فصل

قول عبدالله عزام في توحيد الأسماء والصفات :


أما في توحيد الأسماء والصفات فإن عبدالله عزام خلط بين أقوال أهل السنة والجماعة كابن خزيمة وابن القيم وبين أقوال غيرهم من أهل البدع كالفخر الرازي وحسن البنا وفي آخر بحثه أخذ بقول حسن البنا ، لأن عبدالله عزام من حزبه وتربى في طائفته منذ نعومة أظفاره .
قال القطبي عبدالله عزام (1 ) : (القول الرابع : مذهب الخلف :
وأصحاب هذا المذهب يرون جواز تأويل بعض الصفات تنزيهاً لله ، مع أنهم يتفقون مع السلف على أن المراد بالآيات غير ما يتبادر إلى ذهن الإنسان مما يدركه ) أهـ
أقول : هذا الكلام أخذه عبدالله عزام من حسن البنا فإنه يقول في مجموع رسائله(2 ): ( وخلاصة هذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد غير الظاهر المتعارف بين الخلق )أ هـ
وأما قول عبدالله عزام : ( وأما أصحاب هذا المذهب يرون جواز تأويل بعض الصفات تنزيهاً لله عزو جل ....)
فيقال : تأويل صفة من صفات الله عزو جل تأويل فاسد ولا يجوز وهو في حقيقته تحريف وليس تأويل صحيح كتأويل استواء الله على عرشه باستيلائه ويده بقوته ونعمته ونحو ذلك من تحريف أهل البدع لنصوص الصفات .ولا يكون تنزيه الله عزوجل بتحريف صفاته التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يكون تنزيه الله عزوجل بالإيمان بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل .
أما التأويل فيطلق ويراد به التفسير وهو إيضاح المعنى وبيانه وهو اصطلاح أكثر المفسرين ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما :(اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ) ( 3)
ويطلق التأويل ويراد به الحقيقة التي يؤول الشيء إليها كقوله تعالى ( هل ينظرون إلا تأويله )( 1)
أما ماذكره عبدالله بن عزام فهو تحريف لنصوص الصفات بحجة تنزيه الله عز وجل من التشبيه ، ولهذا يسمون أهل السنة بالمشبهه أو المجسمة ونحو ذلك .
وأما قوله ( مع أنهم يتفقون مع السلف على أن المراد بالآيات غير مايتبادر إلى ذهن الإنسان مما يدركه ) .
فيقال : أولاً : أهل البدع خصوم للسلف الصالح ولأتباعهم في كل زمان دل على هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر :( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ،لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله )( 1)فدل الحديث على وجود المخالف لهم والخاذل لهم في كل زمان .
فعلم من هذا بطلان مذهب أهل التمييع لأصول العقيدة الصحيحة .
ثانياً: السلف الصالح كانوا يثبتون ماجاء في الكتاب الله وثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مايظهر من نصوص الأسماء والصفات من المعاني اللائقة بالله تعالى من غير تشبيه والقول أن مذهبهم : ( أن ماجاء به النبي صلى الله عليه وسلم من نصوص الصفات ألفاظ مجهولة لايعرف معناها ) كما زعم حسن البنا وتبعه عبدالله عزام في كتابه العقيدة فقد كذب على السلف الصالح أو ضل في فهم مذهبهم ، إذ لايمكن أن يقول أحد منهم أن قوله تعالى ( بل يداه مبسوطتان) ( 2) لايراد به اليدان الحقيقيتان واللائقتان من غير تمثيل .
فيجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه ، دل على هذا قوله عزوجل ( لتبين للناس ما نزل إليهم )(3 )وهذا يتناول اللفظ والمعنى وقوله عزوجل ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته )(4 ) وتدبر الآيات بغير فهم معانيها غير ممكن وقد قال أبو عبدالرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن : كعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا مافيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
ومما بدل على إثبات السلف للصفات وأنهم ليسوا على وفاق مع أولئك المتأولين : أن المتأولة كانوا خصوماً للسلف وكانوا يرمونهم بأنهم مجسمة أو حشوية ، كما قال عمرو بن عبيد : كان عبدالله بن عمر حشوياً .( ) وذلك لإثباتهم الصفات ولو كان السلف يوافقونهم في عدم دلالة النصوص على الصفات لم يجعلوهم خصوماً لهم .
ثالثاً: روي عن مالك بن انس ومكحول والزهري وسفيان الثوري والليث ابن سعد والأوزاعي أنهم قالوا في آيات الصفات وأحاديثها : ( أمروها كما جاءت بلا كيف )(2 )وهذا يقتضي وجوب إثبات لفظها وما دل عليه من المعنى اللائق بالله لأنها ألفاظ ذات معنى مفهوم عند من نزلت بلغتهم وهم العرب فعلم أن من لم يثبت معناها لم يكن أمرها كما جاءت .ثم لو كان السلف لا يرون وجوب إثبات معناها لقالوا : أمروها كما جاءت لفظا ولا تثبتوا لها معنى أونحو هذه العبارة .
وقولهم :( بلا كيف ) يدل على إثبات أصل المعنى مما يتبادر إلى ذهن المستمع مما يدركه من معاني الكلمات .
ووجه ذلك : أن أصل المعنى لو كان غير ثابت ما احتاجوا إلى ذكر نفي الكيفية ، لأن نفي الكيفية عما لم يثبت أصله لغو من القول لا حاجة إليه . وقد ذكر شيخ الإسلام أن قول أهل التفويض وهو القول الذي أخذه عبدالله عزام من حسن البنا من شر أقوال أهل البدع والإلحاد (3 )


فصل

قول أهل السنة والجماعة في كلام الله

كلام الله صفة من صفاته غير مخلوق وأن الله يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء بكلام حقيقي مسموع بحروف وصوت لايشبه أصوات المخلوقين .ودليلهم على أنه صفة من صفاته قوله تعالى ( وكلَّم الله موسى تكليماً ) لأن الله أضافه إلى نفسه والكلام صفة المتكلم ليس شيئاً منفصلاً عنه .ومن أدلتهم على أنه يتعلق بمشيئته قوله تعالى ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربُه ) فحصل تكليم الله لموسى بعد مجيئه وحصل من موسى سؤال فأجابه الله بوقته .
ومن أدلة أهل السنة والجماعة أنه بحرف ، أن كلامه الذي بين أيدينا والذي أخبرنا عنه حروف كقوله تعالى ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلىّ ) ومن الأدلة على أنه بصوت قوله تعالى ( ونادينه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيّا ) والنداء والمناجاة لا يكونان إلا بصوت .
ولايشبه صوته صوت المخلوقين لقوله تعالى (ليس كمثله شيء ) وعند أهل السنة والجماعة أن كلام الله تعالى صفة ذات باعتبار أصله وصفة فعل باعتبار آحاده لأنه يتعلق بمشيئته .
هذا قول أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى .
كلام الله تعالى عند عبدالله عزام :

يقول عبدالله عزام في كتابه العقيدة : إن الاكتشافات هي عبارة عن معرفة سنن الله في هذا الكون والله الذي خلق هذه السنن والنواميس والأنظمة في الكون هو الذي أنزل القرآن وهو الذي أنطق رسوله صلى الله عليه وسلم بالسنة ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) فلا يمكن أن يصطدم نظام الله في الكون ونظام الله في القرآن ،فالكون هو كتاب الله المنظور والقرآن هو كتاب الله المسطور ، فلا يمكن أن يصطدم الكتابان معاً) أهـ
أقول : لا يخفى أن هذا الكلام يفيد أن القرآن مخلوق حيث جعل الكون والقرآن شيء واحد مع أن عبدالله عزام لم يصرح في كتابه العقيدة بأن القرآن غير مخلوق ولا غرابة فانه يتبع في هذا شيخ القطبية سيد قطب الذي صرح بأن القرآن مصنوع حيث قال على قول الله تعالى ( ألم * أحسب الناس ....) الآيات :((ولنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان )) وصرح في موضع آخر بأنه كالروح – وهي مخلوقة _ حيث قال على قوله تعالى :(ويسألونك عن الروح )الآية ( فهذا القرآن ليس ألفاظا وعبارات يحاول الإنس والجن أن يحاكوها وإنما هو كسائر ما يبدعه الله ، يعجز المخلوقون أن يصنعوه هو كالروح )
فعلم من هذا بُعد هذه الطائفة عن مذهب أهل الحق أهل السنة والجماعة ، بل هم شرٌ من الخوارج الذين كانوا في زمن الصحابة -رضوان الله عليهم – لأن الخوارج في ذلك الوقت على ضلالهم لم يكونوا جهمية في الصفات بخلاف سيد قطب وأتباعه .




فصل


من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان في الشرع هو إقرار القلب المستلزم للقول والعمل ، فهو : اعتقاد وقول وعمل ، أي اعتقاد القلب ، وقول اللسان ، وعمل القلب والجوارح .
والدليل على دخول هذه الأشياء كلها في الإيمان ما ثبت في صحيح الإمام مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم :( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )فالإيمان بالله وملائكته ....الخ هو : اعتقاد القلب ، وما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال : (الإيمان بضع وسبعون شعبة ، فأعلاها قول :لإله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )
فدل الحديث على دخول قول اللسان في الإيمان لأن قول لا إله إلا الله قول اللسان وإماطة الأذى عن الطريق عمل الجوارح ،والحياء عمل القلب .
ومن أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص وقد دل على ذلك الكتاب والسنة فمن ذلك قوله تعالى ( ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ) وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة :( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) ففي هذه الآية والحديث إثبات زيادة الإيمان ،وأما نقصه فدل عليه ما ثبت في الصحيحين أنه قال في النساء: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن )