بيان الأحكام المتعلقة بقضاء الصوم

الحمد لله رب العالمين، شرع فيسر، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين‏.‏‏.‏‏.‏ أما بعد‏:‏-

اعلموا أنه يجب عليكم معرفة أحكام القضاء في حق من أفطر في نهار رمضان لعذر من الأعذار الشرعية‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 184‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 185‏]‏‏.‏

ففي هاتين الآيتين الكريمتين رخص الله بالإفطار في رمضان للمريض والمسافر وأوجب عليهما القضاء إذا أخذ بالرخصة فأفطر، بأن يصوما عدد الأيام التي أفطراها من شهر آخر، وإن صاما رمضان ولم يأخذ بالرخصة فصومهما صحيح ومجزئ عند جمهور أهل العلم وهو الحق، وبين سبحانه الحكمة في هذه الرخصة، وهي أنه أراد التيسير على عباده ولم يرد لهم العسر والمشقة بتكليفهم بالصوم في حالة السفر والمرض، وأن الحكمة في إيجاب القضاء هي إكمال عدد الأيام التي أوجب الله صومها، ففي هذه الرخصة جمع بين التيسير واستكمال العدد المطلوب صومه‏.‏ وهناك صنف ثالث من يرخص لهم بالإفطار وهم الكبير الهرم والمريض المزمن، إذا لم يطيقا الصيام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 184‏]‏ ومعنى يطيقونه يكلفونه ويشق عليهم فعليهم بدل الصيام إطعام مسكين عن كل يوم، وهذا على ما ذهب غليه طائفة من العلماء في تفسير الآية وأنها لم تنسخ، وألحق بهؤلاء الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما من الصيام، كما روي عن ابن عباس أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضعة‏:‏ أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصيام‏.‏ وعن ابن عمر أن إحدى بناته أرسلت تسأله عن صوم رمضان وهي حامل - قال تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينًا، هؤلاء جميعًا يباح لهم الإفطار في نهار رمضان نظرًا لأعذارهم الشرعية ثم هم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام‏:‏-

1ـ قسم يجب عليه القضاء فقط ولا فدية وهم المريض والمسافر والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما‏.‏

2ـ وقسم يجب عليه الفدية فقط ولا قضاء عليه وهم العاجزون عن الصيام لهرم أو مرض لا يرجى برؤه‏.‏

3ـ وقسم يجب عليه القضاء والفدية وهم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فقط، والفدية هنا‏:‏ إطعام مسكين نصف صاع من طعام البلد عن كل يوم‏.‏ وهكذا ديننا دين يسر وسماحة يتمشى مع ظروف الإنسان ولا يكلفه ما لا يطيقه أو يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة‏.‏ يشرع للحضر أحكامًا مناسبة‏.‏ للسفر أحكامًا مناسبة، ويشرع للصحيح ما يناسبه وللمريض ما يناسبه‏.‏ ومعنى هذا أن المسلم لا ينفك عن عبادة الله في جميع أحواله‏.‏ وأن الواجبات لا تسقط عنه سقوطًا نهائيًا ولكنها تتكيف مع ظروفه‏.‏‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 99‏]‏ وقال عيسى عليه السلام فيما ذكره الله عنه‏:‏ ‏{‏وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 31‏]‏ ومن الناس من يريد أن يستغل سماحة الإسلام استغلالاً سيئًا فيبيح لنفسه فعل المحرمات وترك الواجبات ويقول الدين يسر، نعم أن الدين يسر ولكن ليس معنى ذلك أن يتفلت الإنسان من أحكامه ويتبع هوى نفسه، وإنما معنى سماحة الإسلام أنه ينتقل بالعبد من العبادة الشاقة إلى العبادة السهلة التي يستطيع أداءها في حالة العذر - ومن ذلك الانتقال بأصحاب الأعذار الشرعية من الصيام أداء في رمضان إلى الصيام قضاء في شهر آخر عندما تزول أعذارهم، أو الانتقال بهم من الصيام إلى الإطعام إذا كانوا لا يقدرون على القضاء‏.‏ فجمع لهم بين أداء الواجب وانتفاء المشقة والحرج - فلله الحمد والمنة‏.‏‏.‏ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‏.‏
بيان أحكام القضاء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‏.‏‏.‏ أما بعد‏:‏-

