بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين:
وبعد:
فلا يزال علماء أهل السنة والجماعة في كل زمان يذبون عن العقيدة السلفية، لتبقى غضة صحيحة على ما تركها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وأئمة السنة.
ومع توارد البدع في العقيدة وتدفق الحوادث والفتن، لا سيما في القرون المتقدِّمة، فقد تصدى علماء السنة للمحدثات في الاعتقاد الفاسد، وأصحاب مقالات السوء، من مرجئة وغيرهم، تعليماً وتصنيفاً ونقضاً وبياناً وكشفاً .
ومن أشد الفتن التي عصفت بأمة الإسلام قديماً وحديثاً: فتنة ((المرجئة)) بجميع أنواعها، فإنها فتنة قد اجتمعت لها حجج أهل الإرجاء باسم حجج أهل السنة والعياذ بالله.
إذ اعتنق هذا القول واعتقده ربيع المدخلي في وقته باسم السنة وعرض قوله بالقوة والإرهاب على مخالفيه في مسائل الإيمان حتى يقروا ذلك الاعتقاد مع فساده – اعتقاد المرجئة –.
فهو مشعل الفتنة ورأس الفتنة، فتنة الإرجاء في هذا العصر والعياذ بالله.
فلما أظهر هذا الاعتقاد الفاسد على أنه اعتقاد السلف في مسائل الإيمان ...تصدى له علماء السنة، وبينوا عوار أقواله في مسائل الإيمان ، ووصفوه بأنه مرجئ، ومن ذهب إلى قوله بأنه مرجئ لأنه يلحق به، حسماً لمادة الشبهة والابتداع، والتفريق بينه وبين الاتباع.
فأتى ربيع المدخلي بطامة كبرى لم يسبقه أحد لها وهو قوله (( الإيمان ينقص إلى أن يصل إلى أدنى مثقال ذرة من إيمان )) !!! وذلك في شرحه لكتاب الإيمان من صحيح البخاري في شريط مسجل بصوته.
ونحن نسوق له كلام السلف الصالح في هذه المسألة ليتبين له خطؤه المخالف لاعتقاد السلف الصالح فنقول:
1) قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله: ( الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء ).
أخرجه الكوسج في مسائل أحمد وإسحاق (ج2ص589) ومن طريقه الخلال في السنة (ج3ص582 و593) قال: قال إسحاق فذكره.
قلت: وهذا إسناده صحيح.
2) قال الإمام إسحاق بن منصور الكوسج رحمه الله بعد أثر الإمام إسحاق بن راهويه: ( وأنا أقول بها ).
ينظر مسائل أحمد وإسحاق للكوسج (ج2ص589).
3) قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله: ( الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد تقول: ينقص؟ فقال: اسكت يا صبي بلى ينقص، حتى لا يبقى منه شيء ).
أخرجه الحميدي في أصول السنة (ص41) والصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص270) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (ج5ص1032) والعدني في الإيمان (ص94) وابن بطة في الإبانة الكبرى (ج2ص854/ كتاب الإيمان) والآجري في الشريعة (ج2ص607) من طريقين عن سفيان به.
قلت: وهذا إسناده صحيح.
4) قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله عندما قيل له: كان ابن المبارك يقول: يزيد ولا ينقص، فقال: ( كان يقول: الإيمان يتفاضل، وكان سفيان يقول: ينقص حتى لا يبقى منه شيء ).
أخرجه الخلال في السنة (ج3ص583) قال: وأخبرنا أبو بكر المروذي أن أبا عبدالله قيل له فذكره.
قلت: وهذا إسناده صحيح.
وهذا إقرار من الإمام أحمد على قول سفيان رحمه الله.

5) قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله عندما سأله رجل عن زيادته ونقصانه ـ يعني الإيمان ـ فقال: ( يزيد حتى يبلغ أعلى السماوات السبع، وينقص حتى يصير إلى أسفل السافلين السبع ).
ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (ج2ص210) في ترجمة القاسم بن عبدالله البغدادي فيما نقله عن الإمام أحمد رحمه الله.
6) قال الإمام البربهاري رحمه الله في كتابه شرح السنة (ص67): ( والإيمان بأن الإيمان قول وعمل، وعمل وقول، ونية وإصابة، يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء ).
7) قال الإمام الأوزاعي رحمه الله عندما سئل عن الإيمان: أيزيد ؟ قال: ( نعم حتى يكون مثل الجبال، قال: قلت: فينقص ؟ قال: نعم حتى لا يبقى منه شيء ).
أخرجه أبو العباس الأصم في حديثه (ص153) ومن طريقه اللالكائي شرح أصول اعتقاد أهل السنة (ج5ص1030) وابن عساكر في تاريخ دمشق (ج11ص41) من طريق العباس بن الوليد البيروتي، حدثنا أبو قدامة الجبيلي قال: سمعت عقبة بن علقمة يقول: سألت الأوزاعي فذكره.
قلت: وهذا سنده ضعيف، فيه أبو قدامة الجبيلي تمام بن كثير، ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج11ص41)، فقال: حدث عن عقبة ومحمد بن شعيب بن شابور، روى عنه العباس بن الوليد بن مزيد وعلي بن الهيثم بن المصيصي. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
قلت: ولكن يشهد له ما قبله من الآثار.
8) وكذلك قول العباس بن الوليد البيروتي رحمه الله عندما سئل وقيل له أليس تقول ما يقول الأوزاعي ؟ فقال: ( نعم ).
ينظر تاريخ دمشق لابن عساكر (ج11ص42) وحديث الأصم (ص153) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي (ج5ص1030).
9) المحدث الكبير أبو عثمان بشار بن موسى الخفاف رحمه الله قال: ( الإيمان: قول وعمل ونية، يزيد وينقص، حتى يكون أعظم من الجبل، وينقص حتى لا يبقى منه شيء... ).
أخرجه حرب الكرماني في مسائل أحمد وإسحاق (ص370) قال: سمعت بشار بن موسى الخفاف فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
10) قول الإمام علي بن عبد الله المديني رحمه الله عندما سئل عن الإيمان فقال: ( قول وعمل ونية، قلت: أينقص ويزداد ؟ قال: نعم يزداد وينقص حتى لا يبقى منه شيء ).
ذكره الثعلبي في تفسيره (ج3ص213) عن عثمان بن سعيد الدارمي قال: وسألت علي بن عبد الله المديني فذكره.
11) وكذلك قال عثمان بن سعيد الدارمي وسألت عمر بن عون الواسطي عن الإيمان فقال: ( مثل ذلك ).
ينظر تفسير الثعلبي (ج3ص213).
12) قال الإمام ابن منده رحمه الله في كتابه الإيمان (ج1ص345): ( ذكر خبر يدل على أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى في قلب العبد مثال حبة خردل وأن المجاهدة بالقلب واللسان واليد من الإيمان)
ومن هنا يتبين بأن ربيع المدخلي لا يدري ماذا يخرج من رأسه، وما كان هذا حاله فلا يؤخذ منه العلم لا في الأصول ولا في الفروع.
قال معن بن عيسى : ( قلت لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله كيف تكتب عن الناس، وقد أدركتهم متوافرين ؟
قال مالك : أدركتهم متوافرين، ولكن لا أكتب إلا عن رجل يعرف ما يخرج من رأسه ). رواه ابن ناصر الدين في إتحاف السالك بإسناد صحيح .
وفي الختام أحب أن أنبه على أن هذا هو اعتقاد السلف الصالح الذي نقله أهل السنة والجماعة في كتب الاعتقاد من أمثال الحميدي والخلال واللالكائي والصابوني والبربهاري والعدني وغيرهم، ويأتي هذا المرجئ ويقول للشيخ المحدث فوزي الأثري ـ حفظه الله ـ بقوله:( فأقول لك : أثبت هذا بالأسانيد الصحيحة من كلام السلف . أثبت لنا أن السلف - غير ابن عيينة فيما نظن – كانوا يقولون في تعريفهم للإيمان ( ... ينقص وينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء )ا.هـ
فسبحان الله، ما نقول لك إلا كما قال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ: ( الجاهل لا يعرف رتبة نفسه فكيف يعرف رتبة غيره).
وكذلك تلبيسه على الجهله من أمثاله في شبكة خراب!!! الحزبية بقوله :(ولست أعني بهذا أني أنكر هذه العبارة , بل هي حقّ لا غبار عليها , وإنما أردت أن أبين أن الأمر واسع في ذلك فمن اقتصر على قوله ( يزيد وينقص ) كما هو الثابت عن جمهور أهل السنة فحسن جدا ,ومن زاد على ذلك فقال ( وينقص حتى لا يبقى منه شيء ) كما هو ثابت عن ابن عيينة فحسن , ومن قال : ( وينقص إلى أن يصل إلى أدنى مثقال ذرة من الإيمان ) فحسن , ومن عدل عن لفظة الزيادة والنقصان إلى لفظة ( التفاضل ) كما هو ثابت عن ابن المبارك وعبد الرحمن ابن مهدي , فلا بأس و لا ضير ما دام أن الكل متفقون على أصل القول بالزيادة والنقصان)ا.هـ
فنقول لك أثبت لنا أن السلف يقولون: أن الإيمان ينقص حتى يصل إلى أدنى مثقال ذرة من الإيمان في حق تارك جنس العمل، وأنه لا يزول بالكلية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.