سلسلة إتحاف الخلف بمسائل من منهج السلف
( 1 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،
أما بعد ،،
فإن الله عز وجل يقول في كتابه العظيم :{فذكر إن نفعت الذكرى} [سورة الأعلى آية : 9] ويقول سبحانه :{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}[ سورة المائدة آية : 2] ، وعن تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الدين النصيحة " قلنا : لمن ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم .
فمن هذه الأدلة ، وغيرها أجد نفسي ملزماً ، بتذكير إخواني بأمر عظيم ، كان سلفهم الصالح ينهون عنه ، وينكرونه أشد النكير ، ألا وهو مصاحبة المردان ، والنظر إليهم ، ذلك الأمر الذي جر على بعض شباب الدعوة (إن صح التعبير) الويلات تلو الويلات ، من ضياع دين وضياع خلق , مما لا يخفى على من له وجود في الساحة الدعوية , وخاصة العارف بالدعوات الحزبية , التي تبالغ في اهتمامها بتسلية الصبيان , والترفيه عنهم ، حتى استحدثوا وسائل لم تكن معروفة في القرون المفضلة , ولا عند سلف الأمة .
ومن ذلك الرحلات البرية والبحرية , والرحلات إلى مكة والمدينة , وآخرها بدعة المفلسين الرحلات السياحية , والتي تستغرق عدة أيام , وتشتمل على كثير من المنكرات :

1-أعظمها مخالفة سبيل المؤمنين ، فقد تضافرت الآثار السلفية في النهي عن مصاحبة المردان والنظر إليهم – كما سيأتي – .

2-أن هذه الرحلات الدعوية ( زعموا ) للصبيان , ليس لها - فيما أعلم - نظير في سير السلف الصالح ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه بلا شك.

3-اختلاط المشرفين على هذه الرحلات بالصبيان المردان ، وهو أمر خطير , ويزيده خطورة أن كثيرا من أولئك المشرفين غير محصنين .

4-اختلاط الصبيان بعضهم ببعض مع تفاوت أعمارهم ، واختلاف بيئاتهم .
إلى غير ذلك من المفاسد والمنكرات .

واعلم وفقك الله ، أن هذا الباب من أعظم أبواب الفتن ، قد أهمل كثير من الناس مراعاته ، فإن الشيطان إنما يدخل على العبد من حيث يمكنه الدخول ، إلى أن يدرجه إلى غاية ما يمكنه من الفتن ، فإنه لا يأتي إلى العابد فيحسن له الزنا في الأول ، وإنما يزين له النظر ، والعابد والعالم قد أغلقا على أنفسهما باب النظر إلى النساء الأجانب ، لبعد مصاحبتهن وامتناع مخالطتهن ، والصبي مخالط لهما ، فليحذر من فتنه ، فكم قد زل فيها قدم ، وكم قد حلت من عزم ، وقل من قارب هذه الفتنة إلا وقع فيها .
وعلى منهج الحذر مضى سلف هذه الأمة ، وبه أمر العلماء الأئمة . ( ذم الهوى ص 90 ) .

ولن نصل إلى ما وصل إليه السلف الصالح من قوة الإيمان ، وصلابة الدين ، وسد لأبواب الشر من بدع ، وشهوات ، ولكن الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سددوا وقاربوا وابشروا ...) رواه مسلم .

وقد أحسن من قال :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح




المراد بالأمرد : هو الشاب الذي بلغ خروج لحيته وطر شاربه ولم تبد لحيته . لسان العرب :6/4172.
وقال ابن القطان الفاسي – رحمه الله - : ( ونعني به من لم يلتح بعدُ ، أو غلام لم يدرك ، ممن تميل الأبصار إليهم وتتحرك الطباع من بعض الناس إلى الهوى باستحسانهم ) أحكام النظر ص257 .

ـ وقد استدل السلف الصالح - رحمهم الله - على تحريم النظر إلى المردان بعدة أدلة منها:

1- قول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون }[ سورة النور آية : 30] .

2- عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لكل بني آدم حظ من الزنا فالعينان يزنيان وزناهما النظر ) رواه أحمد وغيره.
إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على تحريم النظر للمحرمات ، وأما ما جاء عن السلف في ذلك ، فهو كثير جداً ، وإليك بعض ما يسر الله لي من أقوالهم :

ـ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه - : ( ما أتى على عالم من سبع ضار أخوف عليه من غلام أمرد ) . تلبيس إبليس ص311.

ـ وقال الحسن بن ذكوان - رحمه الله - : ( لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى ) شعب الإيمان (4/358) .

ـ وقال أبي السائب - رحمه الله - : ( لأنا أخوف على عابد من غلام من سبعين عذراء ) ذم الهوى ص92 .


ـ وقال بشر بن الحارث- رحمه الله - : ( احذروا هؤلاء الأحداث )ذم الهوى ص94.

ـ وقال المروذي - رحمه الله - : ( جاء حسن البزاز إلى أبي عبدالله ، يعني أحمد بن حنبل ، ومعه غلام حسن الوجه فتحدث معه ، فلما أراد أن ينصرف قال له أبو عبد الله : يا أبا علي لا تمش مع هذا الغلام في طريق ، فقال له : إنه ابن أختي ، قال : وإن كان ، لا يهلك الناس فيك ) وفي لفظ ( لئلا يظن بك بعض من لا يعرفك وتعرفه سوءاً ) ذم الهوى ص94 ، وتلبيس إبليس ص 311

ـ وقال أبو سهل – رحمه الله - : ( سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل ) . شعب الإيمان (4/358) .

ـ وقال فتح الموصلي - رحمه الله - : ( صحبت ثلاثين من الأبدال ، كلهم يوصيني عند فراقه بترك صحبه الأحداث ) ذم الهوى .

ـ وقال بقية بن الوليد- رحمه الله – : ( كانوا يكرهون النظر إلى الغلام الأمرد الجميل ) ذم الهوى .
ـ وقال جنيد – رحمه الله - : ( جاء رجل إلى أحمد بن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فقال له: من هذا، قال : ابني فقال أحمد لا تجئ به معك مرة أخرى فلما قام قال له محمد بن عبد الرحمن الحافظ أيد الله الشيخ أنه رجل مستور وابنه أفضل منه فقال أحمد الذي قصدنا إليه من هذا الباب ليس يمنع منه سترهما على هذا رأينا أشياخنا وبه أخبرونا عن أسلافهم رحمهم الله ) ذم الهوى ص94 ، وتلبيس إبليس ص 311 .

ـ قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( قوم لم يقصدوا صحبة المردان وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم على طريق الإرادة فيلبس إبليس عليهم ويقول لا تمنعوه من الخير ثم يتكرر نظرهم إليه لا عن قصد فيثير في القلب الفتنة إلى أن ينال الشيطان منهم قدر ما يمكنه . وربما وثقوا بدينهم فاستفزهم الشيطان فرماهم إلى أقصى المعاصي كما فعل ببرصيصا . ) تلبيس إبليس ص 309 .

ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( وما زال أئمة العلم والدين كشيوخ الهدى وشيخ الطريق يوصون بترك صحبة الأحداث ) الفتاوى الكبرى (1/289).

ـ وقال الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: ( وفوائد غض البصر وآفات إرساله أضعاف أضعاف ما ذكرنا وإنما نبهنا عليه تنبيهاً ولا سيما النظر إلى من لم يجعل الله سبيلاً إلى قضاء الوطر منه شرعاً، كالمردان الحسان فإن إطلاق النظر إليهم السم الناقع والداء العضال ) . غض البصر ص 26 .

ـ وقال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله - : ( وأقوال السلف في التنفير منهم ، والتحذير من رؤيتهم ومن الوقوع في فتنتهم ومخالطتهم أكثر من أن تحصر ،وكانوا رضوان الله عليهم يسمون المرد ( الأنتان والجيف ) لأن الشرع الشريف ، والدين الواضح المنيف استقذر النظر إليهم ومنع من مخالطتهم والخلوة بهم لأدائها إلى القبيح ) كتاب تحرير المقال ص 63 .







سبب نهي السلف عن ذلك :

ـ دخل رجل على سفيان الثوري ومعه أمرد حسن الوجه فقال له ( من هذا منك فقال ابن أخي، فقال أخرجوه عني ، فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً، ومع كل أمرد سبعة عشر شيطاناً ) .

ـ دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه غلام صبيح فقال : ( أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا ومع كل غلام بضعة عشر شيطانا ) شعب الإيمان (4/360) .

ـ وقال أبو العباس الأنصاري القرطبي- رحمه الله - : ( وكل ما تقرر في حق الأجنبية يجري مثله في حق الأمرد الحسن الصورة والوجه فإن سماعه والنظر إليه مظنة المفسدة ، بل الفتنة به أعظم والبلية أشد لأن الإنسان إذا ابتلى بامرأة فقد تكون له طريق يتوصل بها إليها وهو النكاح أو التسري بخلاف الأمرد فإنه لا طريق يتوصل إليها بها فيقع في الحرام الموجب للرجم بالحجارة في الدنيا والحشر مع قوم لوط في الآخرة ) كشف القناع عن حكم الوجد والسماع ص 218.

ـ وقال العز بن عبد السلام - رحمه الله - : ( ... والافتتان بالمرد أعظم من الافتتان بالنساء ؛ لأن المفتتن بالنساء يقدر على التوصل إليهن بسبب مباح ، وليس الافتتان بالمرد كذلك ) الفتاوى الموصلية ص 85 .

ـ وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - : ( وفي المرد من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ولأنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء ويسهل في حقه من طرق الريبة والشر ما لا يسهل في حق المرأة ) الزواجر ( 2 / 7 ) .



شبهات والرد عليها :
الشبهة الأولى : يقول بعض المخاذيل : نحن ننظر إلى الأمرد وذلك لا يؤثر فينا ، ولا يحرك شهوتنا نحو الحرام .


الرد عليها :
ـ قال سعيد بن المسيب - رحمه الله - : ( إذا رأيتم الرجل يحد النظر إلى الغلام الأمرد فاتهموه ) ذم الهوى ص92 .

ـ قال النجيب بن السري – رحمه الله - : ( كانوا يكرهون أن يحد النظر إلى الغلام الجميل الوجه ) ذم اللواط للهيثم بن خلف أثر رقم 77 .

ـ قال بقية – رحمه الله - : ( كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الجميل ) . شعب الإيمان (4/358) .

ـ وقال ابن الجوزي- رحمه الله - : ( قلت والفقهاء يقولون من ثارت شهوته عند النظر إلى الأمرد حرم عليه أن ينظر إليه ومتى ادعى الإنسان أنه لا تثور شهوته عند النظر إلى الأمرد المتسحسن فهو كاذب وإنما أبيح على الإطلاق لئلا يقع الحرج في كثرة المخالطة بالمنع فإذا وقع الإلحاح في النظر دل على العمل بمقتضى ثوران الهوى ) . تلبيس إبليس ص 302 .

ـ وقال أيضا : ( أنه إنما يباح النظر إلى الأمرد مع عدم الشهوة ، فإن عدمت لكنه يخاف أن تثور بالنظر ، فلأصحابنا فيه وجهان ، ومتى كان الطبع صحيحا فالشهوة قائمة والتحريم ملازم ، فمن ادعى أنه لا يشتهي ، فهو كذاب ، فلو قدرنا صدقه كان بهيمة لا آدميا ) ذم الهوى ص101 .

ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - : ( ومن يكرر النظر إلى الأمرد ونحوه أو أدامه وقال إني لا أنظر لشهوة ، كذب في ذلك فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج إلى النظر لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ) الفتاوى الكبرى (1 / 289 ) ، ومجموع الفتاوى ( 15 / 419 ) .

ـ وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : ( وقد قال كثير من السلف : إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل بصره إلى الأمرد , وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك وحرمه طائفة من أهل العلم , لما فيه من الافتتان , وشدد آخرون في ذلك كثيرا جدا ) التفسير :6/45 ط الشعب .


الشبهة الثانية : يقول بعض المنحرفين لا ننظر إلى المردان نظر شهوة بل نظر اعتبار وتأمل في عظم خلق الله .

الرد عليها :
ـ قال القرطبي - رحمه الله - : ( الرابعة ولا يكون النظر أيضا ولا الاعتبار في الوجوه الحسان من المرد والنسوان قال أبو الفرج الجوزي قال أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إلى وجه الأمرد وربما زينته بالحلي والمصبغات من الثياب وتزعم أنها تقصد به الازدياد في والاعتبار والاستدلال بالصنعة على الصانع وهذه النهاية في متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم قال أبو الفرج وقال الإمام أبو الوفاء بن عقيل لم يحل الله النظر إلا على صورة لا ميل للنفس إليها ولا حظ للهوى فيها بل عبرة لا يمازجها شهوة ولا يقارنها لذة ولذلك ما بعث الله سبحانه امرأة بالرسالة ولا جعلها قاضيا ولا إماما ولا مؤذنا كل ذلك لأنها محل شهوة وفتنة فمن قال أنا أجد من الصور المستحسنة عبرا كذبناه وكل من ميز نفسه بطبيعة تخرجه عن طباعنا كذبناه وإنما هذه خدع الشيطان للمدعين ) الجامع لأحكام القرآن : 7 / 211 .
ـ وقال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( قوم يقولون نحن لا ننظر نظر شهوة وإنما ننظر نظر اعتبار فلا يضرنا النظر وهذا محال منهم فإن الطباع تتساوى فمن ادعى تنزه نفسه عن أبناء جنسه في الطبع ادعى المحال ) تلبيس إبليس ص 302.

ـ وقال شيخ الإسلام – رحمه الله : ( وقد يبتلى كثير منهم بالميل إلى الذكران ، كما هو المذكور عنهم ؛ فيبتلى بالميل إلى المردان ، وإن لم يفعل الفاحشة الكبرى ابتلى بما هو دون ذلك من المباشرة والمشاهدة ، ولا يكاد أن يسلم أحدهم من الفاحشة إما في سره وإما بينه و بين الأمرد ، و يحصل للنفس من ذلك ما هو معروف عند الناس . ) مجموع الفتاوى :14/462

ـ وقال أيضا – رحمه الله - : ( وقول القائل : إن النظر إلى وجه الأمرد عبادة ، كقوله : إن النظر إلى وجوه النساء الأجانب والنظر إلى محارم الرجل كبنت الرجل وأمه وأخته عبادة . ومعلوم أن من جعل هذا النظر المحرم عبادة فهو بمنزلة من جعل الفواحش عبادة . قال الله تعالى : ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا : وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها ، قل : إن الله لا يأمر بالفحشاء . أتقولون على الله ما لا تعلمون ؟ ). ومعلوم أنه قد يكون في صور النساء الأجنبيات وذوات المحارم من الاعتبار والدلالة على الخالق من جنس ما في صور المردان ، فهل يقول مسلم : أن للإنسان أن ينظر على هذا الوجه إلى صور النساء نساء العالمين وصور محارمه ،ويقول : أن ذلك عبادة ؛ بل من جعل مثل هذا النظر عبادة فإنه كافر مرتد ، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ... والخالق سبحانه يسبح عند رؤية مخلوقاته كلها ، وليس خلق الأمرد بأعجب في قدرته من خلق ذي اللحية ؛ ولا خلق النساء بأعجب في قدرته من خلق الرجال ؛ فتخصيص الإنسان بالتسبيح بحال نظره إلى الأمرد دون غيره كتخصيصه بالتسبيح بالنظر إلى المرأة دون الرجل ؛ وما ذاك لأنه أدل على عظمة الخالق عنده ؛ ولكن لأن الجمال يغير قلبه وعقله ، وقد يذهله ما رآه , فيكون تسبيحه لما حصل في نفسه من الهوى ) مجموع الفتاوى :15/413

ـ قال الواسطي – رحمه الله - : ( وكل من قال أنا آخذ من الصور المستحسنة عبرا كذبناه وكل من قال طبعه شيء يخرجه عن طبعنا كذبناه وإنما هو خداع الشيطان ) الحكم المضبوط في تحريم فعل قوم لوط ص 65 .


الشبهة الثالثة : يقول بعضهم أنه يعتبر في التفريق في الحكم بين صلاح الناظر وفساده أو بمعنى آخر أن النهي عن مخالطة المردان والنظر إليهم لا يشمل نظر الرجل الصالح إليهم .

الرد عليها من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : ما تقدم في رد الشبهة الثانية .
الوجه الثاني : عموم النهي في ذلك عن السلف .
الوجه الثالث : أن هذا التفريق غير معتبر عند العلماء .
ـ قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( ولقد رأيت من الذين ينتسبون إلى العلم من يستصحب المردان ، ويشتري المماليك ، وما كان يفعل هذا إلا من قد يئس من الآخرة . ورأيت من قد بلغ الثمانين من العلماء ، وهو على هذه الحالة ) . صيد الخاطر ص 368 .

ـ وقال شيخ الإسلام – رحمه الله - : (وقد روى عن المشائخ من التحذير عن صحبة الأحداث ما يطول وصفه . وليس لأحد من الناس أن يفعل ما يفضي إلى هذه المفاسد المحرمة ، وإن ضم إلى ذلك مصلحة من تعليم أو تأديب ؛ فإن المردان يمكن تعليمهم وتأديبهم بدون هذه المفاسد التي فيها مضرة عليهم ، وعلى من يصحبهم ، وعلى المسلمين : بسوء الظن تارة ، وبالشبهة أخرى ؛ بل روي : أن رجلا كان يجلس إليه المردان ، فنهى عمر رضي الله عنه عن مجالسته . ولقي عمر بن الخطاب شابا فقطع شعره ؛ لميل بعض النساء إليه ؛ مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه والتفريق بينه وبين أهله ... فلو ذكرنا ما حصل في مثل هذا من الضرر والمفاسد ، وما ذكروه العلماء : لطال . سواء كان الرجل تقيا أو فاجرا ؛ فإن التقي يعالج مرارة في مجاهدة هواه وخلاف نفسه ؛ وكثيرا إما يغلبه شيطانه ونفسه ؛ بمنزلة من يحمل حملا لا يطيقه فيعذبه أو يقتله ؛ والفاجر يكمل فجوره بذلك . والله أعلم ) مجموع الفتاوى :32/ 248.

ـ وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله - : ( وفي المرد من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ولأنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء ويسهل في حقه من طرق الريبة والشر ما لا يسهل في حق المرأة ... وسواء في كل ما ذكرناه نظر المنسوب إلى الصلاح وغيره . ) الزواجر ( 2 / 7 ) .


مسألة : متى يجوز النظر إلى الأمرد وممن ؟
ـ قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : ( فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام : " أحدها " ما تقترن به الشهوة . فهو محرم بالاتفاق .
و" الثاني " ما يجزم أنه لا شهوة معه . كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن ، وابنته الحسنة ، وأمه الحسنة ، فهذا لا يقترن به شهوة إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس ، ومتى اقترنت به الشهوة حرم . وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان كما كان الصحابة وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة ... لا يخطر بقلبه شيء من الشهوة ؛ لأنه لم يعتد ذلك ، وهو سليم القلب من قبل ذلك ، وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات مكشفات الرؤوس ويخدمن الرجال مع سلامه القلوب ، فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات كما كان أولئك يمشين كان هذا من باب الفساد . وكذلك المردان الحسان . لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم إلا بقدر الحاجة .
وإنما وقع النزاع بين العلماء في " القسم الثالث " من النظر وهو النظر إليه بغير شهوة ؛ لكن مع خوف ثورانها ، ففيه وجهان في مذهب أحمد ، أصحهما وهو المحكي عن نص الشافعي وغيره أنه لا يجوز . والثاني يجوز ؛ لأن الأصل عدم ثورانها فلا يحرم بالشك بل قد يكره . والأول هو الراجح كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز , وإن كانت الشهوة منتفية ؛ لكن لأنه يخاف ثورانها ؛ ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية ؛ لأنه مظنة الفتنة . والأصل أن كلما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز فإن الذريعة إلى الفساد سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة . ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرما ، إلا إذا كان لحاجة راجحة , مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما ، فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة . وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز . ) مجموع الفتاوى ( 15 / 417 –419 )


مسألة : حكم نشر حكايات العشق واللواط ونحوها ؟
ـ قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : ( فإن النفوس إذا سمعت مثل هذا تحركت و تشهت و تمنت و تتيمت و الإنسان متى رأى أو سمع أو تخيل من يفعل ما يشتهيه كان ذلك داعيا له إلى الفعل و التشبه به و النساء متى رأين البهائم تنزوا الذكور منها على الإناث ملن إلى الباءة و المجامعة و الرجل إذا سمع من يفعل مع المردان و النساء و رأى ذلك أو تخيله في نفسه دعاه ذلك إلى الفعل و إذا ذكر للإنسان طعام اشتهاه و مال إليه و إن وصف ما يشتهيه من لباس أو امرأة أو مسكن أو غيره مالت نفسه إليه و الغريب عن وطنه متى ذكر بالوطن حن إليه و كل ما في نفس الإنسان محبته إذا تصوره تحركت ) مجموع الفتاوى :14/462


ماذا يجب على من ابتلى بذلك ؟
ـ قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : ( فإذا ابتلى المسلم ببعض ذلك كان عليه أن يجاهد نفسه في الله ، وهو مأمور بهذا الجهاد ليس أمرا أوجبه وحرمه هو على نفسه , فيكون في طاعة نفسه وهواه ؛ بل هو أمر حرمه الله ورسوله ولا حيلة فيه ؛ فيصير بالمجاهدة في طاعة الله ورسوله ) مجموع الفتاوى ( 14/462) .

ـ بل الإنسان على نفسه بصيرا :
ـ قال ابن الجوزي – رحمه الله - : ( وقد يقع للنفس تأويل في مصاحبة الحدث الذي قد بدت زغبات الشعر على وجهه ، فتقول النفس : هذا ليس بأمرد ، وإنما هو رجل ، فلا بأس بصحبته ، وإنما يقع لها هذا التأويل لما ينظره من هواه ، فيقال لها ك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، إن كان لك ميل إليه ، وعندك التذاذ برؤيته ، فحكمه حكم الأمرد ، لأن المعنى في ذاك موجود في هذا ، ولو أن إنسانا التذ بالنظر إلى بنت شهرين لم يجز له النظر إليها ، أو إلى ابن خمسين سنة ، ... واعلم أن كثيرا من الصبيان تحسن وجوههم بخروج زغبات الشعر فيزيدون بذلك في الحسن على المردان ، وقد افتتن بهم جماعة ) ذم الهوى ص 102.

ـ وقال أيضا : ( فالله الله من يريد حفظ دينه ويوقن بالآخرة ، وإياك والتأويلات الفاسدة ، والأهواء الغالية ، فإنك إن ترخصت بالدخول في بعضها جرك الأمر إلى الباقي ، ولم تقدر على الخروج لموضع إلف الهوى .
فإقبل نصحي ، وقنع بالكسرة ، وابعد عن أرباب الدنيا ، فإذا ضج الهوى فدعه لهذا .
وربما قال لك : فالأمر الفلاني قريب ، فلا تفعل ، فإنه لو كان قريبا يدعو إلى غيره ويصعب التلاقي .
فالصبر الصبر على شظف العيش ، والبعد عن أرباب الهوى ، فما يتم دين إلا بذلك .
ومتى وقع الترخص حمل إلى غيره ، كالشاطئ إلى اللجة . وإنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس ، ووجه أصبح من وجه ، وإنما هي أيام يسيرة .
) صيد الخاطر ص 369 .

ـ وقال ابن قدامة – رحمه الله - : ( ولا ينبغي لأحد أن يغتر بنفسه ، أو يثق بما يظن في نفسه من صلابة دينه ، وقوة إيمانه ، فإن من خالف حدود الله تعالى ونظر إلى ما منعه الشرع من النظر إليه نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه ) ذم ما عليه مدعو التصوف ص 61 .

ـ وقال ابن حجر الهيثمي - رحمه الله - : ( وبهذا يتبين عظم خطر النظر وما وقع لبعض من لا أخلاق له ولا دين ولا مروءة ، من تساهله في النظر ، فهو دليل على شقاوته وجهالته وضلالته ، وأنه ممن أيس من فلاحه وصلاحه ونجاحه ولا يغرنك كونه متشبهاً بالصالحين فإنه في الباطن من أكابر الشياطين المردة الملاعين المتخذ آيات الله هزوءاً وغرته الحياة الدنيا وأموالها ، ولم ينزجر عما زجر الله عنه من المعاصي والقبائح وتبوا عواقبها وأحوالها ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنه أو يصيبهم عذاب أليم ) ) كتاب تحرير المقال ص 65.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .

انتهيت من جمع مادة هذه المطوية سنة 1417هـ ، ونشرتها أكثر من مرة ، ثم أعدت النظر فيها ، وزدت عليها بعض الفوائد في مجالس آخرها صبيحة يوم الأربعاء : 17/ رمضان المبارك / 1424هـ الموافق : 12/ 11/ 2003م .


كتبه : أبو أنس الفايد العوني الرشيدي السلفي