بسم الله الرحمن الرحيم
يوم عرفة، ويوم عيد الأضحى، وأيام
التشريق@، أيام أعياد وأكل وشرب،
وذكر الله تعالى للحاج وغير الحاج فلا تصام
من نعم الله تعالى على عباده أنه شرع لهم مواسم مباركة، يفرح فيها الطائعون، ويسر فيها المؤمنون لما فيها من النفحات، وتتنزل الرحمات، وكثرة البركات، ورفعة الدرجات، وتكفير السيئات، ومن هذه المواسم ما شرعه الله تعالى لعبادة من الأعياد الشرعية التي تعود عليهم كل عام، وتتكرر عليهم بالخير والبركة، والفضل، والإحسان كل سنة.
وفي الأعياد يُظهر المسلمون شعائر دينهم، ويجتمعون على ذكر الله تعالى وتكبيره وعبادته، فمن هذه الأعياد: يوم عرفة، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، وهذه الأيام أيام أكل وشرب وفرح وسرور وإليك الدليل من السنة النبوية، والآثار السلفية، والأقوال الأثرية:
1) عن عقبة بن عامر t قال: قال رسول الله r: (يومُ عَرفةَ، ويومُ النّحْرِ، وأيّامُ التّشريقِ عِيدُنَا أهلَ الإسلام، وهي أيامُ أكلٍ وشُرْبٍ).([1])
فالحديث يدل على أن هذه الأيام الخمسة – بما فيها يوم عرفة – أيام أكل وشرب للحاج وغير الحاج، فلا يصومنّ أحد.
فذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، فكرهوا به صوم يوم عرفة، وجعلوا صومه كصوم يوم النحر.([2])
لأن قوله r (عيدُنا أهل ُ الإسلامِ)، هذا عامٌ لجميع المسلمين من الحجــــــــاج وغيرهم، ولم يثبت أي دليل يخصص هذا العام بأن هذا خاص بمن كان بعرفة من
الحجاج!. ([3])
2) وعن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قالَ: (نهى رسولُ الله r عن صومِ يومِ النّحْرِ) ([4]) يعني: يوم عيد الأضحى.
3) وعن نُبَيْشَةَ الهُذْلي t قال: قال رسول الله r: (أيّامُ التّشْرِيقِ أيَّامُ أكلٍ وشُرْبٍ).([5])
4) وعن أبي مُرّةَ مولى أُمِّ هانِىء: (أنّه دخلَ معَ عبدِالله بن عَمْرو بن العاص على أبيهِ عَمْرُو بنِ العاصِ، فقّربَ إليهما طعاماً فقال: كُلْ، فقالَ: إني صائمٌ، فقالَ عمرو بنُ العاص: (كُلْ، فهذهِ الأيّامُ التي كانَ رسولُ اللهِ r يَأْمُرَنَا أنْ نَفْطِرَهَا، ونهانا عن صِيَامِها).([6])
والحديث فيه التصريح بالنهي عن صوم أيام التشريق للحاج وغير الحاج، وهذا هو الصحيح في السنة النبوية.
قال النووي رحمه الله في المنهاج (3/208): (وفيه دليل لمن قال: لا يصح
صومها بحال – يعني أيام التشريق –([7]) وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر وغيرهما). اهـ
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الفتاوى (15/407): (ينهى عن صوم يوم عيد الفطر وذلك محرم، وكذلك عيد النحر، وأيام التشريق كلها لا تصام لأن الرسول r نهى عن ذلك، إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لم يستطع الهدي لما ثبت في البخاري عن عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما قالا: ((لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي)) أما كونها تصام تطوعاً، أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد). اهـ
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الفتاوى (15/379): (فأيام التشريق أيام أكل وشرب لا تصام).([8]) اهـ
وكذلك النبي r لم يصم يوم عرفة وغيره:
وإليك الدليل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيتُ رسولَ اللهِ r صائماً في العَشْرِ قطُّ) ([9]) يعني الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
وفي رواية عند مسلم في صحيحه (ص283): (أنّ النبيَّ لم يَصُمْ العَشْرَ).
وهذا الحديث نص صريح أن النبيr لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، واليوم التاسع منها، وهو يوم عرفة.
وهذا يشعر بأن صوم يوم عرفة لم يكن معروفاً عند النبي r([10])، مما يؤكد بأن الحديث الوارد في الترغيب في صومه غير ثابت.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الفتاوى (15/417): (ويبعد جدّاً أن يكون النبي r يصوم العشر ويخفى ذلك على عائشة، مع كونه يدور عليها في ليلتين ويومين من كل تسعة أيام لأن سودة وهبت يومها لعائشة). اهـ
فعائشة أعلم من غيرها في صوم النبي r في العشر الأولى من شهر ذي الحجة فتنبه.
فلذلك كره السلف الصالح من الصحابة وغيرهم صوم يوم عرفة لكل أحد، ولم يصوموا يوم عرفة.
وإليك الدليل:
1) عن سليمانَ الأحول قال: ذَكَرْنَا لطاوُوسَ صومَ يومَ عرفةَ، وأنّه كانَ يقالُ: (كفَّارةُ سنَتَيْنِ، فقال: طاووسُ: (فأينَ كانَ أبوبكر وعمرُ عن ذلك؟! يعني أنهما كانَا لا يصومانَهُ).([11])
فهذا أبوبكر الصِّديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا لا يصومان يوم عرفة لأنه ليس من السنة صيامه وحسبُك بهما شيخا.
2) وعن عُبيد بنِ عُمَيْر: (أن عُمَر نَهَى عن صومِ يومِ عرفةَ).([12])
3) وعن أبي السَّوّار: (أنّه سَأَلَ ابنَ عُمَر عن صوم يوم عرفة فنهاه).([13])
4) وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (كانَ يكَرهُ صيامَ يومِ عرفةَ).([14])
5) وعن يحيى بن أبي إسحاق قالَ: سألتُ سعيد بن المسيِّب عن صومِ يومِ عرفةَ فقال: (كانَ ابنُ عُمَر لا يصومُهُ. فقلت: هل تَرْفعُ ذلك إلى غيرهِ؟ فقال: حسبُكَ به شيخاً).([15])
6) وعن ابنُ عُمَر وعُمَر: (أنّهما كانَا لا يصومان يومَ عرفةَ).([16])
7) وعن عُمارةَ بن زاذان قالَ سَأَلْتُ سالمَ بن عبدالله عن صوم يوم عرفةَ فقال: (لم يَصُمْهُ عُمر، ولا أحدٌ من آل عُمَر يا بُنَيّ).([17])
8) وعن بِشر القُرشي قال: (دخلتُ عَلَى الحسينِ بن عليّ يوم عرفةَ وهو يَأْكُلُ).([18])
9) وعن محمد بن سعيد قالَ: (رأيتُ ابن عُمَر يومَ عرفةَ وهو يأكلُ).([19])
وقد بيّنت هذه الآثار التي ذكرناها عن السلفy إفطارهم يوم عرفة بلا شك في غير الحج، مما تبين بأن استحباب صوم يوم عرفة غيرُ مُجمع عليه.([20])
قال ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد (21/161): (وقــد ذهبـــت طائفــة –يعني من العلماء- إلى ترك صومه بعرفة وغير عرفة للدعاء). اهـ
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
@ يوم عرفه: اليوم التاسع.
ويوم العيد: اليوم العاشر.
وأيام التشريق : اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة.
فهذه أيام عيد للمسلمين فلا تصام، بل نأكل فيها ونشرب ونذكر الله تعالى... فمن فعل خلاف ذلك خالف هدي النبي r نعوذ بالله من الخذلان.
[1]) حديث صحيح.
أخرجه أبو داود في سننه (2419) والترمذي في سننه (3/148) والنسائي في السنن الكبرى (2829) بإسناد صحيح.
[2]) انظر شرح معاني الآثار للطحاوي (2/76).
[3]) انظر تحفة الأحوذي للمباركفوري (3/481) ونيل الأوطار للشوكاني (4/240).
[4]) أخرجه البخاري في صحيحه (9706) ومسلم في صحيحه (1139).
[5]) أخرجه مسلم في صحيحه (1141).
[6]) أخرجه مالك في الموطأ (1369) وأبو داود في سننه (2418) وأحمد في المسند (4/197) بإسناد صحيح.
[7]) وأيام التشريق هي: اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر.
انظر المجموع للنووي (6/442).
[8]) وخير الهدي، هدي محمد r أن كنتم به من المُقتدين والله المستعان.
ومن أراد أن يصوم تطوعاً فعليه أن يبدأ الصيام من اليوم الرابع عشر من شهر ذي الحجة.
انظر الفتاوى للشيخ ابن باز (15/380).
[9]) أخرجه مسلم في صحيحه (ص283) والترمذي في سننه (756) والنسائي في السنن الكبرى (2872).
[10]) وخير الهدي، هدي محمد r أن كنتم من المقتدين والله المستعان.
[11]) أثر صحيح.
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (1/364) والفاكهي في أخبار مكة (5/33) بإسناد صحيح.
[12]) أثر صحيح.
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3/227) والطبري في تهذيب الآثار (1/361) بإسناد صحيح.
[13]) أثر حسن.
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3/227) وأحمد في العلل (2/181) والطبري في تهذيب الآثار (1/362) بإسناد حسن.
[14]) أثر حسن.
أخرجه عبدالرزاق في المصنف (4/284) بإسناد جيد.
[15]) أثر صحيح.
أخرجه أحمد في العلل (2/183) والفاكهي في أخبار مكة (5/31) والطبري في تهذيب الآثار (1/360) بإسناد صحيح.
[16]) أثر صحيح.
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (1/362) بإسناد صحيح.
[17]) أثر حسن.
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (586) بإسناد حسن.
[18]) أثر حسن لغيره.
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (1/362) بإسناد لا بأس به.
[19]) أثر حسن.
أخرجه ابن الجعد في المسند (1/471) بإسناد حسن.
[20]) وانظر تهذيب الآثار للطبري (1/361).
[
size=4]
منقول
[/size]