النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الولاء والبراء في الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2004
    المشاركات
    180

    الولاء والبراء في الإسلام

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه ‏.‏

    وبعد‏:‏

    فإنه بعد محبة الله ورسوله تجب محبة أولياء الله ومعاداة أعدائه‏.‏


    فمن أصول العقيدة الإسلامية أنه يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعدائها، فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم، وذلك من ملة إبراهيم والذين معه، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، حيث يقول سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 4‏]‏‏.‏


    وهو من دين محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 51‏]‏‏.‏


    وهذه في تحريم موالاة أهل الكتاب خصوصًا‏.‏ وقال في تحريم موالاة الكفار عمومًا‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 1‏]‏‏.‏


    بل لقد حرم الله على المؤمن موالاة الكفار ولو كانوا من أقرب الناس إليه نسبًا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 23‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 22‏]‏‏.‏


    وقد جهل كثير من الناس هذا الأصل العظيم، حتى لقد سمعت بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة في إذاعة عربية يقول عن النصارى إنهم إخواننا، ويا لها من كلمة خطيرة‏.‏


    وكما أن الله سبحانه حرم موالاة الكفار أعداء العقيدة الإسلامية فقد أوجب سبحانه موالاة المؤمنين ومحبتهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ‏.‏ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 55، 56‏]‏‏.‏


    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 29‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 10‏]‏‏.‏


    فالمؤمنون إخوة في الدين والعقيدة وإن تباعدت أنسابهم وأوطانهم وأزمانهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 10‏]‏‏.‏


    فالمؤمنون من أول الخليقة إلى آخرها مهما تباعدت أوطانهم وامتدت أزمانهم إخوة متحابون يقتدي آخرهم بأولهم ويدعو بعضهم لبعض ويستغفر بعضهم لبعض‏.‏


    وللولاء والبراء مظاهر تدل عليهما


    أولا‏:‏ من مظاهر موالاة الكفار‏:‏


    1- التشبه بهم في الملبس والكلام وغيرهما‏:‏


    لأن التشبه بهم في الملبس والكلام وغيرهما يدل على محبة المتشبه به، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من تشبه بقوم فهو منهم‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود، الحديث برقم ‏(‏4031‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏


    فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من عاداتهم وعباداتهم، سمتهم وأخلاقهم كحلق اللحى وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس والأكل والشرب وغير ذلك‏.‏


    2- الإقامة في بلادهم وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين لأجل الفرار بالدين‏:‏


    لأن الهجرة بهذا المعنى، ولهذا الغرض واجبة على المسلم؛ لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين، ومن هنا حرم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا‏.‏ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً‏.‏ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 97- 99‏]‏‏.‏


    فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلى المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة‏.‏ وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر الإسلام في بلادهم‏.‏


    3- السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس‏:‏


    والسفر إلى بلاد الكفار محرم إلا عند الضرورة؛ كالعلاج والتجارة والتعليم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين‏.‏


    ويشترط كذلك لجواز هذا السفر أن يكون مظهرًا لدينه معتزًا بإسلامه، مبتعدًا عن مواطن الشر، حذرًا من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر أو يجب إلى بلادهم إذا كان لأجل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام ‏.‏


    4- إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم‏:‏ وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة نعوذ بالله من ذلك‏.‏


    5- اتخاذهم بطانة ومستشارين‏:‏


    قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ‏.‏ هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏.‏ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 118-120‏]‏‏.‏


    فهذه الآيات الكريمة تشرح دخائل الكفار وما يكنونه نحو المسلمين من بغض، وما يدبرونه ضدهم من مكر وخيانة، وما يحبونه من مضرة المسلمين وإيصال الأذى إليهم بكل وسيلة، وأنهم يستغلون ثقة المسلمين بهم فيخططون للإضرار بهم والنيل منهم‏.‏


    روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال‏:‏ قلت لعمر رضي الله عنه‏:‏ لي كاتب نصراني، قال‏:‏ ما لك قاتلك الله‏؟‏ أما سمعت قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 51‏]‏‏.‏‏؟‏ ألا اتخذت حنيفًا، قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، قال‏:‏ لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله‏.‏


    وروى الإمام أحمد ومسلم‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فلحقه عند الحرة فقال‏:‏ إني أردت أن أتبعك وأصيب معك، قال‏:‏ تؤمن بالله ورسوله‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏ارجع فلن أستعين بمشرك‏)‏ ‏[‏رواه مسلم، الحديث برقم ‏(‏1817‏)‏‏]‏‏.‏


    ومن هذه النصوص يتبين لنا تحريم تولية الكفار أعمال المسلمين التي يتمكنون بواسطتها من الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم‏.‏


    ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين - بلاد الحرمين الشريفين - وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين ،ومربين في البيوت وخلطهم مع العوائل، أو خلطهم مع المسلمين في بلادهم‏.‏


    6- التأريخ بتاريخهم، خصوصًا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي‏:‏


    والذي هو عبارة عن ذكرى مولد المسيح عليه السلام، والذي ابتدعوه من أنفسهم وليس هو من دين المسيح عليه السلام، فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم‏.‏


    ولتجنب هذا لما أراد الصحابة رضي الله عنهم وضع تأريخ للمسلمين في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه عدلوا عن تواريخ الكفار وأرخوا بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يدل على وجوب مخالفة الكفار في هذا وفي غيره مما هو من خصائصهم والله المستعان ‏.‏


    7- مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها‏:‏


    وقد فسر قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 72‏]‏‏.‏ أي‏:‏ ومن صفات عباد الرحمن أنهم لا يحضرون أعياد الكفار‏.‏


    8- مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد‏:‏


    قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 131‏]‏‏.‏


    وليس معنى ذلك أن المسلمين لا يتخذون أسباب القوة من تعلم الصناعات ومقومات الاقتصاد المباح والأساليب العسكرية، بل ذلك مطلوب، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 60‏]‏‏.‏


    وهذه المنافع والأسرار الكونية هي في الأصل للمسلمين، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 32‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ‏}‏ ‏[‏الجاثية‏:‏ 13‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 29‏]‏‏.‏


    فالواجب أن يكون المسلمون سباقين إلى استغلال هذه المنافع وهذه الطاقات، ولا يستجدون الكفار في الحصول عليها، بل أن يكون لهم مصانع وتقنيات‏.‏


    9- التسمي بأسمائهم‏:


    بحيث يسمي بعض المسلمين أبنائهم وبناتهم بأسماء أجنبية ويتركون أسماء آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم والأسماء المعروفة في مجتمعهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن‏)‏ ‏[‏رواه مسلم، الحديث برقم ‏(‏2132‏)‏ ‏.‏‏]‏ وبسبب تغيير الأسماء فقد وجد جيل يحمل أسماء غريبة، مما يسبب الانفصال بين هذا الجيل والأجيال السابقة ويقطع التعارف بين الأسر التي كانت تعرف بأسمائها الخاصة‏.‏


    10- الاستغفار لهم والترحم عليهم‏:‏


    وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 113‏]‏‏.‏؛ لأن هذا يتضمن حبهم وتصحيح ما هم عليه‏.‏


    11- حكم الاستعانة بالكفار في الوظائف والقتال ونحو ذلك‏:‏


    ‏(‏أ‏)‏ في الوظائف‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 118‏]‏‏.‏


    قال البغوي رحمه الله‏:‏ ‏{‏لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةًدُونِكُمْ‏}‏ مِّن أي‏:‏ أولياء وأصفياء من غير أهل ملتكم، وبطانة الرجل‏:‏ خاصته‏.‏ ثم بين سبحانه العلة في النهي عن اتخاذهم بطانة فقال‏:‏ ‏{‏لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً‏}‏، أي‏:‏ لا يقصرون في عمل ما يضركم ‏.‏


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ فقد عرف أهل الخبرة أن أهل الذمة من اليهود والنصارى والمنافقين يكاتبون أهل دينهم بأخبار المسلمين، وبما يطلعون عليه من أسرارهم، ومن الأبيات المشهورة‏:‏


    كل العداوة قد ترجى مودتهـا ** إلا عداوة من عاداك في الدين


    ولهذا وغيره منعوا أن يكونوا على ولاية المسلمين ‏(‏يعني في الوظائف‏)‏، بل إن استعمال من هو دونهم في الكفاية ‏(‏يعني من المسلمين‏)‏ أنفع للمسلمين في دينهم ودنياهم، والقليل من الحلال يبارك فيه ،والكثير من الحرام يذهب ويمحقه الله تعالى‏.‏ انتهى (1)


    وقد تبين مما سبق‏:‏


    1- أنه لا يجوز أن يولى الكافر ولاية فيها سلطة على المسلمين أو اطلاع على أسرارهم كاتخاذهم وزراء ومستشارين؛ لقوله تعالى ‏{‏لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 118‏]‏ أو موظفين في أعمال الدولة الإسلامية‏.‏


    2- أنه يجوز استئجارهم للقيام ببعض الأعمال الجانبية التي لا تشكل خطرًا على سياسة الدولة المسلمة؛ كالدلالة على الطريق وما في معناه؛ كبناء المباني، وإصلاح الطرق بشرط أن لا يكون في المسلمين من يصلح للقيام بهذا العمل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استأجر هو وأبو بكر رجلاً من بني الديل هاديًا خِرِّيتًا يدلهما على الطريق في سفر الهجرة إلى المدينة وكان رجلاً مشركًا‏.‏ (2)


    ‏(‏ب‏)‏ أما الاستعانة بهم في القتال‏:‏ ففي المسألة خلاف بين أهل العلم، والصحيح‏:‏ جواز ذلك عند الحاجة والضرورة إذا كان المستعان به منهم مأمونًا في الجهاد، قال ابن القيم في فوائد صلح الحديبية‏:‏ ومنها أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم (3) ويجوز لضرورة؛ لما روى الزهري أنه صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حرب خيبر سنة سبع، وشهد صفوان حنينًا وهو مشرك، والضرورة مثل كون الكفار أكثر عددًا ويخاف منهم بشرط أن يكون حسن الرأي في المسلمين أما عند عدم الحاجة فلا تجوز الاستعانة بهم؛ لأن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته لخبث طويته‏.‏


    ثانيًا‏:‏ من مظاهر موالاة المؤمنين


    1- الهجرة إلى بلاد المسلمين وهجر بلاد الكافرين‏:‏


    والهجرة‏:‏ هي الانتقال من بلاد الكفار إلى بلا المسلمين لأجل الفرار بالدين‏.‏


    والهجرة بهذا المعنى ولأجل هذا الغرض واجبة وباقية إلى طلوع الشمس من مغربها عند قيام الساعة، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، فتحرم على المسلم الإقامة في بلاد الكفار إلا إذا كان لا يستطيع الهجرة منها أو كان في إقامته مصلحة دينية؛ كالدعوة على الله ونشر الإسلام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا‏.‏ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً‏.‏ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 97- 99‏]‏‏.‏


    2- مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم‏:‏


    قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 71‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 72‏]‏‏.‏


    3- التألم لألمهم والسرور بسرورهم‏:‏


    قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏7 / 77، 78‏)‏، ومسلم، الحديث برقم ‏(‏2586‏)‏ ‏.‏‏]‏ وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏7 / 80‏)‏، ومسلم، الحديث برقم ‏(‏2585‏)‏ ‏.‏‏]‏ وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم‏.‏


    4- النصح لهم ومحبة الخير لهم وعدم غشهم وخديعتهم ‏:‏


    قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏)‏ ‏[‏‏]‏ وقال‏:‏ ‏(‏المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام‏:‏ دمه وماله وعرضه‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏3/98‏)‏، ومسلم، الحديث برقم ‏(‏2564‏)‏ واللفظ له ‏.‏‏]‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا‏)‏ ‏[‏رواه مسلم، الحديث برقم ‏(‏2564‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏


    5- احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم‏:‏


    قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏.‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 11، 12‏]‏‏.‏


    6- أن يكون معهم في حال العسر واليسر والشدة والرخاء‏:‏


    بخلاف أهل النفاق الذين يكونون مع المؤمنين في حالة اليسر والرخاء ويتخلون عنهم في حال الشدة‏.‏


    قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 141‏]‏‏.‏


    7- زيارتهم ومحبة الالتقاء بهم والاجتماع معهم‏:‏


    وفي الحديث القدسي ‏:‏‏(‏وجبت محبتي للمتزاورين فيّ‏)‏ ‏[‏رواه مالك في الموطأ ‏(‏طبعة دار النفائس، بيروت‏)‏، الحديث برقم ‏(‏1735‏)‏، وأحمد ‏(‏5/ 233‏)‏ ‏.‏‏]‏ وفي حديث آخر‏:‏ ‏(‏أن رجلاً زار أخًا له - في الله - في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال‏:‏ أين تريد ‏؟‏ قال‏:‏ أريد أخًا لي - في الله - في هذه القرية قال‏:‏ هل لك عليه من نعمة تربها ‏؟‏ قال‏:‏ لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال‏:‏ فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه‏)‏ ‏[‏رواه مسلم، الحديث برقم ‏(‏2567‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏


    8- احترام حقوقهم‏:‏


    فلا يبع على بيعهم ولا يسوم على سومهم ولا يخطب على خطبتهم ولا يتعرض لما سبقوا إليه من المباحات ‏.‏


    قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألا لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏3/ 24‏)‏، ومسلم، الحديث برقم ‏(‏1514‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ولا يسم على سوم أخيه‏)‏ ‏[‏رواه مسلم، الحديث برقم ‏(‏1515‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏


    9- الرفق بضعفائهم‏:‏


    كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي، الحديث برقم ‏(‏1919‏)‏‏.‏ ،وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏3/225‏)‏‏]‏‏.‏


    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 28‏]‏‏.‏


    10- الدعاء لهم والاستغفار لهم‏:


    قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 19‏]‏‏.‏ ،وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 10‏]‏‏.‏


    تنبيه ‏:‏


    وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 8‏]‏‏.‏


    فمعناه‏:‏ أن من كف أذاه من الكفار فلم يقاتل المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم فإن المسلمين يقابلون ذلك بمكافأته بالإحسان والعدل معه في التعامل الدنيوي ولا يحبونه بقلوبهم؛ لأن الله قال‏:‏ ‏{‏أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 8‏]‏ ولم يقل‏:‏ توالونهم وتحبونهم‏.‏


    ونظير هذا قوله تعالى في الوالدين الكافرين‏:‏ ‏{‏وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 15‏]‏‏.‏


    وقد جاءت أم أسماء إليها تطلب صلتها وهي كافرة فاستأذنت أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال لها‏:‏ ‏(‏صلي أمك‏)‏ ‏[‏رواه البخاري ‏(‏3/142‏)‏ ،ومسلم، الحديث رقم ‏(‏1003‏)‏ ‏.‏‏]‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 22‏]‏‏.‏


    فالصلة والمكافأة الدنيوية شيء، والمودة شيء آخر‏.‏


    ولأن في الصلة وحسن المعاملة ترغيبًا للكافر في الإسلام فهما من وسائل الدعوة، بخلاف المودة والموالاة فهما يدلان على إقرار الكافر على ما هو عليه والرضى عنه وذلك يسبب عدم دعوته إلى الإسلام‏.‏


    وكذلك تحريم موالاة الكفار لا تعني تحريم التعامل معهم بالتجارة المباحة واستيراد البضائع والمصنوعات النافعة والاستفادة من خبراتهم ومخترعاتهم‏.‏


    فالنبي صلى الله عليه وسلم استأجر ابن أريقط الليثي ليدله على الطريق وهو كافر واستدان من بعض اليهود‏.‏


    وما زال المسلمون يستوردون البضائع والمصنوعات من الكفار وهذا من باب الشراء منهم بالثمن وليس لهم علينا فيه فضل ولا منة‏.‏


    وليس هو من أسباب محتبهم وموالاتهم، فإن الله أوجب محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم‏.‏


    قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 72‏]‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 73‏]‏‏.‏


    قال الحافظ ابن كثير‏:‏ ‏(‏ومعنى قوله‏:‏ ‏{‏إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ‏}‏ أي‏:‏ إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس وهو التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل‏)‏‏.‏ انتهى‏.‏


    قلت‏:‏ وهذا ما حصل في هذا الزمان‏.‏ والله المستعان‏.‏


    ثالثًا‏:‏ أقسام الناس فيما يجب في حقهم من الولاء والبراء


    الناس في الولاء والبراء على ثلاثة أقسام‏:‏


    القسم الأول‏:‏ من يحب محبة خالصة لا معاداة معها‏:‏


    وهم المؤمنون الخلص من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه تجب محبته أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين‏.‏


    ثم زوجاته أمهات المؤمنين وأهل بيته الطيبين وصحابته الكرام، خصوصًا الخلفاء الراشدين وبقية العشرة والمهاجرين والأنصار وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين‏.‏


    ثم التابعون والقرون المفضلة وسلف هذه الأمة وأئمتها، كالأئمة الأربعة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 10‏]‏‏.‏


    ولا يبغض الصحابة وسلف هذه الأمة من في قلبه إيمان، وإنما يبغضهم أهل الزيع والنفاق وأعداء الإسلام كالرافضة والخوارج‏.‏ نسأل الله العافية ‏.‏


    القسم الثاني‏:‏ من يبغض ويعادى بغضًا ومعاداة خالصين لا محبة ولا موالاة معهما‏:‏


    وهم الكفار الخلص من الكفار والمشركين والمنافقين والمرتدين والملحدين على اختلاف أناسهم، وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 22‏]‏ وقال تعالى- عائبًا على بني إسرائيل -‏:‏ ‏{‏تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ‏.‏ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَااتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 80، 81‏]‏‏.‏


    القسم الثالث‏:‏ من يحب من وجه، ويبغض من وجه آخر‏:‏


    فتجتمع فيه المحبة والعداوة وهم عصاة المؤمنين‏.‏ يحبون لما فيهم من الإيمان ويبغضون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك‏.‏


    ومحبتهم تقتضي مناصحتهم والإنكار عليهم، فلا يجوز السكوت على معاصيهم، بل ينكر عليهم ويؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وتقام عليهم الحدود والتعزيرات حتى يكفوا عن معاصيهم ويتوبوا عن سيئاتهم، ولكن لا يبغضون بغضًا خالصًا ويتبرأ منهم، ما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك، ولا يحبون ويوالون حبًا وموالاة خالصين، كما تقول المرجئة، بل يعتدل في شأنهم على ما ذكرنا كما هو مذهب أهل السنة والجماعة‏.‏


    والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، والمرء مع من أحب يوم القيامة كما في الحديث‏.‏


    وقد تغير الوضع وصار غالب موالاة الناس ومعاداتهم لأجل الدنيا فمن كان عنده طمع من مطامع الدنيا والوه، وإن كان عدوًا لله ولرسوله ولدين المسلمين ‏.‏


    ومن لم يكن عنده طمع من مطامع الدنيا عادوه ولو كان وليًا لله ولرسوله عند أدنى سبب وضايقوه واحتقروه‏.‏


    وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏ من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تناول ولاية الله بذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئًا ‏"‏ (4)


    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى قال‏:‏ من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب‏)‏ رواه البخاري ‏(‏7/190‏)‏‏]‏‏.‏


    وأشد الناس محاربة لله من عادى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبهم وتنقصهم‏.‏


    وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الله الله في أصحابي لا تتخذنوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي، الحديث برقم ‏(‏3862‏)‏‏]‏‏.‏ أخرجه الترمذي وغيرهم‏.‏


    وقد صارت معاداة الصحابة وسبهم دينًا وعقيدة عند بعض الطوائف الضالة ‏.‏


    نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه ونسأله العفو والعافية، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ‏.‏


    محاضرات في العقيده والدعوه_الشيخ الفوزان حفظه الله

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    الإمارات
    المشاركات
    170
    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ....
    [frame="2 80"]
    قال الإمام أحمد: أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأمنهم

    الإبانة( 2_ 475)
    [/frame]

  3. #3
    بارك الله فيك

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2004
    المشاركات
    292
    جزاك الله خير


    (وإنني أحذر المسلمين من هذه الشبكة الخبيثة المفسدة كما أرى أنه يجب على كل ناصح أن يحذرها، ويحذر منها؛ فقد أصبحت ملتقى لأصحاب الطيش، والجهل وسيئ الأدب.)
    الشيخ فالح بن نافع الحربي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2004
    المشاركات
    69
    بارك الله فيك
    أحب السلفين وأحب العلماء
    فاللهم وفقني ووفقهم لكل خير وصلاح

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    الدولة
    \\\\\\\\\
    المشاركات
    2,713
    جزاك الله خيرا
    قال العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي{{ وإنني أحذر المسلمين من هذه الشبكة الخبيثة -شبكة سحاب-المفسدة كما أرى أنه يجب على كل ناصح أن يحذرها، ويحذر منها؛
    فقد أصبحت ملتقى لأصحاب الطيش، والجهل وسيئ الأدب }}


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    شبه الجزيره العربيه
    المشاركات
    280
    بارك الله فيك

المواضيع المتشابهه

  1. المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان
    بواسطة عبد المالك في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-23-2008, 02:44 PM
  2. مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-25-2008, 12:07 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-31-2006, 12:48 AM
  4. الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبدالوهاب
    بواسطة عسلاوي مصطفى أبو الفداء في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-07-2006, 10:03 PM
  5. نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع لابن باز
    بواسطة محب الأثري في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-27-2004, 01:28 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •