بسم الله الرحمن الرحيم


قال العلامة إسحاق بن أحمد العلثي رحمه الله ـ في إنكاره على ابن الجوزي ـ: " ...فلا يخفى أن : الدين النصيحة ... فلستَ بأعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ حيث قال له الإمام عمر : أتصلي على ابن أُبَيِّ ؟! فأُنزل القران : ) ولا تُصلِّ على أحدٍ منهم ( ، ولو كان لا يُنْكِر من قل علمه على من كَثُرَ علمه إذاً لتعطل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل حيث قال تعالى ) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه (، بل ينكر المفضول على الفاضل، وينكر الفاجر على الولي، ـ على تقدير معرفة الولي ـ ... " ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 4 / 164 – 165 .
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله : " وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق صغيراً كان أو كبيراً وينقادون له" الحكم الجدير بالإذاعة:ص / 126 ، بواسطة الموقف الشرعي من المسلم العاصي ، لأخينا الشيخ مليحان الرشيدي وفقه الله ص / 11 .

قال أيضاً : " ... لا يمنعنا تعظيمه ومحبته من تبيين مخالفة قوله لأمر الرسول r، ونصيحة الأمة بتبيين أمر الرسول r، ونفس ذلك الرجل المحبوب المعظم لو علم أن قوله مخالف لأمر الرسول فإنه يحب من يبين للأمة ذلك، ويرشدهم إلى أمر الرسول، ويردهم عن قوله في نفسه، وهذه النكتة تخفى على كثير من الجهال بسبب غلوهم في التقليد، وظنهم أن الرد على معظم ـ من عالم وصالح ـ تنقص به، وليس كذلك " . كتاب الحكم الجدير بالإذاعة: ص / 127 المصدر السابق ص / 10.

وقال : " ... ولهذا نجد في كتبهم المصنفة في أنواع العلوم الشرعية من التفسير وشروح الحديث والفقه واختلاف العلماء وغير ذلك ممتلئة بالمناظرات وردِّ أقوال من تُضَعَّفُ أقواله من أئمة السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
ولم يترك ذلك أحد من أهل العلم ولا ادعى فيه طعناً على من ردَّ عليه قولَه ولا ذمَّاً ولا نقصاً اللهم إلا أن يكون المصنِّف ممن يُفحش في الكلام ويُسيءُ الأدب في العبارة فيُنكَر عليه فحاشته وإساءته دون أصل ردِّه ومخالفته ، إقامةً للحجج الشرعية والأدلة المعتبرة .
وسبب ذلك أن علماء الدين كلُّهم مجمعون على قصد إظهار الحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ولأنْ يكون الدين كله لله وأن تكون كلمته هي العليا ، وكلُّهم معترفون بأن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ شيء منه ليس هو مرتبة أحد منهم ولا ادعاه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم ...فحينئذٍ رد المقالات الضعيفة وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء بل مما يحبونه ويمدحون فاعله ويثنون عليه ... وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله إذا تأدب في الخطاب وأحسن في الرد والجواب فلا حرج عليه ولا لوم يتوجه إليه ... " الفرق بين النصيحة والتعيير ص / 1 – 4 .

المقدمـة


إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِّينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رّبَّكُمُ الَّذِّي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِّي تَسَّاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِّينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أمّا بعد :


[frame="7 100"]فبعض الشباب لجهله ــ أو لتلبيسه ــ يخلط بين التحذير من الخطأ وبين الحكم على الشخص ، فرد الخطأ وبيان الحق واجب على كل من يستطيع ؛ سواء كان عالماً أو غير عالم ــ إذا قام به البعض سقط عن الباقين ــ سواء صدر هذا الخطأ من صغير أو كبير ، أو صدر من عالم أو جاهل ، أو صدر من سنيّ سلفيّ أو من مبتدع ضال ، ــ مع مراعاة حرمة العالم السني وحفظ كرامته ــ ، ولو كان الخطأ في المسائل الخلافية ، ويجب قبول الحق وأخذه من قائله مهما كان هذا القائل .
أما الحكم على الشخص بالابتداع أو الكفر ، فهذا لا بد من توفر الشروط وانتفاء الموانع ــ في حق المعين ــ ولا بد من الرجوع لأهل العلم من أهل السنة والأثر ــ ولا أقول كلهم ، أو أحداً بعينه ــ فإذا تكلم العالم السنيّ السلفيّ في هذا الشخص وحكم عليه فيؤخذ كلامه ويصبح حجة ، ولا يرد ويترك بحجة أن العالم الفلاني لم يتكلم ولم يحكم فيه أو الهيئة الفلانية لم تحكم ولم تتكلم فيه
.[/frame]

[frame="7 100"]قال الله تعالى : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} وقال : {وتعاونوا على البر والتقوى} وقال سبحانه : {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} .[/frame]

[frame="7 100"]وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة» قلنا: لمن ؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم [95].
وقال عليه الصلاة والسلام «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري رقم [13]– واللفظ له – ومسلم في كتاب الإيمان رقم [71] .
وقال صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم [78].
وعن عديّ بن حاتم رضي الله عنه : أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يطع الله ورسوله فقد رَشَِدَ ، ومن يعصهما فقد غَوى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بئسَ الخطيبُ أنت ، قل ومن يَعْصِ الله ورسوله » رواه مسلم في كتاب الجمعة رقم [ 48 ]
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في بعض الأمر ، فقال : ما شاء الله وشئت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أجعلتني لله نداً [ وفي لفظ : عدلاً ] ؟ قل : ما شاء الله وحده » أخرجه أحمد في المسند رقم [ 1839 ] والبخاري في الأدب المفرد رقم [ 783 ] والنسائي في الكبرى رقم [ 10759 ] وغيرهم . قال المحدث الإمام الألباني عنه في صحيح الأدب المفرد : \" صحيح \" رقم [ 601 ] وأنظر السلسلة الصحيحة رقم [ 139 ] .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : \" أن سبيعة بنت الحارث وضعت حمْلها بعد وفاة زوجها بخمسَ عشرة ليلة ، فدخل عليها أبو السنابل ، فقال : كأنكِ تُحدِّثين نَفسكِ بالباءةِ ؟ مالكِ ذلك حتى ينقضيَ أبعدُ الأجلين . فانطلقتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته بما قال أبو السنابل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كَذَبَ أبو السنابل ، إذا أتاكِ أحدٌ ترضينهُ فائْتيني به ـ أو قال : فأنْبئيني » أخرجه أحمد في المسند رقم [ 4273 ] وغيره ، قال الشيخ فوزي الأثري : \" حديث صحيح ، ... وذكره الهيثمي في الزوائد [ ج5 ص2 ] ثم قال : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح . والحديث صححه أحمد شاكر في شرح المسند [ ج6 ص136 ] . \" اهـ الأضواء الأثرية في بيان إنكار السلف بعضهم على بعض في المسائل الخلافيّة الفقهيّة ... ص / 270 .
وعن أبي واقدٍ الليثي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين ؛ مرّ بشجرةٍ للمشركين ـ يقال لها ذات أنواط ـ ، يعلّقون عليها أسلحتهم ، فقالوا : يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « سبحان الله ! هذا كما قال قوم موسى : {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } والذي نفسي بيده ؛ لتركبن سنة من كان قبْلَكم » أخرجه الترمذي في سننه رقم [ 2180 ] وأحمد في المسند رقم [ 21897 ] وغيرهما ، وقال عنه الإمام الألباني : \" صحيح \" أنظر صحيح سنن الترمذي رقم [ 2180 ] .
وقال : عمرو بن يحيى قال : سمعت أبي يحدّث عن أبيه قال : \" كنّا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أخَرَج إليكم أبو عبد الرحمن قلنا : لا، بعد فجلس معنا حتى خرج ، فلمّا خرج قمنا إليه جميعا ، فقال له أبو موسى الأشعريّ : يا أبا عبد الرحمن ، إنّي رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيراً ، قال : فما هو؟ فقال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة ، وفي كل حلقة رجل ، ـ وفي أيديهم حصاً ـ ، فيقول : كبّروا مئة ، فيكبّرون مئة ، فيقول : هلّلوا مئة ، فيهلّلون مئة ، ويقول : سبِّحوا مئة، فيسبّحون مئة ، قال : فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاَ انتظار رأيك ـ أو انتظار أمرك ـ قال : أفلا أمرتهم أن يَعُدّوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم . ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن! حصاً نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح . قال : فعدّوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ؛ وَيْحَكم يا أمّة محمد! ما أسرع هلَكَتكم ! ، هؤلاء صحابة نبيّكم e متوافرون ، وهذه ثيابه لم تَبْلَ ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنّكم لعلى ملّة هي أهدى من ملّة محمد أو مفتتحو باب ضلالة ؟ قالوا : والله ، يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إنّ رسول الله e حدثنا أن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايْمُ الله، ما أدري لعلّ أكثرهم منكم ؛ ثم تولّى عنهم ، فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحِلَقِ يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج \" . رواه الدارمي في سننه رقم [ 210 ] ، وقال عنه الألباني \" وهذا إسناد صحيح \"السلسلة الصحيحة رقم [ 2005 ]
.[/frame]


قلت : فهذه الأدلة ـ وغيرها كثير ؛ تركته خشية الإطالة ـ تدلُّ على وجوب رد الخطأ والإنكار على المخالف ، ولا مانع يمنع من التعيين ؛ إذا لم يكن في ذلك مفسدة .