اعلموا أن من أفطر في رمضان بسبب مباح، كالأعذار الشرعية التي تبيح الفطر، أو بسبب محرم كمن أبطل صومه بجماع أو غيره وجب عليه القضاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 185‏]‏ ويستحب له المبادرة بالقضاء لإبراء ذمته، ويستحب أن يكون القضاء متتابعًا - لأن القضاء يحكي الأداء، وإن لم يقض على الفور وجب العزم عليه، ويجوز له التأخير لأن وقته موسع وكل واجب موسع يجوز تأخيره مع العزم عليه، كما يجوز تفرقته بأن يصومه متفرقًا - لكن إذا لم يبق من شعبان غلا قدر ما عليه فيجب عليه التتابع إجماعًا لضيق الوقت ولا يجوز تأخيره إلى ما بعد رمضان الآخر لغير عذر‏.‏ لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه) وسلم‏.‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

فدل هذا على أن وقت القضاء موسع إلى أن لا يبقى من شعبان إلا قدر الأيام التي عليه فيجب عليها صيامها قبل دخول رمضان الجديد، فإن أخر القضاء حتى أتى عليه رمضان الجديد فإنه يصوم رمضان الحاضر، ويقض ما عليه بعده، ثم إن كان تأخيره لعذر لم يتمكن معه من القضاء في تلك الفترة فليس عليه إلا القضاء‏.‏ وإن كان لغير عذر وجب عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم‏.‏ نصف صاع من قوت البلد‏.‏

وإذا مات من عليه القضاء قبل دخول رمضان الجديد فلا شيء عليه، لأن له تأخيره في تلك الفترة التي مات فيها، وإن مات بعد رمضان الجديد فإن كان تأخيره القضاء لعذر كالمرض والسفر حتى أدركه رمضان الجديد فلا شيء عليه أيضًا، وإن كان تأخيره لغير عذر وجبت الكفارة في تركته بأن يخرج منها إطعام مسكين عن كل يوم، وإن مات من عليه صوم كفارة، كصوم كفارة الظهار والصوم الواجب عن دم المتعة في الحج فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا ولا يصام عنه، ويكون الإطعام من تركته ولا يصام عنه‏.‏ لأنه صيام لا تدخله النيابة في الحياة فكذا بعد الموت، وهذا هو قول أكثر أهل العلم، وإن مات من عليه صوم نذر استحب لوليه أن يصوم عنه لما ثبت في الصحيحين‏:‏ ‏(‏أن امرأة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت إن أمي ماتت وعليها صيام نذر، أفأصوم عنها، قال‏:‏ نعم‏)‏‏.‏

والولي هو الوارث، قال الإمام ابن القيم رحمه الله‏:‏ يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي وهذا مذهب أحمد وغيره، والمنصوص عن ابن عباس وعائشة، وهو مقتضى الدليل والقياس لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفس فصار بمنزلة الدين ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين‏.‏

وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام فلا تدخله النيابة بحال‏.‏ كما لا تدخل الصلاة والشهادتين‏.‏ فإن المقصود منهما طاعة العبد بنفسه وقيامه بحق العبودية التي خلق لها وأمر بها، وهذا لا يؤديه عنه غيره ولا يصلي عنه غيره‏.‏

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ يطعم عنه كل يوم مسكين، وبذلك أخذ أحمد وإسحاق وغيرهما وهو مقتضى النظر كما هو موجب الأثر فإن النذر كان ثابتًا في الذمة فيفعل بعد الموت، وأما صوم رمضان فإن الله يم يوجبه على العاجز عنه بل أمر العاجز بالفدية طعام مسكين، والقضاء إنما يجب على من قدر عليه لا على من عجز عنه فلا يحتاج إلى أن يقضي أحد عن أحد، وأما الصوم وغيره من المنذرات فيفعل عنه بلا خلاف للأحاديث الصحيحة‏.‏

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‏.‏‏.‏‏.‏
كتاب {إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان }
الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله