فصل

قال عبدالله عزام : ( وهذا الاعتقاد هو الذي أخرج أمثال ابن تيمية الذي تحدى حكام زمنه- الذين زجوا به في سجن القلعة – قائلاً : " ماذا تصنعون بي ؟! إن قتلي شهادة وأن سجني خلوة وإن نفي سياحة " ولهذه العقيدة أبناؤها البررة في كل زمان ، فلنصغ للعز بن عبدالسلام من وراء القرون وهو يرد على رسول الملك الصالح إسماعيل الذي رجاه أن يعتذر للسلطان ويقبل يده حتى يعيد إليه مناصب القضاء فقال : والله لو قبل يدي ما قبلت ، يا قوم أنتم في واد ونحن في واد ، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به " وفي هذا العصر كان من أبنائها البررة الأستاذ سيد قطب ...)
أقول هذا الخلط بين إمام من أئمة السنة والعز بن عبدالسلام وسيد قطب وغيرهما يوهم القارئ أنهم على عقيدة واحدة ، وهذا من التلبيس والخداع الذي اشتهر به أهل البدع ، فإن الباطل المحض لا يقبله أحد وإنما تحصل الفتنة من اشتباه الحق بالباطل ولهذا سموا أهل البدع أهل الشبهات .
وعبدالله عزام يوهم القارئ أن ابن تيمية على هذا الاعتقاد الذي قرره في كتابه العقيدة وأثرها في بناء الجيل ، وهذا من الكذب وقد سبق بيان كذب عبدالله بن عزام وشيخه حسن البنا عندما نسبوا مذهب التفويض لمعاني الصفات إلى مذهب السلف الصالح ، والآن يجعل هذه العقيدة التي قررها في كتابه هي التي أخرجت أمثال ابن تيمية .
ومن المعلوم أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد قضى أكثر حياته في تعليم السنة والرد على مخالفيها وقد رد رحمه على المعطلة لمعاني الأسماء والصفات ورد على الخوارج والمرجئة والرافضة .
وأما عبدالله عزام فإنه يعظم الرافضة وثورتهم في إيران ، فقد قال حسن خليل حسين في كتابه ( الشهيد عبدالله عزام ) : ( وهنا أنقل بعضاً مما دار بيني وبين الرجل قبيل فصله من الجامعة الأردنية بقرار من مديرها ، قيل إن سببه نشاط الرجل في مدرجات الجامعة وشغفه الكبير بالثورة الإيرانية ) وأما شيخ الإسلام –رحمه الله – فلا تكاد تقرأ كتاب له إلا فيه الرد على الرافضة ، بل قد أفرد كتاباً كبيراً رد فيه على ابن مطهر الحلي الرافضي وهو كتاب منهاج السنة النبوية ، ومن العبارات التي قالها في حق هذا الرافضي قوله في هذا الكتاب : ( ومن العجب أن هذا المصنف الرافضي الخبيث الكذاب المفتري ...) وفيه أيضاً : ( ومن العجب أن هذا الحمار الرافضي ... ثم هذا الحمار الرافضي ...) وإنما ذكرت كلام شيخ الإسلام هذا لأبين أن السلف كانوا يغلظون القول في أهل البدع وليست هذه شدة مذمومة ولا هو من الغلو كما يزعم من تأثر بأصول حسن البنا ومدرسته ، بل هي شدة محمودة ومنقبة من مناقب أهل السنة وإن رغمت أنوف أهل التمييع لمنهج السلف الصالح .
وأما قول عبدالله عزام : ( أمثال ابن تيمية الذي تحدى حكام زمنه – الذين زجوا به في سجن القلعة - ...)
فيقال شيخ الإسلام ابن تيمية يقرر في كثير من كتبه مذهب أهل السنة والجماعة في تعاملهم مع الأئمة ، ومن كلامه حول هذا الأصل قوله في كتابه الاستقامة : ( ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة وترك قتال الأئمة ، وترك القتال في الفتنة ، وأما أهل الأهواء كالمعتزلة فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم ) وقال في مجموع الفتاوى : ( ولهذا كان مذهب (أهل الحديث ) ترك الخروج بالقتال على الملوك والبغاة والصبر على ظلمهم إلى أن ستريح بر أو يستراح من فاجر ) ولم يكن –رحمه الله – يكفر بغير حق حكام زمانه ولم تكن أصل الخصومة مع الحكام وإنما كانت خصومته مع أهل البدع أمثال عبدالله عزام المفتري ، فإنه رحمه الله جاهدهم أعظم الجهاد ، جاهدهم بلسانه وقلمه لكن أهل البدع في زمنه لما قامت عليهم حجة أهل السنة أخذوا يظهرون الوشاية بهم عند الحكام ومن لهم سلطة ، فحصل الأذى منهم لأهل السنة بسبب تمسكهم بالسنة والرد على المخالفين لها ، أما الضرر فإن أهل السنة المحضة لايضرهم المخالف ولا الخاذل لعظم فضل العقيدة التي يحملونها ، أما سجنه – رحمه الله – فكان بسبب تصديه للمبتدعة وأصحاب العقائد الفاسدة حيث سعى به الواشون من خصومه من أهل البدع لدى لسلاطين
وافترى عليه ، فأول محنته في شهر ربيع الأول سنة 698هـ بسب عقيدته الحموية التي تضمنت تقرير السنة والرد على أهل البدع وخاصة من كان في زمانه ، وجرى له محن عظام ثم في سنة 736هـ ، امتحن في مسألة شد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين ، وفي يوم الاثنين السادس من شعبان سنة 736هـ جاء مرسوم السلطان بإقامته في القلعة .
وقد سر الشيخ بذلك وهناك بدأ يؤلف ويكتب وينشر رسائله ، ومنها رده على الإخنائي والتي سماها الشيخ بنفسه ( الإخنائية ) قال -رحمه الله- : ( فإني كنت حريصاً على خروج شيء منها – يعني الكتب – لتقفوا عليها وهم كرهوا خرجوا ( الإخنائية ) فاستعملهم الله في إخراج الجميع .... الخ )
فعلم من هذا أن خصومته مع أئمة الضلال كما كانت خصومة الإمام أحمد قبله معهم ، وخصومة الإمام محمد بن عبدالوهاب بعده معهم ، وخصومة أهل السنة في هذا الزمان معهم ، وفيما يأتي من الأزمنة ، فإن الناس مع أهل السنة المحضة مابين خاذل ومخالف .
قال ابن القيم : ( قال ابن تيمية ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس )
وقول عبدالله عزام : ( ولهذه العقيدة أبناؤها البررة في كل زمان ، فلنصغ للعز بن عبدالسلام من وراء القرون ... وفي هذا العصر كان من أبنائها البررة الأستاذ سيد قطب ...) .
فيقال : العز بن عبدالسلام ليس على مذهب أهل السنة والجماعة وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في المجموع ( 4/144- 145-146-147-148-149) أما سيد قطب فليس على مذهب أهل السنة لا في التوحيد ولا في الصفات ولا في الإيمان وعنده من البدع الكبرى ما لا يخطر في بال الباحث ثم بعد هذا يجزم له بالشهادة والإمامة .

فصل


قال عبدالله عزام : ( وما دامت ربانية فالناس أمامها سواء لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى . فالله خالق الناس أجمعين ، فكلهم عبيده ، وهو لا يفضل لوناً على لون ، الأبيض على الأسود – كما هو الحال في القانون الأمريكي – ولا يفضل الرجال على النساء ولا يحابيهم سبحانه لأن الرجل والمرأة كلهم خلقه ، ولا يفضل طبقة على طبقة كالأشراف على العبيد ولا يفضل جنساً على جنس ، كتفضيل العرق الآري والجنس الأبيض على غيره " وألمانيا فوق الجميع " ولهذا فهي العقيدة الوحيدة التي تنصف الناس وتعدل بينهم ، والناس يقفون فيها على قدم المساواة ، حاكمهم ومحكومهم سواء )
أقول : هذا الكلام فيه حق وباطل .
فمن الحق الذي فيه : ذم تفضيل الأفراد على الأفراد بغير التقوى ، دل على هذا ماثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وفيه قال صلى الله عليه وسلم : ( ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )
وأما قوله ( ولا يفضل جنساً على جنس) فهذا باطل ، قال شيخ الإسلام –رحمه الله :(فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة : اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم وسريانيهم وروميهم وفرسيهم وغيرهم) وقال : ( وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم وهؤلاء يسمون الشعوبية ، لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل ، كما قيل القبائل : للعرب والشعوب : للعجم ) وقال : ( وذهبت طائفة إلى عدم التفضيل بين هذه الأجناس وهذا قول طائفة من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الطيب وغيره وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد وهذا القول يقال له مذهب الشعوبية وهو قول ضعيف من أقوال أهل البدع ، كما بسط في موضعه وبينا أن تفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي تفضيل كل فرد على فرد ، كما أن تفضيل القرن الأول على الثاني والثاني على الثالث لا يقضي ذلك ، بل في القرن الثالث من هو خير من كثير من القرن الثاني ) ثم قال – رحمه الله- : ( فهذا هو الأصل المعتبر في الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقاً ، ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى ، فضلاً عمن هو أعظم إيماناً وتقوى فكلا القولين خطأ وهما متقابلان .بل الفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية ، فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامة ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد ) أهـ
وقد ذكر رحمه الله الأدلة على هذا الأصل في بعض كتبه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،،،،