الوجه التاسع : النصوص الدالة على أن الله سبحانه كان ولم يكن شيء غيره كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران حصين أن أهل اليمن قالوا يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر فقال : (( كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء )) فلم يكن مع الله أرواح ولا نفوس قديمة يساوى وجودها وجوده تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل هو الأول وحده لا يشاركه غيره في أوليته بوجه .


الوجه العاشر : النصوص الدالة على خلق الملائكة وهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها وهم مخلوقون قبل خلق الإنسان وروحه فإذا كان الملك الذي يحدث الروح في جسد ابن آدم بنفخته مخلوقا فكيف تكون الروح الحادثة بنفخه قديمة وهؤلاء الغالطون يظنون ان الملك يرسل إلى الجنين بروح قديمة أزلية ينفخها فيه كما يرسل الرسول بثوب إلى الإنسان يلبسه إياه وهذا ضلال وخطأ وإنما يرسل الله سبحانه إليه الملك فينفخ فيه نفخة تحدث له الروح بواسطة تلك النفخة فتكون النفخة هي سبب حصول الروح وحدوثها له كما كان الوطء والإنزال سبب تكوين جسمه والغذاء سبب نموه فمادة الروح من نفخة الملك ومادة الجسم من صب الماء في الرحم فهذه مادة سماوية وهذه مادة أرضية فمن الناس من تغلب عليه المادة السماوية فتصير روحه علوية شريفة تناسب الملائكة ومنهم من تغلب عليه المادة الأرضية فتصير روحه سفلية ترابية مهينة تناسب الأرواح السفلية فالملك أب لروحه والتراب أب لبدنه وجسمه .


الوجه الحادي عشر : حديث أبى هريرة رضى الله عنه الذي في صحيح البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )) والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة وهذا الحديث رواه عن النبي أبو هريرة وعائشة أم المؤمنين وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عمرو وعلى بن أبى طالب وعمرو بن عبسة رضى الله عنهم .


الوجه الثاني عشر : أن الروح توصف بالوفاة والقبض والإمساك والإرسال وهذا شأن المخلوق المحدث المربوب قال الله تعالى : (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) والأنفس ها هنا هي الأرواح قطعا وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن أبى قتادة الأنصاري عن أبيه قال سرنا مع رسول الله في سفر ذات ليلة فقلنا يا رسول الله لو عرست بنا فقال : (( إني أخاف أن تناموا فمن يوقظنا للصلاة )) فقال بلال : أنا يا رسول الله ، فعرس بالقوم فاضطجعوا واستند بلال إلى راحلته فغلبته عيناه فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع جانب الشمس فقال يا بلال أين ما قلت لنا ؟ ، فقال :والذي بعثك بالحق ما ألقيت على نومة مثلها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ان الله قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء )) ،


فهذه الروح المقبوضة هي النفس التي يتوفاها الله حين موتها وفي منامها التي يتوفاها ملك الموت وهي التي تتوفاها رسل الله سبحانه وهي التي يجلس الملك عند رأس صاحبها ويخرجها من بدنه كرها ويكفنها بكفن من الجنة أو النار ويصعد بها إلى السماء فتصلى عليها الملائكة أو تلعنها وتوقف بين يدي ربها فيقضى فيها أمره ثم تعاد إلى الأرض فتدخل بين الميت وأكفانه فيسأل ويمتحن ويعاقب وينعم وهي التي تجعل في أجواف الطير الخضر تأكل وتشرب من الجنة وهي التي تعرض على النار غدوا وعشيا وهي التي تؤمن وتكفر وتطيع وتعصى وهي الأمارة بالسوء وهي اللوامة وهي المطمئنة إلى ربها وأمره وذكره وهي التي تعذب وتنعم وتسعد وتشقى وتحبس وترسل وتصح وتسقم وتلذ وتألم وتخاف وتحزن وما ذاك إلا سمات مخلوق مبدع وصفات منشأ مخترع وأحكام مربوب مدبر مصرف تحت مشيئة خالقه وفاطره وبارئه .


وكان رسول الله يقول عند نومه : (( اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها فإن أمسكتها فإرحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين )) .


وهو تعلى بارىء النفوس كما هو بارىء الأجساد قال تعالى : (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) قيل من قبل أن نبرأ المصيبة وقيل من قبل أن نبرأ الأرض وقيل من قبل أن نبرأ الأنفس وهو أولى لأنه أقرب مذكور إلى الضمير ولو قيل يرجع إلى الثلاثة أي من قبل أن نبرأ المصيبة والأرض والأنفس لكان أوجه .


وكيف تكون قديمة مستغنية عن خالق محدث مبدع لها وشواهد الفقر والحاجة والضرورة أعدل شواهد على أنها مخلوقة مربوبة مصنوعة وأن وجود ذاتها وصفاتها وأفعالها من ربها وفاطرها ليس لها من نفسها إلا العدم فهي لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا لا تستطيع أن تأخذ من الخير إلا ما أعطاها وتتقى من الشر إلا ما وقاها ولا تهتدي إلى شيء من صالح دنياها وأخراها إلا بهداه وتصلح إلا بتوفيقه لها وإصلاحه إياها ولا تعلم إلا ما علمها ولا تتعدى ما ألهمها فهو الذي خلقها فسواها وألهمها فجورها وتقواها فأخبر سبحانه أنه خالقها ومبدعها وخالق أفعالها من الفجور والتقوى خلافا لمن يقول إنها ليست مخلوقة ولمن يقول إنها وإن كانت مخلوقة فليس خالقا لأفعالها بل هي التي تخلق أفعالها وهما قولان لأهل الضلال والغي ومعلوم أنها لو كانت قديمة غير مخلوقة لكانت مستغنية بنفسها في وجودها وصفاتها وكمالها وهذا من ابطل الباطل فإن فقرها إليه سبحانه في وجودها وكمالها وصلاحها هو من لوازم ذاتها ليس معللا بعلة فإنه أمر ذاتي لها كما أن غنى ربها وفاطرها ومبدعها من لوازم ذاته ليس معللا بعلة فهو سبحانه الغنى بالذات وهي الفقيرة إليه بالذات فلا يشاركه سبحانه في غناه مشارك كما لا يشاركه في قدمه وربوبيته وملكه التام وكماله المقدس مشارك فشواهد الخلق والحدوث على الأرواح كشواهده على الأبدان .


قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )) [ فاطر : 15 ] ، وهذا الخطاب بالفقر إليه للأرواح والأبدان ليس هو للأبدان فقط وهذا الغنى التام لله وحده لا يشركه فيه غيره وقد أرشد الله سبحانه عباده إلى أوضح دليل على ذلك بقوله : (( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) )) [ الواقعة : 83 - 87 ] أي فلولا ان كنتم غير مملوكين ومقهورين ومربوبين ومجازين بأعمالكم تردون الأرواح إلى الأبدان إذا وصلت إلى هذا الموضع أو لا تعلمون بذلك أنها مدينة مملوكة مربوبة محاسبة مجزية بعملها .


وكلما تقدم ذكره في هذا الجواب من أحكام الروح وشأنها ومستقرها بعد الموت فهو دليل على أنها مخلوقة مربوبة مدبرة ليست بقديمة .


وهذا الأمر أوضح من أن تساق الأدلة عليه ولولا ضلال من المتصوفة وأهل البدع ومن قصر فهمه في كتاب الله وسنة رسوله فأتى من سوء الفهم لا من النص تكلموا في أنفسهم وأرواحهم بما دل على أنهم من أجهل الناس بها وكيف يمكن من له أدنى مسكة من عقل أن ينكر أمرا تشهد عليه به نفسه وصفاته وأفعاله وجوارحه وأعضاؤه بل تشهد به السموات والأرض والخليقة فلله سبحانه في كل ما سواه آية بل آيات تدل على أنه مخلوق مربوب وانه خالقه وربه وبارؤه ومليكه ولو جحد ذلك فمعه شاهد عليه به . )) اهـ [ كتاب الروح ، ص 354 – 362 ].

وبعد هذا النقل عن هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى هل يبقى لهذا الجاهل الظالم قول في انكاره على الشيخ ربيع فيما نقله عنهم من إجماع .

وهل يصح له القول بأن الشيخ ربيع ( اتهم ) سيد قطب بلا بينه ، وأنه ( يلقي التهمة ... دون أن يقيم عليها دليلا )!!

وهل هو بعد هذا النقل لإجماع أهل العلم سيبقى هذا الحزبي ( مشدوهاً ) و ( متسائلاً ) وهل ( سيرجع خاوي اليدين ) ؟! أم سيقر لهذا العالم الجليل العلامة بحق ربيع المدخلي بما انتقده على سيد قطب الحلولي التكفيري المنحرف .

والله الموعد ولا رب سواه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




=====================

الحواشي :


(1) قلت : في الطبعة الثانية ( من ) .


(2) وسيد قطب من الناعقين بالحلول ووحدة الوجود بل هو من الغلاة فيه ، وقد برهن العلامة ربيع المدخلي في مقالاته وكتبه ومنها ( قول سيد قطب بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر ودفاعه عن عقيدة النيرفانا الهندوكية البوذية ، و تأكيد ما ورد في مقال أطوار سيد قطب في وحدة الوجود ودفع شبه المعترضين ، و من أصول سيد قطب الباطلة المخالفة لأصول السلف الصالح ، و نظرات في التصوير الفني ، والحد الفاصل بين الحق والباطل حوار مع بكر أبو زيد ) وكذلك غيره من أهل العلم كأمثال الشيخ عبد الله الدويش في كتابه المورد الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال والعلامة محمد أمان الجامي والعلامة أحمد النجمي وغيرهم من العلماء .
وقد سئل العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : (( عن صاحب كتاب " في ظلال القرآن " ومنهجه في التفسير؟
فقال : ( أنه كثر الحديث حول هذا الرجل وكتابه .... وقد ذكر بعض [ أهل العلم ] كالدويش والألباني الملاحظات على هذا الكتاب ، وهي مدونة وموجودة. ولم أطلع على هذا الكتاب بكامله وإنما قرأتُ تفسيره لسورة الإخلاص وقد قال قولاً عظيماً فيها مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة ؛ حيث أن تفسيره لها يدل على أنه يقول بوحدة الوجود.... )) ، وفد وقع عليها الشيخ محمد بتاريخ 24/2/1421 ) . [براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدعة والمذمة للشيخ عصام بن عبدالله السناني حفظه الله تعالى ] .