جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وغفر لي ولكم جميعا ووفقنا لما يحبه ويرضاه
تابع المسألة الأولى : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول الجزء 2، صفحة 343 وما بعدها
الحديث الخامس عشر قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه حدثني أبى عن المجالد بن سعيد عن الشعبي قال لما افتتح رسول الله مكة دعا بمال العزى فنثره بين يديه ثم دعا رجلا قد سماه فأعطاه منها ثم دعا أبا سفيان بن حرب فأعطاه منها ثم دعا سعيد بن الحارث فأعطاه منها ثم دعا رهطا من قريش فأعطاهم فجعل يعطي الرجل القطعة من الذهب فيها خمسون مثقالا وسبعون مثقالا ونحو ذلك فقام رجل فقال انك لبصير حيث تضع التبر ثم قام الثانية فقال مثل ذلك فأعرض عنه النبي ثم قام الثالثة فقال انك لتحكم وما نرى عدلا قال ويحك إذا لا يعدل أحد بعدي ثم دعا نبي الله أبا بكر فقال اذهب فاقتله فذهب فلم يجده فقال لو قتلته لرجوت أن يكون أولهم واخرهم فهذا الحديث نص في قتل مثل هذا الطاعن على رسول الله من غير استتابه وليست هي قصة غنائم حنين ولا قسم التبر الذي بعث به علي من اليمن بل هذه القصة قبل ذلك في قسم مال العزى وكان هدم العزى قبل الفتح في أواخر شهر رمضان سنة ثمان وغنائم حنين قسمت بعد ذلك بالجعرانة في ذي القعدة وحديث علي في سنة عشر وهذا الحديث مرسل ومخرجه عن مجالد وفيه لين لكن له ما يؤيد معناه فانه قد تقدم أن عمر قتل الرجل الذي لم يرض بحكم النبي ونزل القرآن بإقراره على ذلك وجرعه اسهل من جرم هذا
وأيضا فان في الصحيحين عن أبى سعيد عن النبي في حديث الذي لمزه في قسمة الذهيبة التي أرسل بها علي من اليمن وقال يا رسول الله اتق الله انه قال انه يخرج من ضئضى هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فاينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم اجرا لمن قتلهم يوم القيامة
وروى النسائي عن أبى برزة قال أتى رسول الله بمال فقسمه فاعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من ورائه شيئا فقام رجل من وراءه فقال يا محمد ما عدلت في القسمة رجل اسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان فغضب رسول الله غضبا شديدا وقال والله لا تجدون بعدي رجلا هو اعدل مني ثم قال يخرج في اخر الزمان قوم كان هذا منهم يقرؤون القرن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج اخرهم مع المسيح الدجال فإذا لقيتموهم فاقتلوهم هم شر الخلق والخليقة فهذه الأحاديث كلها دليل على أن النبي أمر بقتل طائفة هذا الرجل العائب عليه واخبر أن في قتلهم اجرا لمن قتلهم وقال لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد وذكر انهم شر الخلق والخليقة وفيما رواه الترمذي وغيره عن أبى امامة انه قال هم شر قتلى تحت اديم السماء خير قتلى من قتلوه وذكر انه سمع النبي يقول ذلك مرات متعددة وتلا فيهم قوله تعالى يوم تبيض وجوه

الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه وقال زاغوا فزيغ بهم ولا يجوز أن يكون أمر بقتلهم لمجرد قتالهم الناس كما يقاتل الصائل من قاطع الطريق ونحوه وكما يقاتل البغاة لان أولئك إنما يشرع قتالهم حتى تنكسر شوكتهم وكفوا عن الفساد ويدخلوا في الطاعة ولا يقتلون أينما لقوا ولا يقتلون قتل عاد وليسوا شر قتلى تحت اديم السماء ولا يؤمر بقتلهم وانما يؤمر في آخر الأمر بقتالهم فعلم أن هؤلاء أوجب قتلهم مروقهم من الدين لما غلوا فيه حتى مرقوا منه كما دل عليه قوله في حديث علي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فرتب الأمر بالقتل على مروقهم فعلم انه الموجب له ولهذا وصف النبي الطائفة الخارجة
وقال ولو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم علي لسان محمد لنكلوا عن العمل وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على راس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعيرات بيض وقال انهم يخرجون علي خير فرقة من الناس يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق وهذا كله في الصحيح فثبت أن قتلهم لخصوص صفتهم لا لعموم كونهم بغاة أو محاربين وهذا القدر موجود في الواحد منهم كوجوده في العدد منهم وانما لم يقتلهم علي رضي الله عنه اول ما ظهروا لانه لم يتبين له انهم الطائفة المنعوتة حتى سفكوا دم ابن خباب واغاروا على سرح الناس فظهر فيهم قوله يقتلون هل الإسلام ويدعون أهل الأوثان فعلم انهم المارقون ولانه لو قتلهم قبل المحاربة له لربما غضبت لهم قبائلهم وتفرقوا على علي رضي الله عنه وقد كان حاله في حاجته إلى مداراة عسكره واستئلافهم كحال النبي في حاجته في أول الامر إلى استئلاف المنافقين وأيضا فان القوم لم يعترضوا لرسول الله بل كانوا يعظمونه ويعظمون أبا بكر وعمر ولكن غلوا في الدين غلوا جازوا به حده لنقص عقولهم وعملهم فصاروا كما تاوله علي فيهم من قوله عز وجل قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا
واوجب ذلك لهم عقائد فاسدة ترتب عليها افعال منكرة كفرهم بها كثير من الأمة وتوقف فيها آخرون فلما رأى النبي الرجل
الطاعن عليه في القسمة الناسب له عدم العدل بجهله وغلوه وظنه أن العدل هو ما يعتقده من التسوية بين جميع الناس دون النظر الى ما في تخصيص بعض الناس وتفضيله من مصلحة التأليف وغيرها من المصالح علم ان هذا أول أولئك فانه إذا طعن عليه في وجهه فهو على سنته بعد موته وعلى خلفائه اشد طعنا
وقد حكى أرباب المقالات عن الخوارج انهم يجوزون على الأنبياء الكبائر ولهذا لا يلتفتون إلى السنة المخالفة في رأيهم لظاهر القران وان كانت متواترة فلا يرجمون الزاني ويقطعون يد السارق فيما قل او كثر زعما منهم على ما قيل ان لاحجة إلا القران وان السنة الصادرة عن الرسول ليست حجة بناء على ذلك الأصل الفاسد
قال من حكى ذلك عنهم انهم لا يطعنون في النقل لتواتر ذلك وانما يبنونه على هذا الأصل ولهذا قال النبي في صفتهم انهم يقرؤون القران لا يجاوز حناجرهم يتاولونه برأيهم من غير
استدلال على معانيه بالسنة وهم لا يفهمونه بقلوبهم إنما يتلونه بالسنتهم والتحقيق انهم أصناف مختلفة فهذا رأي طائفة منهم وطائفة قد يكذبون النقلة وطائفة لم يسمعوا ذلك ولم يطلبوا علمه وطائفة يزعمون أن ما ليس له ذكر في القران بصريحه ليس حجة على الخلق إما لكونه منسوخا أو مخصوصا بالرسول أو غير ذلك وكذلك ما ذكر من تجويزهم الكبائر فأظنه والله اعلم قول طائفة منهم وعلى كل حال فمن كان يعتقد ان النبي جائر في قسمه يقول انه يفعلها بامر الله فهو مكذب له ومن زعم ان يجوز في حكمه أو قسمه فقد زعم انه خائن وان اتباعه لايجب وهو مناقض لما تضمنه الرسالة من أمانته ووجوب طاعته وزوال الحرج عن النفس من قضائه بقوله وفعله فانه قد بلغ عن الله انه أوجب طاعته والانقياد لحكمه ولانه لا يحيف على احد فم طعن في هذا فقد طعن في صحة تبليغه وذلك طعن في نفس الرسالة وبهذا يتبين صحة رواية من روى الحديث ومن يعدل إذا لم اعدل لقد خبت وخسرت ان لم اكن اعدل لان هذا الطاعن يقول انه رسول الله وانه يجب عليه تصديقه وطاعته فإذا قال انه لم يعدل فقد لزم انه
صدق غير عدل ولا امين ومن اتبع مثل ذلك فهو خائب خاسر كما وصفهم الله تعالى بانهم من الاخسرين أعمالا وان حسبوا انهم يحسنون صنعا ولانه من لم يؤتمن على المال يؤتمن على ما هو اعظم منه ولهذا قال ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء وقال لما قال له اتق الله اولست أحق أهل الأرض أن يتق الله وذلك لان الله قال فيما بلغه إليهم الرسول وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا بعد قوله ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول الآية فبين سبحانه انه ما نهى عنه من مال الفيء فعلينا ان ننتهي عنه فيجب ان يكون أحق اهل الأرض أن يتق الله إذ لولا ذلك لكانت الطاعة له ولغيره أن تساويا أو لغيره دونه أن كان دونه وهذا كفر بما جاء به وهذا ظاهر
وقوله شر الخلق والخليقة وقوله شر قتلى تحت اديم السماء نص في انهم من المنافقين لان المنافقين أسوأ حالا من الكفار
وكذلك في حديث أبى امامة أن قوله تعالى أكفرتم بعد إيمانكم نزلت فيهم وهذا مما لاخلاف فيه اذا صرحوا بالطعن في الرسول والعيب عليه كفعل أولئك اللامريين له
فإذا ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة انه أمر بقتل من كان من جنس ذلك الرجل الذي لمزه أينما لقوا واخبر انهم شر الخليقة وثبت انهم من المنافقين كان ذلك دليلا على صحة معنى حديث الشعبي في استحقاق أصلهم للقتل
يبقى ان يقال ففي الحديث الصحيح انه نهى عن قتل ذلك اللامز
فنقول حديث الشعبي هو أول ظهور هؤلاء كما تقدم فيشير والله اعلم ان يكون أمر بقتله أولا طمعا في انقطاع أمرهم وان كان قد كان يعفو عن اكثر المنافقين لانه خاف من هذا انتشار الفساد من بعده على الأمة ولهذا قال لو قتلته لرجوت أن يكون أولهم واخرهم وكان ما يحصل بقتله من المصلحة العظيمة اعظم مما يخاف من
نفور بعض الناس بقتله فلما لم يوجد وتعذر قتله ومع النبي بما اوحاه الله إليه من العلم ما فضله الله به فكأنه علم انه لابد من خروجهم انه لا مطمع في استئصالهم كما انه لما علم ان الدجال خارج لا محالة نهى عمر عن قتل ابن صياد وقال ان يكنه فلن تسلط عليه وان لا يكنه فلا خير لك في قتله فكان هذا مما أوجب نهيه بعد ذلك عن قتل ذي الخويصرة لما لمزه في غنائم حنين وكذلك لما قال عمر ائذن لي فاضرب عنقه قال دعه فان له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية إلى قوله يخرجون على حين فرقة من الناس فامر بتركه لاجل أن له أصحابا خارجين بعد ذلك فظهر أن
علمه بأنهم لابد أن يخرجوا منعه من أن يقتل منهم أحدا فيتحدث الناس بان محمدا يقتل أصحابه الذين يصلون معه وتنفر بذلك عن الإسلام قلوب كثير من غير مصلحة تغمر هذه المفسدة هذا مع انه كان له أن يعفو عمن أذاه مطلقا بابي هو وامي
وبهذا يتبين سبب كونه في بعض الحديث يعلل بأنه يصلي وفي بعضه بان لا يتحدث الناس أو محمدا يقتل أصحابه وفي بعضه بان له أصحابا سيخرجون وسيأتي إن شاء الله ذكر بعض هذه الأحاديث وان كان هذا الموضع خليقا بها أيضا فثبت أن كل من لمز النبي في حكمه أو قسمه فانه يجب قتله كما أتمر به في حياته وبعد موته وانه إنما عفا عن ذلك اللامز في حياته كما قد كان يعفو عمن يؤذيه من المنافقين لما علم انهم خارجون في الأمة لا محالة وان ليس في قتل ذلك الرجل كثير فائدة بل فيه من المفسدة ما في قتل سائر المنافقين واشد ومما يشهد لمعنى هذا الحديث قول أبو بكر رضي الله عنه في الحديث المشهور لما أراد أبو برزة أن يقتل الرجل الذي اغلظ لأبى بكر وتغيظ عليه أبو بكر وقال له أبو برزة اقتله فقال أبو بكر ما كانت لأحد بعد رسول الله )
فان هذا كما تقدم من دليل على ان الصديق علم ان النبي يطاع امره في قتل من امر بقتله ممن اغضب النبي
فلما كان في حديث الشعبي انه امر ابا بكر بقتل ذلك الذي لمزه حتى اغضبه كانت هذه القضية بمنزلة العمدة لقول الصديق وكان قول صديق رضى الله عنه دليلا على صحة معناها
ومما يدل على انهم كانوا يرون قتل من علموا انه من اولئك الخوارج وان كان منفردا حديث صبيغ بن عسل وهو مشهور قال ابو عثمان النهدي سال رجل من بني يربوع او من بني تميم عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن الذاريات والمرسلات والنازعات او عن بعضهن فقال عمر ضع عن راسك فاذا له وفرة فقال عمر اما والله لو رايتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك ثم قال ثم كتب الى اهل البصرة او قال الينا ان لا تجالسوه قال فلو جاء ونحن مئة تفرقنا رواه الاموي وغيره باسناد صحيح فهذا عمر يحالف بين المهاجرين والانصار انه لو راى العلامة التي وصف بها النبي الخوارج لضرب عنقه مع انه هو الذي نهاه النبي عن قتل ذي الخويصرة فعلم انه فهم من قول النبي اينما لقيتموهم فاقتلوهم القتل مطلقا وان العفو عن ذلك كان في حال الضعف والاستئلاف )0اه كلامه رحمه الله