التضرع والدعاء إلى من الهداية بيده فإن الخطر عظيم فإن الخلود في النار جزاء الردة الصريحة ما يسوى بضيعة تربح تومانا أو نصف تومان وعندنا ناس يجيئون بعيالهم بلا مال ولا جاعوا ولا شحذوا وقد قال الله في هذه المسألة : (( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون، وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم والله أعلم.



    الرسالة الرابعة والثلاثون
    (ص225)
    ومنها رسالة كتبها الشيخ رحمه الله إلى سليمان بن سحيم صاحب تلك الرسالة التي شنع بها على الشيخ المتقدمة قبل ذلك وجوابها، وكان الشيخ رحمه الله قد أرسل له وتلطف له قبل ذلك فلما تبين للشيخ أنه معاند للحق والإيمان ومن أعوان أهل الشرك والطغيان كتب له هذه الرسالة وهذا نص الرسالة :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الذي يعلم به سليمان بن سحيم أنك زعجت قرطاسة فيها عجائب، فإن كان هذا قدر فهمك فهذا من أفسد الأفهام، وإن كنت تلبس به على الجهال فما أنت برابح وقبل الجواب نذكر لك أنك أنت وأباك مصرحون بالكفر والشرك والنفاق، ولكن صائر لكم عند جماعة في معكال قصاصيب وأشباههم يعتقدون أنكم علماء، ونداريكم ودنا أن الله يهديكم ويهديهم وأنت إلى الآن أنت وأبوك لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله أنا أشهد بهذا شهادة يسألني الله عنها يوم القيامة أنك لا تعرفها إلى الآن ولا أبوك، ونكشف لك هذا كشفا بينا لعلك تتوب إلى الله وتدخل في دين الإسلام إن هداك الله، وإلا تبين لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر حالكما، والصلاة وراءكما وقبول شهادتكما وخطكما، ووجوب عداوتكما كما قال تعالى ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله وأكشف عن ذلك بوجوه :
    الأول : أنكم تقرون أن الذي يأتيكم من عندنا هو الحق وأنت تشهد به ليلا ونهارا، وإن جحدت هذا شهد عليك الرجال والنساء ثم مع هذه الشهادة أن هذا دين الله وأنت وأبوك مجتهدان في عداوة هذا الدين ليلا ونهارا ومن أطاعكما، وتبهتون وترمون المؤمنين بالبهتان العظيم، وتصورون على الناس الأكاذيب الكبار فكيف تشهد أن هذا دين الله ثم تتبين في عداوة من تبعه ؟
    ( الوجه الثاني) : أنك تقول إني أعرف التوحيد وتقر أن من جعل الصالحين وسائط فهو كافر والناس يشهدون عليك أنك تروح للمولد وتقرأه لهم وتحضرهم وهم ينخون ويندبون مشايخهم ويطلبون منهم الغوث والمدد وتأكل اللقم من الطعام المعد لذلك، فإذا كنت تعرف أن هذا كفر فكيف تروح لهم وتعاونهم عليه وتحضر كفرهم ؟
    ( الوجه الثالث ) : أن تعليقهم التمائم من الشرك بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر تعليق التمائم صاحب (الإقناع) في أول الجنائز وأنت تكتب الحجب وتأخذ عليها شرطاً حتى إنك كتبت لامرأة حجابا لعلها تحبل وشرطت لك أحمرين وطالبتها تريد الأحمرين فكيف تقول إني أعرف التوحيد وأنت تفعل هذه الأفاعيل ؟ وإن أنكرت فالناس يشهدون عليك بهذا.
    (الوجه الرابع) : أنك تكتب في حجبك طلاسم، وقد ذكر (في الإقناع) أنها من السحر، والسحر يكفر صاحبه فكيف تفهم التوحيد وأنت تكتب الطلاسم ؟ وإن جحدت فهذا خط يدك موجود.
    (الوجه الخامس) : أن الناس فيما مضى عبدوا الطواغيت عبادة ملأت الأرض بهذا الذي تقر أنه من الشرك ينخونهم ويندبونهم ويجعلونها وسائط وأنت وأبوك تقولان نعرف هذا لكن ما سألونا فإذا كنتم تعرفونه كيف يحل لكم أن تتركا الناس يكفرون ما تنصحانهم ولو لم يسألوكم ؟
    (الوجه السادس) : أنا لما أنكرنا عبادة غير الله بالغتم في عداوة هذا الأمر وإنكاره، وزعمتم أنه مذهب خامس وأنه باطل وإن أنكرتما فالناس يشهدون بذلك وأنتم مجاهرون به فكيف تقولون هذا كفر ؟ ولكن ما سألونا عنه، فإذا قام من يبين للناس التوحيد قلتم إنه غير الدين وآت بمذهب خامس، فإذا كنت تعرف التوحيد وتقر أن كلامي هذا حق فكيف تجعله تغييراً لدين الله وتشكونا عند أهل الحرمين، والأمور التي تدل على أنك أنت وأباك لا تعرفان شهادة أن لا إله إلا الله لا تحصر، لكن ذكرنا الأمور التي لا تقدر تنكرها وليتك تفعل المنافقين الذين قال الله فيهم : (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)) لأنهم يخفون نفاقهم وأنت وأبوك تظهران للخاص والعام.
    وأما الدليل على أنك رجل معاند ضال على علم مختار الكفر على الإسلام فمن وجوه :
    (الأول) : أني كتبت ورقة لابن صالح من سنتين فيها تكفير الطواغيت شمسان وأمثاله، وذكرت فيها كلام الله ورسوله وبينت الأدلة فلما جاءتك نسختها بيدك لموسى بن سليم ثم سجلت عليها وقلت ما ينكر هذا إلا أعمى القلب، وقرأها موسى في البلدان وفي منفوحة وفي الدرعية وعندنا، ثم راح بها للقبلة فإذا كنت من أول موافقا لنا على كفرهم وتقول ما ينكر هذا إلا من أعمى الله بصيرته فالعلم الذي جاءك بعد هذا يبين لك أنهم ليسوا بكفار بينه لنا.
    (الوجه الثاني) : أني أرسلت لك رسالة الشيخ تقي الدين التي يذكر فيها أن من دعا نبيا أو صحابيا أو وليا مثل : أن يقول يا سيدي فلان أنصرني وأغثني أنه كافر بالإجماع فلما أتتك استحسنتها وشهدت أنها حق وأنت تشهد به الآن فما الموجب لهذه العداوة.
    (الوجه الثالث) : أنه إذا أتاك أحد من أهل المعرفة أقررت أن هذا دين الله وأنه الحق وقلته على رؤوس الأشهاد، وإذا خلوت مع شياطينك وقصاصيبك فلك كلام آخر.
    (الوجه الرابع) : أن عبد الرحمن الشنيفي ومن معه لما أتوك وذاكروك أقررت بحضرة شياطينك أن هذا هو الحق وشهدت أن الطواغيت كفار وتبرأت من طالب الحمضي، وعبد الكريم، وموسى بن نوح فأي شيء بان لك بأن هذا باطل وأن الذي تبرأت منهم وعاديتهم أنهم على حق ؟
    (الوجه الخامس): أنك لما خرجت من عند الشيوخ وأتيت عند الشنيقي جحدت الكلام الذي قلت في المجلس، فإن كان الكلام حقا فلأي شيء تجحده وأنت وأبوك مقران أنكما لا تعرفان كلام الله ورسوله لكن تقولان نعرف كلام صاحب (الإقناع) وأمثاله؟ وأنا أذكر لك كلام صاحب (الإقناع) أنه مكفرك ومكفر أباك في غير موضع من كتابه:
    الأول : أنه ذكر في أول سطر من أحكام المرتد أن الهازل بالدين
    يكفر وهذا مشهور عنك، وعن ابن أحمد بن نوح الاستهزاء بكلام الله ورسوله وهذا كتابكم كفركم.
    الثاني : أنه ذكر في أوله أن المبغض لما جاء به الرسول كافر بالإجماع ولو عمل به، وأنت مقر أن هذا الذي أقول في التوحيد أمر الله ورسوله، والنساء والرجال يشهدون عليكم أنكم مبغضون لهذا الدين مجتهدون في تنفير الناس عنه، والكذب والبهتان على أهله فهذا كتابكم كفركم.
    الثالث : أنه ذكر من أنواع الردة إسقاط حرمة القرآن، وأنتم كذلك تستهزئون بمن يعمل به وتزعمون أنهم جهال وأنكم علماء.
    الرابع : أنه ذكر أن من ادعى في علي بن أبي طالب ألوهية أنه كافر، ومن شك في كفره فهو كافر وهذه مسألتك التي جادلت بها في مجلس الشيوخ وقد صرح في (الإقناع) بأن من شك في كفرهم فهو كافر فكيف بمن جادل عنهم وادعى أنهم مسلمون، وجعلنا كفارا لما أنكرنا عليهم ؟
    الخامس أنه ذكر أن السحر يكفر بتعلمه وتعليمه والطلاسم من جملة السحر، فهذه ستة مواضع في (الإقناع) في باب واحد أن من فعلها فقد كفر، وهي دينك ودين أبيك، فإما أن تبرؤوا من دينكم هذا، وإلا فأجيبوا عن كلام صاحب الإقناع وكلامنا هذا لغيرك الذين عليهم الشرهة مثل الشيوخ أو من يصلي وراءك كادوا أن الله يهديهم ويعزلونك أنت وأبوك عن الصلاة بالناس لئلا تفسد عليهم دينهم وإلا فأنا أظنك لا تقبل ولا يزيدك هذا الكلام إلا جهالة وكفراً. وأما الكلام الذي لبست به على الناس فأنا أبينه إن شاء الله كلمة وذلك أن جملة المسائل التي ذكرت أربعا :
    الأولى : النذر لغير الله تقول إنه حرام ليس بشرك.
    الثانية : أن من جعل بينه وبين الله وسائط كفر. أما الوسائط بأنفسهم فلا يكفرون
    الثالثة : عبارة العلماء أن المسلم لا يجوز تكفيره بالذنوب
    الرابعة : التذكير ليلة الجمعة لا ينبغي الأمر بتركه هذه المسائل التي ذكرت
    فأما المسألة الأولى : فدليلك قولهم إن النذر لغير الله حرام بالإجماع فاستدللت بقولهم حرام على أنه ليس بشرك، فإن كان هذا قدر عقلك فكيف تدعي المعرفة ؟ ياويلك ما تصنع بقول الله تعالى : ( قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) فهذا يدل على أن الشرك حرام ليس بكفر ياهذا الجاهل الجهل المركب ما تصنع بقول الله تعالى : ( قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن )إلى قوله : (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ) هل يدل هذا التحريم على أنه لا يكفر صاحبه ؟ يا ويلك في أي كتاب وجدته إذا قيل لك هذا حرام إنه ليس بكفر، فقولك إن ظاهر كلامهم أنه ليس بكفر كذب وافتراء على أهل العلم بل يقال ذكر أنه حرام، وأما كونه كفر فيحتاج إلى دليل آخر والدليل عليه أنه صرح في (الإقناع) أن النذر عبادة ومعلوم أن لا إله إلا الله معناها لا يعبد إلا الله. فإذا كان النذر عبادة وجعلتها لغيره كيف لا يكون شركا ؟
    وأيضا مسألة الوسائط تدل على ذلك والناس يشهدون أن هؤلاء الناذرين يجعلونهم وسائط وهم مقرون بذلك.
    وأما استدلالك بقوله : من قال أنذروا لي وأنه إذا رضي وسكت لا يكفر فبأي دليل ؟ غاية ما يقال إنه سكت عن الآخذ الراضي وعلم من دليل آخر، والدليل الآخر أن الرضى بالكفر كفر صرح به العلماء وموالاة الكفار كفر، وغير ذلك هذا إذا قدر أنهم لا يقولونه فكيف وأنت وغيرك تشهد عليهم أنهم يقولون ويبالغون فيه ؟ ويقصون على الناس الحكايات التي ترسخ الشرك في قلوبهم، ويبغض إليهم التوحيد ويكفرون أهل العارض لما قالوا لا يعبد إلا الله. وأما قولك ما رأينا للترشيح معنى في كلام العلماء فمن أنت حتى تعرف كلام العلماء ؟.
    وأما الثانية : وهي أن الذي يجعل الوسائط هو الكافر، وأما المجعول فلا يكفر فهذا كلام تلبيس وجهالة، ومن قال إن عيسى وعزيراً وعلي بن أبي طالب وزيد بن الخطاب وغيرهم من الصالحين يلحقهم نقص بجعل المشركين إياهم وسائط حاشا وكلا (( ولاتزر وازرة وزر أخرى )) وإنما كفرنا هؤلاء الطواغيت أهل الخرج وغيرهم بالأمور التي يفعلونها هم منها أنهم يجعلون آباءهم وأجدادهم وسائط، ومنها أنهم يدعون الناس إلى الكفر، ومنها أنهم يبغضون عند الناس دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أن أهل العارض كفروا لما قالوا لا يعبد إلا الله وغير ذلك من أنواع الكفر وهذا أمر أوضح من الشمس لا يحتاج إلى تقرير، ولكن أنت رجل جاهل مشرك مبغض لدين الله، وتلبس على الجهال الذين يكرهون دين الإسلام ويحبون الشرك ودين آباؤهم، وإلا فهؤلاء الجهال لو أن مرادهم اتباع الحق عرفوا أن كلامك من أفسد ما يكون.
    وأما المسألة الثالثة : وهي من أكبر تلبيسك الذي تلبس به على العوام أن أهل العلم قالوا : لا يجوز تكفير المسلم بالذنب وهذا حق ولكن ليس هذا ما نحن فيه، وذلك أن الخوارج يكفرون من زنى أو سرق أو سفك الدم بل كل كبيرة إذا فعلها المسلم كفر.
    وأما أهل السنة فمذهبهم : أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك، ونحن ما كفرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشرك وأنت رجل من أجهل الناس تظن أن من صلى وادعى أنه مسلم لا يكفر، فإذا كنت تعتقد ذلك فما تقول في المنافقين الذين يصلون ويصومون ويجاهدون قال الله تعالى فيهم ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) وما تقول في الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أينما لقيتموهم فاقتلوهم ) أتظنهم ليسوا من أهل القبلة ؟ ما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر وغيره فأضرم لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل نارا فأحرقهم بها وأجمعت الصحابة على قتلهم، لكن ابن عباس أنكر تحريقهم بالنار، وقال يقتلون بالسيف أتظن هؤلاء ليسوا من أهل القبلة ؟ أم أنت تفهم الشرع وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفهمونه ؟ أرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قاتلوا من منع الزكاة، فلما أرادوا التوبة قال أبو بكر لا نقبل توبتكم حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار أتظن أن أبا بكر وأصحابه لا يفهمون ؟ وأنت وأبوك الذين تفهمون يا ويلك أيها الجاهل الجهل المركب إذا كنت تعتقد هذا، وأن من أم القبلة لا يكفر فما معنى هذه المسائل العظيمة الكثيرة التي ذكرها العلماء في باب حكم المرتد التي كثير منها في أناس أهل زهد وعبادة عظيمة، ومنها طوائف ذكر العلماء أن من شك في كفرهم فهو كافر، ولو كان الأمر على زعمك لبطل كلام العلماء في حكم المرتد إلا مسألة واحدة وهي الذي يصرح بتكذيب الرسول وينتقل يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ونحوهم هذا هو الكفر عندك يا ويلك ما تصنع بقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان )) وكيف تقول هذا وأنت تقر أن من جعل الوسائط كفر ؟ فإذا كان أهل العلم في زمانهم حكموا على كثير من أهل زمانهم بالكفر والشرك أتظن أنكم صلحتم بعدهم يا ويلك ؟ وأما مسألة التذكير فكلامك فيها من أعجب العجاب أنت تقول بدعة حسنة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )) ولم يستثن شيئا تشير علينا به فنصدقك أنت وأبوك لأنكم علماء ونكذب رسول الله، والعجب من نقلك الإجماع فتجمع مع الجهالة المركبة الكذب الصريح والبهتان فإذا كان في (الإقناع) في باب الأذان قد ذكر كراهيته في مواضع متعددة أتظن أنك أعلم من صاحب (الإقناع) أم تظنه مخالفاً للإجتماع ؟ وأيضا لما جاءك عبد الرحمن الشنيفي أقررت لهم أن التذكير بدعة مكروهة فمتى هذا العلم جاءك ؟ وأما قولك أمر الله بالصلاة على نبيه على الإطلاق فأيضا أمر الله بالسجود على الإطلاق في قوله (( اركعوا واسجدوا )) فيدل هذا على السجود للأصنام أو يدل على الصلاة في أوقات النهي فإن قلت ذاك قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم قلنا وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البدع وذكر أن كل بدعة ضلالة ومعلوم أن هذا حادث من زمن طويل وأنكره أهل العلم منهم صاحب (الإقناع) وقد ذكر السيوطي في كتاب (الأوائل) أن أول ما حدث التذكير يوم الجمعة لتهيؤ الناس لصلاتها بعد السبعمائة في زمن الناصر بن قلاوون فأرنا كلام واحد من العلماء أرخص فيه وجعله بدعة حسنة فليس عندك إلا الجهل المركب والبهتان والكذب. وأما استدلالك بالأحاديث التي فيها إجماع الأمة والسواد الأعظم وقوله : (( من شذ شذ في النار)) و (( يد الله على الجماعة)) وأمثال هذا فهذا أيضا من أعظم ما تلبس به على الجهال، وليس هذا معنى الأحاديث بإجماع أهل العلم كلهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام سيعود غريباً فكيف يأمرنا باتباع غالب الناس ؟ وكذلك الأحاديث الكثيرة منها قوله : (( ويأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه )) و أحاديث عظيمة كثيرة يبين صلى الله عليه وسلم أن الباطل يصير أكثر من الحق وأن الدين يصير غريباً، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم : (( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )) هل بعد هذا البيان بيان يا ويلك، كيف تأمر بعد هذا باتباع أكثر الناس ؟ ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقرّ به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها، فإن كان الصواب عندكَ اتباع هؤلاء فبين لنا، وإن كان عنزة وآل ظفير وأشباههم من البوادي هو السواد الأعظم ولقيت في علمك وعلم أبيك أن اتباعهم حسن فاذكر لنا ونحن نذكر كلام أهل العلم في معنى تلك الأحاديث ليتبين للجهال الذين موهت عليهم.
    قال ابن القيم رحمه الله في ( أعلام الموقعين ) : واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض. وقال عمرو بن ميمون سمعت ابن مسعود يقول : (( سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن وقتها فصل الصلاة وحدك) وهي الفريضة ((ثم صل معهم لك نافلة )). قلت : يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدثون، قال : وما ذاك ؟ قلت : تأمرني بالجماعة ثم تقول صلّ الصلاة وحدك !. قال : يا عمرو بن ميمون، لقد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة ؟ قلت : لا، قال : جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك.
    وقال نعيم بن حماد : إذا فسدت الجماعة فعليك بما كان عليه الجماعة قبل أن تفسد الجماعة، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ، وقال بعض الأئمة وقد ذكر له السواد الأعظم أتدري ما السواد الأعظم هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه الذين جعلوا السواد الأعظم والحجة والجمهور والجماعة فجعلوهم عياراً على السنة وجعلوا السنة بدعة، وجعلوا المعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار وقالوا : (( من شذ شذ في النار )) وعرف المتخلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان عليه الناس كلهم إلا واحداً فهم الشاذون، وقد شذ الناس كلهم في زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة يومئذ والمفتون والخليفة وأتباعهم كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم تحمل ذلك عقول الناس قالوا للخليفة يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون على الباطل، وأحمد وحده على الحق فلم يتسع علمه لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل فلا إله إلا الله ما أشبه الليلة بالبارحة انتهى كلام ابن القيم يا سلامه ولد أم سلامة. هذا كلام الصحابة في تفسير السواد الأعظم، وكلام التابعين، وكلام السلف وكلام المتأخرين حتى ابن مسعود ذكر في زمانه أن أكثر الناس فارقوا الجماعة، وأبلغ من هذه الأحاديث المذكورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غربة الإسلام وتفرق هذه الأمة أكثر من سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة فإن كنت وجدت في علمك وعلم أبيك ما يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء، وإن عنزة وآل ظفير والبوادي يجب علينا اتباعهم فأخبرونا. كتبه محمد بن عبد الوهاب وصلى الله على محمد وآله وسلم )).


    الرسالة الخامسة والثلاثون
    (ص 239 )
    ومنها رسالة أرسلها إلى مطاوعة أهل الدرعية وهو إذ ذاك في بلد العيينة قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب وعبد الله بن عبد الرحمن حفظهم الله تعالى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد : فقد ذكر لي أحمد أنه مشكل عليكم الفتيا بكفر هؤلاء الطواغيت، مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس والذين يعبدونهم مثل طالب وأمثاله. فيقال : أولا دين الله تعالى ليس لي دونكم فإذا أفتيت أو عملت بشئ وعلمتم أني مخطئ وجب عليكم تبين الحق لأخيكم المسلم، وإن لم تعلموا وكانت المسألة من الواجبات مثل التوحيد فالواجب عليكم أن تطلبوا وتحرصوا حتى تفهموا حكم الله ورسوله في تلك المسألة، وما ذكر أهل العلم قبلكم فإذا تبين حكم الله ورسوله بياناً كالشمس فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يرده لكونه مخالفاً لهواه أو لما عليه أهل وقته ومشايخه فإن الكفر كما قال ابن القيم في نونيته :
    فالكفر ليس سوى العناد ورد ما جاء الرسول به لقول فلان
    فانظر لعلك هكذا دون التي قد قالها فتبوء بالخسران
    ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه بل الواجب السكوت والتوقف، فإذا تحققتم الخطأ بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن لأجل مسألة أو مائة أو مائتين أخطأت فيهن فإني لا أدعي العصمة وأنتم تقرون أن الكلام الذي بينته في معنى لا إله إلا الله هو الحق الذي لا ريب فيه، سبحان الله إذا كنتم تقرون بهذا فرجل بين الله به دين الإسلام، وأنتم ومشايخكم ومشايخهم لم يفهموه ولم يميزوا بين دين محمد صلى الله عليه وسلم ودين عمرو بن لحى الذي وضعه للعرب بل دين عمرو عندهم دين صحيح ويسمونه رقة القلب والاعتقاد في الأولياء، ومن لم يفعل فهو متوقف لا يدري ما هذا ولا يفرق بينه وبين دين محمد صلى الله عليه وسلم، فالرجل الذي هداكم الله به لهذا إن كنتم صادقين لو يكون أحب إليكم من أموالكم وأولادكم لم يكن كثيراً فكيف يقال أفتى في مسألة الوقف ؟ أفتى في كذا أفتي في كذا كلها ولله الحمد على الحق إلا أنها مخالفة لعادة الزمان ودين الآباء، وأنا إلى الآن أطلب الدليل من كل من خالفني فإذا قيل له استدل أو اكتب أو اذكر حاد عن ذلك وتبين عجزه لكن يجتهدون الليل والنهار في صد الجهال عن سبيل الله ويبغونها عوجا اللهم إلا إن كنتم تعتقدون أن كلامي باطل وبدعة مثل ما قال غيركم، وأن الاعتقاد في الزاهد وشمسان والمطيوية والاعتماد عليهم هو الدين الصحيح وكل ما خالفه بدعة وضلالة فتلك مسألة أخرى ـ إذا ثبت هذا فتكفير هؤلاء المرتدين انظروا في كتاب الله من أوله إلى آخره والمرجع في ذلك إلى ما قاله المفسرون والأئمة، فإن جادل منافق بكون الآية نزلت في الكفار فقولوا له هل قال أحد من أهل العلم أولهم وآخرهم إن هذه الآيات لا تعم من عمل بها من المسلمين من قال هذا قبلك ؟ وأيضاً فقولوا له هذا رد على إجماع الأمة فإن استدلالهم بالآيات النازلة في الكفار على من عمل بها ممن انتسب إلى الإسلام أكثر من أن تذكر، وهذا أيضاً كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن فعل مثل هذه الأفاعيل مثل الخوارج العباد الزهاد الذين يحقر الإنسان الصحابة عندهم وهم بالإجماع لم يفعلوا ما فعلوا إلا باجتهاد وتقرب إلى الله وهذه سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن خالف الدين ممن له عبادة واجتهاد مثل تحريق علي رضي الله عنه من اعتقد فيه بالنار، وأجمع الصحابة على قتلهم وتحريقهم إلا ابن عباس رضي الله عنهما خالفهم في التحريق فقال : يقتلون بالسيف، وهؤلاء الفقهاء من أولهم إلى آخرهم عقدوا باب حكم المرتد للمسلم إذا فعل كذا وكذا، ومصداق ذلك في هذه الكتب الذي يقول المخالف جمعوا فيها الثمر وهم أعلم منا.... وهم..... انظروا افي متن (الإقناع) في باب حكم المرتد هل صرح أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أنه كافر بإجماع الأمة، وذكر فيمن اعتقد في علي بن أبي طالب دون ما يعتقد طالب في حسين وإدريس أنه لا شك في كفره بل لا يشك في كفر من شك في كفره، وأنا ألزم عليكم أنكم تحققون النظر في عبارات (الإقناع) وتقرءونها قراءة تفهم وتعرفون ما ذكر في هذا، وما ذكر في التشنيع علي من الأصدقاء عرفتم شيئاً من مذاهب الآباء وفتنة الأهواء ـ إذا تحققتم ذلك وطالعتم الشروح والحواشي، فإذا إني لم أفهمه وله معنى آخر فأرشدوني وعسى الله أن يهدينا وإياكم إخواننا لما يحب ويرضى ولا يدخل خواطركم غلظة هذا الكلام، فالله سبحانه يعلم قصدي به والسلام )).


    الرسالة السادسة والثلاثون
    (ص 243 )
    وله أيضاً أسكنه الله الفردوس الأعلى.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إلى الأخوان سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ وبعد :
    ما ذكرتم من قول الشيخ كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً، فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ؛ وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : (( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) وقيام الحجة نوع، وبلغوها نوع وقد قامت عليهم وفهمهم إياها نوع آخر وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها. إن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله : صلى الله عليه وسلم في الخوارج (( أينما لقيتموهم فاقتلوهم )) وقوله : (( شر قتلى تحت أديم السماء )) مع كونهم في عصر الصحابة ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد وهم يظنون أنهم يطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها، وكذلك قتل علي رضي الله عنه الذين اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة مع مبادئهم وصلاتهم وصيامهم وهم يظنون أنهم على حق، وكذلك إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية وغيرهم مع علمهم وشدة عبادتهم وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل كونهم لم يفهموا. إذا علمتم ذلك فإن هذا الذي أنتم فيه كفر، الناس يعبدون الطواغيت ويعادون دين الإسلام فيزعمون أنه ليس ردة لعلهم ما فهموا الحجة، كل هذا بين، وأظهر مما تقدم الذين حرقهم علي فإنه يشابه هذا، وأما إرسال كلام الشافعية وغيرهم فلا يتصور يأتيكم أكثر مما أتاكم فإن كان معكم بعض الإشكال فارغبوا إلى الله تعالى أن يزيله عنكم والسلام....

    القسم الخامس
    توجيهات عامة للمسلمين في الاعتقاد
    والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

    الرسالة السابعة والثلاثون
    (ص249)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف حفظه الله تعالى سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد :
    فقد وصل إلينا من ناحيتكم مكاتيب فيها إنكار وتغليظ علي ولما قيل إنك كتبت معهم وقع في الخاطر بعض الشيء لأن الله سبحانه نشر لك من الذكر الجميل وأنزل في قلوب عباده لك من المحبة ما لم يؤته كثيرا من الناس لما يذكر عنك من مخالفة من قبلك من حكام السوء، وأيضا لما أعلم منك من محبة الله ورسوله وحسن الفهم واتباع الحق ولو خالفك فيه كبار أئمتكم لأني اجتمعت بك من نحو عشرين وتذاكرت أنا وإياك في شيء من التفسير والحديث وأخرجت لي كراريس من البخاري كتبتها ونقلت على هوامشها من الشروح وقلت في مسألة الإيمان التي ذكر البخاري في أول الصحيح، هذا هو الحق الذي أدين الله به فأعجبني هذا الكلام لأنه خلاف مذهب أئمتكم المتكلمين وذاكرتني أيضا في بعض المسائل فكنت أحكي لمن يتعلم مني ما منّ الله به عليك من حسن الفهم ومحبة الله والدار الآخرة فلأجل هذا لم أظن فيك المسارعة في هذا الأمر لأن الذين قاموا فيه مخطئون على كل تقدير، لأن الحق إن كان مع خصمهم فواضح وإن كان معهم فينبغي للداعي إلى الله أن يدعو بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقد أمر الله رسوليه موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وينبغي للقاضي أعزه الله بطاعته لما ابتلاه الله بهذا المنصب أن يتأدب بالآداب التي ذكرها الله في كتابه الذي أنزل ليبين للناس ما اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يوقنون فمن ذلك لا يستخفنه الذين لا يوقنون، ويثبت عند سعايات الفساق والمنافقين ولا يعجل، وقد وصف الله المنافقين في كتابه بأوصافهم، وذكر شعب النفاق لتجتنب ويجتنب أهلها أيضا. فوصفهم بالفصاحة والبيان وحسن اللسان بل وحسن الصورة في قوله : (( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم ))، ووصفهم بالمكر والكذب والاستهزاء بالمؤمنين في أول البقرة، ووصفهم بكلام ذي الوجهين ووصفهم بالدخول في المخاصمات بين الناس بما لا يحب الله ورسوله في قوله : (( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ))، ووصفهم باستحقار المؤمنين والرضا بأفعالهم، ووصفهم بغير هذا في البقرة وبراءة وسورة القتال وغير ذلك. كل ذلك نصيحة لعباده ليجتنبوا الأوصاف ومن تلبس بها، ونهى الله نبيه عن طاعتهم في غير موضع فكيف يجوز من مثلك أن يقبل مثل هؤلاء ؟ وأعظم من ذلك أن تعتقد أنهم من أهل العلم وتزورهم في بيوتهم وتعظمهم، وأنا لا أقول هذا في واحد بعينه، ولكن نصيحة وتعريف بما في كتاب الله من سياسة الدين والدنيا لأن أكثر الناس قد نبذه وراء ظهره. وأما ما ذكر لكم عني فإني لم آته بجهالة بل أقول ولله الحمد والمنة وبه القوة إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين، ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق وصفة الأمر غير خاف عليكم ما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وأتباعهم والأئمة كالشافعي وأحمد وأمثالهما ممن أجمع أهل الحق على هدايتهم، وكذلك ما درج عليه من سبقت له من الله الحسنى من أتباعهم، وغير خاف عليكم ما أحدث الناس في دينهم من الحوادث، وما خالفوا فيه طريق سلفهم، ووجدت المتأخرين أكثرهم قد غير وبدل، وسادتهم وأئمتهم وأعلمهم وأعبدهم وأزهدهم مثل ابن القيم والحافظ الذهبي والحافظ العماد ابن كثير والحافظ ابن رجب قد اشتد نكيرهم على أهل عصرهم الذين هم خير من ابن حجر، وصاحب الإقناع بالإجماع، فإذا استدل عليهم زمانهم بكثرتهم وإطباق الناس على طريقتهم قالوا هذا من أكبر الأدلة على أنه باطل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته تسلك مسالك اليهود والنصارى حذو القذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وقد ذكر الله في كتابه أنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وأنهم كتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند الله وأنهم تركوا كتاب الله والعمل به، وأقبلوا على ما أحدثه أسلافهم من الكتب وأخبر أنه وصاهم بالإجتماع، وأنهم لم يختلفوا لخفاء الدين بل اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم (( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون )) والزبر الكتب، فإذا فهم المؤمن قول الصادق المصدوق (( لتبعن سنن من كان قبلكم )) وجعله قبلة تبين له أن هذه الآيات وأشباهها ليست على ما ظن الجاهلون أنها كانت في قوم كانوا فبانوا، بل يفهم ما ورد عن عمر رضى الله عنه أنه قال في هذه الآيات مضى القوم وما يعني به غيركم، وقد فرض الله على عباده في كل صلاة أن يسألوه الهداية إلى صراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم الذين هم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فمن عرف دين الإسلام وما وقع الناس فيه من التغيير له عرف مقدار هذا الدعاء وحكمة الله فيه.
    والحاصل أن صورة المسألة هل الواجب على كل مسلم أن يطلب علم ما أنزل الله على رسوله ولا يعذر أحد في تركه البتى ؟ أم يجب عليه أن يتبع (التحفة) مثلا. فأعلم المتأخرين وسادتهم منهم ابن القيم قد أنكروا هذا غاية الإنكار، وأنه تغيير لدين الله واستدلوا على ذلك بما يطول وصفه من كتاب الله الواضح، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم البين لمن نور الله قلبه، والذين يجيزون ذلك أو يوجبونه يدلون بشبه واهية لكن أكبر شبههم على الإطلاق أنا لسنا من أهل ذلك، ولا نقدر عليه ولا يقدر عليه إلا المجتهد، وإنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، ولأهل العلم في إبطال هذه الشبهة ما يحتمل مجلدا ومن أوضحه قول الله تعالى : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) وقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عدى بهذا الذي أنتم عليه اليوم في الأصول والفروع لا أعلمهم يزيدون عليكم مثقال حبة خردل بل يبين مصداق قوله (( حذو القذة بالقذة )) إلى آخره، وكذلك فسرها المفسرون لا أعلم بينهم اختلافا، ومن أحسنه ما قاله أبو العالية : أما إنهم لم يعبدوهم ولو أمروهم بذلك ما أطاعوهم ؛ ولكنهم وجدوا كتاب الله فقالوا لا نسبق علماءنا بشيء، ما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا، وهذه رسالة لا تحتمل إقامة الدليل ولا جواباً عما يدلي به المخالف لكن أعرض عليه من نفسي الإنصاف والانقياد للحق فإذن أردتم على الرد بعلم وعدل فعندكم كتاب (أعلام الموقعين) لابن القيم عند ابن فيروز في مشرفه فقد بسط الكلام فيه على هذا الأصل بسطا كثيرا، وسرد من شبه أئمتكم ما لا تعرفون أنتم ولا آباؤكم، وأجاب عنها واستدل لها بالدلائل الواضحة القاطعة، منها أمر الله ورسوله عن أمركم هذا بعينه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصفوة من قبل أن يقع وحذروا الناس منه، وأخبروا أنه لا يصير على الدين إلا الواحد بعد الواحد، وأن الإسلام يصير غريبا كما بدأ، وقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله عمرو بن عبسة في أول الإسلام : من معك على هذا ؟ قال حر وعبد يعني أبا بكر وبلالا، فإذا كان الإسلام يعود كما بدأ فما أجهل من استدل بكثرة الناس وإطباقهم أشباه هذه الشبهة التي هي عظيمة عند أهلها حقيرة عند الله وعند أولي العلم من خلقه كما قال تعالى : (( بل قالوا مثل ما قال الأولون )) فلا أعلم لكم حجة تحتجون بها إلا وقد ذكر الله في كتابه أن الكفار استدلوا بها على تكذيب الرسل مثل إطباق الناس، وطاعة الكبراء وغير ذلك. فمن من الله عليه بمعرفة دين الإسلام الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف قدر هذه الآيات والحجج وحاجة الناس إليها، فإن زعمتم أن ذكر هؤلاء الأئمة لمن كان من أهله، فقد صرحوا بوجوبه على الأسود والأحمر والذكر والأنثى، وأن ما بعد الحق إلا الضلال، وأن قول من قال ذلك صعب مكيدة من الشيطان كاد بها الناس عن سلوك الصراط المستقيم الحنيفية ملة إبراهيم، وإن بان لكم أنهم مخطئون فبينوا لي الحق حتى أرجع إليه، وإنما كتبت لكم هذا معذرة من الله ودعوة إلى الله لأحصل ثواب الداعين إلى الله وإلا أنا أظن أنكم لا تقبلونه وأنه عندكم من أنكر المنكرات من أن الذي يعيب هذا عندكم مثل من يعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكن أنت من سبب ما أظن فيك من طاعة الله لا أبعد أن يهديك الله إلى الصراط المستقيم ويشرح قلبك للإسلام فإذا قرأته فإن أنكره قلبك فلا عجب فإن العجب ممن نجا كيف نجا فإن أصغى إليه قلبك بعض الشيء فعليك بكثرة التضرع إلى الله والإنطراح بين يديه خصوصا أوقات الإجابة كآخر الليل وأدبار الصلوات، وبعد الأذان وكذلك بالأدعية المأثورة خصوصا الذي ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )) فعليك بالإلحاح بهذا الدعاء بين يدي من يجيب المضطر إذا دعاه، وبالذي هدى إبراهيم لمخالفة الماس كلهم وقل يا معلم إبراهيم علمتني، وإن صعب عليك مخالفة الناس ففكر في قول الله تعالى : (( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا (( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله )) وتأمل قوله في الصحيح (( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يقبض العلم )) إلى آخره، وقوله : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )) وقوله : (( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )) والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة أفردت بالتصنيف فإني أحبك، وقد دعوت لك في صلاتي وأتمنى من قبل هذه المكاتيب أن يهديك الله لدينه القيم، ولا يمنعني من مكاتبتك إلا ظني أنك لا تقبل وتسلك مسلك الأكثر، ولكن لا مانع لما أعطى الله والله لا يتعاظم شيئا أعطاه وما أحسنك تكون في آخر هذا الزمان فاروقا لدين الله كعمر رضي الله عنه في أوله فإنك لو تكون معنا لانتصفنا ممن أغلظ علينا. وأما هذا الخيال الشيطاني الذي اصطاد به الناس أن من سلك هذا المسلك فقد نسب نفسه للاجتهاد وترك الإقتداء بأهل العلم وزخرفه بأنواع الزخارف فليس هذا بكثير من الشيطان وزخارفه كما قال تعالى : (( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا )) فإن الذي أنا عليه وأدعوكم إليه هو في الحقيقة الاقتداء بأهل العلم فإنهم قد وصوا الناس بذلك، ومن أشهرهم كلاما في ذلك إمامكم الشافعي قال : لابد أن تجدوا عني ما يخالف الحديث فكل ما خالفه فأشهدكم أني قد رجعت عنه، وأيضا أنا في مخالفتي هذا العالم لم أخالفه وحدي فإذا اختلفت أنا وشافعي مثلا في أبوال مأكول اللحم وقلت القول بنجاسته يخالف حديث العرنيين ويخالف حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرابض الغنم فقال هذا الجاهل الظالم أنت أعلم بالحديث من الشافعي ؟ قلت أنا لم أخالف الشافعي من غير إمام اتبعته بل اتبعت من هو مثل الشافعي أو أعلم منه قد خالفه واستدل بالأحاديث فإذا قال أنت أعلم من الشافعي قل أنت أعلم من مالك وأحمد فقد عارضته بمثل ما عارضني به وسلم الدليل من المعارض، واتبعت قول الله تعالى : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) واتبعت من اتبع الدليل في هذه المسألة من أهل العلم لم أستدل بالقرآن أو الحديث وحدي حتى يتوجه علي ما قيل وهذا على التنزل وإلا فمعلوم أن اتباعكم لابن حجر في الحقيقة ولا تعبئون بمن خالفه من رسول أو صاحب أو تابع حتى الشافعي نفسه ولا تعبئون بكلامه إذا خالف نص ابن حجر وكذلك غيركم إنما اتباعهم لبعض المتأخرين لا للأئمة فهؤلاء الحنابلة من أقل الناس بدعة، وأكثر (الإقناع) و(المنتهى) مخالف لمذهب أحمد ونصه يعرف ذلك من عرفه، ولا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم، وإنما الشأن إذا اختلفوا هل يجب علي أن أقبل الحق ممن جاء به وأرد المسألة إلى الله والرسول مقتديا بأهل العلم، أو انتحل بعضهم من غير حجة وأزعم أن الصواب في قوله فأنتم على هذا الثاني وهو الذي ذمة الله وسماه شركا، وهو اتخاذ العلماء أربابا وأنا على الأول أدعو إليه وأناظر عليه، فإن كان عندكم حق رجعنا إليه وقبلناه منكم وإن أردت النظر في (أعلام الموقعين) فعليك بمناظرة في أثنائه عقدها بين مقلد وصاحب حجة، وإن ألقى في ذهنك أن ابن القيم مبتدع وأن الآيات التي استدل بها ليس هذا معناها فأضرع إلى الله وأسأله أن يهديك لما اختلفوا فيه من الحق وتجرد إلى ناظر أو مناظر، واطلب كلام أهل العلم في زمانه مثل الحافظ الذهبي وابن كثير وابن رجب وغيرهم، ومما ينسب للذهبي رحمة الله :
    العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس خلف فيه
    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
    فإن لم تتبع هؤلاء فانظر كلام الأئمة قبلهم كالحافظ البيهقي في كتاب (المدخل) والحافظ ابن عبد البر والخطابي وأمثالهم ومن قبلهم كالشافعي وابن جرير وابن قتيبة وأبي عبيد فهؤلاء إليهم المرجع في كلام الله وكلام رسوله وكلام السلف، وإياك وتفاسير المحرفين للكلم عن مواضعه وشروحهم فإنها القاطعة عن الله وعن دينه، وتأمل ما في كتاب (الاعتصام) للبخاري وما قال أهل العلم في شرحه، وهل يتصور شيء أصرح مما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على أكثر من سبعين فرقة أخبر كلهم في النار إلا واحدة، ثم وصف تلك الواحدة أنها التي على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنتم مقرون أنكم على غير طريقتهم وتقولون ما نقدر عليها ولا يقدر عليها إلا المجتهد فجزمتم أنه لا ينتفع بكلام الله وكلام رسوله إلا المجتهد، وتقولون يحرم على غيره أن يطلب الهدى من كلام الله وكلام رسوله وكلام أصحابه فجزمتم وشهدتم أنكم على غير طريقتهم معترفين بالعجز عن ذلك، وإذا كنتم مقرين أن الواجب على الأولين اتباع كتاب الله وسنة رسوله لا يجوز العدول عن ذلك وأن هذه الكتب والتي خير منها لو تحدث في زمن عمر بن الخطاب لفعل بها وبأهلها أشد الفعل ولو تحدث في زمن الشافعي وأحمد لاشتد نكيرهم لذلك، فليت شعري متى حرم الله هذا الواجب وأوجب هذا المحرم، ولما حدث قليل من هذا لا يشبه ما أنتم عليه في زمن الإمام اشتد إنكاره لذلك ولما بلغه عن بعض أصحابه أنه يروى عنه مسائل بخراسان قال أشهدكم أني قد رجعت عن ذلك، ولما رأى بعضهم يكتب كلامه أنكر عليه وقال تكتب رأيا لعلي أرجع عنه غدا أطلب العلم مثلما طلبناه، ولما سئل عن كتاب أبي ثور قال كل كتاب ابتدع فهو بدعة ومعلوم أن أبا ثور من كبار أهل العلم وكان أحمد يثني عليه وكان ينهي الناس عن النظر في كتب أهل العلم الذين يثنى عليهم ويعظمهم ولما أخذ بعض أئمة الحديث كتب أبي حنيفة هجره أحمد وكتب إليه إن تركت كتب أبي حنيفة أتيناك تسمعنا كتب ابن المبارك، ولما ذكر له بعض أصحابه أن هذه الكتب فيها فائدة لمن لا يعرف الكتاب والسنة قال إن عرفت الحديث لم تحتج إليها، وإن لم تعرفه لم يحل لك النظر فيها وقال عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله يقول : (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )) قال : أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك، ومعلوم أن الثوري عنده غاية وكان يسميه أمير المؤمنين. فإذا كان هذا كلام أحمد في كتب نتمنى الآن أن نراها فكيف بكتب قد أقر أهلها على أنفسهم أنهم ليسوا من أهل العلم وشهد عليهم بذلك ولعل بعضهم مات وهو لا يعرف مادين الإسلام الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وشبهتكم التي ألقيت في قلوبكم أنكم لا تقدرون على فهم كلام الله ورسوله والسلف الصالح، وقد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة )) إلى آخره، فتأمل هذه الشبهة أعني قولكم لا نقدر على ذلك وتأمل ما حكى الله عن اليهود في قوله : (( وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم )) وقوله : (( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون )) وقوله (( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) وقوله (( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )) واطلب تفاسير هذه الآيات من كتب أهل العلم واعرف من نزلت فيه واعرف الأقوال والأفعال التي كانت سببا لنزول هذه الآيات، ثم اعرضها على قولهم لا نقدر على فهم القرآن والسنة تجد مصداق قوله (( لتتبعن سنن من كان قبلكم )) وما في معناه من الأحاديث الكثيرة فلتكن قصة إسلام سلمان الفارسي منكم على بال ففيها أنه لم يكن على دين الرسل إلا الواحد بعد الواحد حتى إن آخرهم قال عند موته : لا أعلم على وجه الأرض أحدا على ما نحن فيه ولكن قد أظل زمان نبي، واذكر مع هذا قول الله تعالى : (( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم)) فحقيق لمن نصح نفسه وخاف عذاب الآخرة أن يتأمل ما وصف الله به اليهود في كتابه خصوصا ما وصف به علماءهم ورهبانهم من كتمان الحق ولبس الحق بالباطل والصد عن سبيل الله، وما وصفهم الله أي علماءهم من الشرك والإيمان بالجبت والطاغوت وقولهم للذين كفروا : (( هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا )) لأنه عرف أن كل ما فعلوا لا بد أن تفعله هذه الأمة وقد فعلت، وإن صعب عليك مخالفة الكبرا ولم يقبل ذهنك هذا الكلام فأحضر بقلبك أن كتاب الله أحسن الكتب وأعظمها بيانا وأشفى لداء الجهل وأعظمها فرقا بين الحق والباطل والله سبحانه قد عرف تفرق عباده واختلافهم قبل أن يخلقهم، وقد ذكر في كتابه : (( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة )) وأحضر قلبك هذه الأصول وما يشابهما في ذهنك، واعرضها على قلبك فإنه إن شاء الله يؤمن بها على سبيل الإجمال فتأمل قوله : (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا )) وتكرير هذا الأصل في مواضع كثيرة وكذلك قوله : (( أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سطان )) فكل حجة تحتجون بها تجدها مبسوطة في القرآن وبعضها في مواضع كثيرة، فأحضر بقلبك أن الحكيم الذي أنزل كتابه شفاء من الجهل فارقا بين الحق والباطل لا يليق منه أن يقرر هذه الحجج ويكررها مع عدم حاجة المسلمين إليها ويترك الحجج التي يحتاجون إليها ويعلم أن عباده يفترقون حاشا أحكم الحاكمين من ذلك ومما يهون عليك مخالفة من خالف الحق وإن كان من أعلم الناس وأذكاهم وأعظمهم جهلا ولو اتبعه أكثر الناس ما وقع في هذه الأمة من افتراقهم في أصول الدين وصفات الله تعالى وغالب من يدعي المعرفة، وما عليه المتكلمون وتسميتهم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حشوا وتشبيها وتجسيما مع أنك إذا طالعت في كتاب من كتب الكلام مع كونه يزعم أن هذا واجب على كل أحد وهو أصل الدين تجد الكتاب من أوله إلى آخره لا يستدل على مسألة منه بآية من كتاب الله ولا حديث عن رسول الله اللهم إلا أن يذكره ليحرفه عن مواضعه، وهم معترفون أنهم لم يأخذوا أصولهم من الوحي بل من عقولهم، ومعترفون أنهم مخالفون للسلف في ذلك مثل ما ذكر في فتح الباري في مسألة الإيمان على قول البخاري، وهو قول وعمل ويزيد وينقص فذكر إجماع السلف على ذلك، وذكر عن الشافعي أنه نقل الإجماع على ذلك، وكذلك ذكر أن البخاري نقله ثم بعد ذلك حكى كلام المتأخرين ولم يرده فإن نظرت في كتاب التوحيد في آخر الصحيح ـ فتأمل تلك التراجم ـ وقرأت في كتب أهل العلم من السلف ومن أتلاعهم من الخلف ونقلهم الإجماع على وجوب الإيمان بصفات الله تعالى وتلقيها بالقبول وأن من جحد شيئاً منها أو تأول شيئاً من النصوص فقد افترى على الله وخالف إجماع أهل العلم أن علم الكلام بدعة وضلالة حتى قال أبو عمر ابن عبد البر أجمع أهل العلم في جميع الأعصار والأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وضلالات لا يعدون عند الجميع من طبقات العلماء والكلام في هذا يطول. والحاصل أنهم عمدوا إلى شيء أجمع المسلمون كلهم بل وأجمع عليه أجهل الخلق بالله عبدة الأوثان الذين بعث بهم النبي صلى الله عليه وسلم فابتدع هؤلاء كلاماً من عند أنفسهم كابروا به العقول أيضا حتى إنكم لا تقدرون أن تغيروا عوامكم عن قطرتهم التي فطرهم الله عليها ثم مع هذا كله تابعهم جمهور من يتكلم في علم هذا الأمر إلا من سبقت لهم من الله الحسنى وهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود يبغضونهم الناس ويرمونهم بالتجسيم. هذا، وأهل الكلام وأتباعهم من أحذق الناس وأفطنهم حتى إن لهم من الذكاء والحفظ والفهم ما يحير اللبيب وهم وأتباعهم مقرون أنهم مخالفون للسلف حتى إن أئمة المتكلمين لما ردوا على الفلاسفة في تأويلهم في آيات الأمر والنهي مثل قولهم المراد بالصيام كتمان أسرارنا والمراد بالحج زيارة مشايخنا، والمراد بجبريل العقل الفعال وغير ذلك من إفكهم رد عليهم الجواب بأن هذا التفسير خلاف المعروف بالضرورة من دين الإسلام فقال لهم الفلاسفة أنتم جحدتم علو الله على خلقه واستواءه على عرشه مع أنه مذكور في الكتب على ألسنة الرسل، وقد أجمع عليه المسلمون كلهم وغيرهم من أهل الملل فكيف يكون تأويلنا تحريفا وتأويلكم صحيحا ؟ فلم يقدر أحد من المتكلمين أن يجيب عن هذا الإيراد، والمراد أن مذهبهم مع كونه فاسداً في نفسه مخالفاً للعقول، وهو أيضا مخالف لدين الإسلام والكتاب والرسول وللسلف كلهم، ويذكرون في كتبهم أنهم مخالفون للسلف ثم مع هذا راجت بدعتهم على العالم والجاهل حتى طبقت مشارق الأرض ومغاربها وأنا أدعوك إلى التفكر في هذه المسألة وذلك أن السلف قد كثر كلامهم وتصانيفهم في أصول الدين وإبطال كلام المتكلمين وتفكيرهم وممن ذكر هذا من متأخري الشافعية البيهقي والبغوي وإسماعيل التيمي ومن بعدهم كالحافظ الذهبي، وأما متقدموهم كابن سريج والدار قطني وغيرهما فكلهم على هذا الأمر ففتش في كتب هؤلاء فإن أتيتني بكلمة واحدة أن منهم رجلاً واحداً لم ينكر على المتكلمين ولم يكفرهم فلا تقبل مني شيئاً أبداً ومع هذا كله وظهوره غاية الظهور راج عليكم حتى ادعيتم أن أهل السنة هم المتكلمون والله المستعان. ومن العجب أنه يوجد في بلدكم من يفتي الرجل بقول إمام والثاني بقول آخر والثالث بخلاف القولين ويعد فضيلة وعلماً وذكاء ويقال هذا يفتي في مذهبين أو أكثر، ومعلوم عند الناس أن مراده في هذا العلو والرياء وأكل أموال الناس بالباطل فإذا خالفت قول عالم لمن هو أعلم منه أو مثله إذا كان معه الدليل ولم آت بشيء من عند نفسي تكلمتم بهذا الكلام الشديد فإن سمعتم أني أفتيت بشيء خرجت فيه من إجماع أهل العلم توجه على القول وقد بلغني أنكم في هذا الأمر قمتم وقعدتم، فإن كنتم تزعمون أن هذا إنكار للمنكر فيا ليت قيامكم كان في عظائم في بلدكم تضاد أصلى الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله منها وهو أعظمها عبادة الأصنام عندكم من بشر وحجر هذا يذبح له، وهذا ينذر له وهذا يطلب إجابة الدعوات وإغاثة اللهفات، وهذا يدعوه المضطر في البر والبحر، وهذا يزعمون أن من التجأ إليه ينفعه في الدنيا والآخرة ولو عصى الله، فإن كنتم تزعمون أن هذا ليس هو عبادة الأصنام والأوثان المذكورة في القرآن فهذا من العجب فإني لا أعلم أحدا من أهل العلم يختلف في ذلك اللهم إلا أن يكون أحد وقع فيما وقع فيه اليهود من إيمانهم بالجبت والطاغوت وإن ادعيتم أنكم لا تقدرون على ذلك، فإن لم تقدروا على الكل قدرتم على البعض كيف وبعض الذين أنكروا علي هذا الأمر وادعوا أنهم من أهل العلم ملتبسون بالشرك الأكبر ويدعون إليه ولو يسمعون إنساناً يجرد التوحيد ألزموه بالكفر والفسوق ؟ ولكن نعوذ بالله من رضاء الناس بسخط الله ؛ ومنها ما يفعله كثير من أتباع إبليس وأتباع المنجمين والسحرة والكهان ممن ينتسب إلى الفقر وكثير ممن ينتسب إلى العلم من هذه الخوارق التي يوهمون بها الناس ويشبهونها بمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، ومرادهم أكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله حتى إن بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعي العلم أنه من العلم الموروث عن الأنبياء من علم الأسماء وهو من الجبت والطاغوت، ولكن هذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم ))، ومنها هذه الحيلة الربوية التي مثل حيلة أصحاب السبت أو أشد وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع : إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما إلى إجماع أهل العلم، فإن عاند دعوته إلى المباهلة كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض، وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي في مسألة رفع اليدين وغيرهما من أهل العلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.
    ويرون غبنا بيعها بهوان
    يا من تعز عليهم أرواحهم

    لله مسألتان شاملتان
    ويرون أن أمامهم يوم اللقا

    من أتى بالحق والبرهان
    ماذا عبدتم ثم ماذا قد أجبتم

    أيضا صوابا للجواب يدان
    هيئوا جوابا للسؤال وهيئوا

    تجريدكم لحقائق الإيمان
    وتيقنوا أن ليس ينجيكم سوى

    عن شركة الشيطان والأوثان
    تجريدكم توحيده سبحانه

    عن هذه الآراء والهذيان
    وكذاك تجريد اتباع رسوله

    شاف لداء جهالة الإنسان
    فالوحي كاف للذي يعنى به


    هذا آخر ما ذكره الشيخ رحمة الله في هذه الرسالة النافعة.
    وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

    الرسالة الثامنة والثلاثون
    (ص269)
    وله أيضا قدس الله روحه ونور ضريحه
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه من الإخوان، المؤمنين بآيات الله المصدقين لرسول الله التابعين للسواد الأعظم من أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان، وأهل العلم والإيمان المتمسكين بالدين القيم عند فساد الزمان، الصابرين على الغربة والامتحان سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإن الله سبحانه بعث نبيكم صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل وأهل الأرض من المشرق إلى المغرب قد خرجوا عن ملة إبراهيم وأقبلوا على الشرك بالله إلا بقايا من أهل الكتاب فلما دعا إلى الله ارتاع أهل الأرض من دعوته وعادوه كلهم جهالهم وأهل الكتاب عبادهم وفساقهم، ولم يتبعه على دينه إلا أبو بكر الصديق وبلال وأهل بيته صلى الله عليه وسلم خديجة وأولادها ومولاه زيد بن حارثة وعلي رضي الله عنه قال عمرو بن عبسة لما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قلت ما أنت قال : ((نبي)) قلت : وما نبي (( قال : أرسلني الله )) قلت : بأي شيء أرسلك ؟ قال: ((بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يعبد الله لا يشرك به شيئاً)) قلت من معك على هذا قال : ((حر وعبد )) ومعه يومئذ أبو بكر وبلال، فهذا صيغة بدو الإسلام وعداوة الخاص والعام له وكونه في غاية الغربة ؛ ثم قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ)) فمن تأمل هذا وفهمه زالت عنه شبهات شياطين الإنس الذين يجلبون على من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيل الشيطان ورجله، فاصبروا يا اخواني واحمدوا الله على ما أعطاكم من معرفة الله سبحانه ومعرفة حقه على عباده ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم في هذا الزمان التي أكثر الناس منكر لها ؛ واضرعوا إلى الله أن يزيدكم إيمانا ويقينا وعلما وأن يثبت قلوبكم على دينه، وقولوا كما قال الصالحون الذين أثنى الله عليهم في كتابه : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )).
    واعلموا أن الله قد جعل للهداية والثبات أسباباً كما جعل للضلال والزيغ أسبابا فمن ذلك أن الله سبحانه أنزل الكتاب وأرسل الرسول ليبين للناس ما اختلفوا فيه كما قال تعالى : (( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )) فبإنزال الكتب وإرسال الرسول قطع العذر وأقام الحجة كما قال تعالى : (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) فلا تغفلوا عن طلب التوحيد وتعلمه واستعمال كتاب الله وإجالة الفكر فيه، وقد سمعتم من كتاب الله ما فيه عبرة، مثل قولهم نحن موحدون نعلم أن الله هو النافع الضار، وأن الأنبياء وغيرهم لا يملكون نفعا ولا ضرا لكن نريد الشفاعة، وسمعتم ما بين الله في كتابه في جواب هذا وما ذكر أهل التفسير وأهل العلم، وسمعتم قول المشركين الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا، وسمعتم قولهم لا نريد إلا من الله لكن نريد بجاههم وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله، وقد من الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله سمعتم اقرارهم أن هذا الذي يفعل في الحرمين والبصرة والعراق واليمن أن هذا شرك بالله فأقروا لكم أن هذا الدين الذي ينصرون أهله ويزعمون أنهم السواد الأعظم أقروا لكم أن دينهم هو الشرك ؛ وأقروا لكم أيضا أن التوحيد الذي يسعون في إطفائه وفي قتل أهله وحبسهم أنه دين الله ورسوله، وهذا الإقرار منهم على أنفسهم من أعظم آيات الله ومن أعظم نعم الله عليكم، ولا يبقى شبهة مع هذا إلا للقلب الميت الذي طبع الله عليه وذلك لا حيلة فيه.
    ولكنهم بجادلونكم اليوم بشبهة واحدة فاصغوا لجوابها، وذلك أنهم يقولون كل هذا حق نشهد أنه دين الله ورسوله إلا التكفير والقتال، والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا إذا أقروا أن هذا دين الله ورسوله كيف لا يكفر من أنكره وقتل من أمر به وحسبهم؟ كيف لا يكفر من أمر بحبسهم ؟ كيف لا يكفر من جاء إلى أهل الشرك يحثهم على لزوم دينهم وتزيينه لهم ويحثهم على قتل الموحدين وأخذ مالهم ؟ كيف لا يكفر وهو يشهد أن الذي يحث عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكره ؟ ونهى عنه وسماه الشرك بالله ويشهد أن الذي يبغضه ويبغض أهله ويأمر المشركين بقتلهم هو دين الله ورسوله.
    واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم كلهم.
    وأنا أذكر لكم آية من كتاب أجمع أهل العلم على تفسيرها وأنها في المسلمين وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان، قال تعالى: (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان )) إلى آخر الآية وفيها : (( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة )) فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة وذكروا أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه مع بغضه لذلك وعداوة أهله لكن خوفاً منهم أنه كافر بعد إيمانه فكيف بالموحد في زماننا ؟ إذا تكلم في البصرة أو الأحساء أو مكة أو غير ذلك خوفا منهم لكن قبل الإكراه، وإذا كان هذا يكفر فكيف بمن صار معهم وسكن معهم وصار من جملتهم ؟ فكيف بمن أعانهم على شركهم وزينه لهم ؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين وحثهم على لزوم دينهم ؟ فأنتم وفقكم الله تأملوا هذه الآية، وتأملوا من نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله نطلبهم دائما الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم في مسألة التكفير والقتال فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ، وأمثالهم والله أسأل أن يوفقكم لدينه ويرزقكم الثبات عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




    الرسالة التاسعة والثلاثون
    (ص275)
    ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الوهاب بن عبد الله بن عيسى قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الوهاب بن عبد الله بن عيسى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    إن تفضلتم بالسؤال فنحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو ونحن بخير وعافية ـ جعلكم الله كذلك وأحسن من ذلك ـ وأبلغوا لنا الوالد السلام سلمه الله من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وغير ذلك في نفسي عليه بعض الشيء من جهة المكاتيب لما حبسها عنا هجسنا فيه الظن الجميل ثم بعد ذلك سمعنا بعض الناس يذكر أنه معطيها بعض السفهاء يقرءونها على الناس، وأنا أعتقد فيه المحبة، وأعتقد أيضا أن له غاية وعقلا، وهو صاحب إحسان علينا وعلى أهلنا فلا ودى يعقبه بالأذى ويكدر هذه المحبة بلا منفعة في العاجل والآجل، وأنا إلى الآن ما تحققت ذلك وهوجس فيه بالهاجوس الجيد، وذكر أيضا عنه بعض الناس الكلام الذي يشوش الخاطر، فإن كان يرى أن هذا ديانة ويعتقده من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأنا ولله الحمد لم آت الذي أتيت بجهالة وأشهد الله وملائكته أنه إن أتاني منه أو ممن دونه في هذا الأمر كلمة من الحق لأقبلها على الرأس والعين وأترك قول كل إمام اقتديت به حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يفارق الحق، فإن كانت مكاتيب أولياء الشيطان وزخرفة كلامهم الذي أوحي إليهم ليجادل في دين الله لما رأى أن الله يريد أن يظهر دينه غرته وأصغت إليه أفئدتكم فاذكروا لي حجة مما فيها أو كلها أو في غيرها من الكتب مما تقدرون عليه أنتم ومن وافقكم، فإن لم أجاوبه عنها بجواب فاصل بين يعلم كل من هداه الله أنه الحق وأن تلك هي الباطل فأنكروا علي، وكذلك عندي من الحجج الكثيرة الواضحة مالا تقدرون أنتم ولا هم أن تجيبوا عن حجة واحدة منها، وكيف لكم بملاقاة جند الله ورسوله ؟ وإن كنتم تزعمون أن أهل العلم على خلاف ما أنا عليه فهذه كتبهم موجودة ومن أشهرهم وأغلظهم كلام الإمام أحمد كلهم على هذا الأمر لم يشذ منهم رجل واحد ولله الحمد، ولم يأت عنهم كلمة واحدة أنهم أرخصوا لمن يعرف الكتاب والسنة في أمركم هذا فضلا عن أن يوجبوه، وإن زعمتم أن المتأخرين معكم فهؤلاء سادات المتأخرين وقادتهم ابن تيمية وابن القيم، وابن رجب عندنا له مصنف مستقل في هذا، ومن الشافعية الذهبيى وابن كثير وغيرهم وكلامهم في إنكار هذا أكثر من أن يحصر، وبعض كلام الإمام أحمد ذكره ابن القيم في (الطرق الحكمية ) فراجعه، ومن أدلة شيخ الإسلام : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) فقد فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده بهذا الذي تسمونه الفقه وهو الذي سماه الله شركاً واتخاذهم أرباباً لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافاً. والحاصل أن من رزقه الله العلم يعرف أن هذه المكاتيب التي أتتكم وفرحتم بها وقرأتموها على العامة من عند هؤلاء الذين تظنون أنهم علماء كما قال تعالى : (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً )) إلى قوله : (( ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة )) لكن هذه الآيات ونحوها عندكم من العلوم المهجورة، بل أعجب من هذا أنكم لا تفهمون شهادة أن لا إله إلا الله ولا تنكرون هذه الأوثان التي تعبد في الخرج وغيره التي هي الشرك الأكبر بإجماع أهل العلم، وأنا لا أقول هذا )).






    الرسالة الأربعون
    (ص279)
    ومنها رسالة كتبها إلى عبد الوهاب بن عبد الله بن عيسى قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الوهاب بن عبد الله، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    فقد وصل كتابك وما ذكرت فيه من الظن والتجسس وقبول خبر الفاسق فكل هذا حق وأريد به باطل، والعجب منك إذا كنت من خمس سنين تجاهد جهاداً كبيراً في رد دين الإسلام فإذا جاءك مساعد أو ابن راجح وإلا صالح بن سليم وأشباه هؤلاء الذين نلقنهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن عبادة المخلوقات كفر وأن الكفر بالطاغوت فرض قمت تجاهد وتبالغ في نقض ذلك والاستهزاء به، وليس الذي يذكر هذا عنك بعشرة ولا عشرين ولا ثلاثين ولا أنت بمتخف في ذلك ثم تظن في خاطرك أن هذا يخفى علي وأنا أصدقك إذا قلت ما قلت ولو أن الذي جرى عشر أو عشرون أو ثلاثون مرة أمكن تعداد ذلك، وأحسن ما ذكرت أنك تقول (( ربنا ظلمنا أنفسنا )) وتقر بالذنب وتجاهد في إطفاء الشرك وإظهار الإسلام كما جاهدت في ضده ويصير ما تقدم كأن لم يكن، فإن كنت تريد الرفعة في الدنيا والجاه حصل لك بذلك ما لا يحصل بغيره من الأمور بأضعاف مضاعفة، وإن أردت به الله والدار الآخرة فهي التجارة الرابحة وأتتك الدنيا تبعاً، وإن كنت تظن في خاطرك أنا نبغي أن نداهنك في دين الله ولو كنت أجل عندنا مما كنت فأنت مخالف فإن كنت تتهمي بشئ من أمور الدنيا فلك الشرهة، فإن كان إني أدعو لك في سجودي وأنت وأبوك أجل الناس إلى وأحبهم عندي، وأمرك هذا أشق علي من أمر أهل الحسا خصوصاً بعد ما استركبت أباك وخربته فعسى الله أن يهدينا وإياك لدينه القيم ويطرد عنا الشيطان ويعيذنا من طريق المغضوب عليهم والضالين.


    الرسالة الحادية والأربعون
    (ص283)
    ومنها رسالة كتبها إلى أحمد بن محمد بن سويلم، وثنيان بن مسعود قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى الأخوين أحمد بن محمد وثنيان.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    فقد ذكر لي عنكم أن بعض الإخوان تكلم في عبد المحسن الشريف يقول : إن أهل الحسا يحبون على يدك وأنك لابس عمامة خضراء والإنسان لا يجوز له الإنكار إلا بعد المعرفة، فأول درجات الإنكار معرفتك أن هذا مخالف لأمر الله، وأما تقبيل اليد فلا يجوز إنكار مثله وهي مسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، وقد قبل زيد بن ثابت يد ابن عباس وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا، وعلى كل حال فلا يجوز لهم إنكار كل مسألة لا يعرفون حكم الله فيها، وأما لبس الأخضر فإنها أحدثت قديماً تمييزاً لأهل البيت لئلا يظلمهم أحد أو يقصر في حقهم من لا يعرفهم، وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقاً فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقهم ويظن أنه من التوحيد بل هو من الغلو ونحن ما أنكرنا إلا إكرامهم لأجل ادعاء الألوهية فيهم أو إكرام المدعى لذلك، وقيل عنه أنه اعتذر عن بعض الطواغيت، وهذه مسئلة جليلة ينبغي التفطن لها وهي قوله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا))
    فالواجب عليهم إذا ذكر لهم عن أحد منكراً عدم العجلة فإذا تحققوه أتوا صاحبه ونصحوه فإن تاب ورجع وإلا أنكر عليه وتكلم فيه، فعلى كل حال نبهوهم على مسئلتين :
    الأولى : عدم العجلة ولا يتكلمون إلا مع التحقق فإن التزوير كثير.
    الثانية :أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف منافقين بأعيانهم ويقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله،
    فإذا ظهر منهم وتحقق ما يوجب جهادهم جاهدهم، وغير ذلك عبد الرحمن بن عقيل رجع إلى الحق ولله الحمد، ولكن ودى أن أقرأ عليه رسالة ابن شلهوب وغيرها، وأنت يا أحمد على كل حال أرسل المجموع مع أول من يقبل وأرسلها فيه، خذه من سليمان لا تغفل تراك خالفت خلافاً كبيراً في هذا المجموع والسلام

    الرسالة الثانية والأربعون
    (ص287)
    ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الله بن سويلم حين غضب على ابن عمه أحمد في شدته على المنافقين قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن عبد سويلم
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وبعد، فقد ذكر لي ابن زيدان أنك يا عبد الله زعل على أحمد بعض الزعل لما تكلم في بعض المنافقين، ولا يخفاك أن بعض الأمور كما قال تعالى : (( وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم )) وذلك أني لا أعرف شيئاً يتقرب به إلى الله أفضل من لزوم طريقة رسول الله صلى عليه وسلم في حال الغربة، فإن إنصاف إلى ذلك الجهاد عليها للكفار والمنافقين كان ذلك تمام الإيمان، فإذا أراد أحد من المؤمنين أن يجاهد فأتاه بعض إخوانه فذكر له أن أمرك للدنيا أخاف أن يكون هذا من جنس الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات، فأنتم تأملوا تفسير الآية ثم نزلوه على هذه الواقعة، وأيضاً في صحيح مسلم : ((أن أبا سفيان مر على بلال وسلمان وأجناسهما فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال : يا أبا بكر لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك )) ومن أفضل الجهاد جهاد المنافقين في زمن الغربة، فإذا خاف أحد منكم من بعض إخوانه قصداً سيئاً فلينصحه برفق وإخلاص لدين لله وترك الرياء والقصد الفاسد ولا يفل عزمه عن الجهاد ولا يتكلم فيه بالظن السيء وينسبه إلى ما لا يليق ولا يدخل خاطرك شئ من النصيحة. فلو أدري أنه يدخل خاطرك ما ذكرته وأنا أجد في نفسي أن ودي من ينصحني كلما غلطت والسلام.


    الرسالة الثالثة والأربعون
    (ص 291 )
    رسالة منه إلى جماعة أهل شقرا سلمهم الله تعالى :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
    فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يرضي لكم ثلاثاً )) وواجب علينا لكم النصيحة وعلى الله التوفيق فيا اخواني لا تغفلوا عن أنفسكم ترى الباطل زمالة لحاية عند الحاجة ولا تظنوا أن الضيق مع دين الإسلام، لا والله بل الضيق والحاجة وسكنة الريح وضعفه البخت مع الباطل والإعراض عن دين الإسلام، مع أن مصداق قولي فيما ترونه فيمن ارتد من البلدان أولهن (ضرما) وآخرهن (حريملا) هم حصلوا سعة فيما يزعمون أو ما زادوا إلا ضيقاً وخوفاً على ما هم قبل أن يرتدوا. وأنتم كذلك المعروف منكم إنكم ما تدينون للعناقر وهم على عنفوان القوة في الجاهلية فيوم رزقكم الله دين الإسلام الصرف وكنتم على بصيرة في دينكم وضعف من عدوكم اذعنتوا له حتى أنه يبي منكم الخسر ما يشابه لجزية اليهود والنصارى حاشاكم والله من ذلك، والله العظيم إن النساء في بيوتهن يأنفن لكم فضلا عن صماصيم بني زيد. يا الله العجب تحاربون إبراهيم بن سليمان فيما مضى عند كلمة تكلم بها على جاركم أو حمار يأخذه ما يسوى عشر محمديات وتنفذون على هذا ما لكم ورجالكم، ومع هذا يثلب بعضكم بعضا على التصلب في الحرب ولو عضكم، فيوم رزقكم الله دين الأنبياء الذي هو ثمن الجنة والنجاة من النار إلى أنكم تضعفون عن التصلب وها الأمر خالفه صار كلمة أو حمار أنفق عندكم وأعز من دين الإسلام، يا الله العجب نعوذ بالله من الخذلان والحرمان ما أعجب حالكم وأتيه رأيكم إذ تؤثرون الفاني على الباقي وتبيعون الدر بالبعر والخير بالشر كما قيل.
    فيا درة بين المزايل ألقيت وجوهرة بيعت بأبخس قيمة
    فتوكلوا على الله وشمروا عن ساق الجد في دينكم، وحاربوا عدوكم وتمسكوا بدين نبيكم وملة أبيكم إبراهيم، وعضوا عليها بالنواجذ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


    الرسالة الرابعة والأربعون
    (ص 295 )
    ومنها رسالة أرسلها إلى إخوانه من أهل سدير بسبب أمر جرى بين أهل الحوطة من بلدان سدير قال فيها:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه هذا الكتاب من الإخوان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وبعد فيجري عندكم أمور تجري عندنا من سابق وننصح إخواننا إذا جرى منها شئ حتى فهموها، وسببها أن بعض أهل الدين ينكر منكراً وهو مصيب لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شئ يوجب الفرقة بين الإخوان، وقد قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )) الآية، وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يرضى لكم ثلاثاً : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم )) وأهل العلم يقولون الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه، ويكون رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه صابراً على ما جاء من الأذى، وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدين من قلة العمل بهذا أو قلة فهمه، وأيضاً يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره، فالله الله في العمل بما ذكرت لكم والتفقه فيه فإنكم إن لم تفعلوا صار إنكاركم مضرة على الدين، والمسلم ما يسعى إلا في صلاح دينه ودنياه ؛ وسبب هذه المقالة التي وقعت بين أهل الحوطة لو صار أهل الدين واجباً عليهم إنكار المنكر فلما غلظوا الكلام صار فيه اختلاف بين أهل الدين فصار فيه مضرة على الدين والدنيا، وهذا الكلام وإن كان قصيراً فمعناه طويل فلازم تأملوه وتفقهوا فيه واعملوا به فإن عملتم به صار نصراً للدين واستقام الأمر إن شاء الله، والجامع لهذا كله أنه إذا صدر المنكر من أمير أو غيره أن ينصح برفق خفية ما يشترف أحد، فإن وافق وإلا استحلق عليه رجلا يقبل منه يخفيه، فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهراً إلا أن كان على أمير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق فيرفع الأمر يمنا خفية، وهذا الكتاب كل أهل بلد ينسخون منه نسخة ويجعلونها عندهم ثم يرسلونه لحرمة والمجمعة ثم للغاط والزلفي والله أعلم.


    الرسالة الخامسة والأربعون
    (ص299)
    ومنها رسالة أرسلها إلى أحمد بن يحيى مطوع من أهل رغبة قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى أحمد بن يحيى سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    ما ذكرت من طرف مراسلة سليمان فلا ينبغي أنها تزعلك :
    الأولى : أنه لو خالف فمثلك يحلم ولا يأتي بغايته هذا ولا أكثر منه.
    وثانياً : إنك إذا عرفت أن كلامه ماله فيه قصد إلا الجهدة في الدين ولو صار مخطئاً فالأعمال بالنيات والذي هذا مقصده يغتفر له ولو جهل عليك، ونحن ملزمون عليك لزمة جيدة، وربك ونبيك ودينك لزمتهم لزمة تتلاشى فيها كل لزمة وهذه الفتنة الواقعة ليست في مسائل الفروع التي مازال أهل العلم يختلفون فيها من غير نكير ولكن هذه في شهادة أن لا إله إلا الله والكفر بالطاغوت، ولا يخفاك أن الذي عادانا في هذا الأمر هم الخاصة الذين ليسوا بالعامة، هذا ابن إسماعيل والمويس وابن عبيد جاءتنا خطوطهم في إنكار دين الإسلام الذي حكى في (الإقناع) في باب حكم المرتد الإجماع من كل المذاهب أن من لم يدن به فهو كافر وكاتبناهم ونقلنا لهم العبارات وخاطبناهم بالتي هي أحسن ما زادهم ذلك إلا نفورا، وزعموا أن أهل العارض ارتدوا لما عرفوا شيئاً من التوحيد وأنت تفهم أن هذا لا يسعك التكفي عنه، فالواجب عليك نصر أخيك ظالماً ومظلوماً وإن تفضل الله عليك بفهم ومعرفة فلا تعذر لا عند الله ولا عند خلقه من الدخول في هذا الأمر، فإن كان الصواب معنا فالواجب عليك الدعوة إلى الله وعداوة من صرح بسبب دين الله ورسوله، وإن كان الصواب معهم أو معنا شئ من الحق وشئ من الباطل أو معنا غلو في بعض الأمور فالواجب منك مذاكرتنا ونصيحتنا وتورينا عبارات أهل العلم لعل الله أن يردنا بك إلى الحق، وإن كان إذا حررت المسألة إذ أنها من مسائل الاختلاف، وأن فيها خلافاً عند الحنفية أو الشافعية أو المالكية فتلك مسألة أخرى.
    وبالجملة فالأمر عظيم ولا نعذرك من تأمل كلامنا وكلامهم ثم نعرضه على كلام أهل العلم ثم تبين في الدعوة إلى الحق وعداوة من حاد الله ورسوله منا أو من غيرنا والسلام.


    الرسالة السادسة والأربعون
    (ص 303 )
    ومنها رسالة أرسلها إلى عبد الله بن عيسى مطوع الدرعية قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن عيسى.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد :
    فقد قال ابن القيم في أعلام الموقعين (( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم )) فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما : إما الاستجابة للرسول، وإما اتباع الهوى وذكر كلاماً في تقرير ذلك إلى أن قال : ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه يعني الآيات في النساء (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكمون إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) قال : والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم ممن أعرض عن طاعة الله ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين من هذه الأمة وهم الصحابة ومن تبعهم قال الله : (( فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون )) والزبر الكتب أي كل فرقة صنفوا كتبا أخذوا بها وعملوا بها دون كتب الآخرين كما هو الواقع سواء وقال : (( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه )) قال ابن عباس تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف. هذا كله كلام ابن القيم. وقال الشيخ تقي الدين في كتاب (الإيمان) قال الله تعالى : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) الآية وفي حديث عدى بن حاتم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : (( إنا لسنا نعبدهم، قال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ قلت : بلى قال : فتلك عبادتهم )) رواه الإمام أحمد والترمذي وغيره وقال أبو العالية إنهم وجدوا في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه فقالوا لن نسبق أحبارنا بشئ فما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا لقولهم ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم انتهى كلام ابن تيمية، فتأمل هذا الكلام بشراشر قلبك ثم نزله على أحوال الناس وحالك وتفكر في نفسك وحاسبها بأي شئ تدفع هذا الكلام وبأي حجة تحتج يوم القيامة على ما أنت عليه فإن كان عندك شبهة فاذكرها فأنا أبينها إن شاء الله تعالى، والمسألة مثل الشمس ولكن من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وإن لم يتسع عقلك لهذا فتضرع إلى الله بقلب حاضر خصوصاً في الأسحار أن يهديك للحق ويريك الباطل باطلا، وفر بدينك فإن الجنة والنار قدامك والله المستعان، ولا تستهجن هذا الكلام فو الله ما أردت به إلا الخير، وصلى الله على محمد وآله وسلم.





    الرسالة السابعة والأربعون
    (ص 307 )
    وله أيضاً رحمة الله تعالى
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى نغيمش وجميع الإخوان.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    إن سألتم عنا فنحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونخبركم أنا بخير وعافية، أتمها الله علينا وعليكم في الدنيا والآخرة، وسرنا والحمد لله ما بلغنا عنكم من الأخبار من الاجتماع على الحق، والإتباع لدين محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو أعظم النعم المجموع لصاحبه بين خيري الدنيا والآخرة، عسى الله أن يوفقنا وإياكم لذلك، ويرزقنا الثبات عليه، ولكن يا إخواني لا تنسوا قول الله تعالى : ((وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً )) وقوله : (( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )) فإذا تحققهم أن من اتبع هذا الدين لابد له من الفتنة، فاصبروا قليلا، ثم ابشروا عن قليل بخير الدنيا والآخرة ؛ واذكروا قول الله تعالى : (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )) وقوله : (( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون )) وقوله تعالى : (( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين. كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز )) فإن رزقكم الله الصبر على هذا، وصرتم من الغرباء الذين تمسكوا بدين الله مع ترك الناس إياه، فطوبى ثم طوبى إن كنتم ممن قال فيه نبيكم صلى الله عليه وسلم : (( بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل : يا رسول الله من الغرباء ؟ قال : (( الذين يصلحون إذا افسد الناس )) فيالها من نعمة ؟ ويا لها من عظيمة ؟ جعلنا الله وإياكم من أتباع الرسول، وحشرنا تحت لوائه، وأوردنا حوضه الذي يرده من تمسك بدينه في الدنيا، ثم أنتم في أمان الله وحفظه والسلام.


    الرسالة الثامنة والأربعون
    (ص 311 )
    وفى سنة 1184هـ أرسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى والي مكة الشيخ عبد العزيز الحصين وكتبا إلى الوالي المذكور رسالة هذا نصها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    المعروض لديك، أدام الله أفضل نعمه عليك، حضره الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين والأعز به دين جده سيد الثقلين.
    إن الكتاب لما وصل إلى الخادم ونأمل ما فيه الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها وعداوة من خرج عنها، وهذا هو الواجب على ولاة الأمور ولما طلبتم من ناحيتنا طالب علم امتثلنا الأمر وهو واصل إليكم، ويجلس في مجلس الشريف أعزه الله هو وعلماء مكة، فإن اجتمعوا فالحمد لله على ذلك، وإن اختلفوا أحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة والواجب على الكل منا ومنكم أنه يقصد بعلمه وجه الله ونصر رسوله كما قال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمن به ولتنصرنه )) فإذا كان سبحانه قد أخذ الميثاق على الأنبياء إن أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم على الإيمان به ونصرته فكيف بنا يا أمته ؟ فلا بد من الإيمان به ولابد من نصرته لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولادهم به أهل البيت الذي بعثه الله منهم وشرفهم على أهل الأرض، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم والسلام.



    الرسالة التاسعة والأربعون
    (ص 313)
    ومنها رسالة أرسلها أيضاً إلى بن عيسى وابنه عبد الوهاب قال فيها :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن عيسى وعبد الوهاب.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    فقد ذكر لي أنكم زعلانين علي في هذه الأيام بعض الزعل ولا يخفاكم أني زعلان زعلاً كبيراً وناقد عليكم نقوداً أكبر من الزعل، ولكن وابطناه واظهراه، ومعي في هذه الأيام بعض تنغص المعيشة والكدر مما يبلغني عنكم والله سبحانه إذا أراد أمراً فلا راد له وإلا ما خطر على البال أنكم ترضون لأنفسكم بهذا، ثم من العجب كفكم عن نفع المسلمين في المسائل الصحيحة وتقولون لا يتعين علينا الفتيا ثم تبالغون في مثل هذه الأمور مثل التذكير الذي صرحت الأدلة والإجماع وكلام الإقناع بإنكاره ولاودي أنكم بعد ما أنزلكم الله هذه المنزلة وأنعم عليكم بما تعلمون وما لا تعلمون وجعلكم من أكبر أسباب قبول الناس لدين ربكم وسنة نبيكم وجهادكم في ذلك وصبركم على مخالفة دين الآباء ـ أنكم ترتدون على أعقابكم، وسبب هذا أنه ذكر لي عنكم أنكم ظننتم أني أعنيكم ببعض الكلام الذي أجبت به من اعتقد حل الرشوة وأنه مزعلكم فيا سبحان الله كيف أعنيكم به وأنا كاتب لكم تسجلون عليه وتكونون معي أنصاراً لدين الله ؟ وقيل لي إنكم ناقدون علي بعض الغلظة فيه على ملفاه والأمر أغلظ مما ذكرنا ولولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا دين الرسول وأنهم يستنكرون الأمر الذي لم يألفوه ـ لكان شأن آخر، بل والله الذي لا إله إلا هو لو يعرف الناس الأمر على وجهه لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله ووجوب قتلهم كما أجمع على ذلك أهل العلم كلهم لا أجد في نفسي حرجاً من ذلك، ولكن إن أراد الله أن يتم هذا الأمر تبين أشياء لم تخطر لكم على بال، وإن كانت من المسائل التي إذا طلبتم الدليل بيننا أنها من إجماع أهل العلم، وبالحاظر لا يخفاكم أن معي غيظ عظيم ومضايقة من زعلكم وأنتم تعلمون أن رضا الله ألزم والدين لا محاباة فيه وأنتم من قديم لا تشكون في والآن غايتكم قريبة وداخلتكم الريبة وأخاف أن يطول الكلام فيجري فيه شئ يزعلكم وأنا في بعض الحدة فأنا أشير عليكم وألزم أن عبد الوهاب يزورنا سواء كان يومين وإلا ثلاثة، وإن كان أكثر يصير قطعاً لهذه الفتنة ويخاطبني وأخاطبه من الرأس، وإن كان كبر عليه الأمر فيوصي لي وأعني له فإن الأمر الذي يزيل زعلكم ويؤلف الكلمة ويهديكم الله بسببه نحرص عليه ولو هو أشق من هذا اللهم إلا أن تكونوا ناظرين شيئا من أمر الله فالواجب عليكم اتباعه، والواجب علينا طاعتكم والإنقياد لكم وإن أبينا كان الله معكم وخلقه، ولا يخفاكم أنه وصلني أمس رسالة في صفة مذاكرتكم في التذكير وتطلبون مني جواباً عن أدلتكم وأنتم ضحكتم علي ابن فيروز وتسافهتموه وتساخفتم عقله في جوابه وانحرفتم تعدلون عدالة لكن ما أنا بكاتب لهم جواباً لأن الأمر معروف أنه منكم وأخاف أن أكتب لهم جواباً فينشرونه فيزعلكم وأشوف غايتكم قريبة وتحملون الأمر على غير محمله والسلام.







    الرسالة الخمسون
    (ص 317 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى عبد الله بن عيد وبعد :
    أبلغ السلام أحمد والحمولة وعيالكم، وما ذكرت أن الحمولة
    (1) فلا نحو (2) الكتاب قرأه سليمان ورحت أنا وإياه لابن عقيل ليسأله عن هذا، وتقدمت إلى بيته، ولحقني هو وابن ماهر قبل أن أواجه أحمد، وقال ابن ماهر إني كاتب ها الكلمة من عندي ما دري بها أحد فلا تشرفوه ولا شرفناه، فهذا بابها أني ما دريت بها لا أنا، ولا ابن عقيل والعجب أنهم يزعلون علي وينقدون، ويقولون إنه يصدق الأكاذيب وتغيره علينا، وهم ما انقدوا على أنفسهم أنهم يزعلون ويتغيرون بلا خبر صدق ولا كذب ـ إلا ظن سوء ظانينه فإن كان كل كلمة قيلت عندنا يحملونها على فتراهم يلقون كلاماً كباراً فيهم وفي غيرهم في الدين والدنيا خصوصاً في هذه القضية، يحكى عندنا كلاماً ما يتجاسر العاقل ينطق به، فإن كان مذكور لكم أني قائل شيئاً أو قائل أحد يحضرني كلام سوء ولا رديت عليه ـ فاذكروا لي ترى التنبيه حسن ولا يدخل خاطري إلا ربما أني أعرف أنه محبة وصفو، والذي يكدر الخاطر زعلكم، وإظهار كم للناس الزعل والتغير بسبب ظن سوء وإلا ما من قبلكم كذب ولا صدق. وأما من باب السؤالات وأنكم بلغكم أني ظان أنها من عبد الله فهذا عجب كيف تظنون أني ما أعرف خط ابن صالح ؟ وأيضاً أفهم أن عبد الله لا يسأل عن هذا، وأيضاً أنا ما أنقد عليه ولا عليكم إلا قلة الحرص والسؤال عن هذا الأمر لما فتح الله عليكم منه بعض الشئ، وودى ما يجي جماميل إلا ومعهم من عندكم سؤالات عن هذا وأمثاله فكيف أزعل منه ؟ بل هذا هو الذي يرضيني لكن هذه أنتم معذورون فيها إذا كانت عن ابن عمر، وهو متوهم ما حاكاني في بيان هذا الأمر لما وقع، ولا يدري عن الذي في خاطري لكنه يسمع من أهل الجنوبية وغيرهم، ونعرف حال الكلام من بعيد.
    فهذا صفة الأمر فإن كان أنتم المخالفون المتغيرون فالحق عليكم، فإن كان جارياً مني شئ تنقده فتراني أحب أن تنبهني عليه لا تترك بيان شئ في خاطرك من قبلي، وإن كنتم متجرفين على التغير أوجتكم الفتنة وودكم ببرد الأرض فهذا شئ آخر. وأما قولكم : إن الأمور ليست على الذي أعهده، وتشيرون علي بترك الكلام فلا أدري إيش مرادكم ؟ هو مرادك أني مثلكم في أحد لا ينبغي الكلام فيه ممن لا يظهر إلا الإيمان ولو ظنياً فيه النفاق فهذا كلام مقبول، وإن كان بلغك عني شيئاً فنبهني جزاك الله خيراً وإن كان مرادك أني أسكت عمن أظهر الكفر والنفاق، وسل سيف البغض على دين الله وكتابه ورسوله مثل ولد ابن سحيم، ومن أظهر العداوة لله ورسوله من أهل العيينة والدرعية أو غيرهم، فهذا لا ينبغي منك، ولا يطاع أحد في معصية الله، فإن وافقتونا على الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله فلكم الحظ الأوفر، وإلا لم تضروا الله شيئا، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الطائفة المنصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفم (( وسيعلم الكفار لمن عقبي الدار )) وقد ذم الله الذي لا يثبت على دينه إلا عند ما يهواه فقال : (( ومن الناس من يعبد الله على حرف )) الآية (1) وينبغي لكم إذا عجزتم أوجبتم أنكم ما ما تلوموننا، ونحمد الله الذي يسر لنا هذا، وجعلنا من أهله، وقد أخبر أنه عند وجود المرتدين فلا بد من وجود المحبين المحبوبين فقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)) الآية(2) جعلنا الله وإياكم من الذين لا تأخذهم في هذا لومة لائم، وقيل لي إن ولد ابن سحيم كاتب لكم جواب الذي جاه فاذكر لي، وأبلغ السلام عيالكم ومن أردتم من الإخوان، وسليمان وثنيان يبلغون الجميع السلام والسلام.





    الرسالة الحادية والخمسون
    (ص 321 )
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن عبد الوهاب إلى الإخوان (1) عبد الله بن على ومحمد بن جماز
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
    لا تحركون إلى أن ننبكم تراكم ما تجوزون إلا براضة هلحين. وفرج وعرفج الذين وراهم يبون يتبينون في الدين ولا يبغون شيئاً فأنت يا عبد الله أخبرهم بالمبغي منهم ترى الأمر يدور على ما قال الله تعالى : (( فإن تأبوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة )) الآية فأمرهم بي يفهمونه ولكن الآمر لهم يأمرهم بالتوبة من الشرك والدخول في الإسلام، وأهل القصيم غارهم إن ما عندهم قبب ولا سادات، ولكن أخبرهم أن الحب والبغض والموالاة والمعاداة لا يصير للرجل دين إلا بها ماداموا ما يغيضون أهل الزلفي وأمثالهم فلا ينفعهم ترك الشرك ولا ينفعهم قول : (( لا إله إلا الله )) فأهم ما تفطنهم له كون التوحيد من أخل به مثل من أخل بصوم رمضان ولو ما أبغضه. وكذلك الشرك إن كان ما أبغض أهله مثل بغض من تزوج بعض محارمه فلا ينفعه ترك الشرك، وتفطنهم للآيات التي ذكر الله في الموالاة والمعاداة مثل قوله : (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) وقوله في المعاداة : (( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه )) إلى قوله : (( حتى تؤمنوا بالله وحده )) الآية، واذكر لهم أنه واجب على الرجل يعلم عياله وأهل بيته ذلك أعظم من وجوب تعليم الوضوء والصلاة. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
    هذا آخر ما تيسر جمعه من الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب، نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.






    الفهرس
    الموضوع رقم الرسالة
    رسالة الشيخ إلى أهل القصيم 1
    رسالته إلى محمد بن عباد مطوع ثرمداء 2
    رسالته إلى محمد بن عيد 3
    رسالته إلى فاضل آل مزيد رئيس بادية الشام 4
    رسالته إلى السويدي عالم من العراق 5
    رسالته إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام 6
    رسالته إلى عالم من أهل المدينة 7
    رسالته إلى ابن صياح 8
    رسالته إلى عامة المسلمين 9
    رسالته إلى حمد التويجري 10
    رسالته إلى عبد الله بن سحيم 11
    جواب الشيخ عن الشبهة التي احتج بها من أجاز وقف الجنف والأثم 12
    رد الشيخ على سليمان بن سحيم 13
    رسالته إلى البكبلي صاحب اليمن 14
    رسالته إلى إسماعيل الجراعي 15
    رسالته إلى عبد الله بن عبد الله الصنعاني 16
    رسالته إلى أهل المغرب 17
    رسالة الشيخ إلى الأخ حسن 18
    رسالته إلى محمد بن عيد وعبد القادر العديلي وجماعة معهم 19
    رسالته إلى عبد الله بن سحيم 20
    رسالته إلى محمد بن سلطان 21
    رسالته إلى عامة المسلمين 22
    رسالة الشيخ إلى ثنيان بن سعود 23
    رسالته إلى عبد الرحمن بن ربيعة 24
    جواب الشيخ عن كتاب وصله 25
    رسالته إلى علماء الإسلام 26
    رسالته إلى عامة المسلمين 27
    رسالته إلى أهل الرياض ومفتوحة 28
    رسالته إلى عامة المسلمين 29
    رسالته إلى الأخ فايز 30
    رسالة الشيخ إلى أحمد بن إبراهيم مطوع مرات 31
    رسالته إلى محمد بن فارس 32
    رسالته إلى أحمد بن عبد الكريم 33
    رسالته إلى سليمان بن سحيم 34
    رسالته إلى عبد الله بن عيس وابنه وعبد الله بن عبد الرحمن 35
    رسالته إلى الأخوان 36
    رسالة الشيخ إلى محمد بن عبد اللطيف 37
    رسالته إلى الإخوان المؤمنين 38
    رسالته إلى عبدالوهاب بن عبد الله بن عيسى 39
    رسالته إلى عبدالوهاب بن عبد الله بن عيسى 40
    رسالته إلى الأخوين أحمد بن محمد بن سويلم وثنيان بم سعود 41
    رسالته إلى عبد الله بن عبد سويلم 42
    رسالته إلى جماعة أهل شقراء 43
    رسالته إلى الإخوان من أهل سدير 44
    رسالته إلى أحمد بن يحي 45
    رسالته إلى عبد الله بن عيسى مطوع الدرعية 46

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    الدولة
    اليمن
    المشاركات
    2,483
    جزاك الله خيرا أحي عسلاوي على هذه الفوائد المباركة جعلها الله في ميزان حسناتك بمنه وكرمه

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    الدولة
    \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\
    المشاركات
    28
    جزاكم الله كل خير على هذه الدرر والتي يحاول اعداء الدين طمس معالمها ويسمونها زورا وبهتانا غلوا في التكفير بل ويصفون اصحابها بالتكفيريين الا قاتلهم الله انى يؤكفون

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •