من المسائل الّتي أخطأ فيها الشّيخ "ابن %G8أديس" رحمه اللّه ووقف فيها موقفا مُبايّنا لمواقف علمائنا السّلفيين موقفه من التّوسل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، حيث أجاز هذا العمل الشّركي الّذي لم يعرفه صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وممّا لا شكّ فيه أنّ مسألة التّوسّل هذه ليست من صغار المسائل الّتي يجوز فيها تعدّد الآراء والاجتهادات، بل هي مسألة واضحة أعطى لها العلماء السّلفيّون الحقيقيّون حقّها من الشّرح والبيان، فها هو الإمام العلاّمة مجدّد السّلفية في زمانه الشّيخ "ابن عبد الوهاب" يعطي لهذه المسألة حجمها في العديد من مؤلّفاته، ولم يعتبرها من المسائل الّتي يجوز فيها الخلاف والاختلاف، وسار فيها على درب شيخ الإسلام "ابن تيميّة" وتلميذه "ابن القيّم" رحمهما اللّه، كما سار على درب هؤلاء كلّ علماء الدّيار السّعودية الّذين ألّفوا مئات الرّسائل في الرّد على شبهات المتوسّلين بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو بجاهه، أمّا الشّيخ العلاّمة "الألباني" رحمه اللّه، فقد أفرد لهذه المسألة كتابا كاملا سمّاه (التّوسّل : أنواعه وأحكامه) ذكر فيه الأدلّة القاطعة على عدم جواز هذا الأمر..أمّا الشّيخ "عبد الحميد بن باديس" رحمه اللّه، فقد تكلّم عن هذه المسألة في مواطن عديدة، فعرفت من خلال تتبّع كلامه أنّه يبيح التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مع الإشارة فقط إلى عدم استحبابه، وكان الواجب عليه أن يقطع بعدم الجواز، ولا يفتح المجال لأيّ إباحة في هذا الموضوع، لأنّه من الأمور الّتي أكثر فيها علماؤنا الكلام قديما وحديثا وقد بيّنوا خطورتها للنّاس..[grade="00008B FF6347 A0522D 4B0082"]قال الشّيخ "ابن باديس" في معرض حديثه عن التّوسّل شارحا حديث الأعمى وحديث الأعمى هو :

» عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا ضرير البصر أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : ادع اللّه أن يعافيني قال : إن شئت دعوت لك، وإن شئت أخّرت ذاك فهو خير، (وفي رواية : وإن شئت صبرت فهو خيـر لك)، فقال : ادعه فأمره أن يتوضّأ، فيحسن وضوءه، فيصلّي ركعتين ويدعو بهذا الدّعاء، اللّهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجتي هذه، فتقضى لي، اللّهم فشفّعه فيّ ]وشفّعني فيه[. قال : ففعل الرّجل، فبرأ..(1) ..قلت : قال "ابن باديس" عند شرحه لهذا الحديث : (لم يدع الأعمى النّبيّ صلّى اللّه عليه وعلى آله وسلّم، ولم يسأله أن يشفيه هو لأنّ الدّعاء لقضاء الحوائج وكشف البلايا ونحو ذلك هو العبادة، وفي حديث النّعمان بن بشير المرفوع : (الدّعاء هو العبادة) رواه أحمد وأصحاب السّنن، والعبادة لا تكون إلاّ للّه لم يدعه لا وحده ولا مع اللّه لأنّ الدّعاء لا يكون إلاّ للّه، وهذا بخلاف ما يفعله الجهّال والضّلال من طلبهم من المخلوقين من الأحياء والأموات أن يعطوهم مطالبهم ويكشفوا عنهم بلاياهم، وإنّما سأله أن يدعو اللّه تعالى أن يُعَافيه وهذا جائز أن يسأل المؤمن من أخيه في حال حياته أن يدعو اللّه تعالى له، ومن هذا حديث البخاري في سؤال أم أنس بن مالك من النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يدعو لأنس خادمه فدعا له، ومن هذا ما رواه التّرمذي وأبو دار عن عمر بن الخّطاب قال استأذنت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في العمرة فأذن لي وقال : اشركنا يا أخي في دعائك ولا تنسنا، زاد في رواية التّرمذي فقال كلمة ما يسّرني أنّ لي بها الدّنيا، يعني قوله اشركنا إلخ، ثمّ أنّه توسّل بذاته بحسب مقامه عند ربّه، وهذا على الوجه الأوّل من الوجهين المتقدّمين في فصل التّراكيب، أو توسّل بدعائه، وهذا على الوجه الثّاني منهما.. فمن أخذ بالوجه الأوّل قال يجوز التّوسّل بذاته، ومن أخذ بالوجه الثّاني قال : إنّما يتوسّل بدعائه، ثمّ إنّ من أخذ بالوجه الأوّل فهذا الدّعاء حكمه باق بعد وفاته كما كان في حياته، ومن أخذ بالوجه الثّاني لا يكون بعد وفاته لأنّ دعاءه إنّما كان في حياته لمن دعا له، فالوجهان المتقدّمان كما ترى هما مثار الخلاف
في جواز التّوسّل بذاته وعدم جوازه، فمن أخذ بالوجه الأوّل جوّز ومن أخذ بالثّاني منع[/grade]..)(1)، وبعد عرضه للخلاف بين المجوّزين للتّوسّل في الوجه الأوّل والمانعين له في الوجه الثّاني يواصل الشّيخ "ابن باديس" كلامه سائلا ومجيبا في آن واحد بالطّريقة الآتية :
(سؤال : فإن قلت قد عرفنا القولين وعرفنا مدركهما فما هو الرّاجح عندك منهما ؟
جوابه : الرّاجح هو الوجه الأوّل الّذي يجيز التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظرا لمقامه العظيم عند ربّه لوجهين، الأوّل : أنّ ذلك هـو ظاهر اللّفظ ولا موجب للتّقدير ولا منافاة بين أن يكون في قوله أسألك وأتوجّه إليك بنبّيك وقوله إنّي توجّهت بك قد سأل بذاته، وفي قوله اللّهم شفّعه فيّ قد سأل قبول دعائه له وسؤاله..والثّاني أنّه لمّا كان جائزا السّؤال من المخلوقين بما له مقام عظيم عندهم فلا مانع من أن يسأل اللّه تعالى بنبيّه بحسب مقامه العظيم عنده)(2) ..ثمّ يبيّن "ابن باديس" موقف الصّحابة من التّوسّل بطريقة السّؤال والجواب فيقول :

(سؤال آخر : بعدما عرفنا رجحان سؤاله تعالى بالأسماء والصّفات والطّاعات، فهل ثبت عن الصّحابة سؤالهم وتوسّلهم بذاته ؟.

جوابه : لم يثبت عن واحد منهم شيء من ذلك فيما لدينا من كتـب السّنة المشهورة بل ثبت عدولهم عن ذلك في وقت مقتضٍ له لو كانوا يفعلونه، وذلك في حديث استسقاء عمر بالعبّاس رضيّ اللّه تعالى عنهما. فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أنس : أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال : اللّهم إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، قال : فيسقون. ومعنى الحديث أنّهم كانوا يتوسّلون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو لهم في الاستسقاء ويدعون، ثمّ صاروا يتوسّلون بالعباس فيدعو لهم ويدعون، فالتّوسّل هنا قطعا بدعائهما لا بذاتهما.. ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مرجوحية التّوسّل بالذّات : أنّ الصّحابة لم يقولوا في موقفهم ذلك : اللّهم إنّا نتوسّل إليك بنبيّنا أيّ بذاته ومقامه، بل عدلوا عن ذلك إلى التّوسّل بالعبّاس يدعو لهم ويدعون كما كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يفعل في الاستسقاء، ولقد استدلّ بعضهم بعدول الصّحابة عن التّوسل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذا المقام على منعه، ونحن لما بيّنا قبل من دليل جوازه إنّما نستدلّ بِعُدولِهم على مرجوحيته).(1)
إذن بيّن الشّيخ "ابن باديس" بكلّ وضوح معتقده في مسألة التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فعرض الخلاف في بداية الأمر، ثمّ رجّح جواز التّوسّل مستدلا بحديث الضّرير المذكور سابقا، ثمّ عرض موقف الصّحابة رضيّ اللّه عنهم وبيّن أنّهم لم يتوسّلوا للّه تعالى أبدا بذات المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم ـ وهذا حقّ لا ريب فيه ـ ثمّ نفى أن يكون فعل الصّحابة رضيّ اللّه عنهم في ردّهم التّوسّل بذات الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ـ دليل على عدم الجواز بل قطع بأنّ في ذلك الفعل الدّليل على عـدم استحباب ذلك فقط.. وهذا الّذي أورده الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه فيه حقّ وفيه باطل، فأمّا الحقّ في كلامه فقوله : بأنّ الصّحابة رضي اللّه عنهم لم يلجأوا إلى التوسّل بالذات الشصي!DDة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولو مرة في حياتهم، وهذا حقّ لا مرية فيه، وأمّا الباطل في كلامه فاستدلاله بحديث الأعمى الضّرير على جواز التّوسّل، وجزمه بأنّ الأعمى توسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قطعه في الأخير بأنّ فعل الصحابة في ترك التوسّل بالذّات إنّما هو دليل على مرجوحيته ومع ذلك أصرّ على جوازه في النّهاية كما أنّه ألحق بجواز التوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جوازا خطيرا والمتمثل في جواز التوسّل بذوات الأولياء والصالحين فقال : (وأنّ التوسّل بذات غيره من أهل المكانة المحقّقة له وجه في القياس)(2) فزاد الطين بلّة كما يقولون، حيث فَسح المجال لمجوزي التوسّل أن يعتقدوا بذلك أنّ المسألة فرعية يجوز فيها الخلاف وليست من المسائل العقدية، مع أنّ الأمر عكس ذلك تماما، فقد سئل الشّيخ العلاّمة "صالح الفوزان" عضو هـيئة كبار العلماء في المملكة العربية السّعودية عن هذه المسألة هل هي من المسائل الفرعية أم من المسائل العقدية المهمّة، فكان جوابه كما يلي: (وصلتني رسالتكم الّتي طلبتم فيها الإجابة عن أسئلة في العقيدة وهي أولا: هل التوسّل بالمخلوقين أوحقّهم أو جاههم يعتبر أمرا مبتدعا ووسيلة من وسائل الشرك، والخلاف فيه يعتبر خلافا في مسائل العقيدة لا في مسائل الفروع لأنّ الدعاء أعظم أنواع العبادة ولا يجوز فيه إلاّ ما ورد في الكتاب والسنّة، ولم يرد في الكتاب والسنّة السؤال بالمخلوقين أوحقّهم أوجاههم، وإنّما ورد الأمر بدعاء اللّه مباشرة من غير توسّط بأحد من خلقه وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، فادعوا اللّه مخلصين له الدين، وإذا انضاف إلى التوسّل بالمخلوق التقرّب إليه بشيء من القربات كالذّبح له والنذر له فهذا شرك أكبر كما قال تعالى :  ويعبدون من دون اللّه ما لايضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه الأية..ولمّا كان الدّعاء أعظم أنواع العبادة، والعبادة توقيفية فإنّه لا يجوز أن يدعى اللّه سبحانه وتعالى إلاّ بالكيفية الواردة في الكتاب والسنّة، وليس في تلك الكيفية التّوسّل بالمخلوقين أوحقّهم أو جاههم في الدّعاء فيكون بدعة وكلّ بدعة ضلالة..واللّه أعلم)(1) ، وهذا الّذي ذكره الشّيخ "الفوزان" هو نفسه ما تواتر نقله عن جميع علماء المçل!DFة العربية السّعودية الكبار البلد الّذي يعمل علماؤه باليل والنّهار على نشر التّوحيد فمنهم من قضى نحبه كالشّيخين العظيمين الجليلين "ابن باز" و"العثيمين" رحمهما اللّه، ومنهم من لا يزال إلى يومنا هذا واقفا كالطّود الشّامخ في وجوه المبتدعة الّذين أجازوا التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبذات غيره من الصّالحين من باب القياس، فأدخلوا بعملهم هذا شرا كبيرا على العقيدة وخاصّة في مسألة الدّعاء الّذي يعتبر أعظم أنواع العبادة كما أشار إلى ذلك الشّيخ العلاّمة "الفوزان" في جوابه.. لذلك لا يمكن أن نتساهل في مسألة التّوسّل أيضا لأنّها مسألة في غاية الأهميّة كيف لا وهي عقدية محضة ؟! أمّا الشّيخ "الألباني" رحمه اللّه فقد ردّ على المستدلين بحديث الضّرير على جواز التوسّل بكلام نفيس أنقله كما ذكره : (يرى المخالفون أنّ هذا الحديث يدلّ على جواز التّوسّل في الدّعاء بجاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أوغيره من الصّالحين، إذ فيه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم علّم الأعمى أن يتوسّل به في دعائه، وقد فعل الأعمى ذلك فعاد بصيرا..
وأماّ نحن فنرى أنّ هذا الحديث لا حجّة لهم فيه على التّوسّل المختلف فيه، وهو التّوسّل بالذّات، بل هو دليل آخر على النّوع الثّالث من أنواع التّوسّل المشروع الّذي أسلفناه، لأنّ توسّل الأعمى إنّما كان بدعائه والأدلّة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمّها :

أوّلا : أنّ الأعمى إنّما جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليدعو له، وذلك قوله : (ادع اللّه أن يعافيني)، فهو قد توسّل إلى اللّه تعالى بدعائه صلّى اللّه عليه وسلّم، لأنّه يعلم أنّ دعاءه صلّى اللّه عليه وسلّم أرجى للقبول عند اللّه بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التّوسّل بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو جاهه أو حقّه لما كان ثمّة حاجة إلى أن يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويطلب منه الدّعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربّه بأن يقول مثلا : (اللّهم إنّي أسألك بجاه نبيّك ومنزلته عندك أن تشفيني، وتجعلني بصيرا، ولكنّه لم يفعل، لماذا ؟ لأنّه عربيّ يفهم معنى التّوسل في لغة العرب حقّ الفهم، ويعرف أنّه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم المتوسّل به، بل لا بدّ أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصّلاح والعلم بالكتاب والسّنة، وطلب الدّعاء منه له..

ثانيا : أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعده بالدّعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : "إنّ شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك"، وهذا الأمر الثّاني هو ما أشار إليه صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث الّذي رواه عن ربّه تبارك وتعالى أنّه قال : (إذا ابتليت عبدي بحبيبته ـ أي عينيه ـ فصبر، عوّضته منهما الجنّة) ـ رواه البخاري عن أنس رضيّ اللّه عنه، وهو مخرّج في الصّحيحة (2010).

ثالثا : إصرار الأعمى على الدّعاء وهو قوله : "فادع" فهذا يقتضي أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم دَعَا لهُ، لأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم خير من وفىَ بما وعد، وقد وعده بالدّعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدّعاء وأصرّ عليه، فإذن لابدّ أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا له، فثبت المراد، وقد وجّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الأعمى بدافع من رحمته وبحرص منه على أن يستجيب اللّه تعالى دعاءه فيه، وجّهه إلى النّوع الثّاني من التّوسّل المشروع، وهو التّوسّل بالعمل الصّالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضّأ ويصلّي ركعتين ثمّ يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة للّه سبحانه وتعالى يقدّمها بين يدي دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم له وهي تدخل في قوله تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة)، كما سبق، وهكذا لم يكتف الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم بدعائه للأعمى الّذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة للّه سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملا من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرّضا من اللّه سبحانه وتعالى) (1)..إذن لا حجّة لمبيحي التّوسّل بحديث الأعمى لأنّ حديث الأعمى حجّة عليهم لا لهم، لأنّ مداره حول نوع من أنواع التّوسّل المشروع، وهذه الأنواع المشروعة هي :

أ ـ التّوسّل إلى اللّه عزّوجلّ باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العليا.
ب ـ التّوسّل للّه تعالى بعمل من الأعمال الصّالحة الّتي قام بها الدّاعي.
ج ـ التّوسّل إلى اللّه تعالى بدعاء الرّجل الصّالح الّذي يعتقد فيه الصّلاح والتّقوى، فالحديث فيه إشارة إلى النّوع الأخير من أنواع التّوسّل المشروع، وليس فيه دليل الجواز لا من قريب ولا من بعيد فلا حجّة "لابن باديس" رحمه اللّه في إباحة التّوسّل لا بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا بذوات غيره من الصّالحين والأتقياء، ولا حجّة لمن يتساهل مع "ابن باديس" رحمه اللّه في هذا الخطأ من النّاحية العلميّة، لأنّ دعوتنا السّلفية ضوابطها واضحة وخطوطها متينة وفحواها صلب، ومعاييرها منضبطة، لا تداهن لا هذا ولا ذاك، فالأخطاء تبيّن للنّاس حتّى لا ينخدع بها أحد أمّا السّرائر والنّوايا فلا يعلمها إلاّ اللّه تعالى، فالمحاسبة هنا علمية وليست حكما على النّاس أفي جنّة النّعيم هم أم في النّار لأنّ منهجنا ليس خارجيّا والعياذ باللّه، فالحذر الحذر من أن يشكّ شاك من أنّني أحكم على الشّيخ "ابن باديس" ـ أو غيره من المسلمين بعلمائهم وعوامهم ـ بأنّه في النّار من أجل خطأ مهما كان حجمه لأنّ هذه الأحكام ممّا لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى، ومع ذلك أقول إنّ مسألة التّوسّل ليست هيّنة وليست صغيرة، ولذلك اهتمّ بها علماء دعوتنا وعقدوا لها فصولا في كتبهم، وبيّنوا التّوسّل المشروع الّذي منه التّوجه للرّجل الصّالح ليدعو اللّه تعالى (وهذا جائز في الدّنيا والآخرة أن تأتي عند رجل صالح حيّ يجالسك ويسمع كلامك وتقول له ادع اللّه لي، كما كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسألونه في حياته، وأمّا بعد موته فحاشَا وكلاّ أنّهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السّلف على من قصد اللّه عند قبره، فكيف دعاؤه بنفسه صلّى اللّه عليه وسلّم)(2)، وممّا لا شكّ فيه أنّ المتوسّلين للّه تعالى بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فتحوا المجال لفعل ذلك ليس في دعائهم فحسب بل صاروا يتقصّدون قبره صلّى اللّه عليه وسلّم فيزيدون بذلك شركا على شرك والعياذ باللّه تعالى، لذلك كان على الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه أن يغلق الباب بإحكام ولا يفتح مجال جواز التّوسّل للّه بذات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأنّه زيادة على مجانبته الصّواب في هذه المسألة من حيث الاستدلال، فإنّه يعلم أنّ هذا الجواز يفضي إلى شركيّات أخرى منها، تقديس قبره عليه الصّلاة والسّلام وشدّ الرّحال إليه والقسم بشبّاكه كما هو معروف عند العوام الّذين يقسمون بقولهم (حقّ شّباك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم).. فالواجب يتطلّب من العلماء غلق هذا الباب المفضي إلى الشّرك وزجر من يفعل ذلك لإعلاء راية التّوحيد بحقّ ونشر العقيدة الصّافية بدون كدر يعتريها أو دخن يمرّ بها..
[line]
(1) قال الشّيخ "الألباني" رحمه اللّه في تخريج هذا الحديث : أخرجه في المسند [4/138]، ورواه التّرمذي [4/271 ـ 282] بشرح التّحفة وابن ماجه [1/418!5Dل والطّبراني في الكبير [3/2/2] والحاكم [1/313]، كلّهم من طريق عثمان بن عمر (شيخ أحمد فيه) : حدّثنا شعبة عن أبي جعفر المدني قال : سمعت عمارة بن خزيمة يحدّث عن عثمان به، وقال التّرمذي : "حسن صحيح غريب"، وفي ابن ماجه عقبة : قال أبو إسحاق : حديث صحيح ثمّ رواه أحمد : ثنا شعبة به، وفيه الرّواية الأخرى وتابعهُ محمّد بن جعفر ثنا شعبة به رواه الحاكم [1/519] وقال : صحيح الإسناد ووافقه الذّهبي، وقد أعلّه بعضهم كصاحب "صيانة الإنسان" وصاحب "تطهير الجنان ص 37" وغيرهما بأنّ في إسناده أبا جعفر، قال التّرمذي (لا أعرفه إلاّ من هذا الوحه من حديث أبي جعفر، وليس الخطمي) فقالوا هو إذن الرّازي، وهو صدوق ولكنّه سيء الحفظ، قلتُ (أي الشّيخ "الألباني" دائما) : ولكن هذا مرفوع بأنّ الصّواب أنّه الخطمي نفسه وهكذا نسبه أحمد رواية له [4/38] وسمّاه في أخرى (أبا جعفر المدني)، وكذلك سمّاه الحاكم..والخطمي هذا لا الرّازي هو المدني، وقد ورد هكذا في (المعجم الصّغير) للطّبراني وفي طبعة بُولاق من سنن التّرمذي أيضا، ويؤكّد ذلك بشكل قاطع أنّ الخطمي هذا هو الّذي يروي عن عمارة بن خزيمة ويروي عنه شعبة كما في إسناده هنا وهو صدوق، وعلى هذا فالإسناد جيّد لا شبهة فيه..
راجع هذا التّخريج في كتاب "التّوسل أنواعه وأحكامه" لعلاّمة العصر "الألباني" رحمه اللّه [ص 67 ـ 68].
[line]
(1) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير) [ص 42].
(2) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير) [ص 43].
(1) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير) [ص 45 و 46].
(2) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير) [ص 47].
(1) (وقفات مع كتاب للدّعاة فقط) ـ للشّيخ "محمّد بن سيف العجمي"..
(1) (التّوسل أنواعه وأحكامه) للشّيخ العلاّمة فقيد الأمّة "محمّد ناصر الدّ%E@ن/الألباني" رحمه اللّه [ص 68 ـ 69 ـ 70].
(2) كتاب (كشف الشّبهات في التّوحيد) للشّيخ العلاّمة مجدّد السّلفية في زمانه" محمّد بن عبد الوّهاب" رحمه اللّه، نقلا عن كتاب الجامع الفريد [ص 234]. منقول من الرد الوافي من ص 34 الي ص 41