فتنة القبر:


الفتنة لغة: الاختبار. وفتنة القبر: سؤال الميت عن ربه، ودينه، ونبيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة.

قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)(149). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)(150) متفق عليه(151).

والسائل ملكان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه". رواه مسلم(152). واسمهما منكر ونكير كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً وقال حسن غريب(153). قال الألباني: وسنده حسن وهو على شرط مسلم، والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين، ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح، وفي غير المكلفين خلاف، وظاهر كلام ابن القيم في كتاب (الروح) ترجيح السؤال. ويستثنى من ذلك الشهيد؛ لحديث رواه النسائي(154). ومن مات مرابطاً في سبيل الله لحديث رواه مسلم(155)

عذاب القبر أو نعيمه


عذاب القبر أو نعيمه ثابت بظاهر القرآن، وصريح السنة، وإجماع أهل السنة. قال الله تعالى في سورة "الواقعة": (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)(156)، إلى قوله: (تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ)(157). إلخ السورة.. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من عذاب القبر، وأمر أمته بذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر، قال في المؤمن: "فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، والبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من ريحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره". وقال في الكافر: "فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار، وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه". الحديث رواه أحمد وأبو داود(158).

وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه ذكره ابن القيم في كتاب (الروح).

وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو.

نرد عليهم بأمرين:

1- دلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف على ذلك.

2- أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر المحسوس في الدنيا.

هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو على البدن؟

قال شيخ الإسلام ابن تيميه: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحياناً فيحصل له معها النعيم أو العذاب.


الحساب


الحساب لغة: العدد.

وشرعاً: إطلاع الله عباده على أعمالهم.

وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.

قال الله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)(176). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: "اللهم حاسبني حساباً يسيراً". فقالت عائشة: ما الحساب اليسير؟ قال: "أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه" رواه أحمد(177). وقال الألباني إسناده جيد.

وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة.

وصفه الحساب للمؤمن: أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، حتى إذا رأى أنه قد هلك. قال الله له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته.

وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين. متفق عليه من حديث ابن عمر(178).

والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم سبعون ألفاً من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب(179). متفق عليه. وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعاً أن مع كل واحد سبعين ألفا(180)ً، قال ابن كثير: حديث صحيح وذكر له شواهد.

وأول من يحاسب هذه الأمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق" متفق عليه(181)، وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً: "نحن آخر الأمم وأول من يحاسب". الحديث(182).

وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" رواه الطبراني في "الأوسط" وسنده لا بأس به إن شاء الله، قاله المنذري في "الترغيب والترهيب" (ص246 ج1)(183). وأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" متفق عليه(184).


الموازين


الموازين جمع ميزان، وهو لغة: ما تقدر به الأشياء خفة وثقلاً.

وشرعاً: ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد.

وقد دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع السلف.

قال الله تعالى: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)(185)، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)(186).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" متفق عليه(187).

وأجمع السلف على ثبوت ذلك.

وهو ميزان حقيقي، له كفتان، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب البطاقة قال: "فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة". الحديث رواه الترمذي وابن ماجه. قال الألباني: إسناده صحيح(188).

واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو متعدد؟
فقال بعضهم: متعدد بحسب الأمم، أو الأفراد، أو الأعمال؛ لأنه لم يرد في القرآن إلا مجموعاً وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس.

وقال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد في الحديث منفرداً، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون وكلا الأمرين محتمل. والله أعلم.

والذي يوزن العمل، لظاهر الآية السابقة والحديث بعدها.

وقيل: صحائف العمل لحديث صاحب البطاقة.

وقيل: العامل نفسه لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة". وقال: اقرأوا: (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)(189). متفق عليه(190).

وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن، أو أن الوزن حقيقة للصحائف وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره وحرمته. وهذا جمع حسن والله أعلم.


(نشر الدواوين)



النشر لغة: فتح الكتاب أو بث الشيء.

وشرعاً: إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة وتوزيعها.

والدواوين: جمع ديوان وهو لغة: الكتاب يحصى فيه الجند ونحوهم.

وشرعاً: الصحائف التي أحصيت فيها الأعمال التي كتبها الملائكة على العامل.

فنشر الدواوين إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة، فتتطاير إلى الأيمان والشمائل، وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.

قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً* وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً* وَيَصْلَى سَعِيراً)(191). (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ)(192).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تذكرون أهليكم؟ قال: أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه، أم في شماله، أم وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز". رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرطهما(193).

وأجمع المسلمون على ثبوت ذلك.





(صفة أخذ الكتاب)




المؤمن يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ويستبشر ويقول: (هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ)(194).

والكافر يأخذه بشماله، أو من وراء ظهره فيدعو بالويل والثبور ويقول: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ)(195).


(الصراط)


الصراط لغة: الطريق.

وشرعاً: الجسر الممدود على جهنم ليعبر الناس عليه إلى الجنة.

وهو ثابت بالكتاب، والسنة وقول السلف.

قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا)(201). فسرها عبد الله بن مسعود، وقتادة، وزيد بن أسلم بالمرور على الصراط.

وفسرها جماعة، منهم ابن عباس بالدخول في النار لكن ينجون منها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم" متفق عليه(202).

واتفق أهل السنة على إثباته.

صفة الصراط:

سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصراط فقال: "مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء، تكون بنجد، يقال لها: السعدان" رواه البخاري(203). وله من حديث أبي هريرة: "وبه كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله يخطف الناس بأعمالهم"(204). وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: بلغني أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف. وروى الإمام أحمد نحوه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً(205).

العبور على الصراط وكيفيته:


لا يعبر الصراط إلا المؤمنون على قدر أعمالهم لحديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل ومكدوس في جهنم" متفق عليه(206). وفي صحيح مسلم: "تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً"(207). وفي صحيح البخاري: "حتى يمر آخرهم يسحب سحباً"(208).

وأول من يعبر الصراط من الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأمم أمته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم" رواه البخاري(209).

مختصر لمعة الاعتقاد الهادي الى سبيل الرشاد للعلامة بن عثيمين - رحمه الله تعالى -