وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 6 ص 15 و 16 و17:(
ولهذا لما اجتمعنا في المجلس المعقود وكنت قد قلت أمهلت كل من خالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن السلف يخالف شيئا مما ذكرته كانت له الحجة وفعلت وفعلت وجعل المعارضون يفتشون الكتب فظفروا بما ذكره البيهقي في كتاب ( الأسماء والصفات ( في قوله تعالى ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ( فإنه ذكر عن مجاهد والشافعي أن المراد قبلة الله فقال أحد كبرائهم في المجلس الثاني قد أحضرت نقلا عن السلف بالتأويل فوقع في قلبي ما أعد فقلت لعلك قد ذكرت ما روى في قوله تعالى ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ( قال نعم قلت المراد بها قبلة الله فقال قد تأولها مجاهد والشافعي وهما من السلف ولم يكن هذا السؤال يرد علي فإنه لم يكن شيء مما ناظروني فيه صفة الوجه ولا أثبتها لكن طلبوها من حيث الجملة و كلامي كان مقيدا كما في الأجوبة فلم أر إحقاقهم في هذا المقام بل قلت هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلا ولا تندرج في عموم قول من يقول لا تؤول آيات الصفات قال أليس فيها ذكر الوجه فلما قلت المراد بها قبلة الله قال أليست هذه من آيات الصفات قلت لا ليست من موارد النزاع فإني إنما أسلم أن المراد بالوجه هنا القبلة فان ( الوجه ( هو الجهة في لغة العرب يقال قصدت هذا الوجه وسافرت إلى هذا ( الوجه ( أي إلى هذه الجهة وهذا كثير مشهور فالوجه هو الجهة وهو الوجه كما في قوله تعالى ( ولكل وجهة هو موليها ( أي متوليها فقوله تعالى ( وجهة هو موليها ( كقوله ( فأينما تولوا فثم وجه الله ( كلا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربتان وكلاهما في شأن القبلة والوجه والجهة هو الذي ذكر في الآيتين أنا نوليه نستقبله قلت والسياق يدل عليه لأنه قال ( أينما تولوا ( وأين من الظروف وتولوا أي تستقبلوا فالمعنى أي موضع استقبلتموه فهنالك وجه الله فقد جعل وجه الله في المكان الذي يستقبله هذا بعد قوله ( ولله المشرق والمغرب ( وهى الجهات كلها كما في الآية الأخرى ( قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم (فأخبر أن الجهات له فدل على أن الإضافة إضافة تخصيص وتشريف كأنه قال جهة الله وقبلة الله ولكن من الناس من يسلم أن المراد بذلك جهة الله أي قبلة الله ولكن يقول هذه الآية تدل على الصفة وعلى أن العبد يستقبل ربه كما جاء في الحديث ( إذا قام أحدكم إلى الصلاة فان الله قبل وجهه ( وكما في قوله ( لا يزال الله مقبلا على عبده بوجهه ما دام مقبلا عليه فإذا انصرف صرف وجهه عنه ( ويقول إن الآية دلت على المعنيين فهذا شيء آخر ليس هذا موضعه والغرض انه إذا قيل ( فثم قبلة الله ( لم يكن هذا من التأويل المتنازع فيه الذي ينكره منكروا تأويل آيات الصفات ولا هو مما يستدل به عليهم المثبتة فان هذا المعنى صحيح في نفسه والآية دالة عليه وإن كانت دالة على ثبوت صفة فذاك شيء آخر ويبقى دلالة قولهم ( فثم وجه الله ( على فثم قبلة الله هل هو من باب تسمية القبلة وجها باعتبار أن الوجه والجهة واحد أو باعتبار أن من استقبل وجه الله فقد استقبل قبلة الله فهذا فيه بحوث ليس هذا موضعها).