قال في كفاية الطالب الرباني :( وَأَمَرَ النَّبِيُّ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوَطَّأِ ( أَنْ تُعْفَى ) أَيْ تُوَفَّرُ ( اللِّحْيَةُ ) وَقَوْلُهُ : ( وَتُوَفَّرُ وَلَا تُقَصُّ ) تَأْكِيدٌ وَقَوْلُهُ : ( قَالَ مَالِكٌ ) رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَلَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ ) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ ( مِنْ طُولِهَا إذَا طَالَتْ كَثِيرًا ) وَالْمَعْرُوفُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا لِنَحْوِ الشُّهْرَةِ ( وَ ) مَا قَالَهُ مَالِكٌ ( قَالَهُ ) قَبْلَهُ ( غَيْرُ وَاحِدٍ ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ ( مِنْ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ)
قال العدوي رحمه الله في حاشيته على كفاية الطالب الرباني :( [ قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ . . . إلَخْ ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ : أَمَّا قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ . . . إلَخْ . فَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَدِيثِ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ [ قَوْلُهُ : مِنْ طُولِهَا ] وَكَذَا يُنْدَبُ الْأَخْذُ مِنْ عَوَارِضِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي . [ قَوْلُهُ : إذَا طَالَتْ كَثِيرًا ] أَيْ لَا إنْ لَمْ تَطُلْ أَوْ طَالَتْ قَلِيلًا ، وَفَسَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْكَثْرَةَ بِأَنْ خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ لِغَالِبِ النَّاسِ ، أَيْ فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُصَّ الزَّائِدَ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَقْبُحُ بِهِ الْمَنْظَرُ فَإِنْ قُلْت : وَمَا حُكْمُ الْقَصِّ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ أَوْ الطُّولِ الْقَلِيلِ ؟ قُلْت : صَرَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَصُّ إنْ لَمْ تَكُنْ طَالَتْ كَالْحَلْقِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ كَمَا أَفَدْنَاك سَابِقًا إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِالْقَصِّ مُثْلَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ أَوْ الطُّولِ الْقَلِيلِ وَتَجَاوَزَ فِي الْقَصِّ . وَأَمَّا إذَا طَالَتْ قَلِيلًا وَكَانَ الْقَصُّ لَا يَحْصُلُ بِهِ مُثْلَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَحُرِّرَ . [ قَوْلُهُ : وَالْمَعْرُوفُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ مِنْهَا ] أَيْ أَنَّهَا إذَا طَالَتْ كَثِيرًا وَقُلْنَا : لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا فَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ أَيْ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا تَحْسُنُ بِهِ الْهَيْئَةُ ، وَمُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ : إنَّهُ يَقُصُّ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُقَابِلَ لَا يَقْضِي بِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا طَالَتْ كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُفَادُ شَارِحِنَا فَتَدَبَّرْ . [ قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَثْرَةِ الطُّولِ كَثْرَةٌ يَكُونُ بِهَا تَشْوِيهٌ وَشُهْرَةٌ فَذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى هُوَ عَيْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا طَالَتْ كَثِيرًا فَلَا مَعْنَى لِلْإِتْيَانِ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ تَفْسِيرَ الطُّولِ الْكَثِيرِ . [ قَوْلُهُ : لِنَحْوِ الشُّهْرَةِ ] أَيْ جِهَةِ الشُّهْرَةِ أَيْ فِي جِهَةِ الشُّهْرَةِ ، أَيْ الِاشْتِهَارِ ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ فِي جِهَةِ الشُّهْرَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَهِرَ فَالْمَقْصُودُ ذَلِكَ اللَّازِمُ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ : إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا بِحَيْثُ تَشْتَهِرُ . [ قَوْلُهُ : وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ . . . إلَخْ ] تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَوْ دَلِيلٌ لَهُ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ [ قَوْلُهُ : أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصْدُقُ بِاثْنَيْنِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً لَا مَا يَشْمَلُ الِاثْنَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّ التَّقْوِيَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمُوَافَقَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا هُمْ الْأَكْثَرُ لِكَوْنِ الْقَصْدِ الْقُوَّةَ فِي الْجُمْلَةِ ، وَيَحْتَمِلُ وَهُمْ الْأَكْثَرُ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْقُوَّةِ الْكَامِلَةَ ، وَالْمُقَابِلُ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَوْ طَالَتْ بِحَيْثُ صَارَتْ لَحَدِّ الشُّهْرَةِ أَيْ يُكْرَهُ الْأَخْذُ جُمْلَةً إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِحَمْلٍ لَا بَأْسَ لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ . [ قَوْلُهُ : مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ : أَيْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَقُلْ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ مَالِكًا مِنْهُمْ وَالْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِمُخَالَفَةِ مَنْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ نَقْضًا لِإِجْمَاعِهِمْ فَتَدَبَّرْ )0