صلاة التراويح وأحكامها

الحمد لله رب العالمين، شرع لعباده في شهر رمضان أنواع الطاعات، وحثهم على اغتنام الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد أول سابق إلى الخيرات، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان‏.‏‏.‏‏.‏ أما بعد‏.‏‏.‏

اعلموا وفقني الله وإياكم - أن مما شرعه لكم نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح، وهي سنة مؤكدة، سميت تراويح - لأن الناس كانوا يستريحون فيها بين كل أربع ركعات(4)، لأنهم كانوا يطيلون الصلاة، وفعلها جماعة في المسجد أفضل، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في المسجد ليالي ثم تأخر عن الصلاة بهم خوفًا أن تفرض عليهم، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح (قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)، وذلك في رمضان وفعلها صحابته من بعده وتلقتها أمته بالقبول، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)‏.‏‏.‏ متفق عليه فهي سنة ثابتة لا ينبغي للمسلم تركها‏.‏

أما عدد ركعاتها فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم والأمر في ذلك واسع قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ له أن يصلي عشرين ركعة كما هو المشهور عن مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستًا وثلاثين كما هو مذهب مالك وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشرة ركعة وكل حسن، فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره‏.‏

وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أُبَيٍّ صلّى بهم عشرين ركعة، والصحابة رضي الله عنهم من يقل ومنهم من يكثر - والحد المحدود لا نص عليه من الشارع صحيح، وكثير من الأئمة، أي أئمة المساجد - في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود، والطمأنينة ركن، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى واتعاظه بكلام الله إذا يتلى، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة، وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة‏.‏ لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله عز وجل، ورب قليل خير من كثير، وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة والسرعة المباحة هي التي لا يحصل معه إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه، وأما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه فحسن‏.‏ وقد ذم الله الذين يقرءون القرن بلا فهم معناه، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏78‏]‏ أي تلاوة بلا فهم، والمراد من إنزال القرآن فهم معانيه والعمل به لا مجرد التلاوة‏.‏‏.‏ انتهى كلامه رحمه الله‏.‏

وبعض أئمة المساجد لا يصلون التراويح على الوجه المشروع، لأنهم يسرعون في القراءة سرعة تخل بأداء القرآن على الوجه الصحيح، ولا يطمئنون في القيام والركوع والسجود‏.‏ والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ويأخذون بالعدد الأقل في الركعات، فيجمعون بين تقليل الركعات وتخفيف الصلاة وإساءة القراءة، وهذا تلاعب بالعبادة(5)‏.‏ فيجب عليهم أن يتقوا الله ويحسنوا صلاتهم، ولا يحرموا أنفسهم ومن خالفهم من أداء التراويح على الوجه المشروع‏(6).‏‏.‏
وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح‏.‏‏.‏
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‏.‏‏.‏
كتاب {إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان }
الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله