أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستملي سمعت أبا عثمان سعيد بن إشكاب يقول: سألت إسحاق بن إبراهيم عن اللفظ بالقرآن فقال: لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق.

وذكر محمد بن جرير الطبري -رحمه الله- في كتاب "الاعتقاد"، الذي صنفه في هذه المسألة وقال: أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، فلا أثر فيه نعلمه عن صاحبي ولا تابعي، إلا عمن في قوله الغِنَا والشِّفَا، وفي اتباعه الرشد والهدى -الغنى والشفى بدون همزة، الغنى والشفى، وفي اتباعه الرشد والهدى. نعم- الغناء والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الْأُلَى، أبي عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله-، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله- يقول: اللفظية جهمية.

قال الله -عز وجل-: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ممن يسمع، قال: ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم، يذكرون عنه -رضي الله عنه- أنه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع.

قال محمد بن جرير "ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله، إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع رحمة الله عليه ورضوانه". هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما ها هنا، من كتاب "الاعتقاد" الذي صنفه.


--------------------------------------------------------------------------------

المؤلف -رحمه الله-: نقل السند عن الإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الإمام المحدث المشهور، عن مسألة اللفظ، عن اللفظ بالقرآن فقال: "لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق". يعني: لا ينبغي أن يتكلم الإنسان باللفظ، يقول: لفظي بالقرآن مخلوق. قال: لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا تتكلم في مسألة اللفظ.

ثم نقل عن الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير المعروف، في كتاب سماه "الاعتقاد"، صنفه في هذه المسألة، فقال الإمام ابن جرير الطبري "أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، هل نقول: ألفاظ العباد بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ -يقول- هذه المسألة ما تكلم فيها أحد، ليس فيه أثر نعلمه عن صحابي ولا تابعي، إلا عمن في قوله الغنى والشفا، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الألى، وهو الإمام أحمد رحمه الله".

هذه المسألة، مسألة اللفظ: هل يقال لفظي القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ يقول: هذه المسألة، يقول الإمام ابن جرير ما وجدنا في أثر عن صحابة، ولا أثر عن تابعي، إلا أننا وجدنا من يُتَّبَع كلامه، وفي كلامه الغنى والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، وهو الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-، إمام أهل السنة والجماعة

ثم روى بسنده عن أبي إسماعيل الترمذي أنه قال: حدثني، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية. اللفظية، من هم اللفظية؟ الذي يقول: لفظي بالقرآن مخلوق. يقول: اللفظية جهمية، قال الله -تعالى-: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ يقول الإمام أحمد ممن يسمع؟ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ؟ يسمع من؟ يسمع كلام الله.

الإمام أحمد استدل على أن اللفظية جهمية بالآية: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ قال الإمام أحمد ممن يسمع، أليس يسمع كلام الله؟ ثم أيضاً قال: سمعت جماعة من أصحابنا يذكرون عن الإمام أحمد أنه قال: "من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع". هذه العبارة مشهورة على الإمام أحمد أنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي -يعني: قال بقول الجهمية -، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع؛ لأنه خالف ما عليه أهل السنة والجماعة

واختلف العلماء في تفسير هذه الكلمة، وذكر ابن القيم -رحمه الله- في "الصواعق المرسلة" وأطال، وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق... لأنه قد يُطْلَق اللفظ على الملفوظ، والملفوظ هو كلام الله، فيكون هذا قول الجهمية وكذلك من قال: غير مخلوق. لأنه قد يُطْلَق اللفظ الملفوظ على اللفظ أيضا، فيكون هذا مخالفا لما عليه أهل السنة والجماعة، فيكون مبتدعا في هذه المقالة، ولأن اللفظ يُطْلَق على الشيء الساقط الملفوظ.

فإذن الإمام أحمد سد الباب نفيا وإثباتا، لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا تقل: غير مخلوق. من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع. إذًا قل: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. واترك مسألة اللفظ نفيا وإثباتا، لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق.

يقول محمد بن جرير الطبري -رحمه الله-: "لا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله". يقول: لا نقول: ليس هناك لنا قول يجوز أن نقوله ونعتمده إلا قول الإمام أحمد نحن نقول مثلما يقول الإمام أحمد لا نتكلم في اللفظ لا نفيا ولا إثباتا، نقول: من قال لفظي في القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع، فلا قول لنا بعد قول الإمام أحمد

هذا كلام ابن جرير لا قول لنا في ذلك يجوز أن نقوله غير قوله. لماذا؟ قال: لأنه إمام يؤتم به، وفي الإمامة به كفاية وَمَقْنَع؛ فهو عدل معروف عند جميع أهل السنة والجماعة، وهو إمام أهل السنة والجماعة فلا نتجاوز قوله، وهو الإمام المتبع، رحمة الله عليه ورضوانه.

قال الإمام: هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما ها هنا من كتاب "الاعتقاد" الذي صنفه. كتاب للإمام ابن جرير يسمى "الاعتقاد"، نقل فيه كلام الإمام أحمد واعتمد في هذه المسألة، وعلى هذا لا ينبغي للإنسان أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا غير مخلوق. واللفظية -كما قال الإمام أحمد - شر من الجهمية وإنما يقال: كلام الله منزل غير مخلوق، وكلام الله لفظه ومعناه. ولا يقال: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق.

ولعلنا نقف عند هذا، نسأل الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

___________________________________
منقول من موقع فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي