النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: [حقيقة الإخلاص في العبادة وما يُنافيه]:لفضية الشيخ فالح الحربي-حفظه الله-شريط مفرغ...

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    المشاركات
    714

    [حقيقة الإخلاص في العبادة وما يُنافيه]:لفضية الشيخ فالح الحربي-حفظه الله-شريط مفرغ...


    حقيقة الإخلاص
    في العبادة وما ينافيه


    (شريط مفرغ)
    لفضيلة الشيخ العلامة
    فالح بن نافع بن فلاح الحربي
    -حفظه الله تعالى-


    تفريغ و إعداد:
    محمد بن أحمد الصميلي الجزائري
    -غفر الله له و لوالديه و للمسلمين و المسلمات-


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فبعون من الله و توفيقه، ألقى فضيلة الشيخ فالح بن نافع الحربي محاضرة في موضوع لا يستغني عنه كل مسلم ألا وهو حقيقة الإخلاص في العبادة وما ينافيه، وذلك في مسجد الأمير متعب بمدينة جدة، وقد قام بتسجيل هذه المحاضرة تسجيلات طيبة الإسلامية بالمدينة النبوية في يوم:25/من شهر ربيع الثاني منم عام 1412من الهجرة، قال الشيخ بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه:
    ...أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين طله، ولو كره المشركون، أما بعد:
    فمعشر الإخوة إنها لمناسبة طيبة و فرصة سعيدة (أبتهلها) فأشكركم على حظوركم لنتذاكر مع بعضنا فيما نرجوا الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يهدينا إلى مراشد أمورنا في حياتنا الدنيا و حياتنا الآخرة، الحديث كما سمعتم سيكون عن الإخلاص في عبادة الله، حقيقة الإخلاص في العبادة وما ينافيه، أي: ما ينافي الإخلاص، نحمد الله سبحانه وتعالى و نشكره و لا نكفره على هذه النعمة، هذه النعمة معشر الإخوة، نعمة الإسلام، والإيمان، والتوحيد، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالإخلاص، وأن يهبنا الإخلاص في عبادتنا، حتى تكون نافعة، مقربة إلى إليه سبحانه وتعالى، تقع على الوجه الذي يرضيه وينفعنا عنده، يوم لا ينفع مال و لا بنون، إنها والله لنعمة عظيمة، ولننظر معشر الإخوة إلى من حولنا في هذه المعمورة وهم لم يعرفوا ربهم، ولم يهدوا إلى سبيله على ظلالهم، أعطانا الله سبحانه وتعالى وحرمهم؟، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، ونحن ندعوا الله جل وعلا أن يهدي العالمين جميعا، ولا نملك ذلك، لا نملك الهداية كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملكها، ولم يعطى ملكها ومفاتيحها وفتح مغاليقها جل وعلا أحدا من خلقه، فنسأله سبحانه وتعالى أن يوزعنا شكر نعمته وحسن عبادته، وأن يثبتنا على الإسلام و على الإيمان وعقيدة التوحيد، حتى نلقاه سبحانه وتعالى ونلقاه بإخلاص وهو راض عناَّ.
    معشر الإخوة؛
    العبادة: هي ما خلق الله عز و جل لها الخلق، فالحكمة من خلق الجن والإنس أن يعبدوه سبحانه وتعالى ومعنى يعبدوه أي يوحدوه، قال سبحانه (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعلمون ما أريد منهم من رزق و ما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)) وقال سبحانه (( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)) ويقول سبحانه ((وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أن فاعبدون)) ويقول جل وعلا (( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين –إلى أن يقول-قل الله أعبد مخلصا له ديني)) ويقول سبحانه (( وما أمروا إلا ليعبدو الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة))، إذن فقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنس والجن لعبادته سبحانه وتعالى وحده، وهذا يدل على أهمية هذا الأمر، على أهمية العبادة وعلى محل العبادة عند الله سبحانه وتعالى، فكما أنه أوجد الخلق وخلقهم ووهبهم ما وهبهم من النعم، فإنه خلقهم لعبادته حتى يشكروا تلك النعم التي أحاطهم بها، والتي أعطاهم إياها، ولا يخفى أن الله سبحانه وتعالى قد كرمنا وفضلنا على العالمين وجعلنا هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، ولكن ولكن بشروط، حينما تلتزم ما رسم الله لها من منهج وما اختار لها من دين فلا يحيد عنه يمنة ولا يسرة، ((وأنا هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ))، ((ذلك وصاكم به لعلكم تتقون)) إذن فكما أن الله سبحانه وتعالى قد هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فإنه قد سد علينا جميع الأبواب، وأوصد كل المداخل إلا الصراط الذي أرسل به نبيه صلى الله عليه وسلم، بأن تتبع رسوله ونتمسك بما جاء به من كتاب وسنة، ولسنا بحاجة إلى غيرهما في ديننا، {اليوم أكملت لكم دينكم}.
    والعبادة معشر الإخوة؛ عرفها العلماء بتعريفات كثيرة وأحسن تلك التعريفات ما عرفها به شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في كتابه:"العبودية" وفي غير هذا الكتاب من كتبه-رحمه الله – التي كلها كتب هُدى وفيها من العلم، وفيها من الخير، وفيها من الفقه شيء كثير، المغبون من لم يتتلمذ على هذه الكتب ويرجع إلى هذا الحبر، فينهل من علمه، لا ندعي له العصمة، ولكن كتبه كتب عظيمة عرف قيمتها العلماء، فرجعوا إليها وتتلمذوا عليها، وكلنا تلاميذ وطلاب علم، وطلاب حق، وأولئك أئمتنا إن لم نرجع إلى كتبهم فلن نستطيع أن نسلك ذلكم الطريق، طريق الهدى الذي سلكوه، يقول –رحمه الله-" العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال و الأعمال الظاهرة والباطنة"، لابد من أن تربط بما يحبه الله، والله سبحانه و تعالى لا يحب إلاَّ ما شرع في كتابه وما شرعه في سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبالمناسبة فقد قرأة قبل أيام ردا لأخ فاضل على أحد الناس وعرف العبادة بتعريف أدهشني، ووددت أن هذا التعريف لم ينتشر بين المسلمين، وهذا البلد بخاصة، لأن أهل هذا البلد و الحمد لله هم أقرب الناس إلى السنة وأبعدهم عن البدعة، وإن دخل عليهم الدخيل، ووفد إليهم الوافد الذي غيَّر وبدَّل فيما عليه، وأيضا ففي بلاد المسلمين و بلاد الله الواسعة من ولله الحمد يتمسكون بالكتاب و السنة، ويتمسكون بهما و يعضون عليها بالنواجذ، ربما تكونون معشر الإخوة قد قرأتم ذلكم التعريف للعبادة من ذلكم الأخ الفاضل –وفقنا الله وإياه و سددنا و إياه- وكلنا ذلكم الرجل يَرُدُ و يُرَدُ عليه، وإيَّايَّ وإيَّاكُم أن نفهم إذا رَدَّ أخ على أخيه، أنه انتقص منه، وأنه إذا تراجع على خطئه إلى الصواب-إذا كان خطأ- أن ذلك ينقص من قيمته-أبدا والله- هذا هو الأدب الذي أدبنا ربنا وأدبنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وصارت عليه الأمة حتى قال الإمام مالك-رحمه الله- ما قال، وقد اثر عن أئمة الهدى رحمهم الله شيء كثير؛ في هذا يقول الأخ في تعريفه للعبادة، بنص كلماته حسب ما قرأتها و نَقَلتُهَا من رَدِّهِ: " إن مفهوم العبادة في الدين الإسلامي أنها كل قول و عمل ظاهر أو باطن يُتقرب به إلى الله تعالى كما قال سبحانه(( قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )) فالعبادة-وهذا من كلامه-يقول: -وفقه الله- (( فالعبادة تشمل النشاط الإنساني بكل ما فيه –بكل ما فيه- فلا يخلوا شيئ منه عن الأحكام الخمسة حتى المباح يمكن أن يصبح قربة و مأجور عليه بالنية الصالحة)) اهـ ، والملاحظ على هذا التعريف أن الأخ لم يقيد العبادة بالسنة و لم يخرج البدعة وإنما أناطها بقربة العبد، والعبد قد يتقرب بالبدعة، فإذا تقرب بشيء لم تكن عليه السنة ، يكون قد تقرب ببدعة، وتقربه بها يجعلها عبادة ولا يجعلها قربة، و لا يجعلها سنة، أيضا يقول أو أجمل في الاستدلال بالآية: ((قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )) وليس الإجمال في هذه الآية عند هذا الأخ فحسب، ولكن كثيرا ما نسمع الاستدلال بها على العبادة بهذا الإجمال، وهذا الإطلاق و أن محي الإنسان وممات الإنسان كذلك عبادة! يقصدون بها العبادة! أي: القربة، العبادة التي عرفها شيخ الإسلام كما سمعنا؛ والحقيقة أن هذه الآية يحتاج إلى تفصيل، والحقيقة أن هذه الآية تحتاج إلى تفصيل معشر الإخوة، فيها توحيد العبادة، وفيها توحيد الربوبية، وفيها ما هو لله استحقاق وهو: (المحي و الممات)، فالله هو الذي خلق وهو الذي أحيا، وهو الذي يملك الحياة، وهو الذي يُميت سبحانه وتعالى، إذن (إن صلاتي ونسكي) هذه العبادة كما أن هي ملك لله و هي استحقاق لله، كما أن محياي ومماتي ملك له لا شريك له في ذلك، فكذلك عبادتي صلاتي نسكي استحقاق له لا شريك له في ذلك، على هذا الأساس نفهم معشر الإخوة؛ ناهيك عن ما أشار إليه الأخ أو ما قاله بصريح العبارة وهو قوله: (( العبادة تشمل النشاط الإنساني بكل ما فيه فلا يخلو شيء منه عن الأحكام الخمسة )) –النشاط الإنساني!!!- لو قلت نشاط المسلم، المؤمن، العابد، على وفق كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، ثم أدخلت المباح أو العادات إذا دخلت فيها النية فهذا صواب وصحيح، لكن نقول أنها تشمل النشاط الإنساني! و لم تقيده بنشاط المسلم الذي يتقرب إلى الله سبحانه و تعالى، ولم يقيد أيضا التعريف في بادئ بدئ ؟، أو في نهايته كما قيدت بالنية الصالحة أو ما يوافق شرع الله، وهنا ننتبه معشر الإخوة و لعل الأخ يطلع على هذا أيضا و يُصلح هذا التعريف.
    لا نزال معشر الإخوة في هذه العبادة العظيمة التي نتحدث عن الإخلاص فيها، يقول شيخ الإسلام-رحمه الله- ذلك الإمام الرباني وهو من أساتذتنا الذين نتتلمذ على أيديهم بل على كتبهم، ممن كانوا قبله و بعده متن أئمة الهدى الذين يهدون بأمر الله سبحانه و تعالى، ولا يقدمون بين يدي الله و رسوله، يقول –رحمه الله- في كتابه العظيم "الوصية الصغرى": (( ينبوع الخير و أصله إخلاص العبد لربه عبادة و استعانة كما قال تعالى{إياك نعبد وإياك نستعين} وفي قوله{فاعبده و توكل عليه} وفي قوله{عليه توكلت و إليه أنيب} وفي قوله{فابتغوا عند الله الرزق و اعبدوه و اشكروا له} بحيث يقطع العبد تعلق قلبه من المخلوقين انتفاعا بهم أو عملا لأجلهم، ويجعل همته ربه تعالى ، وذلك بملازمة الدعاء له في كل مطلوب من فاقة و حاجة ومخافة و غير ذلك، والعمل له بكل محبوب، ومن أحكم هذا فلا يمكن أن يوصف ما يعقبه ذلك))، ويقول - رحمه الله- في كتابه "العبودية" :(( وجُمَّاعُ الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله، ولا نعبدهُ إلاَّ بما شرع لا نعبده بالبدع كما قال تعالى{فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا} وذلك تحقيق الشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة أن محمد رسول الله ، ففي الأول أن نعبد إلاَّ إياه، وفي الثانية أن محمدا هو رسوله المبلغ عنه، فعلينا أن نصدق خبره و نطيع أمره، وبيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نعبدُ الله بهِ ، ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة قال تعالى-يشير إلى قوله كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار-قال الله تعالى{بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليه و لا هم يحزنون}كما أننا مأمورون أن لا نخاف إلاَّ الله ، ولا نتوكل إلا على الله، ولا نرغب إلا إلى الله، و لا نستعين إلاَّ بالله وأن لا تكون عبادتنا إلاَّ لله، فكذلك نحن مأمورون أن نتبع الرسول ونطيعه صلى الله عليه وسلم و نتأسى به)) .
    في الآية السابقة {فليعمل عملا صالحا} العمل الصالح إخواني في الله إذا وُجد معه الإخلاص فإنه يكون سببا في الخير للمؤمن وسببا في الجنات، جنات الفردوس، قال تعالى{ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا} وقال{ونُودُوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} أي: بسبب ما كنتم تعملون، وقال{إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة و لا يضلمون شيء، جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب، إنه كان وعْدُهُ مأتيا}.
    وقال صاحب أضواء البيان-رحمه الله- محمد الأمين الشنقيطي: (( فإن قيل هذه الآيات فيها الدلالة على أن طاعة الله بالإيمان و العمل الصالح سببا في دخول الجنة و لكن الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم [قال]: لن يُدْخِلَ أحَدُكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلاَّ أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل] فيرد إشكال على ذلك، فالجواب: أنَّ العمل لا يكون سببا لدخول الجنة إلاَّ إذا كان تقبله الله، وتقبله منه فضل سبحانه، فالفعل الذي سبب لدخول الجنة هو الذي تقبله الله بفضله، وغيره من الأعمال لا يكون سببا في دخول الجنة))، العمل الصالح هو الخالص الصواب، كما فسره بذلك الفضيل بن عياض عند قوله سبحانه و تعالى:{الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} قال: هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا و لم يكن صوابا لم يقبل، و إذا كان صوابا و لم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله و الصواب أن يكون على السنة، ثم قرأ قوله تعالى{ فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا}.
    لا يكون أيضا العمل صالحا حتى مع وجود الإخلاص إلاَّ بشرطين أساسيين:
    * الشرط الأول: أن يكون مطابقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق في قول الفضيل، فإذا خالف العمل ما جاء به صلى الله عليه وسلم، فليس بصالح بل هو باطلٌ و طالحٌ، وقد قال الله تعالى{أم لهم شركاء شرع لهم من الدين ما لام يأذن به الله}، وقال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
    * أما الشرط الثاني: فهو أن يكون العمل مبني على أساس الإيمان و العقيدة الصحيحة قال الله تعالى{من عما صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فجعل الإيمان قيدا في صلاح العمل، وبين مفهوم هذا القيد في آيات كثيرة كقوله في أعمال غير المؤمنين{ وقَدِمْنَا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا } وقوله{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} وكقوله سبحانه{مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء}.
    أما الإخلاص معشر الإخوة؛ فهو الإخلاص في النية (إنما الأعمال بالنيات و إنما كل امرئ ما نوى ) ولكنه شيء أخص من النية، مثل: الخشوع في الصلاة هو أخص من الصلاة، قد يصلي المصلي و لا يخشع، وقد ينوي الذي يتقرب إلى الله –وكلامنا معشر الإخوة هو في القربة إلى الله وكلامنا في العبادة – ولكنه لا يخلص، ولكن يدخل إخلاصه إذا أخلص أيضا ما ينافيه، وهذا له حديث، يقول عن الإخلاص و أنه أساس الدين أستاذنا الآخر –رحمه الله- وهو الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في كتابه العظيم"القول السديد في مقاصد التوحيد": (( الإخلاص لله أساس الدين، و روح التوحيد و العبادة، و هو: أن يقصد العبد كله وجه الله، و ثوابه، و فضله، فيقوم بأصول الإيمان الستة، و شرائع الإسلام الخمس، وحقائق الإيمان التي هي الإحسان، -والحقيقة أن الإخلاص من الإحسان أو هو الإحسان، فمن أخلص فقد أحسن- [ويقوم] بحقوق الله، وحقوق عباه، مكملا لها، قاصدا بها وجه الله و الدار الآخرة، لا يريد بذلك رياء، و لا سمعة، و لا رياسة، ولا دنيا، وبذلك يتم إيمانه و توحيده. ومن أعظم ما ينافي هذا مراءاة الناس و العمل لأجل مدحهم و تعظيمهم، أو العمل لأجل الدنيا، فهذا يقدح في الإخلاص و التوحيد، واعلم أن الرياء فيه تفصيل: فإن كان الحامل للعبد على العمل قصد مراءاة الناس و استمر على هذا القصد الفاسد فعمله حابط، و عمله شرك أصغر و يخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر –يعني يكون مفتاحا و طريقا للشرك الأكبر-، وإن كان الحامل [للعبد] على العمل إرادة وجه الله مع إرادة مراءاة الناس، و لم يقلع عن الرياء بعمله فظاهر النصوص أيضا بطلان هذا العمل. وإن كان الحامل للعبد على العمل وجه الله سبحانه و تعالى، ولكن عرض له ذلك، فإن دفعه وخَلُصَ إخلاصه لله لم يضره، وإن وإن ساكنه و اطمأن إليه نقص [عمله] و حصل لصاحبه من ضعف الإيمان و الإخلاص بحسب ما قام في قلبه من الرياء، وتقاوم العمل لله و ما خالطه من شائبة الرياء. والرياء آفة عظيمة ويحتاج إلى علاج شديد، و تمرين النفس على الإخلاص و مجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء و الأغراض الضارة، و الاستعانة بالله على دفعها؛ لعل الله يخلص إيمان العبد و يحقق توحيده-لأنه لا حولا و لا قوة إلا بالله ومن الإخلاص أن يلجأ العبد إلى الله سبحانه وتعالى في كل شؤونه- وأمَّا العمل لأجل الدنيا و تحصيل أغراضها: فإن كانت إرادت العبد كلها لهذا المقصد ولم يكن له إرادة لوجه الله و الدار الآخرة، فهذا ليس له في الآخرة من نصيب.- يعني أرادته إنما هذا العمل، فلا يقصد وجه الله و لا يريد وجه الله لما يتقرب به إلى الله، فإن هذا ليس له في الآخرة من نصيب- وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن، فإن المؤمن و لو كان ضعيف الإيمان لا بد أن يريد الله و الدار الآخرة. وأمَّا من عمل العمل لوجه الله و لأجل الدنيا، و القصدان متساويان أو متقاربان، فهذا و إن كان مؤمنا فإنه ناقص الإيمان و التوحيد و الإخلاص، وعمله ناقص لفقده كمال الإخلاص. و أمَّا من عمل لله وحده و أخلص في عمله إخلاصا تاما و لكنه يأخذ على عمله جعلا ومعلوما يستعين به على العمل و الدين، كالجعلات التي تجعل على أعمال الخير و كالمجاهد الذي يترتب مقابل على جهاده من الغنيمة-يعني لا يظهر إخلاص العبد-...)) .
    فإذا معشر الإخوة؛ الإخلاص أمر مهم و مطلوب لله سبحانه ولا تكون الأعمال نافعة تامة الأجر و الثواب واقعة موقعها كما أمر الله و كما أمر يُريد الله سبحانه وتعالى إلاَّ بالإخلاص، ويجد المسلم بذلك حلاوة الإيمان، وطعم العبادة، وتكون العبادة حينئذ للمسلم جنَّة و تكون مؤنسة و لعلكم تذكرون تلكم الكلمة التي قالها و أطلقها شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- وهو يُعذَّب وهو يؤذى في ذات الله سبحانه وتعالى حين قال: (( ما يصنع بي أعدائي إن جنتي في صدري لا تفارقني، فسجني خلوة بربي، وإخراجي من بلدي سياحة، وقتلي شهادة)) هذه الجنة يجدها المخلصون- نرجوا الله أن يكون كذلك و لا نزكي على الله أحدا- وتجلى بسببها له و لأصحابه في السجن ما يعجب له ما هو من العجب العجاب، رجل مسجون و أصحابه كما يذكر ذلك ابن القيم و غيره، وتلاميذه طلقاء خارج السجن تضيق عليهم الأرض بما رحبت في خارج السجن، فإذا جاءوه في السجن اتسعت عليهم لما يجدون من انبساطه –رحمه الله- من الإخلاص لله-نرجوا ذلك- فوسع عليه ووجد جنة في صدره و كما قال بعض العلماء: (( من لم يطعم جنة الدنيا لا يطعم الآخرة)) ولذلك يقول هو أيضا-رحمه الله-: (( فإنَّ المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه لمحبة غيره إذ ليس عند القلب السليم أحلى و لا ألذ و لا أطيب و لا ألين و لا أنعمَ من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله سبحانه و تعالى ومحبته له، وإخلاصه ألين كله لله سبحانه وتعالى، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب منيبا إلى الله خائفا منه، راغبا راهبا كما قال تعالى{ من خشي الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب} إذْ المحب يخاف من زوال [محبوبه] وعدم حصول مرغوبه، فلا يكون عبد الله و محبه إلاَّ من خوف و رجاء، قال تعالى{أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب؟، يرجون رحمته و يخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} وإذا كان العبد مخلصا لله اجتباه ربه فأحيا قلبه-هذه معشر الإخوة من ثمرات الإخلاص، إذا أخلص العبد يحصل له هذا ، ويحصل له ما لا يخطر له ببال ، ويقول رحمه الله :-فأحيا قلبه واجتذبه إليه، وينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء و الفحشاء – ينصرف عنه يعني يصرف عنه الله سبحانه وتعالى أو يصرف الله عنه السوء- ... وعبدا لهلكان ذلك عيبا و نقصا و ذما، وتارة يجذبه الشرف و الرئاسة فترضيه الكلمة، وتغضبه الكلمة، ويستعبده من يثني عليه و لو بالباطل، ويعادي من يذمه و لو بالحق، وتارة يستعبده الدرهم و الدنيا و أمثال ذلك من الأمور التي تستعبد القلوب، والقلوب تهواها، فتنجذب إليها وتألهها ويتبع هواه بغير هدى من الله، ومن لم يكن محبا لله خالصا عبدا له، قد صار قلبه معبدا لله وحده لا شريك له، بحيث يكون الله أحبَ إليه من كل ما سواه ، ويكون ذليلا له خاضعا، استعبدته الكائنات و استولت على قلبه الشياطين و كان من العاوين إخوان الشياطين، وصار فيه من السوء و الفحشاء ما لا يعلمه إلاَّ الله، وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه، فالقلب إن لم يكن حنيفا مقبلا على الله معرضا عما سواه وإلاَّ كان مشركا {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم و لكن أكثر الناس لا يعلمون})) أمَّا الشرك فهو معشر الإخوة يُنافي الإخلاص، بل ينافي التوحيد إن كان شركا أكبر ، وإن كان شركا أصغر فإنه يُنافي الإخلاص و هو من كبائر الذنوب بعد الشرك بالله، والمصنفون الذين يصنفون في الكبائر يجعلونه في المرتبة الثالثة، فابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر" جعله في المرتبة الثانية و هكذا من يصنف في الكبائر يأتي بالشرك هذا الأصغر بعد الشرك الأكبر، يقول سبحانه وتعالى{فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا} عامة أهل العلم بالتأويل و التفسير على أن المقصود بالشرك هنا الرياء، الرياء في العبادة، يرائي الناس في عمله، لأن العمل بعبادة الله من أجل الناس من نوع الشرك، وقد جاءت أحاديث مرفوعة أن سبب نزولها محبة العامل أن يطلع الناس على عمله فيحمدوه و يمدحوه ، ولما ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم[إذا جمع الله الأولين و الآخرين ليوم لا ريب فيه ناد مناد، من كان أشرك في عمله لله أحد، فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك] وما جاء في حديث أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- أنَّ رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : أرأيت رجلا غزى يلتمس الأجر و الذكر ما له، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا شيء، فأعادها عليه ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاشيء ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنَّ الله لا يقبل من العمل إلاَّ ما كان له خالصا و ابتغي به وجهه، جاء في ذلك حديث محمود ابن لبيب قال خرج النبي صلى الله عليه و سلم فقال، يا أيها الناس، إياكم و شرك السرائر، قالوا يا رسول الله و ما شرك السرائر؟ قال: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه؛ وعن شداد بن أوس قال: كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر؛ وعن أبي سعيد الخذري – رضي الله عنه- قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم و نحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عندي من المشيح الدجال، قلنا: بلى ! فقال رسول الله: الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه، وروى البخاري و مسلم في صحيحيهما عن جندب بن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سَمَّعَ سَمَّعَ الله به، ومعناه من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة و فضحه على رؤوس الخلائق كما جاء عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سُمعة و رياء إلاَّ سَمَّعَ الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة ] ، ويقول صلى الله عليه و سلم : [يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته و شركه] قال الشيخ الفوزان-حفظه اله- في كتابه: " الضياء اللامع من الأحاديث القدسية الجوامع" : (( هذا حديث عظيم يرسم للمسلم الطريق الصحيح في أداء العمل و ذلك بأن يكون عملا صالحا لوجهه، ليس فيه شائبة شرك ظاهر و لا خفي، ويبين خطورة الشرك و أنه لا يقبل معه عمل، لأن الله قال لا يقبل إلاَّ ما كان خالصا لوجهه الكريم، فمن صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله،كأن يدعوا غير الله أو يذبح أو ينذر له، فهذا الشرك ظاهر و هو شرك أكبر مخرج من الملة، ومن قصد بعمله مع الله غيره، فهذا هو الشرك في النية، وهو الرياء المذموم، وهو الشرك الخفي الذي حذر منه صلى الله عليه و سلم في أحاديث كثيرة و توعد الله المرائي بقوله تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون و يمنعون الماعون} و الرياء من صفات المنافقين، قال تعالى{إنَّ المنافقين يُخادعون الله و هو خادعهم؟، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسال يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلاَّ قليل} وقوله تعالى في هذا الحديث [ أنا أغنى الشركاء عن الشرك] معناه أنه لمَّا كان المُراءِ قاصدا بعمله الله تعالى و قاصدا معه غيره كان قد جعل الله شريكا، والله تعالى هو الغني على الإطلاق وجميع الخلق محتجون إليه، لغناه التام عن ذلك و كماله المطلق، والشرك تنقص لكما له لأن فيه مساواة المخلوق للخالق، والناقص الفقير بالكامل الغني، وقوله[أنا أغنى الشركاء] ليس هو من باب التفضيل بمعنى أنَّ الشركاء أغنياء و هو أكثر منهم غنى، بل هو الغني وحده والشركاء كلهم فقراء محتجون إليه كما قال تعالى{يا أيها الناس أنتم الفقراء و الله هو الغني الحميد} وقد تقع المفاضلة بين شيئين و إن كان أحدهم لا فضل فيه كما في قوله تعالى{آلله خيرٌ أم ما يشركون} قوله{أصحاب الجنة يومئذ خيرٌ مستقرا وأحسن مقيلا} ومعنى قوله[ من عمل عملا أشرك معي فيه غيري] أي: قصد بعمله أحد، [تركته و شركه] أي: لم أقبل منه ذلك العمل، وفي رواية عند ابن ماجه و غيره، [فأنا بريء منه وهو للذي أشرك]ومعناه: بطلان ذلك العمل و تأثيم ذلك العامل و توعده)).
    قال ابن رجب-رحمه الله- في كتابه " جامع العلوم و الحكم": (( العمل لغير الله أقسام: فتارة يكونُُ رياء محضا و بحيث لا يُراد به سوى مراءات المخلوقين ولغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم كما قال الله عز وجل{يراؤون الناس و لا يذكرون الله إلاَّ قليل} وقال تعالى{فويل للمصلين} وكذلك وصف الكفار بالرياء، فقال: {و لا تكونُوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا و رئاء الناس } وهذا الرياء المحض، لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة و الصيام وقد يصدق في الصدقة الواجبة أو الحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها فإنَّ الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط و أنَّ صاحبه يستحق المقت من الله تعالى و العقوبة، وتارة يكون العمل لله و يشاركه الرياء فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه و حبوطه أيضا-ثم ذكر رحمه الله تلك النصوص وقال بعد ذلك:- وممن روى عنه هذا المعنى و أن العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلا طائفة من السلف منهم عبادة بن صامت و أبو الدرداء و الحسن و سعيد بن المسيب و لا نعرف عن السلف في هذا خلاف، وإن كان خلاف عند بعض المتأخرين، فإن خالط نية الجهاد-مثلا- بنية غير الرياء مثل أخذ أجرة للخدمة و أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجرها وحهاده ولم يبطل بالكلية، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال[ إنَّ الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم، فإن لم يغنموا شيء تمَّ أجرهم]- وقد ذكر –رحمه الله- أحاديث فيما تقدم أن فيمن أراد بجهاده الجهاد للدنيا قال الإمام أحمد " أنه لا أجر له" وهي محمولة على أنه لم يقصد في جهاده إلاَّ الدنيا، ثم قال:- قال الإمام أحمد: المتاجر و المستأجر و المكاري جاهد بنفسه و ماله لا يخلط به غيره، وقال أيضا: فيمن يأخذ جعلا على الجهاد، إذا لم يخرج لأجل الدراهم فلا بأس أن يأخذ، يعني يقصد الجهاد لأجل الجهاد، فإذا صاحبه ذلك نية أنه إذا تفضل الله بغنيمة فأخذها و لكن الأصل هو الجهاد فهذا هو الذي يقول: لا بأس به، كأنه خرج يقول لدينه ، فإن أُعطي شيء أخذه ؛ وكذا رُوي عن عبد الله بن عمر قال:[ إذا جمع أحدكم على غزو فعوضه على الغزو، فعوضه الله رزقا فلا بأس بذلك، وأما إن أُعطي درهما غزى و إن منع درهما مكث، فلا خير في ذلك ] )) .
    معشر الإخوة؛ الإخلاص لُبُّ العبادة و روحها، وبدون إخلاص فإن العبادة قد فقدت روحها، ناهيك عن ما ينال العبد من الإثم و العقوبة على رياءه إن دخل الرياء في العبادة فإن الرياء إذا دخل أفسد الإخلاص، فإذا لم يخلص العبد و لكن لم يدخل الرياء كان الأمر أهون، ولكن أشد و أعظم إذا دخل الرياء، لأنَّ الشرك و إن كان صغيرا، و إن كان أصغر، فإنه أمر عظيم و هو من أعظم العظائم و الذنوب الكبائر، و قد سمعنا من الأدلة و النصوص التي تبين لنا مبلغ خطورة هذا العمل و أن مدافعة الرياء أمرٌ شاق، و قد قال السلف وكثير منهم، منهم سهل التستري-رحمه الله- وغيره من الأئمة أنَّ مدافعة الرياء من أشق الأشياء، فأمر كهذا و ضرره بالغ الخطورة كما ررأينا و سمعنا، حقيقٌ أو يستحق منَّا معشر الإخوة؛ ونحن الذين نرجوا الله و اليوم الآخرة، والذين في هذه الحياة رأس مالنا و ما تقوم عليه سعادتنا في دُنيانا و أُخرانا، ه عبادة ربنا و الإخلاص في هذه العبادة لله سبحانه و تعالى.
    أردتُ معشر الإخوة؛ بما سمعتم وما نقلناه عن هؤلاء الأئمة –رحمهم الله-وهم من هم، عرفوا الله سبحانه وتعالى حق المعرفة و جردوا له التوحيد، واهتموا له كل الاهتمام بهذا الجانب العظيم بجانب الإخلاص، لعظم أهميته ذكرتُ لكم أقوالهم إلى ما استندوا عليه من نصوص الكتاب و السنة لأستشعر ولأشعركم، ولأنبه نفسي و أنبهكم معشر الإخوة إلى أهمية الإخلاص و إلى خطورة الرياء، حتى نعالج أنفسنا و حتى نحذر من هذا الداء العضال ومن هذا المرض الخطير، نسأل الله سبحانه و تعالى أن يوفقنا و أن يهدينا سواء السبيل، وليحذر إخوتنا الذين لا يلتزمون الكتاب و السنة وربما انتسبوا إلى بعض الجماعات الوافدة وإلى مناهج مبتدعة ليحذر هؤلاء خطورة ذلك و أنه مما يُنافي الإخلاص، والأدلة التي سمعناها تدل عليه، وقد قال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- أنهم (...) الحمد لله، أقول: معشر الإخوة أن كون المسلم ينتسب إلى جماعات أو إلى مناهج أو أفكار وافدة ذلك في الحقيقة من منافيات الإخلاص لأننا كما سمعنا الإخلاص أن يتمسك المسلم بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ويعمل مخلصا لله جل و علا ، أمَّا إذا اجتمع سبلا و طرقا و منهجا و هو يرى أنه في ذلك طاعة الله، فإن ذلك ليس بطاعة الله سبحانه و تعالى وأن ذلك مما يفرق قلوب المؤمنين، وقد جاء هذا الإسلام لجمع الكلمة و لتكون جماعة المسلمين جماعة واحدة ،[قال تعالى]" وأنَّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" فمن مطالب الإسلام العظيمة ومن مقاصده ومن أسسه و أصوله أن يجتمع أهل الإسلام، ولا يمكن أن يجتمعوا إلاَّ على السُنَّة ؛ وعلى كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، البدعة و المناهج التي لا تتفق مع كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم تفرق و لا تجمع و لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (( البدعة مقرونة بالفرقة و السنة مقرونة بالجماعة، ولهذا يُقال أهل السنة و الجماعة كما يُقال أهل البدعة و الفرقة)) وشيخ الإسلام كما أشرت محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- وهو يتكلم عن الدعوة و أنه يدخل فيها أيضا الإخلاص لأنها مهمة الرسل و الإخلاص مطلوب فيها، فإذا ما كان المسلم يأخذ نظامه و يأخذ كل توجيهاته و يأخذ ما يدعوا به و يأخذ طريقته التي يسير عليها من الكتاب و السُنَّة ، ويُلص لذلك و يتقرب به إليه، فإنَّ هذا غير مخلص لا شك في ذلك،و لذلك يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في كتابه التوحيد، والمسألة الثانية في باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله: (( المسألة الثانية: التنبيه على الإخلاص لأنَّ كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه))، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في أحد كتبه يقول –رحمه الله- : (( كيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل له في كتاب الله و لا سنة رسوله صلى الله عليه و سلم))، وقال في "قاعدة عظيمة": (( وأنفع ما للإنسان الاعتصام بالكتاب و السنة، فإنَّ السُنَّة مثل سفينة نوح، من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق )) ويقول –رحمه الله- في : "الوصية الكبرى" والنقل الأول هو من الوصية الكبرى تذكرت ذلك، قال: (( و قد روينا عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- فقال: أنت على مِلَّة علي أو على مِلَّة عثمان؟ فقال: لست على ملة علي و لا على ملة عثمان، بل على ملة رسول الله صلى الله عليه و سلم، وكذلك كان كلٌ من السلف –هكذا يقول ابن تيمية رحمه الله و الكلام له- يقولون هذه الأهواء في النار، ويقول أحدهم: ما أبالي أيُّ النعمتين أعظم عليَّ أن هداني الله للإسلام أو أن جنبني هذه الأهواء، والله قد سمانا في القرآن المسلمين المؤمنين، عباد الله فلا نعدل عن الأسماء التي سمَّنا الله بها إلى أسماء أحدثها قومٌ و سموها هم وآبائهم ما أنزل الله بها من سلطان )).
    أسأل الله أن يَمُنَّ علينا بالإخلاص وأن يجعلنا هداة مهتدين ، وصلى الله و سلم على عبده و رسوله محمد، والله أعلم.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد الصميلي ; 05-25-2005 الساعة 05:55 PM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    المشاركات
    714
    يرجى تخريج الأيات فإني كنت على عجل في كتابته ...
    و الله المستعان.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    المشاركات
    629
    جزاك الله خيرا
    قال ابن عباس رضي الله عنه :"يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال ابو بكر وعمر"
    تعقيب الشيخ بن باز رحمه الله :" اذا كان من خالف السنة لقول ابو بكر وعمر- رضي الله عنهما - تخشى عليه العقوبة فكيف بحال من خالفها لقول من دونهما أو لمجرد رأيه واجتهاده
    "



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    ////
    المشاركات
    342
    أرجوا اضافته للمكتبة ونسخة لموقع الشيخ :
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    المشاركات
    714
    جزاك الله خيرا أخي اليبي ولو تعدل الملف وتخرج الأحدديث والآيات لكان أفضل وبارك الله فيك،
    أخي / أبو سفيان وإياكم.

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •