بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين وعليه أتوكل وإليه ألجأ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فمعذرة إخواني الأثريين على الخطأ الذي وقعت فيه عن غير قصد وهو تسبيق الرد الماضي على هذا الرد، فإني أستغفر الله وأتوب إليه وأعتذر لكم، وما توفيقي إلا بالله.
قال الإمام القصاب رحمه الله تعالى:
تفسير سورة الأنفال:
رد على المرجئة:
قوله عز وجل:(( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون* الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم)) رد على المرجئة من وجوه:

أحدها: أنه ذكر عامة الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة وجعلها من الإيمان، وذلك أنه ذكر قبل(( إنما المؤمنون )) التقوى وإصلاح ذات البين، ثم نسق في هذه الآية عملا بعد عمل وذكر فيها التوكل وهو: باطن.

والثاني: أنه ذكر زيادة الإيمان بتلاوة الآيات عليهم وهم ينكرونه.

والثالث: أنه لم يثبت لهم حقيقة الإيمان إلا باجتماع خصال الخير من الأعمال الظاهرة والباطنة وهم يثبتون حقيقه بالقول وحده.

والرابع: أنه -جل وتعالى- قال بعد ذلك:(( لهم درجات)) وقد أثبت لهم الإيمان بشرائطه وحقيقته، وهم لايجعلون للمؤمن إلا درجة واحدة، ولا يجعلون للإيمان أجزاء.
فكيف يستقيم أن يسمى المرء بالإقرار وحده مستكمل الإيمان وقد سمى الله -جل جلاله- كل ما حوته الآية إيمانا ؟
فإن قيل: فما لك تنكر على القوم أن يشهدوا لأنفسهم بحقيقة الإيمان وقد شهد الله لهم في هذه الآية ؟
قيل: لم أنكر حقيقة الإيمان وإمكانه في كثير من الخلق ؟ وكيف أنكر شيئا أكمله الله لملائكته وأنبيائه وشهد لأهل هذه الآية به؟ إنما أنكرت عليهم ما أنكرت من جهتين:

إحداهما:
أن الله شهد بحقيقه لأهل هذه الآية بخصال كثيرة وهم يشهدون لأنفسهم بخصلة واحدة.
أيجوز أن أشهد على مقر بكلمة الإخلاص مصدق بها، ذكر عنده ربه فلم يوجل قلبه، أو فرط في الصلاة، ولم يؤت الزكاة بحقيقة الإيمان ؟ والله -جل وعلا- لم يشهد له به، فأساوي بينه وبين من كل ذلك كائن فيه.
أم كيف يجوز أن يكون إيمان هذين يستوي من غير أن يكون أحدهما زائدا على صاحبه فيه ؟ وكيف ينكر الزيادة والنقصان في شيئ، ولا محالة كل زائد على شيئ فالآخر أنقص منه.
فإن كانوا يزعمون إيمانهما في كلمة الإخلاص قولا واحدا فنحن لانأباه.
وإن زعموا أن اسم الإيمان لايقع على غيرهما، فنحن لانخالف كتاب ربنا.
وقد حوت هذه الآية وغيرها -مما سنأتي عليها في مواضعها على نسق السور إن شاء الله- ما حوت من العمل المسمى بالإيمان.
والأخرى: أن تحت الحقيقة معنيين، فإن كانوا يقولون: إنهم حقا مؤمنون بخصال بأعيانها فيهم في وقت القول عند
أنفسهم، فنحن لاننكره، وإن قالوا: إنهم حقا مؤمنون لا يأمنون مكر الله -جل جلاله- في السلب، ولا يحذرون القطع بهم عند الخاتمة؛ فهذا هو المنكر الذي لانواطئهم عليه ولا نسلمه لهم لتكذيب الخبر والمشاهدة معا له. انتهى كلامه رحمه الله .

اللهم إنا نعوذ بك من الإرجاء والمرجئة آمين.