الردة بالاعتقاد :
للعلامة الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى :

ومن أنواع الردة العقدية التي يعتمدها بقلبه وإن لم يتكلم بها ولم يفعل ، بل بقلبه يعتقد : إذا اعتقد بقلبه أن الله جل وعلا فقير ، أو أنه بخيل ، أو أنه ظالم ، ولو أنه ما تكلم ، ولو لم يفعل شيئا ، هذا كفر - بمجرد هذه العقيدة - بإجماع المسلمين .

أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد بعث ولا نشور ، وأن كل ما جاء في هذا ليس له حقيقة ، أو اعتقد بقلبه أنه لا يوجد جنة أو نار ، ولا حياة أخرى ، إذا اعتقد ذلك بقلبه ولو لم يتكلم بشيء ، هذا كفر وردة عن الإسلام - نعوذ بالله من ذلك - وتكون أعماله باطلة ، ويكون مصيره إلى النار بسبب هذه العقيدة .

وهكذا لو اعتقد بقلبه - ولو لم يتكلم - أن محمد صلى الله عليه وسلم ليس بصادق ، أو أنه ليس بخاتم الأنبياء وأن بعده أنبياء ، أو اعتقد أن مسيلمة الكذاب نبي صادق ، فإنه يكون كافرا بهذه العقيدة .

أو اعتقد بقلبه أن نوحا ، أو موسى ، أو عيسى ، أو غيرهم من الأنبياء عليهم السلام أنهم كاذبون أو أحدا منهم ، هذا ردة عن الإسلام .

أو اعتقد أنه لا بأس أن يدعى مع الله غيره ، كالأنبياء أو غيرهم من الناس ، أو الشمس والكواكب أو غيرها ، إذا اعتقد بقلبه ذلك صار مرتدا عن الإسلام؛ لأن الله تعالى يقول : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وقال سبحانه : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وقال : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وقال : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وقال : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وقال سبحانه : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ والآيات في هذا المعنى كثيرة .

فمن زعم أو اعتقد أنه يجوز أن يعبد مع الله غيره؛ من ملك ، أو نبي ، أو شجر ، أو جن ، أو غير ذلك فهو كافر ، وإذا نطق وقال بلسانه ذلك كافرا بالقول والعقيدة جميعا ، وإن فعل ذلك ودعا غير الله واستغاث بغير الله صار كافرا بالقول والعمل والعقيدة جميعا ، نسأل الله العافية من ذلك .

ومما يدخل في هذا : ما يفعله عباد القبور اليوم في كثير من الأمصار من دعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، وطلب المدد منهم ، فيقول بعضهم : يا سيدي ، المدد المدد ، يا سيدي ، الغوث الغوث ، أنا بجوارك اشف مريضي ، ورد غائبي ، وأصلح قلبي . يخاطبون الأموات الذين يسمونهم : الأولياء ، ويسألونهم هذا السؤال ، نسوا الله وأشركوا معه غيره - تعالى الله عن ذلك - فهذا كفر قولي وعقدي وفعلي .

وبعضهم ينادي من مكان بعيد وفي أمصار متباعدة : يا رسول الله ، انصرني . . . ونحو هذا ، وبعضهم يقول عند قبره : يا رسول الله ، اشف مريضي ، يا رسول الله ، المدد المدد ، انصرنا على أعدائنا ، أنت تعلم ما نحن فيه ، انصرنا على أعدائنا .

والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، إذ لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه ، هذا من الشرك القولي والعملي ، وإذا اعتقد مع ذلك أن هذا جائز ، وأنه لا بأس به صار شركا قوليا وفعليا وعقديا ، نسأل الله العافية من ذلك .

وهذا واقع في دول وبلدان كثيرة ، وكان واقعا في هذه البلاد ، كان واقعا في الرياض والدرعية قبل قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، فقد كانت لهم آلهة في الرياض والدرعية وغيرهما ، أشجار تعبد من دون الله ، وأناس

يقال : إنهم من الأولياء يعبدونهم مع الله ، وقبور تعبد مع الله . وكان قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه موجودا في الجبيلة حيث قتل في حروب الردة في أيام مسيلمة ، كان قبره يعبد من دون الله حتى هدم ذلك القبر ، ونسي اليوم والحمد لله ، بأسباب دعوة الشيخ محمد ، قدس الله روحه وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل الجزاء .

وقد كان في نجد والحجاز من الشرك العظيم والاعتقادات الباطلة ، ودعوة غير الله ما لا يعد ولا يحصى ، فلما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النصف الثاني من القرن الثاني عشر ، أي : قبل ما يزيد عن مائتي سنة ، دعا إلى الله وأرشد الناس ، فعاداه كثير من العلماء الجهلة وأهل الهوى؛ لكن الله أيده بعلماء الحق ، وبآل سعود - رحم الله الجميع - فدعا إلى الله ، وأرشد الناس إلى توحيد الله ، وبين لهم : أن عبادة الجن والأحجار والأولياء والصالحين وغيرهم شرك من عمل الجاهلية ، وأنها أعمال أبي جهل وأمثاله من كفار قريش في عبادتهم اللات ، والعزى ، ومناة ، وعبادة القبور ، هذه هي أعمالهم . فبين - رحمه الله - للناس وهدى الله على يديه من هدى ، ثم عمت الدعوة . بلاد نجد والحجاز وبقية الجزيرة العربية ، وانتشر فيها التوحيد والإيمان ، وترك الناس الشرك بالله وعبادة القبور والأولياء بعد أن كانوا يعبدونها إلا من رحم الله ، بل كان بعضهم يعبد أناسا مجانين لا عقول لهم ، ويسمونهم : أولياء ، وهذا من عظيم جهلهم الذي كانوا واقعين فيه .