بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وبعد فهدا الشيخ صالح ال الشيخ يبين حقيقة بدعة تقسيم كلام العرب الى حقيقة ومجاز التي احدثها المعتزلة فقال"
"الكلمة تنقسم إلى حقيقة ومجاز، وكذلك الكلام أثناء تركيبه ينقسم إلى حقيقة ومجاز.
ما هي الحقيقة؟ الحقيقة بقاء اللفظ على معناه الأول، مثل ما يمثلون به أسد حقيقة لهذا الحيوان المفترس المعروف، شجرة حقيقة في هذا النبت المعروف هذا وضعها الأول.
المجاز هو نقل اللفظ من معناه الأول إلى معنى ثان لمناسبة بينهما أو لعلاقة بينهما، هذا المجاز، ولاحظ أن كثيرا يخلطون بين الحقيقة والمجاز وبين الظاهر والتأويل، فيخلطون بين المجاز والتأويل، المجاز شيء والتأويل شيء آخر.
إذن المجاز نقل اللفظ، أما التأويل صرف اللفظ، المجاز نقل اللفظ من وضعه الأول إلى وضع ثان لعلاقة بينهما، مثل أنْ تقول فلان أسد، لا تريد به الحيوان المفترس، لكن تريد فلان أسد في الشجاعة، فَنَقَلَ اللفظ من معناه الأول إلى معنى جديد.
وهذا الذي ذَكر من انقسام الكلام إلى حقيقة ومجاز دَرَجَ عليه جلّ الأصوليين، بل أكثر العلماء في القرون المتأخرة ما بعد القرن الثالث الهجري، وهذا التقسيم إنما ظهر من جهة المعتزلة، وذلك أنه لما احتج عليهم أهل السنة بردّ صرفهم لآيات الصفات وآيات الأسماء عمّا هي عليه من المعاني أتوا بما يسمى بالمجاز، وأنّ هذه ألفاظ نقلت من معناها الأول إلى معنى جديد لعلاقة بينهما، وبالتأويل، وهو أنهم صرفوها لمعنى جديد، والتحقيق في هذه المسألة ولا يتسع المقام لتفصيل الكلام؛ أنّ لغة العرب لا تعرف في ألفاظها إلا الحقيقة؛ فليس ثَم عندهم مجاز، والحقيقة عندهم تارة تكون إفرادية؛ حقيقة في اللفظ بمفرده، وتارة تكون تركيبية، وهي المفهومة من تركيب الكلام.
الحقيقة الإفرادية مثل الأسد هو الأسد؛ حيوان مفترس.
الحقيقة التركيبية هي التي ادعى فيها المدّعون المجاز، مثل أنْ يقال فلان أسد، قال كلمة أسد، هذه مجاز عن الرجل الشجاع لأنه لا يُعنى بها المعنى الأول.
فنقول العرب استعمالها لتركيب كلامها لا تنظر حين التركيب إلى الألفاظ، وإنما تنظر إلى دلالة الألفاظ حال التركيب، فالألفاظ تدل حال التركيب على معنى لا ينتقل معه الذهن من المعنى الأول إلى معنى جديد، مثلا نقول زيد أسد مباشرة ما دام قال زيد أسد لا يأتي للذهن الأسد الذي هو حيوان مفترس، ثم ينتقل منه إلى الرجل الشجاع لقرينة وجود زيد، وإنما مباشرة لما قال زيد أسد علِمَ أن المراد تشبيه زيد بالأسد في شجاعته، وهذه حقيقة تركيبية، وهي التي يدعي فيها المخالفون أنها مجاز، مثلا في القرآن في قول الله تعالى ?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ?[النحل:26] قال (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) معلوم هنا الذي يتبادر للذهن أول ما يسمع السامع هذا الكلام (أَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) أنه ليس إتيان الله لهذا(6) المكان بذاته، وإنما أتى بقدرته، لأنه قال (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ) فيفهم من حقيقة الكلام هذا المعنى، ولا يمكن أن يفهم منه أنه يمكن أن يكون الإتيان بالذات فيُصرف عنه لأجل أنه قال (مِنَ الْقَوَاعِدِ) ونحو ذلك، فهذا يسمى حقيقة تركيبية، وهي التي أو يشبهها الذي يسميه أولئك المجاز، قال تعالى ?أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ?[الفرقان:45] لا يمكن أنْ يفهم عربي أن المراد (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ) يعني ألم تر إلى ذات ربك، إنما المراد يَفهم من قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) ألم تر إلى قدرة ربك كيف مد الظل، وهذا ليس مجازا، وإنما هو حقيقة تركيبية، الحقيقة هي التي تُعنى عند العرب بالكلام؛ لأنّ الحقيقة ما هي؟ هي إظهار الحقيقة بهذا الكلام، فصار الكلام حقيقة، لأنّه تظهر به حقيقة الأمر، فالكلام كله حقيقة، هذه الحقيقة تارة تكون إفرادية في اللفظ، وتارة تكون تركيبية في الكلام جميعا، وهنا مثّل بأمثلة يأتي الكلام عليها.
لكن هذه الحقيقة بمثل قوله تعالى ? وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا?[يوسف:82].
تعريف المجاز الذي عرفوه به: أنّ المجاز نَقْلُ اللفظ من معناه الأول إلى معنى ثان. وهذا يسمونه المجاز الناقص؛ لأنه حُذفت منه أهل القرية، أصل الكلام واسأل أهل القرية، نقول أنّ هذا الكلام مفهوم، ولا نقول أنّ ثَمّ مجاز؛ لأنّ المستمع لهذا الكلام يعلم أنّ القرية من حيث هي جدران وأبنية أنّه ليس المراد الجدران والأبنية، وإنما المراد أنْ يُسأل من يصح أن يُنسب إليه أنّه يسأل وهم أهل القرية، فقوله (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ) من الذي يصح أنْ يسأل؟ أهل القرية، فلهذا يكون الكلام بتركيبته يفيد حقيقة، هذه تسمى حقيقة تركيبية تُستفاد من تركيب الكلام، لكن لو أتى بمفردها وقيل القرية يُعنى بها أهل القرية لم تكن حقيقة إفرادية، ولكن لما استعملت بهذا التركيب صات حقيقة تركيبية، ومن مثل قوله ?وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا?[يوسف:82] يعني أهل العير، ونحو ذلك من أنواع كثيرة أُدُّعي أنها مجاز في القرآن.
بقي أنْ نقول أنّ الأصوليين اختلفوا في وجود المجاز في اللغة، فمنهم من قال بوجوده في اللغة وهم الكثرة الكاثرة، وهناك قلة أفراد من المحققين نفوا وجود المجاز في اللغة؛ قالوا كلام العرب كلُّه حقيقة.
هناك خلاف آخر أخصّ من هذا، وهو هل في القرآن مجاز أم لا؟ فنفاه كثيرون؛ نفاه كثيرون، وأثبته كثيرون، والخلاف في كون القرآن فيه مجاز أم لا، قد يكون عقديا وقد يكون أدبيا:
(فيكون الخلاف في قول المجاز في القرآن عقديا إذا أُدُّعي أنّ آيات الصفات فيها مجاز، أو أنّ الآيات التي فيها العقائد -آيات الغيب التي فيها الخبر عن الغيب ونحو ذلك- أنّ فيها مجاز؛ إذا أدعي أن فيها مجاز صار الخلاف عقديا، لأنّ هذا مسلك المبتدعة.
(فإن أُدعي أنّ القرآن فيه مجاز في غير آيات الصفات صار خلافا أدبيا، فمثلا إذا قرأت في بعض التفاسير في بعض الآيات، قال هذه الآية فيها مجاز في مثل قوله تعالى ?وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ?[الإسراء:24] يقولون هذا فيه استعارة تمثيلية وهي من أنواع المجاز، (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ) ليس متعلقا بخبر غيبي ولا متعلق بعقيدة، فيكون الخلاف فيه أدبيا، نقول لا، الصواب أنه ليس هاهنا مجاز، ظاهر؟
وإذا قيل ?الرَّحْمَن الرَّحِيم?(7) أو?وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا?(8) أنّ الرحمة مجاز عن إرادة الإحسان أو عن إيصال الإنعام صار خلافا عقديا، يُرَدُّ كما يُرَدُّ على أهل البدع.
بهذا تجد أنّ من أهل السنة من قد يقول في بعض الآيات فيها مجاز، لكن في غير آيات الصفات هذا يكون خلافا أدبيا، نقول الصواب فيه أنه لا مجاز في القرآن أصلا، والأصح أيضا أنّه لا مجاز في اللغة أصلا؛ لأنّ كلام العرب حقيقة قد تكون حقيقة إفرادية وقد تكون تركيبية، في كلام طويل على المجاز ليس هذا محل تفصيله.
قال (فالحقيقة:ما بقي في الاستعمال على موضوعه. وقيل: ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة.) وهو ما ذكرتُه لك من أنه ما بقي على وضعه الأول؛ لفظ لم ينقل على معناه بقي على وضعه الأول، وهذا هو الحقيقة الإفرادية.
(المجاز ما تجوز عن موضوعه) يعني عن ما وضع له وعلم الوَضْع من العلوم، من علوم اللغة، علم يُسمى علم الوَضْع، يعنى بهذه الأمور، وهنا قال (المجاز ما تجوز عن موضوعه) يعني ما تجاز به المتكلم به ما وضع له إلى شيء آخر، والتعريف الأدق تعريف جماعة من الأصوليين حيث قالوا: إن المجاز هو نقل اللفظ من وضعه الأول إلى وضع ثانٍ لمناسبة بينهما.
قال (الحقيقة: إما لغوية, وإما شرعية, وإما عرفية.) هذا يحتاج إلى بسط طويل لا أدري نأخذها أو...، (والحقيقة: إما لغوية, وإما شرعية, وإما عرفية.) فيها تعريفات وكلام، نؤجل هذا إن شاء الله تعالى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[سؤال] هل هناك فرق بين قول الفقهاء يجوز ويشرع؟ نعم هناك فرق؛ يشرع يعني ثبتت مشروعيته، ثبت الأمر به من الشارع، هذا معنى يشرع، قد يكون واجبا وقد يكون مستحبا، أما يجوز هذا في المباحات؛ يجوز كذا، يباح كذا، فكلمة يُشرع تحتمل أن يكون واجبا أو مستحبا، أما يجوز فهي خاصة بالمباحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
??(??
والحقيقة :إما لُغوية, وإما شرعية, وإما عرفية.
والمجاز: إما أن يكون بزيادة, أو نقصان، أو نقل، أواستعارة.
والمجاز بالزيادة:مثل قوله تعالى:? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11].
والمجاز بالنقصان: مثل قوله تعالى:? وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ?[يوسف:82].
والمجاز بالنقل:كالغائط فيما يخرج من الإنسان.
والمجاز بالاستعارة:كقوله تعالى: ? جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ?[الكهف:77].


الحمد لله حق حمده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد دائما وأبدا.
قال المؤلف في ذكر المقدمات اللغوية لما ذِكر أن المجاز ينقسم إلى حقيقة ومجاز، أخذ يقسم الحقيقة قال (والحقيقة: إما لغوية, وإما شرعية, وإما عُرفية.) الحقيقة اللغوية يُريد بها التي وضعها أهل اللغة، وضعوا لفظ الأسد للحيوان المفترس، الدابة لكل ما يدبّ على الأرض، الوجه لكل ما يواجِه من الشيء، هذه تسمى حقائق لغوية، وهي المسمّاة الوضع اللغوي يعني اللغة لكل لفظ منها معنى، هذا المعنى -على كلامهم- في أصل نشأة اللغة ووضع اللغة له معنى، هذا المعنى هو حقيقته اللغوية، هذه الحقيقة اللغوية، قد يأتي لها نقل إلى عرف خاص كما سيأتي، أو إلى شرعي، إنْ بقي اللفظ على ما كان عليه بدون نقل؛ بدون سبب إما سبب عرفي أو سبب شرعي صار يُسمّى حقيقة لغوية، مثل ما ذكرتُ لك:
الأسد، ما الأسد؟ الحيوان المعروف.
الحمار ما هو؟ الحيوان المعروف.
الدّابة ما هي الدّابة؟ الدّابة لكل ما يدبّ على الأرض، سواء أكان ذا رجلين أو كان يدب على بطنه أو كان يدب على أربع؛ كل ما يدبّ يسمى دابة، هذا في الوضع اللغوي.
الماء في الوضع اللغوي، هو هذا الماء هو المعروف.
الجبل في الوضع اللغوي هو هذا المعروف.
هذه تسمّى حقائق لغوية التي هي المعاني اللغوية للشيء؛ الأصلية قبل مجيء عرف يحددها، أو مجيء الشرع الإسلامي الذي نقل بعض الألفاظ إلى حقائق شرعية.
قال (وإما شرعية) يعني أنّ ثَمَّة ألفاظ تسمَّى حقيقة شرعية، لها حقيقة لغوية ثم نُقلت إلى معنى خاص، وصار هذا المعنى الخاص حقيقة، من الذي نقل؟ الشرع، فأضيفت إلى الشرع فصارت حقيقة شرعية، بالمثال يتضح المقال، مثل الصلاة، الصلاة الأصل في اللغة هي الدعاء أو الثناء قال جل وعلا ? وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ?[التوبة:103] (صَلِّ عَلَيْهِمْ) هل هم أموات؟ لا ?خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ? (صَلِّ عَلَيْهِمْ) أي أدعو لهم، أي أدعو لهم، هذا المعنى اللغوي، وقال الأعشى لابنته:
تقول بنتي وقد قرَّبْت مرتحلا يا رب جنِّب أبي الأوصاب والوجع
ما ذا قالت؟ يا رب جنب أبي الأوصاب والوجع، هو سيسافر، قال لها:
عليك مثل الذي صليتِ فاغتمضي نوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا
(عليك مثل الذي صليت) يعني مثل الذي دعوت، فهذا الحقيقة اللغوية في الصلاة أنها الدعاء أو الثناء ?إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ?[الأحزاب:56]، الصلاة من الله جل وعلا على نبيه يعني الثناء، الثناء عليه في الملأ الأعلى ? هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ?[الأحزاب:43] يعني يثني عليكم، فإذن الصلاة قد تكون للدعاء وقد تكون للثناء، هذا أصلها اللغوي، نقلها الشرع من الحقيقة اللغوية إلى معنى خاص، وهي هذه الكيفية المعروفة التي تسمى الصلاة، لو قيل لك فلان صلى ما يأتي على بالك الدعاء، بل يأتي على بالك الحقيقة الشرعية وهي الصلاة المعروفة.
مثل الزكاة، الزكاة في اللغة هو الزيادة ? تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا?[التوبة:103] التطهير والنقاء هذه الزكاة، زكاه طهّره ونمّاه ونقّاه ونحو ذلك، ? قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا?[الشمس:9] قد أفلح من طهّرها ونقاها ونحو ذلك، هذا معناها اللغوي، أتت في الشرع، نُقلت إلى شيء آخر، وهي إخراج المال على النحو المحصول، هذا سمي زكاة، ليس لوضعه اللغوي لكن لوضع شرعي جديد، فصار حقيقة شرعية أنّ الزكاة هي الزكاة هذه المعروفة؛ إخراج المال على وجه مخصوص بكيفيات مخصوصة وأوعية مخصوصة إلى آخره، هذه تسمى حقيقة شرعية.
السّجود في اللغة له معنى، وفي الشرع له معنى آخر هذا يسمى الحقيقة الشرعية، صار عندنا حقيقة لغوية، هذه الحقيقة اللغوية قد تبقى على أصلها، فيصير اللفظ باقيا على أصله اللغوي، وقد تُنقل إلى معنى جديد، الذي نَقَلَ هو الشرع، يسمى هذا المعنى الجديد حقيقة شرعية.
قال (وإما عُرفية) أحيانا العُرف لا يجعل اللفظ على ما هو عليه في اللغة بل يجعله أخص منه أو أوسع منه.
مثل مثلا الدابة؛ الدابة في اللغة كما ذكرتُ لك اسم لما يدبّ على وجه الأرض، قد يكون يدب على بطنه أو على رجلين أو على أربع، لكن في العُرف خُصصت الدابة لذوات الأربع، نمثّل- يعني الأمثلة العرفية كثيرة-.
مثل اللحم لو قال فلان أكلت لحما، اللحم من القديم من وقت العرب اللحم لا يصدق على السمك، مع أنّ السمك لحم، السمك لحم؛ قال جل وعلا ?لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا?[النحل:14]، لكنه العُرف نقل اللحم إلى شيء خاص، وهو ما عدى السمك، فإذا قال القائل أكلت لحما، لم يدخل في العرف أنه أراد لحم سمك، وإذا أراد سمكا قال أكلت سمكا.
مثل الغائط، لفظ الغائط، وهو المطمئن من الأرض، أرض نازلة، إذا أتى فيها أحد وطأطأ أخفته عن الأنظار، هذه تسميها العرب تسمي الأرض هذه غائطة؛ يعني منخفضة، ومنه الاشتقاق غوطة، ونحو ذلك من الألفاظ، إذا كانت منخفضة، العرف أصلا هو الذي نقل، أما اللغة فمعنى غائط أو غاط أو شيء آخر، ثم نقلها العرف، يعني أصلها اللغوي هو المكان المنخفض، لكن العرف هو الذي نقلها إلى أنّ الغائط هو ما يخرج من الإنسان من الأذى، لما نقلها العرف؟ لملابسة، ما هذه الملابسة؟ أنّ من أراد أن يخرج هذا الأذى ذهب على ذلك المنخفض من الأرض، كما تعلمون العرب لم تكن لها كُنُف في بيوتها، وإنما إذا أرادوا أن يتبرّزوا، خرجوا، فذهبوا وبحثوا عن ما يتوارون به عن الأنظار، وهي الأرض المسماة الغائط، فسمي ما يخرج منهم في تلك الأرض غائطا، هذا يسمى حقيقة عرفية، وهذا هو الصحيح، وليس هذا مجازا كما مثل به المؤلف فيما سيأتي، الصحيح أنّ هذا حقيقة عرفية.
إذن الحقائق العرفية أنها نَقْلٌ من العرف لأشياء في اللغة بمعنى آخر أخص من المعنى السابق، أو بينه وبينه ملابسة، وهذه الثلاث مهمة.
إذا فهمنا معناها سنقول قد يتعرض اللفظ في نصوص الشرع إلى أنْ تتنازعه الحقائق؛ تتنازعه الحقيقة اللغوية، تتنازعه الحقيقة الشرعية، تتنازعه الحقيقة العرفية، فإذا تنازع اللفظ أكثر من حقيقة، فأي الحقائق يُقدَّم؟ الذي عليه عامّة العلماء أنه يجب تقديم الحقيقة الشرعية، إذا قلنا صلى فلانٌ، نعرف الصلاة المراد بها الحقيقة الشرعية، قال جل وعلا ?وَأَقِمْ الصَّلَاةَ?[هود:114] نعرف الصلاة هي الحقيقة الشرعية؛ لأن هذا اللفظ نعرف أنّ الشرع نقله من اللغة إلى شيء جديد.
فإذن يجب تقديم الحقائق الشرعية أولا عند التعارض.
ثانيا الذي عليه جمهور العلماء خلافا للحنفية أنه يقدم بعد الشرعية العرفية إذا تنازع اللفظ حقيقة عرفية ولغوية، هل يحمل على اللغوية أو يحمل على العرفية؟ نقدم العرفية، لما؟ لأنّ اللغوية باقية على أصلها، وأما العرفية منقولة، ولهذا يقدم المنقول على ما هو باق على أصله، إذْ هذه فائدة النقل، أو هذه من فوائد النقل، ظاهر؟ إذن نقدِّم العرفية، مثاله نقول فلان أتى على دابّة، دابة يعني ذوات الأربع، هذه الحقيقة العرفية.
الحنفية يقولون لا؛ إذا تعارضت العرفية واللغوية تقدم اللغوية؛ لأنها هي الأصل، لكن هذا ليس هو الذي عليه جمهور العلماء.
إذن تحصل عندنا أنّ عامة أهل العلم أنّ الحقيقة الشرعية مقدمة عند التعارض، ثم إذا تعارضت الحقيقة العرفية واللغوية تقدم العرفية عند جمهور العلماء، وتقدم اللغوية عند الحنفية، ما مثال ذلك؟
قبْل المثال تذكرتُ تنبيها مهما بهذا المقام، وهو أنّ الحقيقة الشرعية ما جاء عن الشرع، وأما إذا جاء عن أهل الشرع فهو حقيقة عرفية، انتبه إلى هذا القيد المهم؛ لأن كثيرين يخطئون لأجل عدم التفريق، إذا جاء النقل من الشرع صارت حقيقة شرعية، وأما إذا جاء النقل من أهل الشرع من الفقهاء، من المحدثين، من غيره؛ ما جاء من الله جل وعلا ومن رسوله، فهذه تسمى حقيقة عرفية، أي عرف؟ عرف أهل الشرع، لهذا تجد أنّ الفقهاء مثلا أحيانا يقولون في التعريفات وشرعا، وتارة يقولون اصطلاحا، فهنا ينبغي أنْ يُنظر إذا كان هذا التعريف مستقى من الشرع قيل شرعا، وإذا كان لم يُستقى من الشرع يعني لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم أو استقى تعريفه من دلالة واضحة ظاهرة من النص فإنه يقال فيه اصطلاحا، يعني هذا اصطلح عليه علماء مذهب معين، ولهذا تجد أنه في البيع مثلا تعريف البيع عند الحنابلة يختلف عن تعريفه عند الشافعية وتعريفه عند المالكية وإلى آخره، إذا كان تعريفه مختلفا والكل يقولون شرعا كذا، لا يستقيم؛ لأنهم لم يختلفوا في الصلاة لأن الصلاة تعريفها شرعا هي كذا وكذا، أو أن الصلاة شرعا حقيقة شرعية هي هذه المعروفة.
فإذن نقول البيع اصطلاحا هو مثلا مبادلة مال بمال إلى آخره، ظاهر؟ لهذا نقول إذا أتى النقل من أهل الشرع صارت حقيقة عرفية، إذا أتى النقل من النحاة صار بعرف النحاة حقيقة عرفية نعني بها عرف النحاة، صار النقل عند أهل الحديث مثل المعلق عن أهل الحديث، الذي في القرآن تعليق الصلاة ?وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ?[النساء:129] هنا المعلقة هذا في الشرع جاء على وصف معروف، جاء في الحديث قال الحديث المعلق لهذا اختلف علماء المصطلح تسميات علماء الحديث له بالمعلق نأخذه من إيش؟ من تعليق الجدار، من تعليق الطلاق؟ هذا عرف خاص بأهل الحديث، هذه تسمى حقيقة عرفية لأهل الحديث، بعض الألفاظ يكون عرفها عند أهل الأصول غير عرفها عند أهل النحو، غير عرفها عند اللغويين، غير عرفها عند الفقهاء وهكذا.
إذن فانتبه إلى أنّ التعريفات التي اصطلح عليها علماء مذهب ما أو علماء فن ما، هذه لا يسوغ أن تنسب إلى الشرع، وإنما يقال اصطلاحا كذا، يعني مما اصطلح عليه علماء مذهب ما، لهذا تجد في كثير من كتب الفقه أنهم يقولون فيما اصطلحوا عليه هو شرعا، وهذا عندي لا يسوغ؛ لأنه نسبة شيء إلى الشرع، وربما كانت النصوص مخالفة له، وإن كان بعض العلماء خرج قولهم”وشرعا“؛ يعني في عرف أهل الشرع؛ قال ”وشرعا“ يعني في عُرف أهل الشرع، لكن هذا تخريج ليس بالجيد.
نمثّل نعود للمثال في تعارض الحقائق، مثلا لو قال قائل لزوجته إن أكلتْ لحما فهي طالق، هنا رتّب وقوع الطلاق منه على أكل اللحم، جاءت بسمك وأكلته، سمك يسمى في اللغة لحم، فعند الجمهور القائلين بتقديم العرفية على اللغوية يقولون لم يقع الطلاق، لما؟ لأنها لم تأكل لحما وإنما أكلت سمكا، والسمك لم يدخل في عرف المتكلم، هو قال إنْ أكلتِ لحما فأنت طالق، والحنفية يقدّمون اللغوية، فيقولون تطلق لأنها أكلت لحما واللحم في اللغة كذلك، لو قال قائل لامرأته مثلا أنتَ طالق ثلاثا، قال الرجل لامرأته مثلا أنتَ طالق ثلاثا، فالذين يقدمون العرفية يقولون قوله أنتَ لا يعني بها أصله اللغوي هو يقصد أنتِ، ولكن قال أنتَ؛ لأن عرفه؛ لهجته في قومه هكذا ما يقول أنتِ يقول للمرأة أنتَ ونحو ذلك، هذا عند من يقدّمون العرفية، يقول يقع؛ لأن المراد بالمقاصد هو قصد إيقاع الطلاق، إلا أن يكون عالما بالعربية وأراد تخويفها فيه تفصيل آخر، الحنفية يقولون لا يقع الطلاق، إذن هنا نقدم اللغوية على العرفية، هو قال أنتَ وهو غير أنتِ، فلهذا لا يقع بذلك الطلاق.
مثلا في قوله تعالى ? وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ?[الرعد:15]، هذا السجود يحمل على أي نوع من السجود؟ هل هو السجود الشرعي أو السجود اللغوي أو السجود العرفي؟ محل خلاف بين أهل العلم:
( فمن رأى أن الأصل الإطلاق الشرعي، وهنا تعارضت لأننا لا نعرف كيفية سجود الأشياء فقال هنا يحمل السجود على السجود الشرعي.
( ومنهم من قال لا؛ نحمله على السجود العرفي المتعارف بين الناس وهو طأطأة الرأس، ?ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا?[النساء:45] طأطأة الرأس.
( أو قال طائفة يحمل على اللغوي؛ لأنه هو الأصل، واللغوي هو الخضوع والذل؛ السجود بمعنى الخضوع والذل.
المقصود أنّ هذه القاعدة أطلتُ فيها لبيان التعارض بين الحقائق، والتعارض لأنك ستجد لها فوائد كثيرة في الفقه، وفي شرح الأحاديث، وفي التفسير، ومن جهتي لم أحصي كثرة تطبيقات ما مر علي في التفسير، كثيرا ما تطبق هذه في التفسير، لكن تطبيقها ينبغي أن يكون على معرفة وبينة.
طيّب وفي قوله تعالى ?وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ?[التوبة:103] لماذا ما نحملها على الشرعية؟ أليس الأصل في الصلاة الشرعية، ألفاظ إذا تعارضت، الأصل أن تقدم الحقائق الشرعية، فلماذا لا نقول وصلّ عليهم يعني الصلاة الشرعية، فما الجواب؟ نقول لا يمكن أن تُحمل على الصلاة الشرعية؛ على الحقيقة الشرعية لأنه قال (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) والصلاة على الآدمي لا تكون إلا إذا مات وهذا حي، فهذا انتفى بقرينة قوله (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)، فدل على الانتقال من الحقيقة الشرعية إلى ما بعدها وهي الحقيقة العرفية، العُرف؛ ليس ثَم عرف خاص بالصلاة، فانتقل إلى الأخير وهي الحقيقة اللغوية، فيكون الصلاة هنا بمعنى الدعاء، وهكذا في تفصيلات وأمثلة خاصة.
ذكر المجاز وقال (والمجاز: إما أن يكون بزيادة, أو نقصان، أو نقل، أو استعارة.) المجاز ذكرتُ لكم أنّه يعرف بأشياء منها استعمال اللفظ في غير ما وضع له أولا، أو نقل اللفظ من وضعه الأول إلى وضع ثانٍ لسبب جامع بينهما أو لمناسبة بينهما.
وذكر هنا كتقسيم قال (إما أن يكون بزيادة, أو نقصان، أو نقل، أو استعارة.) المجاز ينقسم إلى عقلي ولغوي؛ ينقسم إلى مجاز عقلي وإلى مجاز لغوي عند القائلين به، وكما قدمتُ لك المجاز عندنا، صحيح أنه ليس ثمّ مجاز في اللغة لكن نبين شيئا مما يتعلق به لإيضاح المقام؛ مجاز عقلي ومجاز لغوي:
المجاز العقلي: إذا أُسند الفعل إلى من لم يفعله ظاهرا، مثل مات فلان، معلوم أنّ فلان لم يفعل الموت، وإنما فُعِلَ به الموت، يعني الفاعل للإماتة غيره، هذا يسمى مجاز عقلي، أسند الفعل إلى من لم يفعله ظاهرا. أنبت الماء الشجرة، الواقع الذي أنبت من؟ هو الله جل وعلا، هذا يُسمى عندهم مجاز عقلي، هذا على كلامهم، ليس تقريرا لكلام المحققين من أهل السنة. أنبت الربيعُ البقل، هذا أيضا من المجاز العقلي عندهم، هذا المجاز العقلي.
الثاني لغوي: واللغوي ينقسم إلى مفرد، وإلى مركب، المفرد له أقسام، والمركب له أقسام، هذه تقسيمات المفرد؛ للمفرد يعني الذي هو الزيادة والنقصان والنقل، والاستعارة للمركب.
قال هنا (أن يكون بزيادة,)، (مثل قوله تعالى:? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11]) هنا قال فيه زيادة الكاف؛ لأنّ معنى الكلام ليس مثله شيء هذا واحد.
أو نقصان (? وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ?[يوسف:82]). واسأل أهل القرية.
أو نقل مثل عندهم الغائط، نقل عندهم من المطمئن من الأرض إلى ما يخرج من الإنسان من الأذى.
أو استعارة مثل (? جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ?) ضابط الاستعارة، طبعا هذه كلها من مباحث البلاغة في علم البيان من البلاغة لأن البلاغة ثلاثة علوم:
الأول: علم المعاني وهو علم مهم جدا جدا.
الثاني: من البلاغة البيان، والبيان عماده على أشياء، وهي التشبيه ويدخل في المجاز كثيرا، وعلى الكناية والمجاز، ويدخل في المجاز الاستعارة بأنواعها إلى آخره.
قال (والمجاز بالاستعارة:كقوله تعالى: ? جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ?) لأنها عندهم الاستعارة مشبه ومشبه به؛ لأنه يستعار شيء بشيء آخر هو ليس له أصل.
قال (والمجاز بالزيادة) الاستعارة تركيبية، المجاز المركب، وما قبله المجاز المفرد، هذه كلها من أقسام المجاز اللغوي.
قال (والمجاز بالزيادة:مثل قوله تعالى? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11].)
( الكاف هذه حتى عند أهل السنة، يقولون هذه الكاف زائدة؛ صلة، لماذا؟ زِيدت لتأكيد الكلام، فهي بمقام تكريره، فقوله (? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11]). معناه ليس مثله شيء ليس مثله شيء ليس مثله شيء، فالكاف هذه زيدت في مقام تكرير الجملة مرتين أو أكثر، إذن ليس مثله شيء ذلك إذا أعرض تقول هنا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ) الكاف هذه صلة، أو تقول حرف جر زائد أو نحو ذلك، (كَمِثْلِهِ) تقول هنا (مثل) نقول اسم مجرور بالكاف؟ لا، لأنّ الكاف هنا زائدة، نقول (مثل) تلك خبر (لَيْسَ) مقدم منصوب محلا مجرور لفظا؛ لفظه مجرور، لكن محله منصوب؛ لأنه خبر ليس. فإذن الكاف ها هنا زِيدت فتكون حرف زائد، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). معناه ليس مثله شيء ليس مثله شيء ليس مثله شيء، فالعربي يفهم من مجيء الكاف هنا أنها في مقام تكرير الكلام وتأكيده.
( القول الثاني أنّ الكاف هنا بمعنى مثل، قال ليس مثل مثله شيء، ومجيء الكاف بمعنى مثل، هذا معروف في اللغة، قد جاء في القرآن، وفي كلام العرب، فمنه في القرآن، قوله تعالى ? ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً? عطف (أَشَدُّ) على الكاف، الاسم يعطف على اسم، ما يعطف على حرف، فدل على أنّ الكاف هنا حرف (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَـ) يعني مِثْل خبر (هِيَ) قال (أَوْ أَشَدُّ) عطفها على الخبر التي هي مثل، ومنه أيضا قول الشاعر الذي هو كسيرهن:
لو كان في قلبي كقدر قلامة حبا لغيرك ما أتتك رسائلي قال (لو كان في قلبي كقدر) الكاف هنا بمعنى مِثْل ضرورة؛ لأنه ليس ثم اسم يصلح أن يكون خبرا لكان (لو كان في قلبي) هذا جارّ ومجرور متعلق بخبر مقدم (كقدر) هذا اسم كان.
إذا تقرر ذلك، فعلى القول الثاني يكون ليس مثل مثله شيء، فهل هو نفي للمثل؟ أو نفي لمثل المثل؟ قال بعض العلماء إن هذا فيه نفي لمثل المثل، وإذا نُفي مثل المثل، قد يُفهم منه جواز أنْ يوجد المثل ظاهر؟ ليس مثل مثله شيء، فمعنى ذلك على هذا التقدير أنه يجوز أن يوجد المثل، قالوا لا، ليس هذا المراد؛ لأن نفي مثل المثل عند العرب أبلغ في نفي المثل؛ لأنه يكون بتقديم المثل الثاني بمعنى الذات، فيكون ليس مثل مثله شيء عند العربي الذي يفهم، إذا استعمل مثل هذا الأسلوب، يفهم أن معناه ليس مثل ذاته شيء فهو نفي للمثلية الأولى، ليس نفيا لمثل المثل الثاني، فيكون فيه إثبات للمثل الأول، وهذا مشهور.
والقولان هذان مشهوران عند أهل السنة في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، والأول هو الأظهر الأبين، وهي أن تكون الكاف صلة.
المقصود هنا زيادة مباحث ليس هذا محل بيانها.
قال (والمجاز بالنقصان: مثل قوله تعالى:? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11].) لأن أصل الكلام عندهم واسأل أهل القرية لقرينة أنّ القرية لا يصح أن تسأل، إذْ هي جدران ومباني ونحوها، فلما لم يصلح أن تسأل القرية صار التقدير واسأل أهل القرية، فنُقِصَ من الكلام كلمة (أهل) ودلت عليها وجود القرية، لقرينة عدم صلاحية القرية لسؤالها، فصارت مجاز نقصان.
قال (والمجاز بالنقل:كالغائط فيما يخرج من الإنسان.) هذا كما قدمتُ ليس يصح أن يكون مجازا، وإنما هو حقيقة عرفية.
(والمجاز بالاستعارة:كقوله تعالى ? جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ?.) وهم يقولون مجاز بالاستعارة؛ لأنه استعار الإرادة للجدار فجعل الجدار حيا، يصلح أن يكون محلا للإرادة، وإرادته أن ينقض، وهذا يسمى عندهم استعارة؛ لأنه أعار الحياة للجدار وأعار الإرادة للجدار، وهذا يسمى مجاز.
وطبعا عندنا كل هذه لا يصلح أن تكون مجازا، وإنما جميعا حقيقة؛ وإنما هذه جميعا حقيقة:
(المجاز بالزيادة) لا يصح أن يكون مجازا، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) هذا تركيب ظاهر، هو حقيقة في ألفاظها، لم ينقل شيء إلى شيء آخر.
(والمجاز بالنقصان) هنا (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ) علمنا من قبل أنَّ هذه حقيقة تركيبية يفهم أي سامع منها (واسأل القرية) بمعنى واسأل أهلها لا يأتي ذهنه أولا للقرية ثم ينتقل ويفكر بالنقصان، يعرف أن المراد أن يسأل أهلها.
(والمجاز بالنقل) هذا علمنا أنه حقيقة عرفية.
(والمجاز بالاستعارة) عندنا أنه حقيقة تركيبية ليس مجازا، وإنما حقيقة تفهم من تركيب الكلام، وأما هذا المثال بخصوصه فعندنا أن الجدار له إرادة على الصحيح، الجدار له إرادة.
ومخلوقات الله جل وعلا التي تسمى الجمادات لها إرادة، لها حياة خاصة، ولهذا الجماد لا يصح أن يعرّف عندنا بأنه الذي ليس فيه حياة، الجماد تعريفه ما ليس فيه حركة ظاهرة، هذا تعريف الجماد، عندنا الجماد هو ما ليس فيه حركة ظاهرة، هذا الجدار أمامنا ليس فيه حركة ظاهرة فهو جماد، خشب أمامنا ليس فيه حركة ظاهرة أمامنا فهو جماد، وهو ما يناسب كلمة جماد، فهي من الجمود الذي هو عدم الحركة، أمّا أنْ يُقال الجماد ما ليس فيه حياة، فهذا باطل؛ لأنّ الله جل وعلا أثبت أن للجبال حياة، وأنّ للشّجر حياة، وأنّ لما لا يرى فيه حركة حياة، قال جل وعلا مثلا في قوله في آخر سورة الأحزاب? إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا? [الأحزاب:72]، وهذا الإباء نتيجة عن حياة خاصة، وأيضا قال النبي عليه الصلاة والسلام «أحد جبل يحبنا ونحبه» فأثبت أنه يحب، فدل على أنَّ له حياة خاصة، كذلك الجذع كان يحن لما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم حنّ حنين العشار، جذع أحد سواري المسجد، جذع من الجذوع كان النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليه في خطبة الجمعة، فلما تركه بعد أن عُمل له المنبر، حنّ؛ سُمع له حنين كحنين العشار؛ حنين الإبل، فهذا فيه إثبات حياة، كذلك كان يسمع كلام بعض الصخور والحصى عليه الصلاة والسلام، ونحو ذلك.
المقصود أنّ هذه التي تسمى جمادات في الشرع أدلة كثيرة -يطول لو أردنا أن نسردها طال المقام جدا- تدل على أنّ فيها حياة خاصة، فهنا الجدار (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ) هذا فيه إثبات الإرادة للجدار، نأخذه بظاهره؛ أنّ الجدار له إرادة (يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ) له إرادة خاصة، ثم أنه (يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ) (9) هل هذا لأنه يفعل به ذلك، أم أنه اختيار منه؟ الله أعلم لأن حقائق ذلك محجوبة عنا.
نكتفي بهذا القدر، يعني أنا أرى أوجه، أو وجوه -جمع كثرة- وجوه الإخوة مع الأصول تجول، سببه أني أستعجل في الكلام، كما ترون أنّ الوقت ضيق، ولا يمكن أيضا أنه نمشي كما ينبغي، ولا بد من الإيضاح، ما أدري كيف يكون الكلام القليل لا يوضح المراد والاستعجال قد يتعبكم، لكن على كل حال هي فتح للأبواب، أسأل الله جل وعلا أن ينفعكم وينفعني بأعمالنا كلها في هذه الحياة وفي الدار الأخرى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه- من شريط شرح الورقات للشيخ صالح ال الشيخ