قال ابن العربي في أحكام القرآن (2/743- 744):
عند قوله تعالى: (
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ..)
(: "اتفق العلماء على أن معنى الآية: لا تسبوا آلهة الكفار فيسبوا إلهكم...، فمنع الله تعالى في كتابه أحداً أن يفعل فعلاً جائزاً يؤدي إلى محظور؛ ولأجل هذا تعلق علماؤنا بهذه الآية في سد الذرائع،
وهو كل عقد جائز في الظاهر يؤول أو يمكن أن يتوصل به إلى محظور".
وقال: "هذا يدل على أن للمحق أن يكف عن حق يكون له إذا أدى ذلك إلى ضرر يكون في الدين".
وقال: "
الحق إن كان واجباً فيأخذه بكل حال، وإن كان جائزاً ففيه يكون هذا القول".
********
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/177) :
" فحرم الله سب آلهة المشركين –مع كون السب غيظاً وحمية لله وإهانة لآلهتهم- لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا كالتنبيه، بل كالتصريح
على المنع من الجائز لئلا يكون سبباً في فعل ما لا يجوز".
فسب آلهة المشركين ليس من الأصول ولكن الأصل هو الكفر بآلهة المشركين، وهذا لا يمكن التسامح فيه، وهو جزء معنى لا إله إلا الله، فهل تنازل النبي-صلى الله عليه وسلم- عنها مع أنها تتضمن أعظم السب لآلهتهم؟!!.
*** ****
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (2-196):
"يقول الله تعالى ناهياً لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين وهو الله لا إله إلا هو"0اهـ
ونقل الحافظ ابن حجر ( 10 / 404) -عند حديث البخاري: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه..." الحديث - عن ابن بطال: أن هذا الحديث أصل في سد الذرائع، ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم، والأصل في هذا الحديث قوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله" الآية .
وقال: "استنبط منه الماوردي منع بيع الثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه...، والعصير ممن يتحقق أنه يتخذه خمراً".
******
وقال العلامة ابن سعدي في تفسيره للآية (2/453):
"ينهى الله المؤمنين عن أمر
كان جائزاً بل مشروعاً في الأصل وهو سب آلهة المشركين التي اتخذت أوثاناً وآلهة مع الله التي يتقرب إلى الله بإهانتها وسبها، ولكن لما كان هذا السب طريقاً إلى سب المشركين لرب العالمين الذي يجب تنـزيه جنابه العظيم عن كل عيب وآفة وسب وقدح؛ نهى الله عن سب آلهة المشركين؛ لأنهم يتحمسون لدينهم ويتعصبون له، لأن كل أمة زين الله لهم عملهم فرأوه حسناً وذبوا عنه ودافعوا بكل طريق، حتى إنهم يسبون الله رب العالمين الذي رسخت عظمته في قلوب الأبرار والفجار إذا سب المسلمون آلهتهم " .
*****
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله- كما في العذب النمير (2/529) عند تفسير هذه الآية:
"وهذه الآية الكريمة -من آيات الأحكام- أخذ العلماء منها أصل.. سد الذرائع؛ لأن سب الأصنام بالنسبة إلى
ذاته جائز مطلوب، ولكن لما كان هذا الأمر المحمود الطيب -وهو سب الأصنام وتقبيحها- قد يؤدي إلى أمر آخر لا يجوز، وهو سب الله؛ منع هذا الشيء الطيب سداً للذريعة، وذريعة الشيء: أصلها طريقه الموصلة إليه.
ومعروف عند علماء الأصول أن الذرائع ثلاثة أقسام: قسم منها يجب سده إجماعاً، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة...، ودل عليه الحديث الصحيح المتفق عليه [في سب الوالدين، وقد تقدم طرفه، وأورده الشيخ بعد هذا النقل].
وهذا القسم هو
أن يكون هذا الأمر جائزاً أو مطلوباً، وليس في نفسه فساد في ذاته، أو فيه خير، إلا أنه يؤدي إلى شر عظيم، كسب الأصنام، فإنه في ذاته طيب مطلوب، إلا أنه لما كان يكون سبباً لسب الله كان محرماً..."إلخ .
******
ونقل الألوسي في روح المعاني (7/252) :
عن أبي منصور قوله: "كيف نهانا الله -تعالى- عن سب من يستحق السب لئلا يسب من لا يستحقه، وقد أمرنا بقتالهم وإذا قاتلناهم قتلونا وقتل المؤمن بغير حق منكر؟ وكذا أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- بالتبليغ والتلاوة عليهم وإن كانوا يكذبونه،
وأجاب عنه بأن سب الآلهة مباح غير مفروض، وقتالهم فرض وكذا التبليغ، وما كان مباحاً ينهى عما يتولد منه ويحدث، وما كان فرضاً لا ينهى عما يتولد عنه".
[ هذا حق والحق يؤخذ ممن جاء به، ويرفض ما ليس بحق].
.