بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج من شرح بلوغ المرام لسماحة الشيخ الإسلام الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله
كتاب الحج
باب فضله وبيان من فرض عليه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد،،،
هذا كتاب الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ، وأول أركان الإسلام وأعظمها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثم الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج ، وقد جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:(بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا).وكذلك حديث جبريل من حديث عمر رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج بيت الله الحرام إن استطعت إليه سبيلا)فهذه أركان الإسلام الظاهرة ، ويلحق بها كل ما كان ظاهر فإنه يسمى أعمالاً إسلامية ويسمى الجميع إيماناً وتسمى أعمال إيمانية أيضاً ؛ لأن الإسلام إذا أطلق دخل فيه الإيمان وإذا أطلق الإيمان دخل فيه الإسلام والإحسان قال تعالى إن الدين عند الله الإسلام ويدخل به كل ما أمر الله به ورسوله عليه الصلاة والسلام وترك كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كله داخل في هذا ، وداخل في قوله ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل من .
فالإسلام : فعل كل ما شرع الله من أعمال وترك كل ما نهى الله عنه يسمى إسلاماً لأنه خضوع وذل بين يديه وامتثال أمره ، لأن الإسلام هو الخضوع ، يقال أسلم فلان لفلان أي خضع له وذل له وأسلم لله أي ذل لله وانقاد لعظمته وترك ما نهى الله عنه ، يقال له إسلام ويقال له إيمان لأنه تصديق لخبر الله قولاً وعملاً ويقال له إحسان لأنه إحسان من فاعله متى أدى الأوامر واجتنب النواهي فقد أحسن ويسمى براً لأنها خصال خير والبر هو الخير ففعل الأوامر وترك النواهي يسمى براً ويسمى هدىً ويسمى صلاحاً وتقوى كما قال تعالى : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وقال سبحانه يا أيها الناس اتقوا ربكم فتقوى الله بالإسلام كله وبطاعة الله كلها قال تعالى: لقد جاءهم من ربهم الهدى ويقول الله تعالى: ولكن البر من اتقى وقال جل شأنه : إن الأبرار لفي نعيم وقال صلى الله عليه وسلم :( الإيمان بضع وسبعون شعبه ـ وفي لفظ ـ بضع وستون شعبه، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان ) متفق عليه وهذا لفظ مسلم .
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )متفق عليه .
الشرح :
في هذا بيان فضل الحج والعمرة ،وإن العمرة كفارة لما بينهما عند اجتناب الكبائر.
(القاعدة)الأحاديث المطلقة في تكفير الذنوب مقيدة بترك الكبائر كما في قوله تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وفي قوله صلى الله عليه وسلم :(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)وفي لفظ آخر (ما لم تغشى الكبائر)والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة عند اجتناب الكبائر كما قال صلى الله عليه وسلم:(من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) فالحج المبرور ليس فيه رفث ولا فسوق هذا الحج المبرور، ليس فيه ما يبطله وليس فيه ما ينقصه من المعاصي ، وهذا الذي يوجب الجنة.
ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على النساء جهاد؟قال: (نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج ،والعمرة ) رواه أحمد وابن ماجه واللفظ له وإسناده صحيح ، وأصله في الصحيح .
الشرح :
لأن فيه جهاد للنفس ، وجهاد للنفقة ، جهاد من جهة النفقة ، وجهاد من جهة النفس والأعمال . وهو عام للرجال والنساء ،فرض مرة في العمر .
ويعرف من هذا أنه ليس عليهن جهاد فيه قتال بل هذا خاص بالرجال لكن لو هجم العدو على البلد جاهدن بحسب طاقتهن من السطوح والأبواب والطرقات لأن الدفاع واجب على المسلمين جميعاً الذكور والإناث عند هجوم العدو على البلد ، لكن جهاد الطلب خاص بالرجال ليس للنساء فيه شيء .
وأصل الحديث في البخاري أنها قالت يا رسول الله : نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد قال : " لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور " يعني في حق النساء .
ـ وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال :يا رسو الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال (لا ، وأن تعتمر خير لك )رواه أحمد والترمذي . والراجح وقفه . وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف ، عن جابر مرفوعاً : " الحج والعمرة فريضتان " .
الشرح :
هذا الحديث ضعيف وهو موقوف على جابر ، وهكذا " الحج والعمرة فريضتان" ضعيف ، لكن يغني عنهما ما تقدم لما سألت عائشة رضي الله عنها هل على النساء من جهاد قال صلى الله عليه وسلم : (جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة )دل على وجوبهما أنهما واجبان على النساء كما هما واجبان على الرجال .
ويدل على وجوبهما أيضاً : قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمر رضي الله عنه في تفسير الإسلام قال : (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة) أخرجه الدارقطني بسند صحيح وصححه ابن خزيمة ، فجعل العمرة مع الحج في تفسير الإسلام ،وهكذا الغسل من الجنابة فهذه مع حديث عائشة رضي الله عنها ( عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة ) يدلان على وجوب العمرة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم كونه اعتمر وقال : (خذوا عني مناسككم ) .
ويدل على وجوبها أيضاً : ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ) رواه الترمذي والنسائي بسند صحيح ، وله شاهد أيضاً صحيح عند ابن عباس رضي الله عنهما ،وله شاهد عن عمر رضي الله عنه ولكن فيه ضعف .
هذا فيه فضل متابعة ما بين الحج والعمرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )متفق عليه .
ـ وعن أنس قال :قيل يا رسول الله ، ما السبيل ؟قال : الزاد والراحلة " رواه الدارقطني وصححه الحاكم ، والراجح إرساله .
الشرح :
في حديث أنس وابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن السبيل فقال صلى الله عليه وسلم قال : (الزاد والراحلة ).
وجاء هذا المعنى عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم السبيل الزاد والراحلة يعني في قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا يعني المركوب والزاد سواء كانت الراحلة بعيراً أو بغلاً أو حماراً أو سيارةً أو طائرةً أو باخرةً أو غير ذلك.
السبيل ما يوصلك إلى مكة من مركوب وزاد ، فإذا استطاع السبيل إلى مكة وجب عليه الحج ، وإذا لم يستطع فلا حج عليه ولا عمرة لقوله تعالى من استطاع إليه سبيلا وقوله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إن استطعت إليه سبيلا ) .
وأحاديث الزاد والراحلة كلها ضعيفة يشد بعضها بعضاً من باب الحسن لغيره ،وأجمع العلماء على هذا المعنى ـ الزاد والراحلة ـ.
الأسئلة
س/هل على أهل مكة عمرة؟
ج/ واجبة مثل غيرهم مرة واحدة في العمر هذا هو الصواب لأن الأدلة تعمهم.
س/ هل الحج والعمرة سواء في المرتبة في الوجوب؟
ج/ لا ، الحج أوجب ،لأن العمرة فيها خلاف والحج ليس فيه خلاف بإجماع المسلمين وهو ركن من أركان الإسلام.
س/ متى شرع الحج؟
ج/ في السنة التاسعة أو العاشرة ،متأخر وجوبه إلا أن شرعيته قديمة قال بعضهم سنة ست أو خمس ولكن الأرجح أنه متأخر.
س/ ما حكم إكثار الناس العمرة بعد الحج مع التنعيم والجعرانة؟
ج/ لا حرج ،إذا تيسر وليس فيه زحمة ولا فيه أذى مثل ما فعلت عائشة رضي الله عنها فقد أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم مع أنها اعتمرت قارنة .
أما إذا كان زحام :فالترك أفضل كما ترك الصحابة رضوان الله عليهم.
س/ وما الأفضل في ذلك ـ أحسن الله إليك ـ ؟
ج/ إذا لم يكن هناك زحام يأخذ مائة عمرة كل ما تيسر أو يأخذ ألف عمرة كل ما تيسر مثل ما قال صلى الله عليه وسلم (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) وهذا يعم مائة عمرة أو ألف عمرة متى ما تيسر بغير مشقة وبغير أذى الناس.
س/إذا أخذ عمرة وقت احرم من ميقاته ثم أراد أن يـأخذ عمرة ثانية فهل يرجع إلى ميقاته أو من التنعيم؟
ج/ ما دام في مكة من التنعيم مثل ما أحرمت عائشة رضي الله عنها أو عرفة أو غيرها من الحل .
س/ فَهم منك ـ أحسن الله إليك ـ بعض الناس أنك قبل صلاة العصر تقول بجواز عيب جهة معينة أو بلد معين أو قرية معينة ؟
ج/ ما تسمى غيبة ،أما العيب وغير العيب فترك العيب أحسن ما له لزوم إنك تتكلم في قرى الناس لكن ما تسمى غيبة ،إذا قيل أهل الجزائر عندهم عادة كذا أو أهل الرياض عندهم كذا ما يقال هذا غيبة ،فإذا قيل أهل الجزائر عندهم فتنة القتال الآن ما يسمى هذا غيبة وإذا قال أحد أهل الرياض نذلاء أو جبناء ترك هذا أولى.
أما هل يدخل هذا في الغيبة فإن ترك هذا أولى .
العلماء عرفوا الغيبة بأنها ذكر الإنسان المعين أو الجماعة المعينين لكن قد يدخل في قوله تعالى ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب.قد يدخل في هذا لأنه لمز لهذا البلد بألقاب قد يكرهونها وقد تسبب عداوة.
س/هل العمرة تدخلها النيابة إذا كان الشخص مريضاً؟
ج/ العمرة مثل الحج إذا كان ميؤوساً منه أو كبير السن عاجز مثل ما قال رجل يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة قال حج عن أبيك واعتمر إذا كان عاجزاً شيخاً كبيراً أو مرضاً لا يرجى برؤه أما المرض العادي فلا
س/بعض الشباب تتوق أنفسهم للحج خاصةً في مجال الدعوة لكن العامة يخذلونهم ويقولون من حج فرضه يقضب أرضه أو اترك المجال لغيرك ؟
ج/ ما عليه دليل ،لكن لمراعاة ما يحصل زحمة على الناس ويقدر هذا في نفسه لعله يؤجر في هذا الذي يحج للدعوة جزاه الله خيراً .
س/هل اعتمر الرسول في رمضان ؟
ج/ لا نعرف هذا ، كل عُمَره كانت في ذي القعدة لكن عمرة في رمضان أفضل.
س/الحج بالمال الحرام يفسد الحج؟
ج/ الحج صحيح ويأثم لأن الحج معظمه أعمال ماله تعلق بالمال.