النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: منهج الرسل في الدعوة إلى الله ،للعلامة المحقق صالح الفوزان- حفظه الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    أرض المغرب العربي
    المشاركات
    34

    منهج الرسل في الدعوة إلى الله ،للعلامة المحقق صالح الفوزان- حفظه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم

    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد :

    فهذه محاضرةألقاها معالي الشيخ العلامة د/ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية طهرها الله من الحزبيين وأذنابهم من المميعة ... آمين
    المحاضرة بعنوان :
    منهج الرسل في الدعوة إلى الله

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    -----------------------------



    - نص المحاضرة ( ) :
    « … لما كانت العبادات توقيفية على ما شرعه الله بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام تبين للناس كيف يعبدون ربهم، وتبين للناس عقوبة من لم يعبد الله أو عبده وعبد معه غيره لأن العبادة لا تصلح إلا إذا كانت خالصة لوجه الله من الشرك ومتابعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جاء عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام موافقة لما جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما كان الأمر كذلك بعث الله الرسل يدعون الناس إلى عبادة الله ويبينون لهم كيف يعبدون الله على الطريقة الصحيحة والمنهج السليم ويحذرونهم من الشرك بالله { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ }( ) الله سبحانه وتعالى بعث الرسل لهذا الغرض، وهذا من رحمته سبحانه وتعالى وعنايته بخلقه ، حين أهبط آدم إلى الأرض قال :( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى {123} وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)( ) .
    دعوة النبي نوح عليه السلام:
    كان الناس على عقيدة التوحيد من عهد آدم عليه السلام وعلى دين أبيهم آدم إلى أن جاء قوم نوح بعد عشرة قرون كانوا يعبدون الله على التوحيد وعلى دين أبيهم آدم كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رضي الله عنهما قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد ثم لما وقع الشرك في قوم نوح بسبب الغلو في الصالحين أرسل الله إليهم نبيه نوحاً عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى الرجوع إلى عبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام ثم تتابعت الرسل من بعد نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ واَلنَّبِيِينَ مِن بَعْدِهِ}( ) فنوح هو أول رسول إلى أهل الأرض بعد ما حصل الشرك يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك ، وكان هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام ومنهجهم في الدعوة كما ذكره الله في القرآن فهذا نوح عليه السلام لبس في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {1} قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {2} أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ {3} يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {4} قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا {5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا {6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا {7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا {8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا {9} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا {10} ُيرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا {12} مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا {13} وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا {14} أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا {15} وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا {16} وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأََرْضِ نَـبَاتًا {17} ثُمَّ يُعِيـدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا{18}}( )إلى أخر السورة...
    لكنه لم يجدي فيهم هذه الدعوة المباركة التي فيها كل الاستعطاف واللين والموعظة والتذكير لم يجدي فيهم لأن الكفر والعياذ بالله والشرك قد تغلغل فيهم في النهاية{ وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا {23} وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا }( )مع أن نوحاً عليه السلام تلطف بهم وذكَّرهم ووعظهم وداوم على دعوتهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهارا فلم يترك مجالاً من مجالات الدعوة إلا وقد طرقه عليه الصلاة والسلام ، هذا منهج الدعوة في نوح عليه الصلاة والسلام أول الرسل .
    دعوة النبي هود عليه السلام :
    من بعده هود أرسله الله إلى عاد {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِي اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}( ) إلى أن قال { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}( ) ذكرهم بأن الله جل وعلا جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح وزادهم في الخلق بسطة وأمرهم أن يذكروا آلاء الله لعلهم يفلحون يذكر نعم الله عليهم لكن لم يجدي فيهم هذا المنهج العظيم الذي دعاهم به نبيهم هود عليه الصلاة والسلام
    دعوة النبي صالح عليه السلام :
    ثم صالح عليه السلام كيف دعا قومه {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73}وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }( ) {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}( ) هذه مقابلتهم لدعوة نبي الله صالح عليه السلام مع أنه تلطف بهم ورق لهم في الخطاب ووعظهم وذكرهم ولكن قابلوا ذلك بالجحود والنكران فكانت عاقبتهم الهلاك .
    دعوة النبي لوط عليه السلام:
    ولوط عليه السلام بعثه الله إلى قومه لما تظاهروا بالجريمة النكراء التي لم يرتكبها أحد من العالمين وهي اللوطية ذكرهم بالله خوفهم بالله وبين لهم أن هذه الجريمة جريمة شنيعة تنفر منها الطباع ولم يرتكبها أحد من العالمين غيرهم ومع هذا أصـروا و قالوا :{قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ }( ) في الآية الأخرى { أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }( ) هذا عيبهم أنهم يتطهرون عن الفاحشة ولا يقعون في هذه الفاحشة اعتبروا هذا عيباً .
    دعوة النبي شعيب عليه السلام :
    وشعيب عليه السلام بعثه الله إلى مدين وكانوا مع الشرك بالله يظلمون الناس في أموالهم يبخسون المكاييل والموازين ويقطعون الطرق ويسلبون الناس أموالهم ذكرهم بالله عز وجل { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {84} وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {85} }( ) إلى أنهم تمردوا عليه{ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء}( ) يعني نهاهم عن الشرك ونهاهم عن نقص المكاييل والموازين أما الشرك فقالوا {نَعْبُدُ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}؛هذه مقابلتهم لحجج الله وأما المكاييل والموازين أئن كنا لأموالنا نتصرف فيها كيف نشاء لا نتقيد بأوامر الحلال والحرام نحن أحرار في أموالنا كما يقوله بعض العلمانيين اليوم والمغرورين فماذا كانت عاقبتهم .
    دعوة النبي ابراهيم عليه السلام:
    وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبو الأنبياء :{ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {16} إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْق وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }( ) .
    هكذا يخاطبهم بهذا الخطاب العظيم الملامس للقلوب ولكن قلوبهم لا يصل إليها نور هدّدوه بالإحراق فأنجاه الله من النار وجعل العاقبة له ، جعل العاقبة له ولمن اتبعه وهاجر من أرضهم إلى أرض مباركة إلى أرض الشام وأرض الحجاز وأمره ببناء البيت العتيق ، الله جل وعلا منّ عليه بنعم عظيمة لما صبر وتحمل في سبيل الله ما تحمل إن الله عوضه في الدنيا والآخرة ونتيجة لصدقه في الدعوة واتخذه خليلاَ .
    دعوة النبيين موسى وهارون عليهما السلام:
    وهذا موسى عليه السلام وهارون لما أمرهم الله جل وعلا بأن يذهب إلى فرعون ذهب إلى فرعون {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {17} فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى {18} وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى {19} فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى {20} فَكَذَّبَ وَعَصَى {21} ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى {22} فَحَشَرَ فَنَادَى {23} فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى {24} فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى {25} }( ).
    والله أمره هو وهارون فقال لهما: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} مع جبروته وكفره وادعائه الربوبية قال الله لهما: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} فدلّ على أن الدعوة يكون فيها أسلوب يرغّب المدعو ويجذبه إلى القبول إذا كان فيه بقية من حياة وإلا فإنها تقوم عليه الحجة تقرؤون دعوة إبراهيم لأبيه {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا {42} يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا {43} عَصِيًّا {44} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {45} }( ) شوف( ) يا أبت يا أبت يا أبت كل خطاب يبدؤه بـ:يا أبت من باب الاستعطاف له ويبين له أنه مشفق عليه وأنه عنده علم من الله عز وجل يريد أن يهديه به إلى سعادته ولكنه لم يقبل لكن نحن نأخذ من هذا منهج الدعوة ، منهج الرسل في دعوتهم لأممهم حتى نقتدي بهم لأنا مكلفون بالدعوة إلى الله عز وجل فنحن نقرأ سيرة الرّسل في القرآن وأخبارهم لأجل أن نقتدي بهم .
    دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
    وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله لما بعثه الله إلى العالمين الجن والأنس إلى العرب والعجم بعثه بشيراَ ونذيراَ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاَ منيراً قابله المشركون أسوء مقابلة وهم أقرباؤه وبنو عمومته وأهل بلده أول من قابله هؤلاء قابلوه بالعنف والقسوة إلا من رحم الله ولكنه صبر ولكنه صبر وانتظر كما سمعتم في الآيات التي قرأها الإمام وفقه الله أن الله قال له :{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {125} وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127} إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {128}} ( )
    {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ} قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ، إلى سبيل ربك ، إلى الله وهذا يعطي الداعية أن يخلص الدعوة لله ، أن لا يكون قصده من الدعوة الرفعة على الناس أو الرياء والسمعة أو الطمع الدنيوي أو الظهور إنما يقصد بذلك وجه الله عز وجل ، أدعو إلى الله ادع إلى سبيل ربك هذا من أولويات صفات الداعية أن يخلص النية لله عز وجل في دعوته إلى سبيل ربك بالحكمة أول شيء بالحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه بأن يخاطب كلاً بحسبه بالخطاب المقبول الذي يتألفه به ويستميله به إلى الحق وإن كان مخطئاً ومجرماَ ولكن تكون دعوته بالحكمة لأنه ربما يكون جاهلاَ بالأمر فإذا بُيّن له الحق قبله فهذا لا يحتاج إلى أكثر من أنه يُبيّن له الحق ولكن يبين بأسلوب مناسب لا بأسلوب منفر فإنه إذا كانت الدعوة بأسلوب منفر ، فإنها لا تجدي شيئاَ بل إنها ربما ينعكس الأمر فيها فتحصل ردة الفعل من المدعو لكن يكون بالحكمة وهي وضع الشيء في موضعه يخاطب العالم بما يليق به ، يخاطب السلطان بما يليق به ، يخاطب العامّي بما يليق به ، وهكذا يخاطب الأغنياء بما يليق بهم بخطاب يستميل بهم قلوبهم ويستجلبهم إلى الحق ، لا بأسلوب منفر وسمعتم ما قال الله لنبييه موسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون قال:{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن داعياَ وقاضياَ ومعلماً قال له « إنك تأت قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعو إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله »( ) الشّاهد من قوله إنك تأتي قوماَ من أهل الكتاب أهل علم يحتاجون إلى استعداد لمخاطبتهم ليست مخاطبة العالم كمخاطبة العامي وهذه هي الحكمة أن الداعية يتوخى الأسلوب المناسب مع كل بحسبه فلا يخاطب العالم بخطاب العامي ولا يخاطب العامي بخطاب العالم ولا يخاطب أفراد الناس بما يخاطب به الملوك ولا يخاطب الملوك بما يخاطب به أفراد الناس وإنما يستعمل الحكمة في خطابه مع الناس وكذلك من الحكمة العلم كما في الآية الأخرى الحكمة يراد بها العلم والفقه أيضاَ كما في قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} والبصيرة هي العلم فيكون معنى الحكمة العلم ومعناه الرفق أيضاًَ ووضع الأشياء في مواضعها والموعظة الحسنة لأن بعض المدعوين قد لا يستجيب في أول الأمر يصير عنده تكاسل بعد ما يبين له الحق لا يرده لكن يتكاسل عن امتثاله يحتاج إلى موعظة بأن يُخوّف بالله عز وجل عن التكاسل والتباطؤ في قبول الحق والتزام الحق لأن لا تأخذه العقوبة لأنه علم وعرف فلا يليق به أن يتكاسل في قبول الحق أو يتأخر فيحتاج إلى موعظة إلى تذكير المرتبة الثالثة قد يكون عنده تمرد وجدال بعض الناس لو تبين له الحق واتضح الحق يكون عنده ردة فعل يكون عنده جدال وعنده شبهات فهذا يجادل بالتي هي أحسن ، تُنقض شبهاته بالتي هي أحسن لا بالعنف وإنما يُبيّن أنه مخطئ وأن هذه الشبهات ليست صحيحة وتبين بالعلم والمعرفة الحقيقية حتى يعرف أنه قد أخطأ وأنه ليس معه حجة ربما يقبل الحق :{وَجَادِلْهُمْ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ} الجدال إذا احتاجت الدعوة إلى جدال بين الداعية والمدعو فتكون بالتي هي أحسن ما يكون في عنف ولا يكون فيها قسوة وإنما يكون بيان للحق ورد للباطل وكشف للشبهات التي يدلي بها وجادلهم بالتي هي أحسن هذه بعض صفات الداعية ومنهج الدعوة مذكورة في هذه الآية العظيمة { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وفي الآية الأخرى أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول {هَذِهِ سَبِيلِي} أي طريقتي أدعو إلى الله لا يريد بدعوته رياء ولا سمعةً ولا ترفّعاً ولا طمعاً دنيوياً وإنما هي دعوة خالصة إلى الله على بصيرة يعني: على علم فيُشترط في الداعية أن يكون على علم ، لا يدعو وهو على جهل لأن الجاهل ربما يحُرِّم حلالاً أو يُحلّ حراماً أو يقول على الله بغير علم فيكون نكسة على الدعوة وعلى أهلها أو يعرض عليه شبهات وأسئلة فلا يستطيع الجواب عنها إذا لم يكن عالماً لا يستطيع أن يرد على شبهات المغالطين فينتصرون عليه فيصير في هذا نقص على الدعوة الذي يريد أن يدعو إلى الله يستعد بالعلم قبل كل شيء حتى يستطيع مواجهة ما يعترضه من المدعوين ولا سيما الشبهات التي يتعلق بها كثير من الذين عندهم انحراف عن العقيدة كذلك من منهج الدعوة الصبر لا يعجل الإنسان إذا لم تحصل له استجابة فإنه لا يستعجل بل يصبر وينتظر من الله الفرج وأنها إذا لم تنفع مع هؤلاء تنفع مع آخرين وإذا لم تنفع في هذا البلد تنفع في بلد آخر والنبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج مع ما يتعرض له من الأذى ومن الرد القبيح كان يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج ويدعوهم إلى الله ويبلّغهم القرآن وذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الله ولكنهم ردوه ولم ييأس عليه الصلاة والسلام وفي مرة أصابه من قومه أذىً شديد تضايق عليه الصلاة والسلام مما أصابه منهم فجاءه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين( ) الجبلين المحيطين بمكة فقال صلى الله عليه وسلم لا بل أستأني بهم لعل الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً مع صبره صلى الله عليه وسلم وتحمله وانتظاره في النهاية أشد أعدائه الذين عادوه صاروا هم أقرب الناس إليه بعد ما أسلموا وأقرب المناصرين له من أهل مكة وغيرهم وصاروا قادة في الفتوح نتيجة الصبر ، فصبر صلى الله عليه وسلم حتى إن الحق أخذ مجراه واستبانت دعوته الله عليه وسلم وتوالت انتصاراته فعند ذلك عرف خصومه أنه نبي الله وأنه لا مجال لاعتراضه فآمنوا بالله وصاروا من خواص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقاموا بالجهاد معه وقاموا بالجهاد من بعده كما هو معروف وهذا نتيجة الصبر في الدعوة ونتيجة الرفق ونتيجة الأسلوب الطيب والمنطق الصواب فالداعية لا ييأس مهـما واجهه منها ولهذا قـال الله له:{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ}( ) أمره بالصبر وهكذا الدعاة يجب عليهم الصبر والانتظار وأن لا ييأسوا بل كلما اشتد الأمر فهو أقرب إلى الانفراج واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً والله جل وعلا جعل العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء مهمتهم في الدرجة الأولى الدعوة إلى الله عز وجل فليكن مهمة العلماء الدعوة إلى الله عز وجل كما هي مهمة الأنبياء يعني بالدرجة الأولى تكون مهمتهم الدعوة إلى الله في بلادهم ومع إخوانهم ومع كل من يصِلُون إليه ينشرون الخير وينشرون الدين بين الناس لا سيما في بلادهم وفي أقاربهم{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}( ){ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}( ) فأنتم في هذه الجامعة المباركة تتلقون العلم؛ العلم الصافي من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجعون إن شاء الله إلى بلادكم بالسلامة فكونوا دعاة خير وحملة هداية للناس أجمعين ولأهل بلادكم خاصة هذا سبيل المؤمنين ولهذا الله جل وعلا قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: { هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ إِتَّبَعَنِي} فكل أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله على بصيرة يعني على علم فإذا تحملتم العلم فإنكم تبلغونه للناس تنشرونه في الناس { وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ }( ){ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الـلاَّعِنُونَ {159}إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160} }( ) فعلينا واجب عظيم كل من أعطاه الله شيئاً من العلم فإن العلم أمانة والله يقول:{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}( ) فهو أمانة تبلغونه لإخوانكم ولا تحتفظون به في ذاكرتكم ومذكراتكم بل إنكم تبلغونه والعلم يزكو وينمو ويزيد كلما أُنفق منه وكلما نشر فإنه يزيد ويُبارك فيه ويتناقص وتذهب بركته إذا خزن ولم ينشر ولم يبلغ . ينشر على الناس بالدعوة بالتعليم بالتأليف بالكتابة بكل وسيلة وسائل الإعلام التي تنشر المقالات والأصوات والخطب والمواعظ والدروس هذه وسيلة عظيمة يسّرها الله، استغلوها في الدعوة إلى الله . كان الصدر لهذه لأمة القرون المفضلة كلهم أو أغلبهم يدعون إلى الله يدعون إلى الله بالتعليم ، يدعون إلى الله بالدعوة ، يدعون إلى الله بالخطابة ، بالقضاء ، بكل وسيلة ، القرون المفضلة أغلبهم أو كلهم دعاة إلى الله ، لكن بعد القرون المفضلة اشتد الظلام وتلاطمت الشبهات والمذاهب والفرق بعد القرون المفضلة ظهرت الفرق ، وظهرت الاختلافات ، وظهرت المقالات السيئة ، فقيّض الله لها من العلماء والدعاة إلى الله من قاموا في وجهها وردوها في نحور أصحابها ، خذوا مثلاً الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية كان في عصره الأمر متلاطم من كل جهة من الصوفية ومن علماء الكلام ومن القبورية ، ومن الفرق الضالة كالشيعة والخوارج والمعتزلة والمعطّلة فقام رحمه الله في وجوه هذه الطوائف ونازلها وبيّن بطلان ما عندها من الشبهات ونصره الله ، وانتشر علمه ولا يزال علمه يتجدد ، والناس يستفيدون منه ويستنيرون به لو أنه سكت وخزن العلم في صدره ما حصلت هذه الآثار الطيبة وأقرب مثال أيضاً الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ظهر في بلاد نجد وهي قد أخذت قسطها من ما حصل في العالم الإسلامي من الخمول ومن الشبهات و الشّركيات ومن أمور عظايم كدرت وجه الدعوة ووجه الإسلام فقام رحمه الله على نور من ربه وعلى بصيرة وعلى علم قام ودعا إلى الله عز وجل وصدع بالحق ونصره الله عز وجل فأثمرت دعوته هذه الدولة المباركة وهذه الدعوة العظيمة في هذه البلاد وفي خارج هذه البلاد وهو شخص واحد لكن أعانه الله عز وجل وسدده لما صدق مع الله عز وجل ولما استعد بالعلم واستعد بالصبر والثبات نصره الله عز وجل وهو شخص واحد وأثمرت دعوته هذه الثمرات فليست العبرة بكثرة الدعاة ولكنّ العبرة بالداعية الحق الذي يتمثل بالعلم والعمل والصبر والاحتساب وانتظار الفرج فالعبرة بالنوعية لا بالكم وإن كنا نقول كثرة الدعاة تدل على خير إن شاء الله ولكن ما هو لازم أنه تكثر الدعاة بل إذا دعى الواحد من المسلمين من العلماء دعا بصدق وباحتساب وبصبر جعل الله لدعوته الخير الكثير فما بالك إذا كثر الدعاة وكثر الخير هذا زيادة خير إن شاء الله فعلى كل حال أنا لا أحب أن أطيل عليكم ولكن هذه الكلمات التي قلتها لعلها تكون نموذجاً إن شاء الله ينفع الله بها وإن كانت قليلة وضئيلة وقد تكون هزيلة أيضاً لكن هذا جهد المقل ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •