مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الثالث

تنبيهات هامة على ما كتبه الشيخ محمد علي الصابوني في صفات الله عز وجل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، أما بعد : فقد اطلعت على المقابلة التي أجرتها مجلة ( المجتمع ) مع فضيلة الشيخ عمد علي الصابوني ونشرت في العدد رقم 613 وتاريخ 7 / 6 / 1403 هـ وعلى مقالاته الست المنشورة في أعداد المجتمع : رقم 627 وتاريخ 17 / 9 / 1403 هـ ، ورقم 628 وتاريخ 24 / 9 / 1403هـ ورقم 629 وتاريخ 9 / 10 / 1403 هـ ، ورقم 630 وتاريخ 16 / 10 / 1403هـ ورقم 631 وتاريخ 23 / 10 / 1403هـ ، ورقم 646 وتاريخ 17 /2 / 1404هـ وقد اشتملت على أخطاء نبه على بعضها صاحب الفضيلة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان في مقاله المنشور بمجلة الدعوة في عدد 15 رقم 904 وتاريخ 29 / 10 / 1403 هـ ، وفي مجلة المجتمع بعددها رقم 646 وتاريخ 17 / 2 / 1404هـ ، و650 في 24 / 2 / 1404هـ وقد أجاد وأفاد وأحسن جزاه الله خيرا ونصر به الحق . وقد رأيت التنبيه على ما وقع فيها من أخطاء تأكيدا لما ذكره الدكتور صالح ومشاركة في الخير ونشر الحق واستدراكا لأخطاء لم يتعرض لها فضيلة الدكتور صالح في مقاليه المشار إليهما ، والله الموفق . فأقول :

تقليد الأئمة الأربعة
1- قوله عن تقليد الأئمة الأربعة ( إنه من أوجب الواجبات ) لا شك أن هذا الإطلاق خطأ ، إذ لا يجب تقليد أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم مهما كان علمه . لأن الحق في اتباع الكتاب والسنة لا في تقليد أحد من الناس ، وإنما قصارى الأمر أن يكون التقليد سائغا عند الضرورة لمن عرف بالعلم والفضل واستقامة العقيدة كما فصل ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه ( إعلام الموقعين ) ولذلك كان الأئمة رحمهم الله لا يرضون أن يؤخذ من كلامهم إلا ما كان موافقا للكتاب والسنة ، قال الإمام مالك رحمه الله : ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ) يشير إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا قال إخوانه من الأئمة في هذا المعنى . فالذي يتمكن من الأخذ بالكتاب والسنة يتعين عليه ألا يقلد أحدا من الناس ويأخذ عند الخلاف بما هو أقرب الأقوال لإصابة الحق ، والذي لا يستطيع ذلك فالمشروع له أن يسأل أهل العلم ، كما قال الله عز وجل فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ

2- قال : ( إذا كان ابن تيمية رحمه الله مع درجة علمه لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد وإنما مذهبه حنبلي يتقيد به في كثير من الأحيان ) ،

الجواب : هذا القول فيه نظر بل هو خطأ ظاهر فإن شيخ الإسلام رحمه الله من أعلم المجتهدين وقد توافرت فيه شروط الاجتهاد ، وانتسابه إلى المذهب الحنبلي لا يخرجه عن ذلك؛ لأن المقصود من ذلك موافقته لأحمد في أصول مذهبه وقواعده وليس المقصود من ذلك أنه يقلده فيما قاله بغير حجة وإنما كان يختار من الأقوال أقربها إلى الدليل حسبما يظهر له رحمه الله .
مذهب الأشاعرة هل هو حق أم ضلال؟
3- ذكر أن الخلافات في العقيدة ضيقة وقال : ( الذين يقولون بضلال مذهب الأشاعرة نقول لهم ارجعوا إلى فتاوى ابن تيمية واقرءوا ماذا كتب ابن تيمية عن أبي الحسن الأشعري حتى نفهم أن هؤلاء جهلة ) ا هـ .

والجواب أن يقال :

لا شك أنه ضل بسبب الخلاف في العقيدة فرق كثيرة كالمعتزلة والجهمية والرافضة والقدرية وغيرهم ، وأيضا الأشاعرة ضلوا فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة وما عليه خيار هذه الأمة من أئمة الهدى من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان والأئمة المهتدين فيما تأولوه من أسماء الله وصفاته على غير تأويله ، وأبو الحسن الأشعري رحمه الله ليس من الأشاعرة . وإن انتسبوا إليه؛ لكونه رجع عن مذهبهم واعتنق مذهب أهل السنة ، فمدح الأئمة له ليس مدحا لمذهب الأشاعرة .

ولا يصح أن يرمى من اعترض على الأشاعرة فيما خالفوا فيه عقيدة أهل السنة بالجهل؛ لأن حقيقة الجهل هو القول على الله بغير علم ، أما من أخذ بالكتاب والسنة وقواعد الشرع المعتبرة وسار على طريق سلف الأمة وأنكر كل من تأول أسماء الله وصفاته أو شيئا منها على غير تأويلها فإنه لا يرمى بالجهل . .

قوامة الرجال
4- قال : ( إنما القوامة للرجل قوامة تكليف وليست قوامة تشريف )

والجواب أن يقال :

هذا خطأ ، والصواب أن يقال : إن قوامة الرجال على النساء قوامة تكليف وتشريف لقول الله جل وعلا : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا

فأوضح سبحانه أنه جعل الرجال قوامين على النساء لأمرين : أحدهما : فضل جنس الرجال على جنس النساء ، والأمر الثاني : قيام الرجال بالإنفاق على النساء بما يدفعونه من المهور وغيرها من النفقات .

التفويض الصحيح للكيفية لا للمعاني

5- قال في مقاله الأول بعد المقدمة ما نصه : ( ولا يجوز أن تجعلهم - يعني بذلك الأشاعرة والماتوريدية - في صف الروافض والمعتزلة والخوارج الذين انحرفوا عن أهل السنة والجماعة ، غاية ما في الأمر أن نقول : إنهم مخطئون في التأويل ، ذلك لأن الأسلم أن نفوض الأمر في موضوع الصفات إلى علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية ) ا . هـ .

والجواب أن يقال :

الفرق المخالفة لأهل السنة متفاوتون في أخطائهم ، فليس الأشاعرة في خطئهم كالخوارج والمعتزلة والجهمية بلا شك ، ولكن ذلك لا يمنع من بيان خطأ الأشاعرة فيما أخطئوا فيه ومخالفتهم لأهل السنة في ذلك كما قد بين خطأ غيرهم لإظهار الحق وبيان بطلان ما يخالفه تبليغا عن الله سبحانه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وحذرا من الوعيد المذكور في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ثم يقال : ليس الأسلم تفويض الأمر في الصفات إلى علام الغيوب : لأنه سبحانه بينها لعباده وأوضحها في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ولم يبين كيفيتها ، فالواجب تفويض علم الكيفية لا علم المعاني وليس التفويض مذهب السلف بل هو مذهب مبتدع مخالف لما عليه السلف الصالح .

وقد أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض ، وبدعوهم لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه ، والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك ، وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل . وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله ، وأنا أذكر بعض النقول المهمة عن السلف الصالح في هذا الباب ليتضح للقارئ صحة ما ذكرنا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة ( الفتوى الحموية ) ما نصه : ( روى أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال : كنا - والتابعون متوافرون - نقول إن الله- تعالى ذكره- فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات . فقد حكى الأوزاعي وهو أحد الأئمة الأربعة : عصر تابعي التابعين - الذين هم : مالك إمام أهل الحجاز ، والأوزاعي إمام أهل الشام ، والليث إمام أهل مصر . والثوري إمام أهل العراق - حكى شهرة القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش وبصفاته السمعية . وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه والنافي لصفاته ليعرف الناس أن مذهب السلف كان يخالف هذا . وروى أبو بكر الخلال في كتاب ( السنة ) عن الأوزاعي قال : سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا : ( أمروها كما جاءت ) .

وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال : سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا : ( أمروها كما جاءت ) . وفي رواية : قالوا : ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) . وقولهم رضي الله عنهم : ( أمروها كما جاءت ) رد على المعطلة ، وقولهم : ( بلا كيف ) رد على الممثلة . والزهري ومكحول هما أعلم التابعين في زمانهم والأربعة الباقون أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين ومن طبقتم : حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة وأمثالهما . وروى أبو القاسم الأزجي بإسناده عن مطرف بن عبد الله قال : سمعت مالك بن أنس إذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول : قال عمر ابن عبد العزيز : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد من خلق الله تغييرها ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا . وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة قال : سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟ قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق . وهذا الكلام مروي عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبي عبد الرحمن من غير وجه . ومنها ما رواه أبو الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى بن يحيى قال : كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال : يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا ، فأمر به أن يخرج . فقول ربيعة ومالك : ( الاستواء غير مجهول والكيف غر معقول والإيمان به واجب ) . موافق لقول الباقين : أمروها كما جاءت بلا كيف ، فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة ، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا : ( الاستواء غير مجهود والكيف غير معقول ) ولما قالوا : ( أمروها كما جاءت بلا كيف ) فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل يكون مجهولا بمنزلة حروف المعجم ، وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات . وأيضا فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقا لا يحتاج إلى أن يقول : ( بلا كيف ) فمن قال : إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف .

وأيضا فقولهم : ( أمروها كما جاءت ) يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد ، أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة ، وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ : ( بلا كيف ) إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول ) . انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .