الشيخ حمد بن ناصر بن معمَّر


الشيخ العلامة الفقيه حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر العنقري السعدي التميمي نسبا. ينتهي نسبه إلى حسن بن طوق العنقري التميمي، وبين المترجم له وحسن بن طوق ما يقرب من عشرة أجداد، قال ياقوت نقلا عن الأزهري: (ثرمداء ماء لبني سعد).
هذه المدينة كانت مقرا لبني سعد ابن زيد مناة بن تميم والعناقر هم بطن من بني سعد وآل معمر هم أحد أفخاذ بطن العناقر
والقصد أن حسن بن طوق العنقري انتقل من ثرمداء إلى ملهم أحد بلدان المحمل فلم تطب له وكانت القري الواقعة على وادي حنيفة مسكونة من بقايا بني حنيفة ومن تلك القري العيينة وفيها آل يزيد من بني حنيفة فاشتراها منهم حسن بن طوق العنقري عام 850هـ وانتقل إليها من ملهم وسكنها ثم تداولتها ذريته من بعده الذين هم آل معمر وسكنوها وعمروها وما زالت في تقدم في إمارتهم حتى بلغت من التقدم العمراني وكثرة السكان والحركة التجارية والعلمية حدا كبيرا لا سيما في زمن أميرها عبد الله بم محمد بن معمر الذي ولى حكمها اثنين وأربعين سنة، ومات عام 1138هـ ولما حاصر إبراهيم باشا الدرعية للقضاء على الدعوة السلفية وأهلها كان معمر ممن أبلى بلاء حسنا في الدفاع عن تلك العاصمة حتى استشهد منهم بضعة رجال ولا تزال أسرة معمر أسرة شهيرة تولى أفراد منهم مناصب وإمارات رفيعة منذ قيام المغفور الملك عبد العزيز ومن أشهر رجالهم المعاصرين الأمير فهد بن معمر الذي ولى إمارة مقاطعة القصيم وغيرها وابنه الأمير عبد العزيز الذي ولى عدة إمارات آخرها مقاطعة الطائف وهو من رجال المروءة والشهامة.
والقصد أن المترجم له ولد في مدينة العيينة وهي يومئذ أكبر مدن نجد وهي بلد عشيرته آل معمر حكام العيينة وما حولها من المدن والقرى فكان من بيت حكم وإمارة فنشأ فيها وكانت العيينة بعد مقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد تأثر بدعوته وصار له فيها أصحاب وأتباع وأصبح فريقا منهم يدينون بدعوته فنشأ المترجم له فيها وأخذ مبادئ العلم عن علمائها الذين هم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب فلما شب واشتغل بنفسه ورغب في التزود من العلم سافر إلى الدرعية التي تبعد عن العيينة إلا بقدر أربعين كيلومترا، فلازم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ملازمة تامة وحرص على حضور دروسه والاستفادة منه، كما أخذ عن غيره من علماء الدرعية كالفقيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب والشيخ حسين بن غنام.
وثابر على تحصيل العلم بجد واجتهاد فوافق ذلك منه فهما جيدا وذكاء حادا وحفظا قويا فأدرك في العلوم الشرعية عامة العلوم العربية إدراكا جيدا وبلغ مبلغا كبيرا حتى صار من أكابر علماء نجد ومن أوسعهم اطلاعا وأطولهم باعا وأجوبته أكبر شاهد على ذلك.
فلما بلغ هذا المبلغ من العلم جلس للتدريس في مدينة الدرعية الزاهية بالعلماء والأهلية بالطلاب فحفوا به وتقاطروا عليه وجلسوا بين يديه وصارت مجالسه ودروسه حالفة بالطلاب والمستمعين فنفع الله تعالى بعلمه خلقا كثيرا واستفاد منه جم غفير فصار من طلابه النابهون ابنه الشيخ عبد العزيز بن معمر والشيخ المحدث الفقيه سليمان بن عبد الله آل الشيخ والشيخ العلامة الكبير عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ والشيخ العلامة الفقيه عبد الله أبا بطين والشيخ عبد العزيز بن حمد بن مشرف والشيخ عثمان بن عبد البار ابن شبانه والشيخ على بن حسن اليماني والشيخ جمعان بن ناصر وغيرهم من العلماء الذين لا تحضرني أسمائهم.
كما قصد بالأسئلة والفتاوى من أنحا الجزيرة العربية فأجاب عنها الأجوبة المحررة السديدة التي تدل على العلم الواسع والفقه النقي والباع الطويل في جميع العلوم الشرعية فجاءت في فتاويه ورسائله فوائد زائدة عما كتبه من قبله من الفقهاء تنبئ عن حسن تصرف وجمال تخريج على كلام العلماء الذين سبقوه ففتاويه ورسائله لو جمعت لجاءت سفرا كبيرا مفيدا ولكنها طبعت مفرقة مع فتاوى ورسائل علماء نجد.
وبالإضافة لأعماله الجليلة فقد عينه الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد في قضاء الدرعية فكان من كبار قضاتها البارزين.
ولما كان في سنة 1211هـ طلب الشريف غالب بن مساعد أمير مكة من الأمام عبد العزيز بن محمد آل سعود أن يبعث إليه عالما ليناظر علماء مكة المكرمة في شيء من أمور الدين فبعث إليه الإمام عبد العزيز المترجم له الشيخ حمد بن ناصر على رأس ركب من العلماء فلما وصلوا مكة أناخوا رواحلهم امام قصر الشريف غالب فاستقبلهم وأكرمهم وأنزلهم المنزل اللائق بهم فلما فرغوا من عمرتهم واستراحوا من وعثاء السفر وعنائه جمع الشريف بينهم وبين علماء الحرم الشريف من أرباب المذاهب الأربعة ما عدا المذهب الحنبلي والمقدم فيهم مفتي الأحناف الشيخ عبد الملك بن عبد المنعم القلعى، فصار بينهم وبين الشيخ حمد بن ناصر ورفاقه مناظرة عظيمة هامة عقد لها عدة مجالس بحضرة والى مكة الشريف غالب وبمشهد كبير من أهل مكة وذلك في شهر رجب من ذلك العام المذكور فظهر عليهم الشيخ حمد بن ناصر بحجته وأسكتهم بأدلته وبراهينه فسلموا له وأذعنوا لأقواله ودلائله.
ثم طلب منه علماء مكة الإجابة على ثلاثة مسائل الأولى دعاء الأموات، والثانية حكم البناء على القبور، والثالثة حكم من أتي بالشهادتين ومنع الزكاة، فحرر في هذه المسائل الثلاث رسالة مفيدة سماها علماء الدرعية( الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم بالسنة والكتاب) طبعت مفردة ومجموعة مع غيرها.
ولولا مكانته العلمية الكبيرة وعقليته الراسخة ما اختاره الأمام عبد العزيز وأيده علماء الدرعية على أن يكون السفير الكبير في هذه المهمة العظيمة فصار يجادل العلماء بمذاهبهم ويرد عليهم من كتبهم وأقوال أئمتهم.
وفي عام 1220هـ بعث الإمام سعود بن عبد العزيز أمراءه الثلاثة الكبار وهم عبد الوهاب بن عامر المشهور بأبي نقطة المتحمى ومعه أتباعه من رجال ألمع وعسير وتهامة وسالم بن شكبان وأتباعه من أهل بيشة ونواحيها، وعثمان بن عبد الرحمن الضايفي العدواني وأتباعه من بادية الطائف والحجاز وأمرهم بالمسير إلى الشريف غالب الذي عاهده وأمنه ثم غدر ونكث العهد فساروا إليه وضيقوا عليه فلما اشتد عليه الأمر طلب الصلح وكان حامل كتاب الصلح من الإمام سعود إلى الشريف غالب هو المترجم له الشيخ حمد بن ناصر، فوصل من الدرعية إلى جدة حيث يقيم الشريف ومعه عشرون رجلا فأعطوه الكتاب وقد ذكر هذه المسألة دحلان في كتابه خلاصة الكلام في أمراء البد الحرام ولكنى أسوقها بسند الخاص.
حدثني وجيه الحجاز الشيخ السلفي محمد بن حسين بن عمر بن عبد الله نصيف قال حدثني رجل ثقة من آل عطية من أهل جده عن أبيه قال جمعنا في مسجد عكاشة حينما قدم حمد بن ناصر بكتاب الصلح بين سعود وغالب فصعد المنبر وخطب خطبة بليغة تدور حول تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة، ثم حذر من ترك الصلوات وأمر بأدائها في المساجد ونهي عن شرب الدخان وعدم بيعه وتعاطيه بحال من الأحوال كما أمر بهدم القباب التي على القبور وأمر بالحضور إلى المساجد لسماع رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فامتثل الناس هذا كله فصرت لا ترى الدخان لا استعمالا ولا بيعا وصارت المساجد تزدحم بالمصلين وهدمت القباب التي على القبور وصار الناس يحضرون لسماع الدرس ا هـ كلامه، قلت هذا في عام 1220هـ ، ثم عاد إلى الدرعية فلما كان عام 1221هـ بعثه الإمام سعود رئيسا لقضاة مكة المكرمة ومشرفا على أحكامهم.
فمكث في علمه حتى توفي في شهر ذي الحجة من عام 1225هـ فصلى عليه السلمون تحت الكعبة المشرفة وذهبوا به إلى مقبرة البياضية فخرج الإمام سعود من قصره قصر البياضية الملاصق الآن لقصر السقاف ومعه جمع من المسلمين فصلوا عليه مرة أخرى وأسف الناس عليه، وخلف ابنه الشيخ عبد العزيز رحمهما الله تعالى.