مختصرا من
(الدُّر الـمُنْتَقَى فــي تـَبـْـيـين حـُكْمِ إعْفـَاءِ اللـِّحَى ) للشيخ فوزي بن عبدالله الاثري
ذكْرُ أقْوَالِ أهْلِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى إعْفَاءِ اللِّحَى
قَالَ ابْنُ مَنْظُور ٍ فِي لِسَانِ العَرَبِ [ج5ص3020] : ( وَعَفَا النَّبْتُ والشَّعْرُ وَغَيْرُهُ يَعْفُو فَهُوَ عَافٍ كَثـُرَ وطَالَ ، وفِي الحَدِيثِ : أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أمَرَ بِإعْفَاءِ اللِّحَى ) هُوَ أنْ يُوَفَّرَ شَعْرُهَا وَيُكَثَّـرَ وَلاَ يُقَصَّ ).اهـ
وَقَالَ الجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ [ج6ص2433] : ( وَعَفَا الشَّعْرُ والنَّبْتُ أيْ كَثـُرَ ... وفِي الحَدِيثِ : أمَرَ أنْ تُحْفَى الشَّوَارِبَ وتُعْفَى اللِّحَى ) . والعَافِي: الطَّوِيلُ الشَّعْرِ ).اهـ
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي مُعْجَمِ مَقَايِيسِ اللـُّغَةِ [ج4ص60] : ( وَقَالَ أهْلُ اللُّغَةِ كُلُّهمْ : يُقَالَ مِنَ الشَّعْرِ عَفَوْتَهُ وعَفَيْتَهُ وَعَفَا فَهُوَ عَافٍ وذلِكَ إذا تَرَكْتَهُ حَتَّى يَكـْثـُرَ ويَطُول ).اهـ
وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاح [ص187] : ( وَأعْفَاهُ إذَا كَـثــَّرَهُ ، وفِي الحَدِيثِ : أمَرَ أنْ تُحْفَى الشَّوَارِبَ وتُعْفَى اللِّحَى ).اهـ
وَقَالَ الفَيـُّومِيُّ فِي المِصْبَاحِ المُنِير [ج2ص419] : ( عَفَوْتُ الشَّعْرَ أعْفـُوهُ عَفْواً وَعَفَيْتُهُ أعْفِيهِ عَفْياً تَرَكْتُهُ حَتَّى يَكْثـُرَ وَيَطُولَ وَمِنْهُ : أحْفُوا الشَّوَارِبَ وأعْفُوا اللِّحَى ).اهـ
ذِكْرُ الدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ إعْفَاءِ اللِّحَـى
[1] عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللَّحَى ، وأحْفُوا الشَّوَارِبَ ) (1).
وفِي لَفْظٍ : ( انْهَكُوا الشَّوَارِِبَ ، وأعْفُوا اللِّحَى ) .
وفِي لَفْظٍ : ( أمَرَ بِإحْفَاءِ الشَّوَارِبِ ، وَإعْفَاءِ اللِّحَى )أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ
(2) وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( جُزُّوا الشَّوَارِبَ ، وأرْخُوا اللِّـحَى ، خَالِفُوا المَجُوس ) .
وَفِي لَفْظٍ : ( أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ، وأعْفُوا اللِّحَى ، خَالِفُوا المَجُوسَ ) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.
فَهَذِهِ هِيَ الأدِّلَةُ مِن سُـنـَّتِهِ القَوْلِيَّةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ .
وَفِيهَا أمْرٌ صَرِيحٌ بِإعْفَاءِ اللِّحَى ، وأنَّ الأمْرَ المُجَرَّد عَنِ القَرِينَةِ الصَّارِفَةِ يُحْمَلُ عَلَى الوُجُوبِ ، وهُوَ الرَّاجِحُ مِن أقْوَالِ أهْلِ العِلْمِ
ذِكْرُ الدَّلِيل عَلَى أنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْفِي لِحْيَتَهُ
(1) عَن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ (1) مُقَدَّمُ رَأسِهِ وَلِحْيَتِهِ ، وكَانَ إذا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ ، وإذا شَعِثَ رَأسُهُ تَبَيَّنَ ، وكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ ؟ قالَ : لاَ . بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ والقَمَرِ ، وَكَانَ مُسْتَدِيراً . وَرَأيْتُ الخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيَضَةِ الحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ ) .
(2) وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ ) .
حَدِيثٌ حَسَنٌ أ خْرَجَهُ التـِرْمـِذيُّ
(3) وَعَنْ هِنْدَ بْنِ أبـِي هَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَثَّ الـْلِّحْيَةِ ) .
حَدِيثٌ حَسَنٌ أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ
وَهَذهِ الأحَادِيثُ فِيهَا أمْرٌ صَرِيحٌ بِإعْفَاءِ اللِّحَى والأمْرُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي أصُولِ الفِقْهِ يُفِيدُ الوُجُوب ، إلاَّ إذا صَرَفَهُ صَارِفٌ عَن ظَاهِرهِ ، ولاَ قَرِينَةَ هُنَا تَصْرِفُهُ عَن ظَاهِرِهِ . عَمَلاً بِمَا هُوَ الأصْلُ فِي مُقْتَضَى الأمْرِ بِأنَّهُ لِلْوُجُوب .
قَالَ الشـِّيخ صَالِحِ الفُوزَان فِي البَيَانِ [ص306] : ( الأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُوبَ المَأمُورِ بِهِ ، فَالأمْرُ بِإعْفَاءِ اللِّحَى يَقْتَضِي وُجُوب إعْفَائِها ).اهـ
قـُلْتُ : والأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَن ضِدِّهِ ، فَالأَمْرُ بِإعْفَاءِ اللِّحَى نَهْيٌ عَنْ حَلْقِهَا والكَفُّ عَنْهَا ، وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الإيجَابِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ والحُكْمِ بِاسْتِحْقَاقِ تَارِكَهُ الذمِّ والعَقَابِ .
فَائِدَةٌ :
قَالَ ابْنُ القَيِّمُ فِي التــِّبْيَانِ فِي أقـْسَامِ القـُرْآنِ [ج2ص126] : ( وأمَّا شَعْرُ اللِّحْيَةِ ، فِفِيهِ مَنَافِعُ : مِنْهَا الزِّينَةُ والوَقَارُ والهَيْبَةُ . وَلِهَذا لا يُرَى عَلَى الصِّبْيَانِ والنِّسَاءِ مِنَ الهَيْبَةِ والوَقَارِ مَا يُرَى عَلَى ذَوِي اللِّحَى . ومِنْها التَّمْيـِِيزُ بَيْنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ ) . اهـ
ذكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى أنَّ إِعْفَاءَ اللِّحَى مِنْ الفِطْرَةِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَشْرٌ مَنَ الفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ ، وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَالسَّوَاكِ ...الحَدِيث ).
أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
ذكْرُ أقْوَالِ العُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِ حَلْقِ اللِّحَى
صَرَّحَ الفُـقـَهَاءُ رَحِمـَهُمُ اللهَ تَعَالَى بِتـَحْرِيمِ حـَلـْقِ اللِّحَى ، وأطـْلَقَ بَعْضَهُمُ الكَرَاهَةَ ، وهِيَ عِنْدَهُمْ تُطْلَقُ عَلَى المُحَرَّمَاتِ لأنَّ المُتَقَدِّمِينَ يُعَبِّرُونَ بِالكَرَاهَةِ عَنِ التَّحْرِيم (1).
وقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الإجْمَاعِ [ص157] : ( واتـَّفَقُوا أنَّ حَلْقَ جَمِيعِ اللِّحْيَةِ مُثـْلَـةٌ لاَ تَجُوزُ ) . اهـ
وَقَالَ شِيخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الاخْتِيَارَاتِ العِلْمِيَّةِ [ص6] : ( ويَحْرُمُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ ) .اهـ
وقَالَ الشـِّيخُ مُحَمَّد إسْمَاعيل فِي أدِّلَةِ تَحْرِيمِ حَلْقِ اللـِّحْيَةِ [ص96] : وقَالَ الشـِّيخُ أحْمَدُ بْنُ قَاسِم العَبَّادِي ـ مِنْ أعْيَانِ الشـَّافِعِيَّةِ ـ مَا نَصُّهُ : ( قَالَ ابْنُ رِفْعَةَ فِي حَاشِيَةِ الكَافِيَة : إنَّ الإمَامَ الشـَّافِعِيُّ قَدْ نَصَّ فِي الأُمِّ عَلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ اللِّحْيَةِ ، وَكَذَلِكَ نَصَّ الز َّرْكَشِيُّ والحُلَيْمِيُّ فِي شُعَبِ الإيمَانِ وأُسْتاذُهُ القَـفـَّالُ الشـَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ عَلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ اللِّحْيَةِ ) . اهـ
وَقَالَ القـُرْطُبِيُّ : ( لاَ يَجُوزُ حَلْقُهَا ولا قَصُّهُا ولاَ نَتْفُهُا ) (2).اهـ
ذكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى أنَّ الصَّحَابَةَ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَعْفُونَ لِحَاهُمْ
(1) عَنْ عُثـْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبـِي رَافِعٍ المَدَنِيّ : ( أنـَّهُ رَأى أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيّ وجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنَ الأكْوَعِ وَأبَا أُسَيْدِ البَدْرِيّ وَرَافِعِ بْنَ خَدِيجٍ وأنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَأخُذُونَ مِنَ الشَّوَارِبِ كـَأخْذِ الحَلْقِ ويَعْفُونَ اللِّحَى ويَنْتِفُونَ الآبَاط ) .
حَدِيثٌ حَسَنٌ
أخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي المُعْجَمِ الكـَبـِيرِ [ج1ص241]
(2) وَعَنْ شُرَحْبـِيلِ بْنِ مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيّ قَالَ : ( رَأيْتُ خَمْسَةَ نَفَرٍ قَدْ صَحِبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واثْنَيْنِ قَدْ أكَلاَ الدَّمَ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمْ يَصْحَبَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ ، ويَعْفُونَ لِحَاهُمْ ويُصَفِّرُونَهَا ، أبُو أمَامَةَ البَاهِلِيّ ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْر المَازِنِيّ ، وعُتْبَةُ بْنُ عَبْد السُّـلمِيّ ، والمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِب الكِندِيّ ، وَالحَجّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثـَمَاليّ وأمَّا اللَّذانِ لَمْ يَصْحَبَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأبُو عُتْبَةَ الخَوْلاَنِيّ وأبُو فَالِج الأنْمَارِيّ ).
حَدِيثٌ حَسَنٌ
أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمَانِ
(3) وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أبـِي خَالِِدٍ قَالَ : ( رَأيْتُ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ(1) وَوَاثِلَةَ بْنَ الأسْقَعِ يَعْفِيَانِ لِحَاهُمَا ).
حَدِيثٌ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ
أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمَانِ
(4) وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : ( رَأيْتُ عَلِيًّا وَكَانَ عَرِيضَ اللِّحْيَةِ وَقَدْ أخَذتْ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ ).
حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الكُبْرَى
(5) وَعَنْ أبـِي رَجَاءَ العَطَّارِدِيّ قَالَ : ( كَانَ عُمَرُ طَوِيلاً جَسِيماً أصْلَعَ شَدِيدَ الحُمْرَةِ كَثِيرُ السَبَلةِ ) (1).
حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ أبـِي الدُّنْيَا
(6) وَعَنْ أبـِي عَبْدِ اللهِ مَوْلَى شَدَّاد بْنِ الهَادِ قالَ : ( رَأيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ عَلَيْهِ إزَارٌ عَدَنِيّ غَلِيظٌ .... طَوِيلَ اللِّحْيَةِ ، حَسَنَ الوَجْهِ).
حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أخْرَجَهُ ابْنُ المُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ
وَفِي رَوَايَةٍ : ( رَقِيقُ البَشْرَةِ كَبِيرَ اللِّحْيَةِ عَظِيمَهَا أَسْمَرَ اللَّوْنَ ...).
أخْرَجَهَا أبُو نُعَيمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ
وفِي رِوَايَةٍ : ( لَمْ يَكُنْ عُثـْمَانُ بِالطـَّوِيلِ وَلاَ بِالقَصِيرِ ... كَثِيرُ الشـَّعْرِ عَظِيمُ اللـِّحْيَةِ ...).
أخْرَجَهَا ابـْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمِشْقٍ
(7) وعَنْ أنَسٍ : ( أنَّ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ خَضَبَ لِحْيَتَهُ بِالحِنَّاءِ والكَتَمِ) (1).
حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ فِي المُعْجَمِ الكـَبـِيرِِ
(8) وَعَن عُتـَيِّ السّعْدِيِّ قَالَ : ( رَأيْـتُ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ أَبْيَضَ الرَّأْسَ واللِّحْيَةِ مَا يَخْضِبُ ).
حَدِيثٌ صَحِيحٌ
أخْرَجَهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَك
وبِهَذِه الأحَادِيثُ يَتَّضِحَ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ الأخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ . بَلْ تُتْرَكُ بِحَالِهَا وَلاَ يَعْرِضُ لَهَا بِقَطْعٍ وقَصِّ ، لأنَّ حَقِيقَةَ الإعْفَاءَ كَمَا قُلْنَا التَّرْكُ والإطَالَةُ ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضُ لِلِّحْيَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكـْثِـيرَهَا .
قَالَ البَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّـنَّةِ [ج12ص108] : ( وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَوْفِيرُهَا ، مِن قَوْلِكَ : عَفَا النَّبْتُ : إذا طَالَ ، يَعْفُوا عَفْواً ، ويُقَالُ : عَفَا الشَّيْءَ ، بِمعْنى كَـثـُرَ ، وأعْفَيْتُ أنَا ،...........).اهـ
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ : ( لاَ يَجُوزُ حَلْـقُهَا ، ولاَ قَصُّهَا ولاَ نَتـْفـُهَا ) (1).اهـ
وَقَالَ الخَطـَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ [ج1ص42] : ( وأمَّا إعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَهُوَ إرْسَالُهَا وَتَوْفِيرُهَا ).اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1) انظـُر البَيَان للشِّيخ صَالِح الفـُوزَان [ص304] .
وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحهِ [ج10ص351] : ( وعَفَوا كَـثـُرُوا وكَثُرَتْ أمْوَالُهُمْ ).اهـ
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الفَتـْحِ [ج10ص351] : ( قَوْلُهُ : ( بَابُ إعْفَاءِ اللِّحَى) هُوَ بِمَعْنَى التَّرْك ).اهـ
وَقَالَ النــَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ [ج3ص149] : (وَأمَّا إعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَمَعْنَاهُ تَوْفِيرَهَا ).اهـ
إذاً الإعْفَاءُ هُوَ التَّرْكُ مِنْ عَفَا الشَّيْءَ إذا زَادَ وَكَثـُرْ .
قَالَ العِرَاقِي فِي طَرْحِ التَّثْرِيب [ج2ص83] : ( وَاسْتَدَلَّ الجُمْهُور عَلَى أنَّ الأوْلَى تَرْكُ اللِّحْيَةِ عَلَى حَالِهَا ، وأنْ لاَ يَقْطَعَ مِنْهَا شَيْءٌ ، وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وأصْحَابِهِ ).اهـ
ذِكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى أنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
كَانَ يَعْفِي لِحْيَتَهُ فِي غَيْرِ حَجًّ وعُمْرَةٍ
أقُولُ وإنْ ثَبَتَتْ صِحَّتَهُ عَنْهُ ـ يَعْنِِي أخْذ ابْنِ عُمَرَ مِن لِحْيَتِهِ ـ فَلاَ دَلاَلَةَ فِيهِ عَلَى الأخْذ لأنَّهُ لاَ تَعَارَضُ سُّنـَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلِ الصَّحَابِيّ (1).
عِلْماً بأنَّهُ كَانَ يَخُصُّ الأخْذَ مِن لِحْيَتِهِ فِي الحَجِّ والعُمْرَةِ فَقَطْ ، وإلَيْكَ الدَّلِيل :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : ( أنَّهُ كَانَ إذَا حَلَقَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ أمَرَ فَسَوَّى أطْرَافَ لِحْيَتِهِ ).
حَدِيثٌ حَسَنٌ
أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمَانِ
قَالَ الشِّيخ ابْنُ بَازٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى كَتَابِ وُجُوبِ إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ [ص21] : ( والصَّوابُ وُجُوبُ إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ وإرْخَائُهَا وتَحْرِيمُ أخْذ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَوْ زَادَ عَلَى القَبْضَةِ سَوَاءَ كَانَ ذلِكَ فِي حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ أوْ غَيْر ذلِكَ ، لأنَّ الأحَادِيث الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دَالَّةٌ عَلَى ذلِكَ ) .اهـ
(2) وعَنْ نَافِعٍ قَالَ : ( كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْفِي لِحْيَتَهُ إلاَّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ).
حَدِيثٌ صَحِيحُ
أخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الكُبْرَى
فَهَذِهِ الآثَارُ فِيهَا دَلاَلَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى تَخْصِيصِ ابْنِ عُمَرَ ذلِكَ فِي الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ ، ويَتَبَيَّنْ مِن هَذا أيضاً أنَّهُ اجْتَهَدَ فِي هَذه المَسْألَةِ وإلاَّ فإنَّ الأحَادِيثَ وَرَدَتْ مُطْلَقاً فِي إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ .
قَالَ الكَرْمَانِيُّ : ( لَعَلَّ ابْنُ عُمَرَ أرَادَ الجَمْعَ بَيْنَ الحَلْقِ والتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ فَحَلَقَ رَأسَهُ كُلَّهُ وقَصَّرَ مِن لِحْيَتِهِ لِيَدْخُلَ فِي عُمُومِ قَوْلِه تَعَالَى : وخَصَّ ذلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلهِ ( وَفِّرُوا اللِّحَى ) فَحَمَلَهُ عَلَى حَالِهِ غَيْرَ حَالَةِ النُّسُكِ ) (1).اهـ
ويُؤَيِّدُ مَا سَلَفَ مِنَ القَوْلِ مَا ثَبَتَ عَن عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي رَافِعٍ المَدَنِيّ : ( أنَّهُ رَأى أبـَا سَعِيدٍ الخُدْرِيّ وجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وعَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنَ الأكْوعَ وأبَا أسَيْدِ البَدْرِيّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وأنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَأخُذُونَ مِنَ الشَّوَارِبِ كَأخْذِ الحَلْقِ ويَعْفُونَ اللِّحَى وَيَنْتِفُونَ الآبَاط ).
حَدِيثٌ حَسَنٌ
أخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي المُعْجَمِ الكَبـِيرِ
فَهَذِهِ الآثَارُ تُبَيـِّنُ أنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُعْفـِي لِحْيَتَهُ وَأنَّهَا كَانَتْ كَبِيرَةٌ وَكَانَ يُخَلِّلُهَا فَهَذا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِهَا وَطُولِهَا .
قـُلـْتُ : فَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ وفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ والصَّحَابَةِ والفِطْرَةِ ولُغَةِ العَرَبِ .
بَلْ بَعْضُ التَّابِعِينَ يُحْبُّونَ أنْ يَعْفُوا اللِّحْيَةِ إلاَّ فِي حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ
قـُلـْتُ : وَهَذا خَاصٌّ بِهِمْ فِي النُّسُكِ ، أمَّا فِي الأيَّامِ الأخْرَى يَحِبُّونَ أنْ يَعْفُوا اللِّحْيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ، وسَبَقَ بَيَانُ الإعْفَاءِ عَنِ الصَّحَابَةِ
ثُمَّ إنَّ الأخْذَ مِنَ اللِّحْيَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ قَوْلٌ أوْ فِعْلٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، غَايَةُ مَا فِيهِ النَّقْلُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وفِي الحَجِّ والعُمْرَةِ كَمَا سَبَقَ ، وبَعْضُ التَّابِعينَ كَذلِكَ ، وأفْعَالُ هَؤُلاَءِ لاَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الأخْذِ مِنَ اللِّحْيَةِ لاَ فِي حَجٍّ ولاَ فِي غَيْرِهِ ، ولَوْ كانَ مُسْتَحَباًّ أوْ وَاجِباً لَجَاءَ الأمْرُ بِهِ مِنَ الشَّارِعِ ، ومَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، وَلاَ يُقَالُ : إنَّ هَذا الفِعْلِ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أعْفُوا ) فيَأخُذْ حُكْمَهُ لأنَّ فِعْلَ هَؤُلاَءِ لاَ يُعْطَى حُكْمِ أوْ فِعْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واللهُ المُسْتَعَانُ .
وَلِهَذا أقــُولُ : يَحْرُمُ أخْذُ مَا زَادَ عَلَى القَبْضَةِ ، لِكَوْنِ الآثَارِ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ والعُلَمَاءُ مُجَرَّدُ فِعْلٍ أوْ قَوْلٍ ، وأفْعَالُ وأقْوَالُ هَؤُلاَءِ لاَ تَدُلُّ عَلَى الاسْتِحْبَابِ ولاَ الوُجُوبِ إلاَّ مَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى وسُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قـُـلْتُ : لأنَّ فِعْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصْحَابـِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مُبـَيـِّنٌ لِقَوْلِهِ صَلَّىاللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَعْفُوا اللِّحَى ) حَيْثُ لاَ يَثـْبُتُ فِيهِ عَنِ النـَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصْحَابـِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ شَئٌ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مُبَيـِّناً لِلْمُجْمَلِ فِي أمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بـِإعْفَاءِ اللِّحْيَةِ ، وَقَوْلُ الشَّارِعِ لاَ يُقَيِّدُهُ إلاَّ نَصٌّ مِنْهُ ، فَالمُطْلَقُ بَاقٍ عَلَى إطْلاَقِهِ ، وكَذَا العَامُ ، وفِعْلُ الرَّاوِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، لأنَّ الحُجَّةَ فِيمَا رَوَى ، لاَ فِيمَا رَأى ، خَاصـَّةً أنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَنْسِبَهُ للشَّرْعِ ، وَقَدْ يَفْهَمِ الرَّاوِي خِلاَفَ المُرَاد ، وإِنْ كَانَ هَذا نادِراً ، وَقَدْ يَنْسَى ، وَيَبْقَى الشَّأنُ لَيْسَ للرَّاوِيَ عِصْمَةٌ ، وإنـَّمَا العِصْمَةُ للنـَّصِّ .
إذاً القَوْلُ بِجَوَازِ أخـْذِ مَا زَادَ عَنِ القَبْضَةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عَلَى خِلاَفِ مَا عَلَيْهِ النـَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصَّحَابَةُ ومَا عَلَيْهِ أكْـثـَرُ السـَّلَفِ .واللهُ وَلـِيُّ التـَّوْفِيقِ .
وَظَاهِرُ الأحَادِيثِ وآثـَارِ الصـَّحَابَةِ وَلُغَةِ العَرَبِ والفِطْرَةِ أنْ تُتْرَكَ بِحَالِهَا وَلاَ يَتَعَرَّضُ لَهَا بِقَطْعٍ وَقَصٍّ ، واقْتَصَرُوا هُمْ عَلَى مَا دُونَ القَبْضَةِ عَلَى مِثـْلِ الشـَّعِيرِ والأرْزِ ويَزْعُمونَ أنـَّهُمْ اهـْتَدَوا بِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتـِهِ الكِرَام .
وهُمْ يَسْتَدِّلُونَ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي الأخـْذِ مَا دُونَ القَبْضَةِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أيِّ صَحَابِيٍّ أوْ تَابِعِيٍّ أوْ عـَالِمٍ أنـَّهُ قَصَّ اللِّحْيَةَ هَكَذَا ، واقْتَصَرَ عَلَىمَا دُونَ القَبْضَةِ عَلَى مِثـْلِ الشَّعِيرِ والأرْزِ كَفِعْلِ أصْحَابِ الأهْوَاءِ ويَزْعُمُونَ أنـَّهُمُ اهـْتَدَوا بِهَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وهَذَا الفِعْلُ مُحَرَّمٌ بـِالاتـِّفَاقِ واللهُ المُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الشــَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الأوْطَارِ [ج1ص116] مُعَلـِـِّقاً عَلَى أثـَرِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : ( أنَّهُ كَانَ إذا حَجَّ أوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضُلَ أخَذَهُ). وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِذلِكَ أهْلُ العِلْمِ ، والرِّوَايَاتِ المَرْفُوعَةُ تَرَدُّهُ ).اهـ
وَقَالَ أبُو الحَارِث الأثَرِيّ فِي حُكْمِ الدَّين [ص31] : ( وَمَا أجْمَلَ قَوْلُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الأنْصَارِيّ مُعَلِّقاً عَلَى أثـَرِ ابْنِ عُمَرَ : الحُجَّـةُ فِي رِوَايَتِهِ ، لاَ فِي رَأيِهِ ، وَلاَ شَكَّ أنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلَهُ أحَقُّ وَأوْلَى بـِالاتـِّبَاعِ مِن قَوْلِ غَيْرِهِ كَائِناً مَن كَانَ ).اهـ
قـُلـْتُ : وَعَلَى هَذا الأصْلُ بَنَى المَالِكِيَّةُ والشَّافِعِيَّةُ والحَنَفِيَّةُ والحَنَابِلَةُ فُرُوعاً كَثِيرَةً حَيْثُ قَدَّمُوا العَمَلَ بِرِوَايَةِ الرَّاوِي عَلَى رَأيِهِ .
قَالَ ابْنُ القـَيـِّمُ فِي إعْلاَمِ المُوَقــِّعِين [ج3ص50] : ( لاَ يُتْرَكُ الحَدِيثُ الصَّحِيحُ المَعْصُومُ لِمُخَالَفَةِ رَاوِيهِ لَهُ ، فَإنَّ مُخَالَفَتَهُ لَيْسَتْ مَعْصُومَةٌ .
حمل (الدُّر الـمُنْتَقَى فــي تـَبـْـيـين حـُكْمِ إعْفـَاءِ اللـِّحَى ) للشيخ فوزي بن عبدالله الاثري
من هذا الرابط
http://sheikfawzi.net/kotob.php?do=show_cat
او حمل من هنا