-التشدد والغلو والوسوسة في الدين- خطبة لسماحة المفتي آل الشيخ

خطبة الجمعة

لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ –حفظه الله-

بجامع الإمام تركي بن عبد الله (الجامع الكبير) بالرياض

-التشدد والغلو والوسوسة في الدين-
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله: إن الإسلام نهى الأمة المسلمة عن الغلو، وعن التشدد في الدين، نهاهم عن الغلو، وعن التشدد في الدين في آي من كتاب الله، قال تعالى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ))، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: ( إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو )، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: ( هلك المتنطعون )، قالها ثلاثا، أي قال: هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، وقال أيضاً: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه ).

أيها المسلم: إن الغلو والتشدد في الدين من مكائد الشيطان، ومكره بابن آدم، وقد أخبرنا ربنا عن عداوته لنا ، وحذرنا من ذلك، وقال: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإخبار بأن للشيطان مداخل كثيرة على ابن آدم فهو يجري من ابن ادم مجرى الدم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم ).

أيها المسلم، أيها المسلم: إن كل واحد من الناس فله من الشياطين قرين، ولكن كيد الشيطان كان ضعيفا، وسلطان الشيطان على الذين يتولونه، والذين هم به مشركون، وقد عصم الله من كيده عباده المخلصين: ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)).

أيها المسلم، أيها المسلم: فرض الله فرائض وحد حدود وشرع عبادات أمرنا بالالتزام بها من غير زيادة ولا نقصان، تركنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء ليلها كنهارها بعث بالحنيفية السمحة، فمن حاد عنها فقد ضل وأخطأ.

أيها المسلم: من أعظم مكائد الشيطان بابن ادم ما يكيده له من الوسواس في صلاته من الوسواس في وضوئه، من الوسواس في ترفعه وتطهره من النجاسة، من الوسواس في قضاء الحاجة من الوسواس، هل حصل منه طلاق أم لا؟ من الوسواس في مأكله ومشربه، من الوسواس في أحواله كلها إلا أن المؤمن الصادق لا تروج عليه مكائد الشيطان، ولا ينخدع بها بل هو في أموره كلها على صراط مستقيم ونور مبين، يعرف به الحق من الباطل، ويميز به الحقائق من الأوهام والوساوس.

أيها المسلم: إن عدو الله يسعى في الحيلولة بينك وبين طاعة ربك، وفي إقصاءك عن الخير ما استطاع، فإن عجز وتغلبت على وساوسه، وأقبلت على الطاعة والعبادة، سعى في إفساد عبادتك، إما في إضعاف وجوهها، أو سعى عدو الله أيضاً في إحباطها، وصدك عنها بعد عملك بها، وهذا واضحٌ فيما سيأتي إن شاء الله.

أيها المسلم: إن هذه الوساوس من الشيطان يدعو إليها أمور، فالجهل بأحكام الشرع وعدم العلم بها، يأتي الشيطان من هذا المدخل فمن كان ذا علم بالأمور، فإن العلم الشرعي يقي المسلم تلك المكائد والوسواس لعلمه بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وضعف الإيمان، وكثرة المعاصي والسيئات تجرأ الشيطان على ابن آدم، فهو مع العاصين والمجرمين، وأهل التقوى والطاعة، طاعاتهم وأعمالهم وإخلاصهم تجعل الشيطان يفر منهم بتوفيق من الله، والإتباع لرسول الله الإتباع الحق يخلصك من الإفراط والتفريط، ويجعلك على الطريقة الوسطية الصحيحة، كثرة الهواجس والأوهام تضعف جانب التقوى منك الغفلة عن ذكر الله كذلك.

أيها المسلم: مجالات الوسواس كثيرة، متعددة لم نستعرض شيئاً منها: مما لا إشكال فيه أن الطهارة شرط للمسلم في صلاته، طهارة ثيابه طهارة جسده، طهارة البقعة التي يريد أن يوقع الصلاة عليها، فلا بد أن تكون ثياب المصلي طاهرة، ولا بد أن يكون جميع جسده طاهراً، ولا بد أن تكون البقعة التي يصلي عليها طاهرة، ولكن كيف تكون هذه الطهارة؛ هل تكون هذه الطهارة بالتنصي والتشديد على النفس، وحملها على ما فيه الحرج؟ لا، تكون هذه الأمور باستصحاب أصل الأمور، وأن الأصل طهارة الثياب ما لم أضع عليها نجاسة، والأصل طهارة جسدي ما لم أرى عليها نجاسة، والأصل طهارة البقعة التي أصلي عليها ما لم أشاهد عليها نجاسة، ولذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره )، هذا مما خص الله به هذه الأمة، من قبلنا من الأمم يصلون في ديارهم وصلواتهم وكنائسهم ولا يمكن أن يصلوا في غيرها، لكن هذه الأمة رفع عنها الأغلال والآصار التي على من قبلنا من الأمم، وهدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الهدي كان تارة يصلي على الأرض ويباشر بوجهه الأرض، ففي ليلة إحدى وعشرين من رمضان مرة وكف المسجد فلما انصرفوا فإذا أثر الطين على أنفه ووجهه صلى الله عليه وسلم، وتارة يصلي على الحصير، وتارة يصلي على بساط وما كان يلزم فراش معينا ولا يصحبه في أسفاره بل يصلي على حسب ما اتفق له صلى الله عليه وسلم، وجعل التيمم بالتراب قائما مقام الماء عند عدمه صلى ورأى رجلا من أصحابه في الغزو معتزلاً لم يصلي مع القوم، قال: ما منعك يا فلان أن تصلي معنا قال أصابتني جنابة ولا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك أو فإنه لطهور )، وعمار بن ياسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه النبي في حاجة، فاحتلم، فتمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة، فأتى النبي وأخبره، قال له: إنما كان يكفيك أن تضرب التراب بيديك مرة واحدة ثم تمسح الشمال باليمين، ثم تمسح بهما وجهك؛ فانظر إلى هذا الاعتدال وإلى هذه الوسطية لم يقره على التمرغ في التراب لأن التراب لا يقاس على الماء .

أيها المسلم، أيها المسلم: ومحمد -صلى الله عليه وسلم- في التزامه بطهارة بدنه وثوبه، ما كان تشددا، تشددا زائدا، بل كان عنده الاعتدال، كان يصلي أحيانا بالصحابة الفريضة، ويحمل أمامة بنت بنته بنت العاص ابن الربيع، يحملها إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، وهو يصلي بالمسلمين، ومعلوم أن الطفل قد يقع فيه شيء من النجاسة، لكن لما لم يرى شيئاً، ولم يشاهده، بنى على اليقين، وهو طهارة ذلك الطفل تلك الطفلة؛ كان ساجداً يوماً، فأتى الحسن أو الحسين، فصعدا على ظهره، فصعدا على ظهره، فانتظرهما حتى نزلا، ثم رفع رأسه من السجود -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقل انظروا هذا الغلام، هل فيه نجاسة؟ هل كان قريب البول أو كذا ؟ لم يرى شيئاً، فجعل الأصل الطهارة كله، ثم انظر إلى تعامله مع زوجته أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنهم- تقول لنا: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشرني، وأنا حائض أي دون الفرج، وقالت: ( كان يتكأ في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن ) وتقول أيضاً: ( وكان يخرج رأسه إلي وأنا حائض في الحجرة، وهو في المسجد، فتغسل رأسه، وهي حائض، فتغسل رأسه وهي حائض )، لأن حيضها ليس في كل جسدها، حيضها في موضعه، إنها السنة السهلة التي لا حرج ولا مشقة فيه .

أيها المسلم، أيها المسلم: وفي الطهارة يقع بعض المسلمين في إشكال، ما هو الإشكال؟ إذا أراد الطهارة، تراه مترددا، وترى عنده كربة، وتراه ينطق بالنية رافعاً بها صوته: نويت أن أتوضأ لهذه الصلاة، أمر ما كلف به، وما أمر به، إنما أمر بالطهور إحضارك الماء، وبعداءتك بغسل الأعضاء، تلك النية القلبية كافية.

أيها المسلم: ثم انظر قضاء الحاجة عندما ينتهي المسلم من قضاء حاجته من غائط وبول، تأتي الوساوس لبعض الإخوان والأخوات، فتراه يتأخر في دورات المياه الساعة والساعتين، لماذا؟ يقول: ما انقطع البول ولا زالت قطرات البول، تنزل ويبقى الساعة والساعتين، حتى بعضهم ربما فوت الوقت الحاضر، والذي يليه، لماذا؟ يقول: ما زال البول ينزل مستمرا، وهذا من توهم الشيطان، من وساوسه وأوهامه الذي يلقيها على بعض ضعفاء البصائر، انظروا هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، يقول: أنس -رضي الله عنه- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسافر، وكنت معه أحمل أنا، وغلام نحوي، إداوة من ماء، وعنزة، فيستنجي بالماء، ويجعل العنزة سترة له، يستنجي بالماء فقط وينتهي الموضوع، ويخبرنا عبد الله ابن مسعود أن النبي قضى حاجته، وأنه أتاه بحجرين وعظمة، فألقى العظم وأخذ الحجرين، وقال أتني ثالثة، وقال في الروثة، والعظم إنهما لا يطهران، فاكتفى بالاستنجاء بالحجارة، فإن هديه -صلى الله عليه وسلم- الاستنجاء بالماء إن وجد، أو الاستجمار بالحجارة إن لم يكن ماء، ويصلي من ذلك من غير وساوس، والموسوسون لا يرضون بهذا، ولا تطمئن نفوسهم بهذا، وهذا هدي النبي، ولكن الموسوسين لا يطيقون ذلك، نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان كما قلنا، يستنجي بالماء، ويستجمر بالحجارة، وجاء يوم بجدار، فاستجمر من تراب ذلك الجدار، وانتهى الموضوع، هكذا سنته -صلى الله عليه وسلم- تيسير وتسهيل لا حرج ولا مشقة؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وقد سأله سائل، فقال له: " إني استنجي ثم أخرج إلى الصلاة وأشعر بقطرات بول تخرج مني؟ قال الشيخ رحمه الله في جوابه: لعل هذا من أثر الاستنجاء فلا تلتفت إليه فإنه يوشك أن تنساه ولا تهتم به"؛ لأن من اهتم بهذه الأمور وأطال التردد والتفكر خسر خسارة عظيمة أما في الوضوء فترى بعضهم يحمله الوسواس على أن وضوئه يبقى طويلا ويسرف في الماء الإسراف الكثير، نبينا صلى الله عليه وسلم هديه في وضوءه أكمل هدي ما هو هديه؟ هديه صلى الله عليه وسلم أن الماء الذي يتوضأ به مقداره مد والماء الذي يغتسل به مقداره صاع، يعني مدٌ يقولون ملأ كفي الرجل المعتدل مع هذا فهو يغسل وجهه يتمضمض ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا وكل يد إلى المرفق ثلاثا ويمسح الرأس واحدة، ويغسل كل رجل إلى الكعبين ثلاثا ويكفيه المد الواحد في ذلك إسباغ الوضوء مع قلة الماء، ولكن الموسوس تراه يغسل كل عضو عشر مرات أو أكثر فتراه ينتهي من وضوئه ثم يعيده وتراه يفتش الأعضاء قدر أنملة هل بقي شيء أم لا وتراه وتراه وبعضهم يقول إني أبقى في الوضوء ساعتين ما أطمأن بذلك، هذا كله من تلاعب الشيطان، ومن وسواس الشيطان، حدث جابر ابن عبد الله قال: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع )، فقال رجل من الحاضرين: ما يكفيني، قال: ( لقد كان يكفي من هو خير منك وأكثر شعرا )، يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فيا أخي المسلم، ويا أختي المسلمة: الوضوء الشرعي معروف، فإياكم والزيادة في عدده، فإن النبي لما علم رجل ثلاث مرات، قال: ( ومن زاد على هذا فقط أخطأ وضل )، وقال لسعد ابن أبي وقاص وهو يتوضأ: ( إياك والإسراف)، قال أفي الماء إسراف، قال: ( نعم، وإن كنت على ضفة نهر جار ).

أخي المسلم: ثم وسوسة أخرى في الصلاة، فترى هذا الموسوس عندما يريد أن يقول: الله أكبر، ليفتتح بها صلاته، يتلكأ، هل نوى أم لم ينوي؟ هل نطق أم لم ينطق؟ حتى أن بعضهم يقول: لا أستطيع أن أقول الله أكبر، وأتردد مراراً، ثم مراراً، وبعضهم قطع الصلاة، وقال: لا أحسنها كل هذا من مصائب الشيطان، وإضلاله لبني آدم، وبعضهم عند الصلاة تراه يتعب نفسه، بأشياء ما شرعت له، فيقول: اللهم إني نويت أن أصلي الجمعة ركعتين مأموماً خلف الإمام في وقتها، أداءً لا قضاءً، مأموماً لا إماما، وامشوا على هذا وقس، وكل هذا من الخطأ، قيل للإمام أحمد: أتقول قبل التكبير شيئاً، قال: لا، إذ لم ينقل ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من أصحابه .

أيها المسلم: ومن رحمة الله بنا أنه لا يعاقبنا إلا بما نطقت به ألسنتنا، لا بما كان في ضمائرنا، ولما أنزل الله على نبيه: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))، أتى الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله كلفنا من العمل ما نطيق الصلاة والزكاة، وقد جاءنا أمر لا طاقة لنا به، قال ما هو؟ قالوا قول الله: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))، قال: أتريدون أن تقولوا سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترعها القوم، وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل ) .

أيها المسلم: يوسوس بعضهم، فيقول: صدر مني طلاق، وإذا ناقشته ما تكلمت به ماذا قلت؟ قال: إنما هي في نفسي، وكل هذا من الوسواس الخطيرة التي يجب اجتنابها، فلا نكن موسوسين في وضوئنا، ولا في صلاتنا، ولا في قضاء حاجتنا، ولا في ترفعنا عن النجاسة، بل نلزم الشريعة العدلة الوسطية البعيدة عن الغلو والجفاء في كل هذه الأحوال، محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم الخلق ورعاً، وأكملهم تقى، وأبعدهم عن كل سوء، توضأ من مزادة امرأة مشركة في أحد أسفاره، وقد قل الماء عليهم، فجاءوا فرأوا امرأتين بين راويتين، فأتوا بها، ففتحت أفواه هذه الراويتين، فجاء النبي فيها وبارك، حتى ورد على هاتين الراويتين ألف وخمسمائة من أصحاب النبي ببركة دعاء النبي وتبريكه في هاتين الراويتين، وهي امرأة مشركة، والأصل طهارة الأشياء، إذ النجاسة في المشرك نجاسة معنوية لا نجاسة حسية ظاهرة، هكذا سنته صلى الله عليه وسلم لبسه ما لبسه غير المسلمين وأكل من طعام غير المسلمين، لأن الله يقول له: ((وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُم))، هكذا سنته في أموره كلها، يقين جازم، ولا شكوك، ولا أوهام، ولا وساوس.

أسأل الله أن يوفقني وإياكم، لما يحبه ويرضاه في أقوالنا وأعمالنا، وأن يرزقنا إتباع سنة نبيه، والسير على هديه والتخلق بأخلاقه والتأسي بسنته والتأدب بآدابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي، ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:

الحمد لله، حمداً، كثيراً، طيباً، مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله: يقول الله جل وعلا: (( قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ))؛ قال بعض السلف: الصلاة دين، والوضوء دين، وأنك إذا قلت نويت أتوضأ، أو نويت أن أصلي كنت تعلم الله بدينك الله مطلع عليك، إتيانك بالماء وبداءتك يدل على نية الوضوء، دخولك المسجد دليل على نية الصلاة، صومك رمضان من أوله يدل على نية الصيام، كل هذه أمور لا تحتاج إلى أن تكلف نفسك ما لا تطيق، ولا أن تحمل عليها مالا طاقة لها به.

أيها الأخوة: يتساءل البعض من الناس عن هذا الباب فسائل، يقول: يوماً إذا توضأت فقطرات الوضوء التي ربما تقع على شيء من بدني، أهي نجسة إلى هذا الحد، ويتساءل بعضهم، ويقول: أخرج من دورات المياه وأنا حافي القدمين فأطأ الفراش أيكون هذا الفراش نجساً، وكل هذه من الوساوس والتشديد الذي ما شرعه الله لك ولا هداك إليه، فاتق الله وألزم الأدب الصادق والزم السنة لتنجو من تلك الوسواس، فإن في الوساوس إحداثاً لغضب الله عليك، حيث ربما أخرك الوسواس عن الطاعة وثقلها عليك، أو صرفك عنها، وإنها لخلاف إتباع السنة، ودليل على ضعف البصيرة، فاتق الله في أمورك كلها، اسأل الله لي ولكم السداد في القول والعمل

واعلموا إخواني رحمكم الله، واعلموا رحمكم الله: أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار، وصلوا - رحمكم الله- على محمد ابن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) .

اللهم صلي وسلم، وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد سيد ولد آدم وعلى آله وصحابته أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام، والمسلمين، وأذل الشرك، والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك، اللهم كن له عوناً ونصيراً في كل ما أهمه، اللهم انصر به دينك وأعلي به كلمتك واجمع به كلمة الأمة على الخير والسداد إنك على كل شيء قدير.

اللهم وفق ولي عهده سلطان بن عبد العزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتأييدك، اللهم سدده في أقواله وأعماله، اللهم اجعلهم أعوانا على البر والتقوى إنك على كل شيء قدير .

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه، يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.