وصلا لحديثنا السابق عن تفاصيل احكام الجهاد وطبيعته في العراق، نسوق الآن الأدلة على صحة ولاية المسلم المولى من قبل الكافر كما وعدت سابقا. ولنبدأ بأقوال الفقهاء:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ (مجموع الفتاوى 325/15) في معرض كلامه على طلب الولاية : «وكذلك ما ذكره عن يوسف الصديق (عليه السلام) وعمله على خزائن الارض لصاحب مصر لقوم كفار، وذلك ان مقارنة الفجار انما يفعله المؤمن في موضعين: احدهما: ان يكون مكرها عليها، الثاني: ان يكون في ذلك مصلحة دينية راجحة على مفسدة المقارنة، او ان يكون في تركها مفسدة راجحة في دينه، فيدفع اعظم المفسدتين باحتمال ادناهما». أهـ.
وقال في موطن آخر من (مجموع الفتاوى 68/28): «وكذلك يوسف كان نائبا لفرعون مصر، وهو وقومه مشركون، وفعل من العدل والخير ما قدر عليه، ودعاهم الى الايمان بحسب الامكان».
وقال في موطن آخر من (مجموع الفتاوى 114/15): «وقوله «اذكرني عند ربك» مثل قوله «قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم»، فلما سأل الولاية للمصلحة الدينية، لم يكن هذا منافيا للتوكل، ولا هو من سؤال الامارة» أ. هـ.
وقال في موطن آخر من (مجموع الفتاوى 56/20): «ان الولاية وان كانت جائزة، او مستحبة، او واجبة، فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها اوجب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة واستحبابا اخرى».
ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق (عليه السلام) على خزائن الارض لملك مصر، بل ومسألته ان يجعله على خزائن الارض، وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى «ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به» (غافر: 34).
وقوله تعالى «أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله أمر الا تعبدوا الا إياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون» (يوسف: 39ـ40).
ومعلوم انه مع كفرهم لا بد ان يكون لهم عادة وسنة في قبض الاموال وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته، وجنده، ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الانبياء وعدلهم.
ولم يكن يوسف يمكنه ان يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه من دين الله، فإن القوم لم يستجيبوا له، لكنه فعل الممكن من العدل والاحسان ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته، ما لم يكن يمكن ان يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله «فاتقوا الله ما استطعتم» (التغابن: 16).
وقد نقل الخطيب الشربيني في (مغني المحتاج 132/4) نقلا عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام قوله:«ولو استولى الكفار على اقليم، فولوا القضاء رجلا مسلما، فالذي يظهر انعقاده».
قال الشيخ أبو منار العلمي: ثم وجدت ما نقله الخطيب عن العز بن عبد السلام في (قواعده الكبرى 122/1) ما نصه:
«ولو استولى الكفار على اقليم عظيم، فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر انفاذ ذلك كله، جلبا للمصالح العامة، ودرءا للمفاسد الشاملة. اذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده، تعطيل المصالح العامة، وتحمل المفاسد الشاملة لفوات كمال فيمن يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها».

الشيخ عبدالمحسن العبيكان..