فهرس فتاوى ومقالات بن باز



الحياة في القبر

س : إذا قيل إن الميت يحيى في القبر فهل هي نفس حياته الأولى وكم حاسة ترجع إليه ، وإلى كم تبقى حياته في القبر ، وإذا كان الميت تسأل جثته ، فما مصير الذين يحرقون مثل الهندوس واليابان وغيرهم ، وأين يتم سؤالهم؟

إن الطبيب عندما يجري العملية يبعد الحواس لدى الإنسان عنه بمخدر . . أما هذا الموت فإني أتساءل كيف هو؟


ج : أولا : ينبغي أن يعلم أن الواجب على كل مؤمن ومؤمنة : التصديق بما أخبر الله به في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور المتعلقة بالآخرة والحساب والجنة والنار ، وفيما يتعلق بالموت والقبر وعذابه ونعيمه ، وسائر أمور الغيب مما جاء في القرآن الكريم أو صحت به السنة المطهرة ، فعلينا الإيمان والتسليم والتصديق بذلك ؛ لأننا نعلم أن ربنا هو الصادق فيما يقوله سبحانه وفيما يخبر به جل وعلا ، لقوله تعالى : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا وقوله سبحانه : وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس ، وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة ، وجب التصديق به ، وإن لم نعرف حقيقته .

فالواجب علينا أن نصدق بما جاء به من أمر الآخرة ، وأمر الجنة والنار ، ومن نعيم أهل الجنة ، وعذاب أهل النار ، وكون العبد في القبر

يعذب أو ينعم ، وترد إليه روحه ، كل هذا حق جاءت به النصوص ، فعلى العبد ، أن يسلم بذلك ، ويصدق بكل ما علمه من القرآن ، أو صحت به السنة ، أو أجمع عليه علماء الإسلام .

ثم إذا من الله على المؤمن والمؤمنة بمعرفة الحكمة في ذلك والأسرار ، فهذا خير إلى خير ، ونور على نور ، وعلم إلى علم ، فليحمد الله وليشكره على ما أعطاه من العلم والبصيرة في ذلك ، التي من الله عليه بها حتى زاد علمه ، وزادت طمأنينته .

أما ما يتعلق بالسؤال في القبر ، وحال الميت : فإن السؤال حق ، والميت ترد إليه روحه ، وقد صحت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة الميت في قبره غير حياته الدنيوية ، بل هي حياة خاصة برزخية ، ليست من جنس حياته في الدنيا التي يحتاج فيها إلى الطعام والشراب ونحو ذلك ، بل هي حياة خاصة يعقل معها السؤال والجواب ، ثم ترجع روحه بعد ذلك إلى عليين ، إن كان من أهل الإيمان ، وإن كان من أهل النار إلى النار ، لكنها تعاد إليه وقت السؤال والجواب ، فيسأله الملكان : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟

فالمؤمن يقول : ربي الله ، والإسلام ديني ، ومحمد نبيي ، هكذا يجيب المؤمن والمؤمنة ، ويقال له : ما علمك بهذا الرجل؟ ( محمد صلى الله عليه وسلم ) ، فيقول : هو رسول الله ، جاءنا بالهدى ، فآمنا به وصدقناه ، واتبعناه ، فيقال له : قد علمنا إن كنت لمؤمنا ، ويفتح له باب إلى الجنة ، فيأتيه من روحها ونعيمها ، ويقال : هذا مكانك حتى يبعثك الله إليه ، ويرى مقعده من النار ، ويقال : هذا مكانك لو كفرت بالله ، أما الآن فقد أعاذك الله منه ، وصرت إلى الجنة .

أما الكافر فإذا سئل عن ربه ودينه ونبيه ، فإنه يقول : هاه هاه لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين : يعني : الجن والإنس ، وتسمعها البهائم ، فيفتح له باب إلى النار ، ويضيق عليه قبره ، حتى تختلف أضلاعه ، ويكون قبره عليه حفرة من حفر النار ، ويفتح له باب إلى النار يأتيه من سمومها وعذابها ، ويقال : هذا مكانك حتى يبعثك الله إليه ، ويفتح له باب إلى الجنة فيرى مقعده من الجنة ، ويقال له : هذا مكانك لو هداك الله .

وبذلك يعلم أن القبر ؛ إما روضة من رياض الجنة ، وإما حفرة من حفر النار . والعذاب والنعيم للروح والجسد جميعا في القبر ، وهكذا في الآخرة في الجنة أو في النار .

أما من مات بالغرق أو بالحرق أو بأكل السباع : فإن روحه يأتيها نصيبها من العذاب والنعيم ، ويأتي جسده من ذلك في البر أو البحر ، أو في بطون السباع ما شاء الله من ذلك ، لكن معظم النعيم والعذاب على الروح التي تبقى . إما منعمة ، وإما معذبة . فالمؤمن تذهب روحه إلى الجنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن روح المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة يأكل من ثمارها والكافر تذهب روحه إلى النار
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الاطمئنان إلى ما أخبر به الله عز وجل ، وأخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام ، وأن يصدق بذلك على الوجه الذي أراده الله عز وجل ، وإن خفي على العبد بعض المعنى ، فلله الحكمة البالغة سبحانه .