جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

تتمة لما سبق من الكتاب ونأسف على التأخير




[frame="5 100"]
نظرة العلماء إلى صحيح مسلم وآراؤهم في منهجه
[/frame]


[frame="2 100"]
هل فهم أحد من العلماء أو قال: إن الإمام مسلماً التزم بيان العلل في صحيحه؟ وهل فهم أحد أو قال : إن وسيلة هذا البيان هي ترتيبه للأحاديث على النهج الذي سلكه هذا الرجل ؟ .
الجواب على السؤال الأول :
أن العلماء قبل القاضي عياض - رحمه الله - لم يفهموا شيئا من هذا في حدود علمي، وأن الجميع يفهمون أن مسلماً ملتزم للصحة في كتابه كله ثم بعد هذا هم على قسمين :
1- منهم من يرى أنه التزم الصحة في كل كتابه، وأنه أخل بهذا الالتزام في بعض الأحاديث، ومن هذا المنطلق ناقشوه في تلك الأحاديث هو وشيخه البخاري، ومن هؤلاء : الإمام الدارقطني، والإمام أبو مسعود الدمشقي، والإمام أبو علي الجياني .

وبسبب هذا الفهم - أيضاً - ألفوا عليهما استدراكات استدركوا فيها أحاديث رأوا أنها على شرطهما في الصحة كان يلزمهما إخراجها، " كالإلزامات " للدراقطني و " الإلزامات " لتلميذه أبي ذر الهروي، و " المستدرك " للحاكم أبي عبدالله تلميذ الدارقطني .

قال الدارقطني - رحمه الله - في كتابه " الإلزامات " ( ص 74 ) ط 1 المدني : " ذكر ما حضرني ذكره مما أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما من حديث بعض التابعين وتركا من حديثه شبيها به، ولم يخرجاه أو من حديث نظير له من التابعين الثقات ما يلزم إخراجه على شرطهما ومذهبهما " .

انظر قوله : " على شرطهما ومذهبهما " فإنه يعني بذلك اشتراطهما الصحة في كتابيهما والتزامها .

ومن هنا ذهب الحاكم والبيهقي - رحمهما الله - إلى أن مسلماً لم يخرج من أحاديث الطبقات الثلاث إلا أحاديث الطبقة الأولى وهم الحفاظ المتقنون، وتبعهما على ذلك من لا يحصى .

قال ابن الصلاح -رحمه الله- في " صيانة مسلم من الإخلال والغلط " : " ذكر مسلم - رحمه الله - أولا : أنه يقسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما وراه الحفاظ المتقنون .
الثاني : ما رواه المستورون .
الثالث : ما رواه الضعفاء والمتروكون .

فإذا فرغ من القسم الأول أتبعه بذكر القسم الثاني، وأما الثالث فلا يعرج عليه، فذكر الحاكم أبو عبدالله الحافظ وصاحبه أبو بكر البيهقي أن المنية اخترمته قبل إخراج القسم الثاني " (1) .

فأنت ترى أن هذين الإمامين يريان أن صحيح مسلم كله من أحاديث الطبقة الأولى، وأن كل أحاديثه في غاية الصحة، هذا ما استفادوه من هذا التقسيم. وقد وافقهما على هذا الرأي من لا يحصي عددهم إلا الله .

وذكر الحافظ في " النكت " ( 1 / 433 - 434 ) رأي الحاكم والبيهقي ثم قال : " ويؤيد هذا ما رواه البيهقي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد ابن سفيان صاحب مسلم قال : " صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها : هذا الذي قرأه على الناس ( يعني الصحيح )، والثاني : يدخل فيه عكرمة، وابن إسحاق وأمثالهما، والثالث : يدخل فيه الضعفاء " (2) .

وقد نقل إمام الحرمين إجماع علماء المسلمين على صحة ما في الصحيحين. وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائييني- رحمه الله - : " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع، وإن حصل خلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها "(3) .

وقال الحميدي في كتاب " الجمع بين الصحيحين " : " لم نجد في الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين "(4) . يعني البخاري ومسلماً .

وقال الإمام مجد الدين المبارك بن محمد المشهور بابن الأثير - رحمه الله - في مقدمة كتابه جامع الأصول ( 1 / 41 ) .

" وقيل : إن أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح بالبصرة ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه وسطره في الأجزاء والكتب وكثر ذلك وعظم نفعه إلى زمن الإمامين أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري - رحمهما الله - فدونا كتابيهما وفعلا ما الله مجازيهما عليه من نصح المسلمين، والاهتمام بأمور الدين، وأثبتا في كتابيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما نقله " .

وسمى أبو بكر محمد بن عبدالله الشيباني المعروف بالجوزقي المتوفى سنــة ( 388هـ ) كتابه الجمع بين الصحيحين " الصحيح من الأخبار عن رسول الله المجمع على صحته للإمامين البخاري ومسلم " .

وقال أبو نصر عبيدالله بن سعيد بن حاتم السجزي ( ت 444هـ )" أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع مافي كتاب البخاري مما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لاشك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته " (5) .

وقال ابن الصلاح - رحمه الله - : " جميع ما حكم مسلم بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع "(6) .

ولا تلتفت إلى مناقشة النووي - رحمه الله - لشيخه فقد حكى الإجماع على صحة ما في الصحيحين من ذكرناهم سابقاً .

وقد ناقش النوويَّ البلقينى في " محاسن الاصطلاح " فقال عقب قول النووي : " وقد خالفه المحققون والأكثرون " ، قال البلقيني : " وهذا ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول "(7) .

وناقش الحافظ ابن حجر النووي في النكت وأطال النفس في مناقشته ونقل عن العلماء في هذا الموضوع ما يشفي وقد كتب في هذا الموضوع أئمة منهم ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أئمة الإسلام رحمهم الله .

ومن أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع أخبار الآحاد إذا تلقته الأمة بالقبول(8) ومنها أخبار الصحيحين : " الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي وغيره من الحنفية والقاضي عبدالوهاب وأمثاله من المالكية، والشيخ أبي حامد الإسفرائيني، والقاضي أبي الطيب الطبري، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي وأمثالهم من الشافعية، وأبي عبدالله بن حامد، والقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية، وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم "، وذكر أشخاصاً ثم قال " وهو مذهب أهل الحديث قاطبة " ، وأيده الحافظ ابن حجر(9).
[line]
(1) صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ص 90، وانظر المدخل إلى الإكليل ( ص 33 - 34 ) تحقيق فؤاد عبدالمنعم .
(2) انظر مقدمة شرح مسلم للنووي ( ص 20 )، والنكت لابن حجر ( 1 / 372 ) .
(3) النكت لابن حجر ( 1 / 377 ) .
(4) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ( ص 40 ) .
(5) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ( ص 38 - 39 ) .
(6) مقدمة شرح مسلم ( 1 / 19 ) .
(7) محاسن الاصطلاح بهامش مقدمة ابن الصلاح ( ص 101 ) .
(8) انظر مجموع الفتاوى ( 8 / 40، 48 )، والصواعق المرسلة ( ص 481 - 482 ) .
(9) " النكت " ( 1 / 371 - 379 ) .

[/frame]

يتبع إن شاء الله تعالى