بسم الله الرحمن الرحيم
بطلان نكاح المتعةخطبة الكتاب
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده .
أما بعد : فإن النكاح الشرعي هو من سنن المرسلين و من ضروريات بقاء الآدميين به ينتظم العفاف و الإحسان و حفظ الأنساب . و النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح : » لكني أصلي و أرقد ، و أصوم و أفطر ، و أتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني « . و لا يسمى النكاح زواجا إلا إذا كان عن طريق شرعي . فلقد شرع الله سبحانه هذا الزواج ليكون طريقا وحيدا لالتقاء الرجل بالمرأة ، فكل لقاء بينهما خارج نطاق الزواج الشرعي بأركانه و شروطه ، هو لقاء محرم يحاربه الإسلام أشد المحاربة .
هذا و إنه تظهر بين حين و آخر دعوات لإباحة أنواع من الأنكحة خارج نطاق الزواج الشرعي ، من ذلك دعوة بعضهم في هذه الأيام إلى حلية نكاح المتعة و ضرورة الأخذ به في الوقت الحاضر ، إن نكاح المتعة و إن كان مباحا زمن الجاهلية و بدء البعثة ، كإباحة الربا و شرب الخمر ، و الصلاة إلى غير الكعبة ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرمه بعد ذلك تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة .
و في هذه الرسالة مناقشة هادئة مدعمة بالأدلة الشرعية و المنطقية لدعاوى القائلين بنكاح المتعة ، تبين ضعف دليلهم ، و زيغ قصدهم ، و قصور حجتهم بل كون هذا الدليل حجة عليهم
لا لهم ، إذ أن دليلهم الوحيد في ذلك هو حديث ابن عباس في هذا الموضوع ، و هم يأخذون شطرا من الحديث و يتركون الشطر الآخر ، كما أنهم يأخذون قولا و يدعون آخر ( أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) إذ أن ابن عباس نفسه يصرح بأن نكاح المتعة قد حرم كتحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير على أن ابن عباس بشر يخطئ ويصيب ، و قد سبقه القرآن الكريم بتحريمه بقوله سبحانه : ( و الذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون ) فاتفق الكتاب و السنة و إجماع المسلمين على تحريم نكاح المتعة .
نسأل الله سبحانه أن يسدد خطانا ، و أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
من عبد الله بن زيد آل محمود ــ رئيس المحاكم الشرعية و الشؤون الدينية إلى عيسى عبد الحميد الخاقاني .
و بعد ، فإنني وقفت على مقالتك المسجلة و الصادرة منك في يوم الجمعة الموافق 20/2/1979 . و سمعت ما تضمنت من الحث و التحريض للشباب و الشابات إلى التمتع من بعضهم مع بعض بنكاح المتعة الذي يستأجر فيها الرجل امرأة لوطئها باليوم أو الأسبوع بأجر مسمى معلوم ، و قد أثرت هذه الفتنة في الشباب لتفسد بها أخلاقهم و أنكحتهم الشرعية ، و تدنيهم إلى الإباحة المحرمة المطلقة التي يعدها العلماء زنا من عمل الجاهلية . و قد وردت النصوص الصحيحة الصريحة القطعية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في تحريمها إلى يوم القيامة في أحاديث مشهورة و منشورة في رسالتي هذه ، و أصحها ما ثبت في الصحيحين عن الإمام علي رضي الله عنه ، قال : » نهى رسول الله متعة النساء عام خيبر « و في الحديث الآخر عنه:
» حرم رسول الله متعة النساء و الحمر الأهلية عام خيبر « . و ثبت عنه أنه قال : » لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما « . و ثبت مثله في صحيح مسلم عن سبره بن معبد . و عن سلمة بن الأكوع عن رسول الله : » قد انعقد إجماع الصحابة على تحريمها كتحريم الزنا « و كل المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها مجمعون على تحريمها تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة و لا عبرة بشذوذ الشيعة القائلين بإباحتها ، إذ القول الشاذ لا يعتد به . . ثم إن الشيعة أنفسهم لا يعملون بها في أنفسهم و لا مع محارمهم و بناتهم فلا نسمع برجل منهم لا من أغنيائهم و لا من فقرائهم أنه أجر ابنته أو موليته لرجل يطؤها أسبوعا أو شهرا باسم نكاح المتعة ، فهم أبعد الناس عن هذه العملية الدنيئة ، و أشدهم بغضا لها لاعتقادهم بطلانها و عدم إباحتها .
و أنت تحاول أن تزيغ الناس عن معتقدهم الصحيح ، ثم تقودهم إلى الإباحة المحرمة بزخرف القول غرورا . و كأنك إنما قصدت هذه البلاد لقصد إثارة الفتن فيها التي هذه من جملتها و متى أردت بنا فتنة أبينا .
و بما أنني ــ رئيس المحاكم الشرعية و الشؤون الدينية ــ فإنني أمنعك منعا بابا من التعرض لإثارة مثل هذه الفتنة مثل هذه الفتنة التي تزيغ الناس عن معتقدهم الصحيح ، ثم تدنيهم من الإباحة المحرمة ، و لو كان عن جهل منك لعذرناك و لكنه عن قصد لإثارة الفتنة بين أهل السنة فعزلناك . فمن واجبك التزام الأدب الذي هو من صالحك و صالحنا و عدم التعرض لإثارة الفتن الضارة و لا الأقوال الشاذة ، إذ تحريم المتعة هو من الأمر الجلي الذي لا يخالطه غبار من الشك .
و ستجد في رسالتنا ما يشفي و يروي الغليل مما لا شك في صحته . و إني أرجو أن تكون لك بمثابة العظة النافعة ــ و قد أحسن من انتهى إلى ما سمع و السلام .
عبد الله بن زيد آل محمود
رئيس المحاكم الشرعية و الشؤون الدينية