النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رأي ابن باديس في مصطفى كمال " أتا تورك "

العرض المتطور

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    58

    رأي ابن باديس في مصطفى كمال " أتا تورك "

    الدّارسون للتّاريخ المعاصر يعرفون بلا شك من هو "مصطفى كمال"، هذا الرّجل تولّى حكم تركيا بعد سقوط الخلافة العثمانيّة، وقد وضعه السّياسيون الغربيّون الماكرون خصّيصا لكي يكون حاكما في تركيا يقضي فيها على تعاليم الإسلام، وينقضها عروة عروة، وكان الرّجل عند حسن ظنّ الغرب الكافر به فبمجرّد تولّيه السّلطة واستيلائه عليها، عاثَ في حكمه فسادا وفرض أمورا هي من الكفر البواح بلا شكّ، فقد فرض على المرأة المسلمة في تركيا أن تتبرّج كليّة، وتدع اللّباس الشّرعي مهما كان نوعه، وفرض على الرّجال نزع العمائم واستبدالها بالقبعة الإفرنجيّة، و أحلّ الخمور ومنع الآذان وفتح أبواب الشّر بكلّ أنواعه، ورفض الحكم بما أنزل اللّه واستبدل شريعة اللّه بشرائع الغرب، ولم يترك سبيلا من سبل الفساد إلاّ وشجّعه وروّج له، ولم يبق لدين اللّه عزّوجلّ باقية في تركيا وسمّى نفسه (أتاتورك) أي نصّب نفسه أبا للأتراك، و"مصطفى كمال أتاتورك" كفّرهُ الكثير من علماء الإسلام، والّذي نجّاه منهم من وصفه بالكفر لم ينكر أنّه فاسق فاجر آثم، أي أنّ الرّجل عند العلماء أحد اثنين : إمّا كافر زنديق متّفق على كفره، وإمّا فاسق متميّع فاسد الدّين والخلق معا، وليس هناك من العلماء من زكّاه أو ذكره بخير، إلاّ من كان من جلاوِزَتِه والمتزلّفين إليه (أي علماء السّلطة)، وممّا يذكره بعض المؤرّخين المعاصرين أنّ "مصطفى كمال أتاتورك" كان من يهود "الدّونمة".. » والدّونمة كلمة تركية تعني : "الرّجوع أو العودة" وتطلق على مجموعة من اليهود الّذين عاشوا في الدّولة العثمانية وقريبا منها، ويرجع أصلهم إلى اليهود الإسبان الّذين هاجروا بسبب الاضطهاد إلى الدّولة العثمانية، حيث وجدوا الأمن و الاستقرار إلاّ أنّهم حاكوا المؤامرات والخطط لهدم الدّولة العثمانية من الدّاخل، فتسمّوا بأسماء إسلامية لتحقيق أغراضهم وحتّى لا ينبذهم المجتمع، وبرعوا في مجالات شتّى خاصّة المجالات الّتي تؤثّر في المجتمعات كالعمل في ميدان الاقتصاد والثّقافة والسّياسة، وما تزال الصّحافة التّركية واقعة تحت تأثيرهم حتّى وقْتِنَا الحاضر.. وقد تحقّق لهم إسقاط الخلافة الإسلاميّة العثمانيّة من خلال العمل على إنشاء الأحزاب العلمانيّة الّتي هدمت الدّولة كحزب الاتّحاد والتّرقّي وحزب تركيا الفتاة«(1)، وعلى الرّغم من أنّ الخلافة العثمانية لم تكن خلافة على منهاج النّبوة..أي أنّها لم تكن داعية إلى سلامة المعتقد، وكانت دولتها وسيلة انتشار وذيوع للطّرق الصّوفية بكلّ ضلالاتِها، وكان قانونها متعصّبا للمذهب الحنفي لا للدّليل الشّرعي الصّحيح من كتاب اللّه تعالى وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا يمكن وصفها لا من قريب ولا من بعيد بأنّها كانت وجها جميلا للإسلام الحقّ، وخاصّة من النّاحية العقدية، إذ كان حكّام الخلافة العثمانية بعيدين عن العقيدة السّلفية الصّحيحة بُعد السّماء عن الأرض، كانوا أعداء لدعوة التّوحيد الّتي عمّت الدّيار السّعودية، فهذه الحقيقة لا بـدّ أن تُذكر عند الحديث عن السّلطة العثمانيّة وإلاّ سيكون الحديث عنها مكذوبا ومزوّرا، ومع ذلك فقد كان الغرب يعمل على سقوطها ويحسب لها ألف حساب كما يقال، ووجد ضالّته المنشودة في شخصيّة "أتاتورك" الّذي حقّق للأعداء كلّ أمانيهم من حيث إلغاء الشّريعة والدّعوة للفجور والزّندقة والفساد فعرفت تركيا في أيّامه شرّا مستطيرا، إذن "مصطفى كمال أتاتورك" لم يكن يوما حبيبا إلى أبسط متديّن فما بالنا بالعلماء الّذين يعرفون مقدار فساد هذا الرّجل ومقدار الشّر الذّي ألحقه بالشّعب التّركي المسلم، فكلّ العلماء إذا حدث وأن تكلّموا عنه يشيرون إلى تكفيره وخروجه عن الملّة، فإن لم يكفّروه أشاروا إلى أنّه من أشرّ الحكّام الّذين عرفهم القرن الميلادي السّابق، لأنّه كان وبالا حقيقيا على تركيا وعلى شعبها، وعلى شريعة اللّه تعالى الّتي رفض التزامها وغيّر فيها وبدّل وقنّ القوانين الّتي صفّق لها الغرب الملحد الكافر ـ بيَهُودِهم ونصارتهم وكفّارهم ـ طويلا..هذا هو "مصطفى كمال" أو "أتاتورك" كما سمّى نفسه. وفي خضمّ مطالعتي لكتب الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه وقف شعر رأسي كما يقال من مقال عجيب وغريب خطّته أنامل هذا الشّيخ، ولقد قرأت هذا المقال وكلّي دهشة وغرابة، فالشّيخ "ابن باديس" أشاد "بمصطفى كمال أتاتورك" ورثاه رثاءً حارا، ووصفه بأوصاف لا تليق إلاّ بحاكم عظيم مسلم متديّن يعمل بشريعة اللّه ويطبّقها على شعبه، وقبل ذلك على نفسه، وواللّه لقد قرأت المقال وأعدت قراءته فوجدت نفسي أزداد دهشة على دهشة وغرابة واستغرابا، ولم أستطع أن أصدّق أنّ هذا الكلام يصدر من عالم يقود نهضة إصلاحية بأكملها، وحتّى لا أطيل على القارئ أنقل المقال بكامله ليقرأه كلّ منصف ويدلي فيه بدلوه،
    كتب الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه هذا المقال بعنوان : "مصطفى كمال رحمه اللّه.." وقال فيه ما نصّه :
    » في السّابع عشر من رمضان المعظّم ختمت أنفاس أعظم رجل عرفته البشريّة في التّاريخ الحديث، وعبقريّ من أعظم عباقرة الشّرق، الّذين يطلعون على العالم في مختلف الأحقاب، فيحوّلون مجرى التّاريخ ويخلقونه خلقا جديدا.. ذلك هو "مصطفى كمال" بطل غاليبولي في الدّردنيل وبطل سقاريا في الأناضول، وباعث تركيا من شبه الموت إلى حيث هي اليوم من الغنى والعزّ والسّمو..وإذا قُـلنا بطل غاليبولي، فقد قلنا قاهر الأنكليز أعظم دولة بحرية الّذي هزمها في الحرب الكبرى شرّ هزيمة لم تعرفها في تاريخها الطّويل..وإذا قلنا بطل سقاريا فقد قلنا قاهر الأنكليز، وحلفائهم من يونان وطليان وافرنسيّين بعد الحرب الكبرى، ومجليهم عن أرض تركيا بعد احتلال عاصمتها والتهام أطرافها وشواطئها..وإذا قلنا باعث تركيا فقد قلنا باعث الشّرق الإسلامي كلّه، فمنزلة تركيا الّتي تبوأتها من قلب العالم الإسلامي في قرون عديدة هي منزلتها فلا عجب أن يكون بعثه مرتبطا ببعثها.. لقد كانت تركيا قبل الحرب الكبرى هي جبهة صراع الشّرق إزاء هجمات الغرب، ومرمى قذائف الشَّرَهِ الاستعماري والتّعصب النّصراني من دول الغرب، فلمّا انتهت الحرب وخرجت تركيا منها مهشّمة مفكّكة، تناولت الدّول الغربيّة أمم الشّرق الإسلامي تمتلكها تحت أسماء استعماريّة ملطّفة، واحتلّت تركيا نفسها واحتلّت عاصمة الخلافة وأصبح الخليفة طوع يدها وتحت تصرّفها، وقال الماريشال اللّونبي(1) ـ وقد دخل القدس ـ "اليوم انتهت الحروب الصّليبيّة"..فلو لم يخلق اللّه المعجزة على يد "كمال" لذهبت تركيا وذهب الشّرق الإسلامي معها، ولكنّ "كمالا" الّذي جمع تلك الفلول المبعثرة فالتفّ به إخوانه من أبناء تركيا البررة ونفخ من روحه في أرض الأناضول حيث الأرومة التّركية الكريمة وغير ذلك الشّعب النّبيل، وقاوَم ذلك الخليفة الأسير وحكومته المتداعيّة، وشيوخه الدّجالين من الدّاخل، وقهر دول الغرب وفي مقدّمتها إنكلترا من الخارج..لكنّ "كمالا" هذا أوقف الغرب المغير عند حدّه وكبح من جماحه وكسر من غلوائه، وبعث في الشّرق الإسلامي أمله وضرب له المثل العالي في المقاومة والتّضحية فنهض يكافح ويُجاهد، فلم يكن "مصطفى" محي تركيا وحدها بل محي الشّرق الإسلامي كلّه. وبهذا غيّر مجرى التّاريخ ووضع للشّرق الإسلامي أساس تكوين جديد، فكان بحقّ ـ كما قلنا ـ من أعظم عباقرة الشّرق العظام الّذين أثروا في دين البشرية ودنياها من أقدم عصور التّاريخ.
    إنّ الإحاطة بنواحي البحث في شخصيّة "أتاتورك" (أبي التّرك) ممّا يقصر عنه الباع ويضيق عنه المجال، ولكنّني أرى من المناسب أومن الواجب أن أقول كلمة في موقفه إزاء الإسلام، فهذه هي النّاحية الوحيدة من نواحي عظمة "مصطفى أتاتورك" الّتي ينقبض لها قلب المسلم ويقف متأسّفا ويكاد يولّي "مصطفى" في موقفه هذا الملامة كلّها حتّى يعرف المسؤولين الحقيقيين الّذين أوقفوا "مصطفى" ذلك الموقف..فمن هم هؤلاء المسؤولون ؟.. المسؤولون هم الّذين كانوا يمثّلون الإسلام وينطقون باسمه، ويتولّون أمر النّاس بنفوذه، ويعدّون أنفسهم أهله وأولى النّاس به، هؤلاء هم خليفة المسلمين، شيخ إسلام المسلمين ومن معه من علماء الدّين، شيوخ الطّرق المتصوّفون، الأمم الإسلامية الّتي كانت تعدّ السّلطان العثماني خليفة لها، أمّا خليفة المسلمين فيجلس في قصره تحت سلطة الإنجليز المحتلّين لعاصمته ساكنا ساكتا، أستغفر اللّه بل متحرّكا في يدهم تحرّك الآلة لقتل حركة المجاهدين بالأناضول، ناطقا بإعلان الجهاد ضدّ "مصطفى كمال" ومن معه، الخارجين عن طاعة أمير المؤمنين، وأمّا شيخ الإسلام وعلماؤه فيكتبون للخليفة منشورا يمضيه باسمه ويوزّع على النّاس بإذنه، وتلقيه الطّائرات اليونانيّة على القرى برضاه يبيح فيه دم "مصطفى كمال"، ويعلن خيانته ويضمن السّعادة لمن يقتله، وأمّا شيوخ الطّرق الضّالون وأتباعهم المنوّمون فقد كانوا أعوانا للإنجليز وللخليفة الواقع تحت قبضتهم يوزّعون ذلك المنشور ويثيرون النّاس ضدّ المجاهدين..وأمّا الأمم الإسلاميّة الّتي كانت تعدّ السّلطان العثماني خليفة لها فمنها ـ إلاّ قليلا ـ من كانوا في بيعته فانتقضوا عليه ثمّ كانوا في صفّ أعدائهم وأعدائه، ومنها من جاءت مع مستعبديها حاملة السّلاح على المسلمين شاهرة له في وجه خليفتهم فأين هو الإسلام في هذه (الكليشييات) كلّها ؟ وأين يبصره "مصطفى" الثّائر المحروب، والمجاهد الموتور..منها ؟. لقد ثار "مصطفى كمال" حقيقة ثورة جامحة جارفة ولكنّه لم يكن على الإسلام وإنّما ثار على هؤلاء الّذين يسمّون بالمسلمين، فألغى الخلافة الزّائفة وقطع يد أولئك العلماء عن الحكم فرفض مجلّة الأحكام واقتلع شجرة زقّوم الطّرقية من جذورها، وقال للأمم الإسلاميّة عليكم أنفسكم وعليّ نفسي، لا خير في الاتّصال بكم ما دمتم على ما أنتم عليه، فكوّنوا أنفسكم ثمّ تعالوا نتعاهد ونتعاون كما تتعاهد وتتعاون الأمّم ذوات السّيادة والسّلطان. أمّا الإسلام فقد ترجم القرآن لأمتّه التّركية بلغتها لتأخذ الإسلام من معدنه، وتستقيه من نبعه، ومكّنها من إقامة شعائره فكانت مظاهر الإسلام في مساجده ومَوَاسِمه تتزايد في الظّهور عاما بعد عام حتّى كان المظهر الإسلامي العظيم يوم دفنه والصّلاة عليه تغمّده اللّه برحمته.. لسنا نبرّر صنيعه في رفض مجلّة الأحكام، ولكنّنا نريد أن يذكر النّاس أنّ تلك المجلّة المبنيّة على مشهور وراجح مذهب الحنفيّة ما كانت تسع حاجة أمّة من الأمم في كلّ عصر لأنّ الّذي يسع البشريّة كلّها في جميع عصورها هو الإسلام بجميع مذاهبه لا مذهب واحد أو جملة مذاهب محصورة كائنا ما كان وكائنة ما كانت. ونريد أن يذكر النّاس أيضا، أنّ أولئك العلماء الجامدين ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا غير ما عرفوه من صغرهم من مذهبهم وما كانت حواصلهم الضّيقة لتتسّع لأكثر من ذلك، كما يجب أن يذكروا أنّ مصر بلد الأزهر الشّريف مازالت إلى اليوم الأحكام الشّرعية ـ غير الشّخصيّة ـ معطّلة فيها، ومازال (كود) نابليون مصدر أحكامها إلى اليوم، ومازال الانتفاع بالمذاهب الإسلاميّة في القضاء ـ غير المذهب الحنفي ـ مهجورا كذلك إلاّ قليلا جدّا، نعم إنّ "مصطفى أتاتورك" نزع عن الأتراك الأحكام الشّرعية وليس مسؤولا في ذلك وحده وفي إمكانهم أن يسترجعوها متى شاءوا وكيفما شاءوا، ولكنّه رجع لهم حرّيتهم واستقلالهم وسيادتهم وعظمتهم بين أمم الأرض، وذلك ما لا يسهل استرجاعه لو ضاع، وهو وحده كان مبعثه ومصدره، ثمّ إخوانه المخلصون، فأمّا الّذين رفضوا الأحكام الشّرعية إلى (كود) نابليون فماذا أعطوا أمّتهم ؟ وماذا قال علماؤهم ؟ فرحم اللّه "مصطفى" ورجح ميزان حسناته في الموازين، وتقبّل إحسانه في المحسنين وإلى الأمّة التّركية الشّقيقة الكريمة الماجدة، الّتي لنا فيها حفدة وأخوال، والّتي تربطنا بها أواصر الدّين والدّم والتّاريخ والجوار، والّتي تذكر الجزائر أيّامها بالجميل وترى شخصها دائما ماثلا فيما تركت لها من مساجد، ومعاهد للدّين الشّريف والشّرع الجليل..إلى تركيا العزيزة نرفع تعازي الجزائر كلّها مشاركين لها في مصابها راجين لها الخلف الصّالح من أبنائها، ومزيد التّقدم في حاضرها ومستقبلها، وإلى هذا فنحن نهنّئها برئيس جمهوريتها الجديد (عصمت إينونو)، بطلا (إينونو) ومؤتمر لوزان وثنيّ "مصطفى كمال"، وإنّ في إجماعها على انتخابه لدليلا على ما بلغته تركيا الكريمة من الرّشد في الحياة الّذي تبلغ به ـ إن شاء اللّه ـ من السّعادة والكمال، ما يناسب مجدها القدوس، وتاريخها الحافل بأعظم الرّجال وجلائل الأعمال«.(1)
    ـ (رمضان 1358هـ نوفمبر 1938م) ـ
    هذا المقال العجيب مليء بالطّامات والمؤاخذات، والتصويبات تكون كالتّالي :

    1. وصف الشّيخ "ابن باديس" "لمصطفى كمال أتاتورك" العلمانيّ الفاجر بأنّه أعظم رجل عرفته البشريّة في التّاريخ الحديث، وهذه مبالغة ما بعدها مبالغة، كما أنّها وصف لا يليق تماما برجل يعدّ واحدا من أفجر وأفسق الحكّام في القرن الميلادي الماضي، وواحدا من أعظم المعادين للإسلام عقيدة وشريعة وعبادة ومنهاجا.
    2. عبارة "ابن باديس" (فيحوّلون مجرى التّاريخ ويخلقونه خلقا جديدا)، عبارة فيها خلل عقدي محض، فالخالق هو اللّه تبارك وتعالى ومن الغلوّ الصّوفي وصف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه يخلق، فإذا كان هذا لا يجوز في حقّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا يجوز وصفه عليه الصّلاة والسّلام بأنّه يخلق فما بالنا بوصف الفاجر "كمال أتاتورك" بأنّه يخلق التّاريخ.. ومن المعلوم أنّ العبارة الّتي تحتوي على خلل لفظي يكون مؤدّيا إلى خلل عقدي لا بدّ من الوقوف عندها، والتّحذير من الوقوع فيها، سواء قصد المرء قوله أم لم يقصد، وقد انتقد الشّيخ "صالح بن عبد العزيز آل الشّيخ" الدّاعيّة "محمّد الغزالي" لمّا قال هذا الأخير في كتابه الطّامّة "السّنة النّبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث"، واصفا المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم (وهو في مجلسه الرّوحي : يوجّه ويربّي، ويخلق الجيل الّذي ينشئ حضارة أرقى وأتقى)، فانتقده الشّيخ (آل الشّيخ) قائلا : (فقوله "يخلق" لفظ صحفيّ يُشمُّ منه غلوّ، قاده إليه غلوّ البوصيري لمّا سمع أبياتا من "بُردته"..(2)، فالخلق ليس من شأنه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكيف يصلح الملحد "مصطفى كمال أتاتورك" لأن يكون خالقا للتاّريخ..؟!..فاللّه هو وحده الخالق وليس لبشر قدرة في خلق ذباب..فغلوّ الشّيخ "ابن باديس" في مدح "مصطفى كمال" جعله يقع حتّى في مزالق عقدية ما تليق بشيخ مثله.
    3. هل صمود "مصطفى كمال" أمام الإنجليز والإيطاليين واليونانيين والفرنسيّين هو المعيار الوحيد للحكم عليه بأنّه أعظم رجل عرفته البشريّة ؟ أليس هذا المعيار هو نفسه معيار الملاحدة، والشّيوعيين والعلمانييّن واليهود والنّصارى في الحكم على أبطالهم ؟ أليس الأجدر بالعالم المسلم أن تكون لديه ضوابط شرعية يعرف بها قيمة الحاكم ؟ أم أنّ العالِم المسلم بدوره أصبح منبهرا بالبطولات الزّائغة والحكايات البطولية المخترعة، فيصير عالِما مختلّ الموازين يحكم على الفاجر الكافر بأنّه بطل الأبطال ؟ إنّ العالِم حينما تضطرب المعايير عنده لا يستطيع أن يتحمّل مسؤولية إرشاد النّاس، وسيكون مضلّلا لا معلّما ولا مرشدا لهم إلى طريق الفلاح..إنّ المسلم الأميّ لمّا يقرأ هذا المدح الفائض من "ابن باديس" رحمه اللّه "لمصطفى كمال أتاتورك" لن يستطيع أبدا أن يضلّل الكفّار والملاحدة وسيحكم على هؤلاء بأنّهم أعظم الرّجال، كما تفعل شعوبنا اليوم في إعجابها الشّديد بهتلر وتشرشل وموسوليني وستالين وغيرهم من الكفّار، و"أتاتورك" في حربه الشّعواء على الدّين والمتديّنين يكاد يضاهي هؤلاء إن لم أقل يساويهم.
    4. إنّ القارئ قد يجد عذرا "لابن باديس" لو كان هذا الأخير قد انخدع "بمصطفى كمال" في بداية ظهوره، ولكنّ الأمر غير كذلك لأنّ الشّيخ "ابن باديس" قدّم هذا المقال في رثاء "أتاتورك"، وهذا دليل على أنّه ظلّ معجبا به إلى آخر لحظة من لحظات حياته، ولو أنّ بي قوّة لنفيت عن "ابن باديس" هذا الكلام، وكنت أتمنّى أن يكون هذا المقال مدسوسا عليه أو نُسب إليه زورا وكذبا لهول ما فيه من تمجيد لحاكم علماني شديد العداوة لدين اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكن أنىّ يتسنّى لي إثبات التّزوير؟ والمقال ثابت في كتاب جمع آثار "ابن باديس" ولم ينكر أيّ واحد من تلاميذه الّذين عاشوا بعده أنّ هذا ليس من كلامه، فيبقى الحال على ما ذكر آنفــا.
    5. لو كان "ابن باديس" شخصيّة وطنيّة أو سياسية أو
    شاعرا من الشّعراء لقلنا بأنّه تغنّى بأمجاد "مصطفى كمال" على غرار هؤلاء، ولكنّ "ابن باديس" عالم هدفه خدمة الإسلام والمسلمين، وليس من خدمة الإسلام في شيء تزكيّة حاكم علمانيّ شديد الكره لتعاليم الإسلام، شديد البطش والتّنكيل بعلمائه حتى ولو كان هؤلاء العلماء من متعصبّة المذهب الحنفي..قلت : قد نجد أعذارا للشّعراء في مدحهم "لأتاتورك" لأنّ أغلبيّة الشّعراء ليسوا ذوي نَزعة دينيّة، فأمير الشّعراء العرب "أحمد شوقي" نظم قصيدة في مدح الخلافة العثمانيّة ومدح سلطانها عبد الحميد فقال :

    رضـي الـمـسـلـمـون والإســلام  فرعَ عثمانَ دُمْ فِدَاك الدّوامُ
    هل كلام العبـاد في الشّـمـس إلاّ  أنّها الشّمسُ ليس فيها كلامُ؟
    إيـهِ " عبد الحمـيـد " جلّ زمـان  أنـت فــيــه خلـيـفـة وإمــام

    و بمجرّد ما تولّى "مصطفى كمال أتاتورك" حكم تركيا، ورغم أنّه ألغى الخلافة العثمانيّة غَيّر "أحمد شوقي" موقفه وبادر إلى تأليف قصيدة في مدح "أتاتورك" قال فيها :

    اللّه أكبر كَمْ في الفتح مـن عَجَب  يـا خالد(1) التُّرك جَدِّدْ خالد العربِ
    خُطاك في الحقّ كانت كلّها كَرمَا  وأنـت أكـرم فـي حَقْـنِ الدَّمِ السَّرِبِ

    فهذا مثال لأصحاب التّذبذب في المواقف والتقلب في الأحداث لأنّ هؤلاء ليس لديهم موازين شرعية تضبطهم وبالتّالي فهم يسيرون وراء كلّ ناعق حسب ما تمليه عليهم عقولهم القاصرة وأفهامهم الضّيقة، أمّا الشّيخ "ابن باديس" فهو عالِم مسلم يقود جمعية العلماء في بلادنا، وكان عليه أن لا تأخذه بهرجة السّاسة المخادعين، وكان عليه أن يقدّم بحثا حول شخصيّة "أتاتورك" من الوجهة الصّحيحة لا الوجهة القوميّة ولا البطوليّة ولا السّياسية وإنّما من الوجهة الشّرعية فقط بأدلّة من كتاب اللّه وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وبفهم السّلف الصّالح رضيّ اللّه عنهم..

    6.قد يقول قائل إنّ هذا المقال فيه دليل على سلفية "ابن باديس" لأنّه كان ناقما على الخلافة العثمانيّة ذات العقيدة الصّوفية والتّعصّب الممقوت للمذهب الحنفي، ولكن إنكار التّصوف والتّعصب للمذهب لا يكون مقابله الفرح بتولّي "العلماني" المنكر للدّين وتعاليمه الحكم، فالخطأ لا يُقابَل بالخطأ، ولو خُيّر المرء بين شرّين لاختار خلافة السّلطة العثمانيّة على حكومة "أتاتورك" النّاقمة على دين اللّه عقيدة وشريعة، وكان بإمكان "ابن باديس" أن يشير إلى أخطاء الخلافة العثمانيّة ويبغض جنوحها لعقيدة التّصوف وصبّ الدّين في القالب الحنفي فقط، دون أن يهلّل فرحًا لاعتلاء "مصطفى كمال" الرّئاسة فضلا عن أن يجد له أعذارا لإلغائه العمل بالإسلام وتحكيم شريعته، لأنّ "مصطفى كمال" لم يبغض دولة الخلافة لأنّها ذات عقيدة صوفيّة ومتعصّبة لمذهب الأحناف، بل ألغاها وكَرِهَها كرها في الإسلام ككلّ وجحودا لتعاليمه ولأوامر ربّنا ورسولنا الكريم محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم.

    7.قال "ابن باديس" (فلو لم يخلق اللّه المعجزة على يد "كمال" لذهبت تركيا وذهب الشّرق الإسلامي معها)، وهذا غلوّ ما بعده غلوّ، وكيف غفل "ابن باديس" على كون المعجزة خاصّة بالأنبياء والمرسلين عليهم السّلام فكيف تعطى المعجزة لواحِد من أفجر حكّام الأمّة الإسلاميّة في القرن الماضي..إنّ هذا واللّه من أعجب ما قرأت "لابن باديس" غفر اللّه لنا وله.

    8.كيف يزعم "ابن باديس" أنّ "مصطفى كمال أتاتورك" ثار ضدّ الخلافة العثمانيّة وليس على الإسلام فيقول : (لقد ثار "مصطفى كمال" حقيقة ثورة جامحة جارفة ولكنّه لم يكن على الإسلام وإ نّما ثار على هؤلاء الّذين يسمّون بالمسلمين فألغى الخلافة الزّائفة وقطع يد أولئك العلماء عن الحكم...)، كيف يزعم الشّيخ "ابن باديس" ذلك و"أتاتورك" أعطى للمسلمين درسا لن ينسوه في كرهه للإسلام كدين وليس للمسلمين فقط، فهل نزع الحجاب عن المرأة التّركية، وإلغاء الآذان ومنع اللّباس الإسلامي للرّجال وفرض القبعة الإفرنجيّة عليهم، والتّرويج للفساد بكلّ أنواعه وإلغاء التّعامل باللّغة العربيّة ولو كانت لقراءة القرآن الكريم ورفض تحكيم شريعة اللّه وتحكيم القوانين البشريّة كبديل لها وقتل المسلمين والتّنكيل بهم هل كلّ ذلك لا يعتبر كرها للإسلام ورفضا له ؟! إنّ هذا الكلام لابدّ وأنّه صدر من "ابن باديس" وهو في حالة هذيان، لأنّه من غير المعقول أن يزكّي عالم مسلم مثله شخصا مثل "مصطفى كمال" ؟ ولو زكّاه في ناحية من النّواحي الدّّنيويّة لوجدت له الأعذار، ولكنّ "ابن باديس" زكّاه في كلّ جوانب شخصيّته وعدّه أعظم عبقريّ وأعظم رجل عرفه التّاريخ الحديث، وغاب عن "ابن باديس" أنّه حتّى البطولة المزعومة الّتي نسبت "لأتاتورك"، إنّما كانت خطّة مُسبقة من الغرب، وأنّها كانت مجرّد تمثيليّة لمساعدة الرّجل على الوصول إلى كرسيّ الحكم لأنّه حقّق للغرب الكافر كلّ ما يحلم به من تدمير للإسلام وإطاحة بشريعته...فأين إيجابيّات هذا العميل الخائن لدين اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ؟ وهل يحقّ "لابن باديس" أن يعذره في حربه الشّعواء على الإسلام ؟ لا..يا شيخ "ابن باديس".. إنّ "مصطفى كمال" ليس أهلا لأيّ حرف واحد ممّا خطّه يَراعُكَ ولا لكلمة كتبتها يمينك، وهذا المدح لو وجّه لعالم متديّن لكان الحقّ معك ولكنّه وُجِّه لرئيس يعدّ من أكبر الشّانئين للإسلام في القرن الفارط وأخيرا أقول إنّ العالِم السّلفي ينبغي أن يكون دقيقا فيما يقول لأنّ كلامه ذو صدى عميق في نفوس المسلمين..وانظر إلى شيخنا العلاّمة "الألباني" كيف انتقد الجماعات المقاتلة في أفغانستان، وبيّن ضلال عقيدة الكثير من القادة هناك، وحذّر من المتصوّفة والشّيعة وحذّر من قادات الحركات المنحرفة كالإخوان المسلمين وغيرهم، ولكنّ انتقاده لهؤلاء لم يدفعه إلى طرفيّ نقيض، فانتقاده للموجودين في ساحة القتال لم يدفعه إلى تزكية حاكم أفغانستان الشّيوعي السّابق، بل بيّن ضلال هذا وذاك.. وقد بيّن علماؤنا الكبار أخطاء الأفغان المقاتلين باسم الإسلام دون أن يجنحوا إلى التّصفيق للدّولة الشّيوعية الّتي كانت تحكمهم.. فلا إفراط ولا تفريط والحقّ ليس مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وهناك شرّ أهون من شرّ، والعالم السّلفي لا ينخدع بالبطولات المزعومة ولا بالزّعامات المكذوبة بل يعرف كيف يميّز جيّدا بين الغثّ والسّمين، و"ابن باديس" رحمه اللّه في هذا المقال جنى على نفسه وجنى على غيره من النّاس لأنّه بيّن "مصطفى كمال" في صورة الزّعيم النّموذجي، بينما الرّجل كان رمزا للحاكم الرّافض لتحكيم شريعة اللّه تعالى ومحاربتها بشتّى الطّرق والوسائل، وكان عدوّا لدودا للإسلام وليس للمسلمين فقط، ولهذا وجدت في نفسي نفورا كبيرا من هذا المدح العجيب، وبلا شكّ لن يلقى هذا المقال أيّ قبول وأيّ رواج عند كلّ المسلمين الّذين قرأوا تاريخ "مصطفى كمال أتاتورك" وعرفوا عداوته الكبيرة لدين اللّه الواحد القهّار، وأعتقد أنّ الشّيخ "ابن باديس" ارتكب خطأ فظيعا بمثل ذلك الكلام المعسول الّذي وصف به "مصطفى كمال" والّذي لا يليق إلاّ لمن استحقّه حقّا من حكّام الأمّة الإسلامية وقليل ماهم..فلست أدري كيف سيدافع أنصار "ابن باديس" عنه في كتابته لذلك المقال الغريب ؟!..
    (1) (أضواء على الحركة الماسونيّة) "لسعيد عبد اللّه حارب"، [ص 76].
    [line]
    (1) هناك من يكتب اسمه الماريشال "اللّنبي"، وهذا الأخير من أعدى أعداء الدّين الإسلامي ومن أكبر المخطّطين لتدميره وتدمير أهله.
    [line](1) آثار الإمام عبد الحميد "بن باديس"، [ 3 / من 122 إلى 125].
    (2) المعيار لعلم "الغزالي" في كتابه (السّنة النّبويّة) للشّيخ "صالح بن عبد العزيز آل الشّيخ"، [ص 76].
    [line](1) تأمّل مبالغة "شوقي" كيف شبّه العلماني الفاجر "مصطفى كمال أتاتورك" إلى واحد من أعظم صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو خالد بن الوليد رضيّ اللّه عنه، وهذه مقارنة للثّرى بالثّريا، وشتّان شتّان أن يصلح ذلك المنافق لمشابهة خالد رضوان اللّه عليه.[line]منقول من الرّد الوافي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    2,547
    الشيخ بن باديس ؟!!!!!!!!!

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •