بسم الله الرحمن الرحيم

عقيدة الإرجاء
في
كتاب (أيسر التفاسير لكلام العلي القدير)
لأبي بكر جابر الجزائري


الحمد لله؛
وبعد:
معلوم أيها الإخوة أنه [قد انعقد إجماع أهل السنَّة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل كما نقل ذلك الإمام الشافعي وابن عبد البر في التمهيد، وقد كان المسلمون الأولون قبل أن تظهر البدعة في مسألة الإيمان يعرفون الإيمان ولم يكونوا بحاجة إلى وضع تعريف له جامع مانع كما أعتاد ذلك أصحاب الفنون والتصانيف ، وعندما ظهرت البدعة أجمع أهل السنَّة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل وبعضهم قال قول وفعل وبعضهم قال قول وعمل ونية وبعضهم قال قول وعمل ونية وسنة . فهو قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح .
فقول القلب هو التصديق و المعرفة وعمله الحب والكره والخوف والرجاء والتوكل وما إلى ذلك من أعمال القلوب.
قال الإمام الشافعي " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية لا يجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر ".
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى " القول المطلق والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح …… فقول السلف يتضمن القول والعمل الباطن والظاهر لكن لما كان بعض الناس قد لا يفهم دخول النية في ذلك قال بعضهم ونية ثم بين آخرون أن مطلق القول والعمل والنية لا يكون مقبولاً إلا بموافقة السنَّة وهذا حق أيضاً فإن أولئك قالوا قول وعمل ليبينوا اشتماله على الجنس ولم يكن مقصودهم ذكر صفات الأقوال والأعمال "] (من كتاب "اجتماع الأئمة" بتصرف يسير).
إذا علمت هذا أخي القارئ، فاعلم -وفقني الله وإياك الله لهداه-أن أحد الوعاظ و الذي ينصح بهم ويزكيهم أحد المنتسبين للعلم!، قد وقع في ما يخالف هذا التعريف الشرعي السَّلفي للإيمان فوافق المرجئة في تعريفه، وإليك البيان:
1 ـ (المجلد الأول) عند تفسيره لآية من (سورة البقرة)، وهي قول الله -جل وعلا-:" { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } * { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }؛ عرف الإيمان الشرعي عند (شرح الكلمات) على الآية بتعريف مذهب المرجئة الخطير المخالف لتعريف أهل السنة و الجماعة، حيث قال:"{ آمنوا }: الايمان الشرعى: التصديق بالله وبكل ما جاء به رسول الله عن الله، وأهله هم المؤمنون بحق." وتكرر هذا كثيرا في تفسيره، خاصة وأنه يفصل بين الإيمان و العمل الصالح في غير ما موضع من تفسيره، وهذا مذهب المرجئة نسأل الله العافية.
2 ـ وسطر عقيدة الإرجاء في (المجلد الأول) من تفسيره عند قول الله تعالى"{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }؛ فعرف الكفر شرعا بتعريف المرجئة عند (شرح الكلمات) فقال:"{ كفروا }: الكفر: لُغة التغطية والجحود، وشرعاً التكذيب بالله وبما جاءت به رسلُه عنه كلا أو بعضا". ومعلوم أن هذا التعريف ليس بتعريف أهل السنة و الجماعة السلفيين، بل هو تعريف مذهب المرجئة المبتدعة الذين يحصرون الكفر في التكذيب فقط، وهذ التعريف بكثرة في تفسيره لآيات الكفر، و الله المستعان".
وفي المستقبل إن شاء الله تعالى مزيد بيان وتدليل بكلام العلماء،
ولمن أراد أضافة فائدة فجزاه الله كل خير.