(( أهل الحديث هم الفقهاء والمفتون وليس العكس ! )) (1)


قبل أن أنقل لكم رسالة أحد الأفاضل الذين يشتغلون بهذا العلم الشريف ، لا بد لي من كلمة حول ما يثيره بعض الجهلة والمتعالمين وأهل الحسد من كلام يدور فحواه على أن المحدث أو أهل الحديث ليسوا بفقهاء ؛ فلا تجوز منهم الفتوى في أمور الفقه وغيرها !
وهذا - والله ! - إن دل على شيء ؛ فإنما يدل على جهل هذا الصنف من الناس أو ضلالهم أو الاثنين معاً !
ولا أدري : أحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندهم بهذه الدرجة من المهانة والازدراء ؛ حتى يجعلوا فتوى أهل الحديث قاصرة على الأحاديث دون الفقه وغيره من أمور الشريعة ؟
أبلغ بهم العمى على القلوب أن يستنكفوا عن الاعتراف بفضل أهل الحديث درجة تجعل قائلهم يقول : الفتوى للأكابر ؟!
أليس أحق الناس بالفتوى هم أهل الحديث الذين حفظوا سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام ، وعرفوها كما يعرف الرجل ابنه !؟
وهل الأكابر إلا أهل الحديث ؟!
لقد طعن بعض هؤلاء في شيخنا الألباني بقولهم : محدث وليس بفقيه!
ووالله ! لو علموا شرف أصحاب الحديث حقاً ؛ لما نطقوا بهذا البهتان والكذب 0

ولنعد لسؤال الأخ الفاضل : محمد بن حسين الحارثي من مكة المكرمة الذي افتتحه بقوله :

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ علي رضا بن عبد الله رعاه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد 00
أبعث لكم ثلاثة أحاديث نسبت لنبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن التجارة والتجار ؛ أرجو أن تبينوا لي درجتها من الصحة أو الضعف ؛ داعياً المولى القدير أن يجزل لكم الأجر والمثوبة لخدمة سنة نبينا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
1- ( التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين

والشهداء ) ؟
2- ( عليكم بالتجارة ؛ فإن فيها تسعة أعشار الرزق ) ؟
3- ( من ليس له مال موروث ؛ فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة ) ؟

والله يحفظكم ويرعاكم 00



فأجبت وبالله التوفيق ، ومنه وحده المدد سبحانه لا شريك له :

أما حديث : ( التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع الصديقين والشهداء ) فهو حديث في إسناده انقطاع بين الحسن البصري رحمه الله وبين أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ؛ فإنه لم يسمع منه شيئاً كما قال علماء الحديث وحفاظه ، وعلى رأسهم الإمام : علي بن المديني رحمه الله تعالى 0 ( جامع التحصيل في أحكام المراسيل ) للحافظ العلائي ( ص195 برقم 135 ) ، و( تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل ) للحافظ أبي زرعة العراقي برقم ( 176 ) - مخطوط - بتحقيقي 0
فالحديث ضعيف ، وقد رواه : الترمذي برقم ( 1209 ) ، والدارمي برقم ( 2541 ) ، والدارقطني برقم ( 18 )
ج3 / ص7 ، والحاكم في ( المستدرك ) 2 / 6 ، والبغوي في ( شرح السنة ) برقم ( 2025 ) كلهم من طريق سفيان ، عن أبي حمزة ، عن الحسن ، عن أبي سعيد مرفوعاً به بزيادة ( النبيين )
التي لم يذكرها السائل في الحديث 0
وفيه علة أخرى لم يذكرها شيخنا الألباني رحمه الله تعالى في ( تخريج أحاديث الحلال والحرام ) برقم ( 167 ) ؛ ألا وهي الاختلاف في أبي حمزة هذا : أهو عبد الله بن جابر على قول الترمذي أم هو ميمون الأعور على قول الدارمي ؟
فإن كان الأول ؛ فهو حسن الحديث : وثقه ابن معين وابن حبان ، وقال البزار : لا بأس به ، ولخص الحافظ الأقوال فيه فلم يصب عندما قال رحمه الله تعالى : مقبول !
وإن كان الثاني : فإنه ضعيف جداً ؛ لأنه متروك عند ابن معين وغيره ، وضعفه بعض الأئمة فقط كما في ( التهذيب ) 4 / 200 - 201 0
ولا يمكن الجزم بأحدهما ؛ لأن كل واحد منهما يروي عن الحسن البصري ، ويروي عن كليهما : سفيان الثوري ، كما هو في ترجمتهما من ( تهذيب الكمال ) 0

وللحديث شاهد لا يفرح به : رواه ابن ماجة برقم ( 2139 ) ، والحاكم ( 2 / 6 ) من طريق كلثوم بن جوشن ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ : ( التاجر الصدوق الأمين المسلم ، مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة ) 0
وكلثوم قال عنه ابن حبان : ( يروي عن الثقات الملزقات ، وعن الأثبات الموضوعات ، لا يحل الاحتجاج به ) 0
وقال أبوداود : منكر الحديث 0
ووثقه البخاري ( ! ) فاكتفى الحافظ بتضعيفه في ( التقريب ) برقم ( 5691 ) ، والصحيح أنه شديد الضعف ؛ فجرحه مفسر ، ولعله لهذا قال الإمام أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث بعينه : لا أصل له ، وكلثوم ضعيف الحديث ( العلل ) 1 / 386 - 3