من وسائل علاج الاختلاف بين الزوجين
أخي المسلم ، أختي المسلمة :

حينما تظهر أمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج .

إن أهم ما يُطلب في المعالجة : الصبر والتحمُّل ، ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول ، والتفاوت في الطباع . مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور ، ولا تكون المصلحة والخير دائمًا فيما يحب ويشتهي ، بل قد يكون الخير فيما لا يحب ولا يشتهي : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [سورة النساء ، الآية : 19] . ولكن حينما يبدو الخلل ويظهر في الأواصر تحلل ، ويبدو من المرأة نشوز وتَعَالٍ على طبيعتها وتوجهٍ إلى الخروج عن وظيفتها ؟ حيث تَظْهر مبادئ النفرة ، ويتكشَّف التقصير في حقوق الزوج والتنكر لفضائل البعل ، فعلاج هذا في الإسلام صريح ، ليس فيه ذكر للطلاق لا بالتصريح ولا بالتلميح . يقول اللّه - سبحانه- في محُكَم التنزيل : وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [سورة النساء ، الآية : 34] .

يكون العلاج : بالوعظ والتوجيه وبيان الخطأ ، والتذكير بالحقوق ، والتخويف من غضب اللّه ومَقْتِه ، مع سلوك مسلك الكَيسة والأناة ترغيبًا وترهيبًا . وقد يكون الهجر في المضجع والصدود ، مقابلًا للتعالي والنشوز ، ولاحظوا أنه هَجر في المضجع وليس هجرًا عن المضجع . . إنه هَجْر في المضجع وليس هجرًا في البيت . . ليس أمام الأسرة أو الأبناء أو أمام الغرباء .

الغرض هو المعالجة وليس التشهير أو الإذلال أو كشف الأسرار والأستار ، ولكنه مقابلة للنشوز والتعالي بهجر وصدود يقود إلى التضامن والتساوي . وقد تكون المعالجة بالقصد إلى شيء من القسوة والخشونة فهناك أجناس من الناس لا تغني في تقويمهم العشرة الحسنة والمناصحة اللطيفة , إنهم أجناس قد يبطرهم التلطف والحلم . . فإذا لاحت القسوة سكن الجامح وهدأ المهتاج .

نعم ، قد يكون اللجوء إلى شيء من العنف دواءً ناجعًا ، ولماذا لا يلجأ إليه وقد حصل التنكُّر للوظيفة والخروج عن الطبيعة ؟

ومن المعلوم لدى كل عاقلٍ أن القسوة إذا كانت تعيد للبيت نظامه وتماسُكه ، وتردُّ للعائلة ألفتها ومودَّتها فهو خير من الطلاق والفراق بلا مِراء ؛ إنه علاج إيجابي تأديبي معنوي , ليس للتشفي ولا للانتقام ؛ وإنما يستزل به ما نشز , ويقوم به ما اضطرب .

وإذا خافت الزوجة الجفوة والإعراض من زوجها فإن القرآن الكريم يرشد إلى العلاج بقوله : وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [سورة النساء, الآية : 128], العلاج : بالصلح والمصالحة , وليس بالطلاق ولا بالفسخ . وقد يكون بالتنازل عن بعض الحقوق المالية أو الشخصية محافظة على عقدة النكاح .

وَالصُّلْحُ خَيْرٌ الصلح خير من الشقاق والجفوة والنشوز والطلاق .

أخي المسلم أختي المسلمة :

هذا عرض سريع , وتذكير موجز , بجانب من جوانب ، الفقه في دين اللّه والسير على أحكامه ، فأين منه المسلمون ؟

أين تحكيم الحكمين في الشقاق بين الزوجين ؟ لماذا ينصرف المصلحون عن هذا العلاج ؟ هل هو زهد في إصلاح ذات , أو هو رغبة في تشتيت الأسرة وتفريق الأولاد ؟ .

إنك لا ترى إلا سفهاء وجورا , وبعدا عن الخوف من الله ومراقبته , وهجرا لكثير من أحكامه وتلاعبا في حدوده . .

أخرج ابن ماجه وابن حبان وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , أنه قال : ما بال أحدكم يلعب بحدود الله وأنا بين أظهركم .

الوسيلة الأخيرة في معالجة الاختلاف
عندما تفشل جميع الوسائل في علاج الاختلاف ، ويصبح الإبقاء على رباط الزوجية شاقًا وعسيرًا بحيث لا تحقَّق معه الأهداف والحكم الجليلة التي أرادها اللّه- تعالى- فمن سماحة التشريع وتمام أحكامه أن جعل مخرجًا من هذه الضائقة ، غير أن كثيرًا من المسلمين يجهلون طلاق السُنةَ الذي أباحته الشريعة ، وصاروا يتلفَّظون بالطلاق من غير مراعاة لحِدِود اللّه وشرعه .

إن الطلاق في الحيض محرم ، وطلاق الثلاث محرم والطلاق في الطهر الذي حصل فيه وطء محرَم ، فكل هذه الأنواع طلاق بدعي محرَم يأثم صاحبه ، ولكنه يقع طلاقا في أصح أقوال أهل العلم .

أما طلاق السنة الذي يجب أن يفقهه المسلمون فهو : الطلاق طلقةً واحدة ، في طُهر لم يحصل فيه وطء ، أو الطلاق أثناء الحمل .

إنَّ الطلاق على هذه الصفة علاج ؛ حيث تحصل فترات يكون فيها التريُّث والمراجعة .

المطلِّق على هذه الصفة يحتاج إلى فترة ينتظر فيها مجيء الطُّهر ، ومَن يدري . . فقد تتغيرَ النفوس ، وتستيقظ القلوب ، ويحُدث اللّه من أمره ما شاء .

وفترة العِدَّة - سواءً كانت عِدَةً بالحيض أو الأشهر أو وضع الحمل - فرصة للمعاودة والمحاسبة قد يوصل معها ما نقطع من حبل المودة ورباط الزوجية .

ومما يجهله المسلمون : أن المرأة إذا طلقت رجعيا فعليها أن تبقى في بيت الزوج , لا تخرج ولا تخرج .

بل إن الله جعله بيتا لها : لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ تأكيدا لحقهن في الإقامة . فإقامتها في بيت زوجها سبيل لمراجعتها ، وفتح أملٍ في استثارة عواطف المودة ، وتذكير بالحياة المشتركة . فالزوجة في هذه الحالة تبدو بعيدة في حكم الطلاق ، لكنها قريبة من مرأى العين .

وهل يراد بهذا إلا تهدئة العاصفة ، وتحريك الضمائر , ومراجعة المواقف , والتأني في دراسة أحوال البيت والأطفال وشؤون الأسرة : لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [سورة الطلاق, الآية : 1] .

فاتقوا الله أيها المسلمون . . وحافظوا على بيوتكم , وتعرفوا على أحكام دينكم , وأقيموا حدود الله ولا تتجاوزوها , وأصلحوا ذات بينكم .

اللهم ارزقنا الفقه في الدين والبصيرة في الشريعة وانفعنا - اللهم - بهدي كتابك , وارزقنا السير على سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .

منقول