الشيخ سعد بن حمد بن عتيق

الشيخ الزاهد سعد بن حمد بن على بن محمد بن عتيق بن راشد بن حميضة.
كانت مساكنهم الأولى في الزلفى فعين والده قاضيا في الأفلاج فاستقر فيه واتخذه له موطنا ثم نقل والده إلى قضاء حوطة سدير فولد المترجم له في بلدة الحلوة إحدى القرى المؤلف منها حوطة سدير سنة 1279هـ تقريبا ونشأ فيها، فشرع في القراءة على والده فلما أدرك في التوحيد والتفسير والحديث والفقه والنحو رغب في الزيادة فسافر إلى الهند فقرأ على محدت الهند الشيخ نذير حسين الدهلوي والشيخ العلامة المحقق صديق حسن خان القنوجي والشيخ شريف حسين والشيخ محمد بشير السندى والشيخ سلامة الله الهندي والشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخز رجي اليماني نزل الهند وهؤلاء العلماء كلهم محققون في العقيدة محدثون مفسرون، فأقام يقرأ على هؤلاء المحدثين المفسرين المحققين في الهند تسع سنين حتى استفاد منهم فائدة كبرى فأجازوه وأثنوا عليه ثناء عطرا، ثم توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج فوجد فيها المحدث الكبير العلامة الشيخ شعيب ابن عبد الرحمن الدكالى المغربي والشيخ الفقيه العلامة أحمد إبراهيم ابن عيسى النجدي والشيخ محمد سليمان حسب الله الهندي والشيخ السيد عبد الله بن محمد بن صالح الزواوي والشيخ أحمد أبو الخيور.
وبانكبابه على القراءة والاستفادة من هؤلاء العلماء الكبار من النجديين والحجازيين والهنديين بلغ في العلم مبلغا كبيرا وصار من عداد كبار العلماء المشار إليهم بالبنان كما ورث عن والده الغيرة الشديدة في الدين والصلابة في العقيدة فاشتهر بسعة العلم والتقي وجد واجتهد في نشر الدعوة السلفية، حتى نفع الله باجتهاده وبركة دعوته خلقا كثيرا.
وبعد عودته إلى البلاد الأفلاج عينه الإمام عبد الله الفيصل آل سعود في قضاء الأفلاج مكان والده في القضاء، ثم استولى الأمير محمد ابن رشيد على نجد فاقره على عمله فاستمر قاضيا حتى فتح الملك عبد العزيز آل سعود الرياض عام 1319هـ واستولى على الأفلاج فنقله من قضاء الأفلاج إلى الرياض وجعله قاضيا في جميع قضايا البادية القريبة من الرياض أو القادمة إليه وجميع الدماء من القتل فما دونه من أنواع الجراحات واختار لتقدير الشجاج في الرأس التي دون الموضحة وهي الخمس التي لا تقدير فيها من الشرع بل حكومة طريقة حسنة.
قال رحمه الله في وصف طريقته: ( وأما ما سألت عن عادتنا في تقدير حكومة الشجاج التي دون الموضحة فالجواب: غير خاف عليك حقيقة الحكومة وكيفيتها ونحن في الغالب ما نعتبر الحكومة لكن نتحرى ما تأخذ الجناية من اللحم الحاصل بين البشرة وبين العظم أعنى حد الموضحة ثم نعرف نسبة ما أخذته الجناية من اللحم إلى ارش الجناية وهو نصف عشر الدية، فإذا عرفنا أن الجناية أخذت ثلث ما بين البشرة إلى حد الموضحة ففيها ثلث ارش الموضحة، وهكذا وهذا ذكره بعض العلماء وهو حسن لكنه يحتاج إلى عارف بصير بالجراحات ولكن إذا علم الله من العبد تحرى العدل والإنصاف فالله يغفر له).
كما عينه الملك عبد العزيز إمام في جامع الرياض الكبير وفي هذا المسجد الواسع عقد له حلقتين للتدريس إحداهما بعد طلوع الشمس حتى امتداد النهار والثانية بعد صلاة الظهر.
وكان حريصا على ما يلقيه من الدروس شديد التثبت لمعني ما يقرأ عليه فلا يلقي درسه ولا يسمعه من الطالب حتى يراجع عليه شروحه وحواشيه وما قاله العلماء عليه وضبطه لغة ونحوا وصرفا حتى يحرر الدرس تحريرا بالغا.
لذا أقبل عليه الطلاب وحفوا به واستفادوا منه فوائد جليلة، فتخرج عليه أكابر العلماء
فمن تلاميذه:
الكبار سماحة الشيخ عبد الله بن حسن رئيس القضاة
وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رئيس القضاة
وسماحة الشيخ عمر بن حسن رئيس الهيئات للأمر بالمعروف بالمنطقتين الوسطى والشرقية
والشيخ عبد اللطيف
والشيخ سليمان ابن سمحان
والشيخ محمد بن عثمان الشاوي
والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقرى
والشيخ عبد الله الدوسري
والشيخ عبد العزيز بن مرشد
والشيخ إبراهيم ابن سليمان آل مبارك
والشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
والشيخ عبد الرحمن بن عودان
والشيخ الأستاذ الباحثة حمد الجاسر
والشاعر الكبير محمد بن عثيمين
وللتلميذ في شيخه مرثية جيده
والشيخ سعود ابن رشود
والشيخ محمد بن رشيد قاضي الرس ثم قاضي رنية وغير هؤلاء كثير من كبار علماء المملكة العربية السعودية كما تصدى لنشر العلم بالكتابة فقد بحث الرسائل والنصائح كما حرر الفتاوى والأجوبة على الأسئلة فيما جمعت كتاباته وفتاويه لجاءت جزاء حافلا ونظم مختصر المقنع حتى كاد أن يتمه وله رسالة سماها ( حجة التحريض في تحريم الذبح للمريض) في مكتبة جامعة الرياض برقم 215.
وكتاباته وفتاواه دليل على غزارة علمه وسعة اطلاعه وحسن تصوره وهو في عداد كبار علماء نجد المشار إليهم فهو مقرب من الملك عبد العزيز ويعتمد عليه في مهام الأمور الدينية وهو معزز محترم عند علماء الدعوة فيجلونه ويقدرونه ويعرفون له حقه ومكانته العلمية ونشاطه في الدعوة وموالاة أهلها وقد ألف رسالة سماها عقيدة الطائفة النجدية في توحيد الإلوهية لا تزال مخطوطة في مكتبة جامعة الرياض.
وما زال على أحواله الكريمة وسجاياه حتى توفي في الرياض في اليوم الثالث عشر من جمادى الأولى عام 1349هـ ودفن في مقبرة العود في الرياض.
وقد بكاه الناس وأسفوا عليه وحزنوا لفقده وتبادلوا التعازي في موته لأنه محبب إلى كل قلب عزيز على كل فرد فالمصاب به عام والحزن عليه شامل وقد رثي بكثير من القصائد والرسائل وممن رثاه شاعر نجد الكبير الشيخ محمد بن عبد الله بن عثيمين بقصيدة منها:
أهكذا البدر تخفي نوره الحفر ويفقد العلم لا عين ولا أثر
خبت مصابيح كنا نستضئ بها وطوحت للمغيب الأنجم الزهر
واستحكمت غربة الإسلام وان كسفت شمس العلوم التي يهدي بها البشر
تخرم الصالحون المقتدى بهم وقام منهم مقام المبتدأ الخبر
فنح على العلم نوح الثاكلات وقل والهف نفسي على أهل له قبروا
لم يجعلوا سلما للمال علمهم بل نزهوه فلم يعلق به وضر
تلك المكارم لا تزويق أبنية ولا الشفوف التي تكسي بها الجدر
فابك على العلم الفرد الذي حسنت بذكر أفعاله الأخبار والسير
بحر العلوم التي فاضت جداوله أضحي وقد ضمه في بطنه المدر
طوتك يا سعد أيام طوت أمما كانوا فبانوا وفي الماضين معتبر
إن كان شخصك قد واراه ملحدة فعلمك الجم في الآفاق منتشر
بني لكم حمد آل العتيق علا لم يبنها لكم مال ولا خطر
لكنه العلم يسمو من يقوم به على الجهول ولو من جده مضر
والعلم إن كان أقولا بلا عمل فليت صاحبه بالجهل منغمر
يا حمل العلم والقرآن إن لنا يوما تضم به الماضون والأخر
فرحم الله الراثي والمرثي وجزاهما أحسن الجزاء.