قلت : بل قد ذكر ذلك عن الشافعي – رحمه الله تعالى - قال النووي في شرح مسلم : و الشافعي قول أنه يستحب رفعهما في موضع رابع و هو إذا قام من التشهد الأول و هذا القول هو الصواب فقد صح فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يفعله و صح أيضاً من حديث أبي حميد الساعدي . رواه أبو داود ، و الترمذي بأسانيد صحيحه.
قلت : أما حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – فهو مروي من ثلاثة أوجه كلها صحيحة . الوجه الأول ما رواه البخاري في صحيحه ، و أبو داود في سننه من حديث عبيد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، أن ابن عمر – رضي الله عنهما – كان إذا دخل في الصلاة كبر و رفع يديه ، و إذا ركع رفع يديه ، و إذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه ، و إذا قام من الركعتين رفع يديه. و رفع ذلك ابن عمر – رضي الله عنهما – إلى النبي صلى الله عليه و سلم.
الوجه الثاني قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا معتمر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، و إذا أراد أن يركع ، و إذا رفع رأسه ، و إذا قام من الركعتين يرفع يديه في ذلك كله ، و كان عبد الله يفعله. إسناده صحيح رجاله كلهم من رجال الصحيحين ، و قد رواه النسائي في سننه عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن معتمر به و في روايته : و إذا قام من الركعتين يرفع يديه كذلك حذو المنكبين. و إسناده صحيح على شرط مسلم.
الوجه الثالث قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في مسنده : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عاصم بن كليب ، عن محارب بن دثار ، قال : رأيت ابن عمر – رضي الله عنهما – يرفع يديه كلما ركع و كلما رفع رأسه من الركوع. قال : فقلت له ما هذا ؟. قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قام في الركعتين كبر و رفع يديه. إسناده صحيح على شرط مسلم.
و قد رواه البخاري في جزء رفع اليدين ، فقال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عاصم بن كليب ، عن محارب بن دثار : رأيت ابن عمر – رضي الله عنهما – رفع يديه في الركوع فقلت له : مه ذلك ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الركعتين كبر و رفع يديه . إسناده صحيح على شرط مسلم. و رواه أبو داود في سننه عن عثمان بن أبي شيبة و محمد بن عبيد المحاربي ، قالا : حدثنا محمد بن فضيل ، عن عاصم بن كليب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الركعتين كبر و رفع يديه . إسناده جيد. و هو من جهة عثمان بن أبي شيبة صحيح على شرط مسلم.

و أما حديث أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه – فرواه الإمام أحمد في مسنده ، و البخاري في جزء رفع اليدين ، و أهل السنن الأربعة من حديث عبد الحميد بن جعفر ، حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء ، عن أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه - ، قال : سمعته و هو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قام في الصلاة اعتدل قائماً و رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ثم قال : الله أكبر ، و إذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، فإذا قال : سمع الله لمن حمده رفع يديه فاعتدل ، فإذا قام من الثنتين كبر و رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة.

هذا لفظ إحدى روايتي ابن ماجه ، و في رواية للبخاري " فقالوا كلهم : صدقت ". و في رواية أحمد ، و أبي داود ، و الترمذي ، و الرواية الأخرى لابن ماجه : " قالوا : صدقت هكذا كان يصلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ". قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. و صححه البخاري كما سيأتي ، و ابن خزيمة ، و ابن حبان ، و قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - : حديث أبي حميد حديث صحيح متلقى بالقبول لا علة له.


قلت : و أسانيد المذكورين كلها على شرط مسلم ، و في الباب أيضاً عن علي بن أبي طالب ، و أبي هريرة – رضي الله عنهما – فأما حديث علي – رضي الله عنه – فرواه الإمام أحمد في مسنده ، و البخاري في جزء رفع اليدين ، و أبو داود ، و الترمذي ، و ابن ماجه ، و الدارقطني في سننهم من حديث عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر و رفع يده حذو منكبيه ، و يصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته و أراد أن يركع ، و يصنعه إذا رفع رأسه من الركوع ، و لا يرفع يديه في شيء من صلاته و هو قاعد ، و إذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك و كبر.

قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. و صححه أيضاً ابن خزيمة ، و ابن حبان. و ذكر الخلال عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي قال : سئل أحمد – رحمه الله تعالى – عن حديث علي – رضي الله عنه – ؟ فقال : صحيح. و قال البخاري في جزء رفع اليدين : ما زاد ابن عمر و علي و أبو حميد – رضي الله عنهم – في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يرفع يديه إذا قام من السجدتين كله صحيح انتهى.
و قوله هنا و في الحديث " إذا قام من السجدتين " معناه : إذا قام من الركعتين نبه على ذلك الترمذي في جامعه. و قد جاء مصرحاً به في إحدى روايتي البخاري و لفظه : عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا كبر للصلاة حذو منكبيه ، و إذا أراد أن يركع ، و إذا رفع رأسه من الركوع ، و إذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك. و أما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – فرواه أبو داود في سننه من حديث الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه ، و إذا ركع فعل مثل ذلك ، و إذا رفع للسجود فعل مثل ذلك ، و إذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك. إسناده صحيح على شرط مسلم.

الرواية الثالثة عن الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – أن الرفع في كل خفض و رفع. ذكرها القاضي و غيره ، و هذه الرواية خلاف المشهور عنه و هي أضعف الروايات ، و العمل عن أحمد و جماهير الحنابلة ، أو جميعهم على خلافها ، و من جعلها مذهباً لأحمد فهو جاهل بمذهبه.
و قد تقدم نصه على خلافها في رواية حنبل ، و قال أبو داود : قيل له – يعني لأحمد – بين السجدتين أرفع يدي ؟ قال : لا. و يحتمل أن أحمد – رحمه الله تعالى – أراد بقوله في كل خفض و رفع الركوع و الرفع منه ، و يؤخذ ذلك بما ذكره صاحب المغني عن الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – أنه سئل عن رفع اليدين في الصلاة ؟ فقال : في كل خفض و رفع. و قال فيه عن ابن عمر ، و أبي حميد أحاديث صحاح انتهى.
فظاهر احتجاجه بأحاديث ابن عمر ، و أبي حميد – رضي الله عنهم – يدل على أنه أراد بالخفض و الرفع الركوع و الرفع منه لأن الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر و أبي حميد – رضي الله عنهم - إنما جاءت بذلك ، و لم تجئ بالرفع في السجود و الرفع منه ، و الله أعلم.

التنبيه الثامن

قال المؤلف في حاشية صفحة 101 ما نصه ( و وجه مخالفة البعير بوضع اليدين قبل الركبتين هو أن البعير يضع أول ما يضع ركبتيه ، و هما في يديه كما في لسان العرب و غيره من كتب اللغة ، و ذكر مثله الطحاوي في مشكل الآثار و شرح معاني الآثار ، و قد أغرب ابن القيم فقال أنه كلام لا يعقل و لا يعرفه أهل اللغة ، و يرد عليه المصادر التي أشرنا إليها فلتراجع ) ا.هـ و أقول هذا المنقول عن ابن القيم – رحمه الله تعالى – مقتطع من كلام له في زاد المعاد و لو استوفاه الناقل لكان أولى.

و نص كلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - : ( و أما ما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – يرفعه " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، و ليضع يديه قبل ركبتيه " فالحديث – و الله أعلم – قد وقع فيه وهم من بعض الرواة فإن أوله يخالف آخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولاً ، و لما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولاً فهذا هو المنهي عنه. و هو فاسد لوجوه أحدها أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولاً و تبقى رجلاه قائمتين فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولاً و تبقى يداه على الأرض و هذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه و سلم و فعل خلافه و كان أول ما يقع منه على الأرض منه الأقرب منها فالأقرب ، و أول ما يرتفع عن الأرض منه الأعلى فالأعلى ، و كان يضع ركبتيه أولاً ثم يديه ثم جبهته ، و إذا رفع رفع رأسه أولاً ثم يديه ثم ركبتيه ، و هذا عكس فعل البعير ، و هو صلى الله عليه و سلم نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات فنهى عن بروك كبروك البعير ، و التفات كالتفات الثعلب ، و افتراش كافتراش السبع ، و إقعاء كإقعاء الكلب ، و نقر كنقر الغراب ، و رفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشمس ، فهدي المصلي مخالف لهدي الحيوانات.
الثاني أن قولهم ركبتا البعير في يديه كلام لا يعقل و لا يعرفه أهل اللغة و إنما الركبة في الرجلين ، و إن أطلق اللتين في يده اسم الركبة فعلى سبيل التغليب . انتهى كلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - و قوله هذا غير مدفوع ، و استغراب المؤلف له هو المستغرب في الحقيقة.
و أما قول بعضهم أن ركبتي البعير في يديه و هو الذي نقله المؤلف عن لسان العرب و غيره فقد رده صاحب القاموس في كتابه سعر السعادة ، و قال : الذي قال ركبة البعير في يديه وهم و غلط و خالف قول أئمة اللغة. و قال ياقوت الحموي في معجم البلدان : ركبة بضم أوله و سكون ثانيه و باء موحدة بلفظ الركبة التي في الرجل من البعير و غيره.
و هذا القول من صاحب القاموس و ياقوت موافق لقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – و به يرد ما ادعي عليه من الإغراب و الله أعلم.
و لا يخفى على الصبيان الصغار فضلاً عن الرجال الكبار أن البعير إذا أراد البروك وضع يديه أولا ثم رجليه . و المصلي إذا قدم يديه على ركبتيه في السجود فقد برك كما يبرك البعير بلا شك. و إذا قدم ركبتيه على يديه عند القيام من السجود فقد قام كما يقوم البعير و كذلك من اعتمد بيديه على الأرض و رفع ركبتيه قبلهما ، و إذا قام من التشهد الأول.

فهذا متشبه بالبعير عند قيامه ، و الأول متشبه به عند بروكه ، و كل ذلك منهي عنه و علة النهي التشبه بالبعير في هيئة بروكه ، و هيئة قيامه ، و سواء قيل إن ركبتي البعير في يديه أو في رجليه فلا عبرة بذلك ، و إنما الاعتبار بالهيئة الفعلية. و من توقف فيما ذكرنا من التشبه فليشاهد البعير عند بروكه و عند قيامه و ليشاهد المقدم ليديه عند السجود ، و المقدم لركبتيه عند القيام حتى يرى تمام المشابهة منهما للبعير.

و هذا مما يستدل به على وقوع الغلط فيما رواه الدراوردي من حديث ابن عمر و أبي هريرة – رضي الله عنهم – فأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه الدارقطني في سننه من طريق الدراوردي عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه. و رواه الحاكم في مستدركه بنحوه . و قال : صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه.

و أما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – فرواه أبو داود ، و النسائي ، و الدارقطني في سننهم من حديث الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة –رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، و ليضع يديه قبل ركبتيه. و قد اختلف الأئمة في الدراوردي فوثقه يحيى بن معين ، و علي بن المديني ، و قال أحمد كان معروفاً بالطلب ، و إذا حدث من كتابه فهو صحيح ، و إذا حدث من كتب الناس وهم. و كان يقرأ من كتبهم فيخطئ و ربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمر. و قال أبو زرعة : كان سيئ الحفظ ، و ربما حدث من حفظه السيئ فيخطئ . و قال النسائي : ليس به بأس ، و حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر. و قال أبو حاتم : لا يحتج به. و قال الساجي : كان من أهل الصدق و الأمانة إلا أنه كثير الوهم. و قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث يغلط. قلت : فلعل ما في هذين الحديثين من أغلاطه. و الله أعلم.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - : و كان يقع لي أن حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مما انقلب على بعض الرواة متنه و أصله ، و لعله : " و ليضع ركبتيه قبل يديه ". و قال علي القاري : الذي يظهر لي و الله أعلم أن هذا الحديث آخره انقلب على بعض الرواة و أنه كان " و لا يضع يديه قبل ركبتيه ". و قال صاحب القاموس في سفر السعادة : في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وهم من بعض الرواة لأن أول الحديث ينقض آخره فإن البعير يضع يديه قبل ركبتيه حال البروك ، و الذي قال ركبة البعير في يديه وهم و غلط و خالف قول آئمة اللغة.

قلت : و قد رواه عبد الله بن نافع ، عن محمد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : ( يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل ) رواه أهل السنن إلا ابن ماجه ، و قال الترمذي : حديث غريب ، لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه انتهى.
و هذه الرواية سالمة من الانقلاب الذي في رواية الدراوردي ، و إذا فسرت بالتفسير الصحيح المعروف بالمشاهدة من بروك البعير صارت موافقة لحديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، و إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ) رواه أهل السنن. و قال الترمذي : حسن غريب . و صححه ابن خزيمة ، و ابن حبان ، و الحاكم. و قال الذهبي : على شرط مسلم.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : و لا يقدح فيه أن في سنده شريكاً القاضي و ليس بالقوي لأن مسلماً روى له فهو على شرطه. قلت و روى له البخاري في صحيحه تعليقاً . و لحديث وائل هذا شاهد من حديث أنس – رضي الله عنه – قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم انحط بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه ". رواه الدارقطني ، و الحاكم ، و البيهقي. و قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين و لا أعرف له علة و لم يخرجاه. و أقره الذهبي في تلخيصه.

قال البخاري – رحمه الله تعالى – حديث أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة لا يتابع عليه فيه محمد بن عبد الله بن الحسن. قال : و لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا. و قال الخطابي : حديث وائل بن حجر أثبت من هذا. يشير إلى ما رواه الدراوردي ، عن محمد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه -. و قال الترمذي : و العمل عليه – يعني حديث وائل – عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه و إذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.

و قال الإمام أحمد – رحمه الله – في كتاب الصلاة : و خصلة قد غلبت على الناس في صلاتهم و قد يفعله شبانهم و أهل القوة و الجلد منهم ينحط أحدهم من قيامه للسجود و يضع يديه على الأرض قبل ركبته و إذا نهض من السجود أو بعد ما يفرغ من التشهد يرفع ركبتيه من الأرض قبل يديه و هذا خطأ و خلاف ما عليه الفقهاء ، و إنما ينبغي له إذا انحط من قيامه للسجود أن يضع ركبتيه على الأرض ثم يديه ثم جبهته بذلك جاء الأمر عن النبي صلى الله عليه و سلم فأمروا بذلك و انهوا من رأيتم يفعل ذلك انتهى.

و قد روى حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مستقيم المتن على وفق ما جاء في حديث وائل و أنس - رضي الله عنهما – و لكن إسناده ضعيف. فروى البيهقي من طريق إبراهيم بن موسى ، عن محمد بن فضيل ، عن عبد الله بن سعيد ، عن جده ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه و لا يبرك بروك الجمل ). قال البيهقي : و كذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل إلا أن عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف.

قلت : و رواه الترمذي في جامعه تعليقاً ، و قال فيه عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم . قال : و عبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان و غيره انتهى.


و يتأيد حديث عبد الله بن سعيد بما تقدم عن وائل ، و أنس رضي الله عنهما ، و يؤيده أيضاً ما رواه أبو داود في سننه بإسناد جيد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة . و في لفظ نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى : و لا ريب أنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه اعتمد عليهما فيكون قد أوقع جزءاً من الصلاة معتمداً على يديه بالأرض ، و أيضاً فهذا الاعتماد بالسجود نظير الاعتماد في الرفع منه سواء فإذا نهى عن ذلك كان نظيره كذلك انتهى.
فإن قيل إن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رفع رأسه من السجود من السجدة الثانية جلس و اعتمد على الأرض رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – و ظاهر هذا الحديث أنه معارض لما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
فالجواب أن يقال ليس هذا مما نحن فيه فإن هذه الجلسة تسمى جلسة الاستراحة و من اعتمد على الأرض إذا أراد أن يقوم من هذه الجلسة فإنما يعتمد بيديه و هما بحذاء جنبه لا من أمامه فلا يكون متشبهاً بالبعير حال قيامه.

قال العيني في شرح البخاري : فيه بيان الكيفية بأن يجلس أولاً ثم يعتمد ثم يقوم. قال الفقهاء يعتمد كما يعتمد العاجن للخمير.
قلت : و هذا يفعله من تشق عليه المبادرة بالقيام كالشيوخ و من به علة و نحوهم. و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك لما بدن – أي أخذه اللحم -.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري لما ذكر قوله صلى الله عليه و سلم ( لا تبادروني بالقيام فإني قد بدنت ) قال فدل على أنه يفعلها لهذا السبب فلا تشرع إلا في حق من اتفق له نحو ذلك انتهى.
و مما ذكرنا يعلم أن الاعتماد المنهي عنه في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – هو ما كان فيه تشبه بالبعير عند بروكه و عند قيامه. و ما جاء في حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – فهو أن يعتمد بيديه على الأرض و هما بحذاء جنبيه لا من أمامه. و هذا الاعتماد نوع و ما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – نوع آخر فلا تعارض حينئذ بين الحديثين ، و الله أعلم.

التنبيه التاسع

قال المؤلف في صفحة 112 : ( و كان يرفع يديه مع هذا التكبير أحياناً – يعني عند الرفع من السجود - ) ثم قال المؤلف في الحاشية ما نصه : ( و بالرفع ههنا و عند كل تكبيرة قال أحمد ) ا.هـ و نحوه في صفحة 115 و حاشيتها ، و ظاهر كلام المؤلف في هذين الموضعين أن هذا هو قول أحمد و ليس له قول غيره.

و قد تقدم في التنبيه السابع أن هذا هو أضعف الروايات عن الإمام أحمد ، و أن الصحيح عنه الرفع في ثلاثة مواضع لا غير : عند افتتاح الصلاة ، و عند الركوع ، و عند الرفع منه. و هذا هو الذي حكاه الترمذي عن أحمد و لم يحك عنه غيره. و نقله عنه أيضاً أبو داود ، و حنبل. و نقلا أيضاً نصه بخلاف ما قرره الشيخ الألباني في هذين الموضعين . و قد تقدم كل هذا في التنبيه السابع فليراجع
التنبيه العاشر

قال المؤلف في حاشية صفحة 112 نقلاً عن بدائع الفوائد لابن القيم – رحمه الله تعالى – ما نصه : ( و نقل عنه ابن الأثرم ) ثم قال أيضاً : ( قال ابن الأثرم ) ا.هـ و لفظ هذا الأخير في البدائع قال ابن أثرم بدون أل.

و الذي يظهر لي و الله أعلم أنه قد وقع في هذا الاسم غلط إما مطبعي و إما من بعض النساخ قبل ذلك إذ لم أر في أصحاب الإمام أحمد من يقال له ابن الأثرم و لا ابن أثرم. و إنما فيهم الأثرم بدون لفظ ابن . و هو لقب : لأبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي. و فيهم أيضاً : أحمد بن أصرم بالصاد المهملة.
فالمنقول عنه ههنا يحتمل أنه الأثرم بدون لفظة ابن و يحتمل أنه ابن أصرم ، و أن الصاد أبدلت بالثاء تحريفاً ، و الله أعلم.



التنبيه الحادي عشر

في هامش صحفة 126 تعقب الألباني على ابن القيم - رحمه الله تعالى – في قوله تبعاً لشيخه شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية – رحمه الله تعالى – أنه لم يجئ حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم و آل إبراهيم معاً – يعني في قوله " كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم ، و كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم ". ثم تبجح الألباني بإيراد الرواية بذلك ، قال : ( و هذا في الحقيقة من فوائد هذا الكتاب ) – يعني بذلك كتابه إلى آخر كلامه.

و أقول : بل هذا من فوائد كتاب الاختيارات للشيخ علاء الدين المعروف بابن اللحام ، و من فوائد فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني. أما ابن اللحام فإنه ذكر في باب صفة الصلاة أن شيخ الإسلام أبا العباس – رحمه الله تعالى – قال الأحاديث التي في الصحاح لم أجد في شيء منها : " كما صليت على إبراهيم ، و على آل إبراهيم " بل المشهور في أكثر الأحاديث و الطرق لفظ آل إبراهيم ، و في بعضها لفظ إبراهيم و روى البيهقي الجمع بين لفظ إبراهيم و آل إبراهيم بإسناد ضعيف عن ابن مسعود . قال ابن اللحام : قلت بل روى البخاري في صحيحه الجمع بينهما.

و أما ابن حجر فقال في شرح كتاب الدعوات من صحيح البخاري ما ملخصه : و ادعى ابن القيم أن أكثر الأحاديث بل كلها مصرحة بذكر محمد و آل محمد و بذكر آل إبراهيم فقط أو بذكر إبراهيم و آل إبراهيم معاً. قال ابن حجر : و غفل عما وقع في صحيح البخاري كما تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم عليه السلام من طريق عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بلفظ " كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " كذا في قوله كما باركت.

ثم ذكر الحافظ روايات أخر لغير البخاري فيها الجمع بين إبراهيم و آل إبراهيم. و الظاهر أن الشيخ الألباني أخذ تعقبه على ابن القيم من كلام ابن حجر و يدل على ذلك إحالته في هامش صفحة 128 على فتح الباري في معرفة الأجوبة عن وجه التشبيه في قوله " كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم " ، و الأجوبة و التعقب على ابن القيم كلها في باب واحد فلو أن الألباني نسب التعقب إلى قائله الأول لكان أليق به و أولى من نسبته إلى نفسه.


التنبيه الثاني عشر

في صفحة 138 ذكر المؤلف قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح ( اللهم إني أعوذ بك من المأثم و المغرم ) ثم فسر المغرم في الحاشية بأن المراد به الذنوب و المعاصي.
و أقول هذا قول ضعيف جداً ذكره ابن الأثير في النهاية و تبعه ابن منظور في لسان العرب ، و لم يعرج على ذلك غيرهما من أئمة اللغة فيما علمت ، و لم يعرج عليه أيضاً ابن الأثير في جامع الأصول ، و على هذا القول الضعيف يكون معنى المأثم و المغرم واحداً ، و لا يكون للعطف فائدة ، و من المعلوم أن العطف يقتضي المغايرة ، و الصحيح أن المراد بالمغرم ههنا الغرم و هو الدين قال الجوهري : الغرامة ما يلزم اداؤه و كذلك المغرم و الغرم.

و قال ابن الأثير في جامع الأصول : المغرم بأن يلتزم الإنسان ما ليس عليه كمن يتكفل إنساناً بدين فيزنه عنه. و قال الراغب الأصفهاني : الغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية يقال غرم كذا غرماً و مغرماً . و قال النووي في شرح مسلم : المغرم معناه الغرم و هو الدين.

و قال ابن حجر في فتح الباري : المغرم الدين يقال غرم بكسر الراء أي أدان قال و قد استعاذ صلى الله عليه و سلم من غلبة الدين. قلت : و في الحديث الذي ساق الشيخ الألباني بعضه ما يبين أن المراد بالمغرم الدين ، ففي الصحيحين ، و سنني أبي داود و النسائي عن عائشة رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو في الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، و أعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، و أعوذ بك من فتنة المحيا و الممات ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم و المغرم ) فقال له قائل : ما أكثر ما تستعيذ من المغرم!. فقال : ( إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ، و وعد فاخلف ). قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : و المراد أن ذلك شأن من يستدين غالباً انتهى.

و في صحيح مسلم عن أبي اليسر كعب بن عمرو – رضي الله عنه – قال : كان علي على فلان بن فلان الحزامي مال فأتيت أهله فسلمت ، فقلت : ثم هو ؟. قالوا : لا. فخرج علي ابن له جفر ، فقلت له : أين أبوك ؟. قال : سمع صوتك فدخل أريكة أمي. فقلت : أخرج إليّ فقد علمت أين أنت ، فخرج فقلت : ما حملك على أن اختبأت مني ؟. قال : أنا و الله أحدثك ثم لا أكذبك ، خشيت و الله أن أحدثك فاكذبك ، و أن أعدك فأخلفك ، و كنت صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كنت و الله معسراً.

و ذكر تمام الحديث ، و المقصود منه قوله : خشيت و الله أن أحدثك فاكذبك ، و أن أعدك فأخلفك. فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم اختبأ من غريمه من أجل إعساره خوفاً من الوقوع في الكذب و إخلاف الوعد ، و الذي خشي منه صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هو الذي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتعوذ في صلاته من انعقاد سببه و هو الغرم ، و الله أعلم. و الحكمة في جمع النبي صلى الله عليه و سلم بين المأثم و المغرم ، أن المأثم يوجب خسارة الآخرة ، و المغرم يوجب خسارة الدنيا. أفاد ذلك العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – و الله الموفق.

التنبيه الثالث عشر

قال المؤلف في آخر النبذة ما نصه : ( تنبيه هام : أن رسالة الصلاة المنسوبة إلى الأمام أحمد – رضي الله عنه – و التي أعيد طبعها مراراً قد ثبت لدينا أنه لا تصح نسبتها إلى الإمام أحمد بل قال الحافظ الذهبي فيها : أخشى أن تكون موضوعة. و سننشر تحقيقنا في ذلك قريباً إن شاء الله تعالى و عليه فلا يغتر أحد بما جاء فيها من المخالفة لكتابنا هذا ) ا.هـ.

و أقول : هذا تنبيه غريب جداً ، و جراءة غير محمودة. و لقد شان المؤلف نبذته بهذا التنبيه المتوهم ، و أظنه أراد بذلك دفع ما قرره الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في رسالته من تقديم الركبتين قبل اليدين في السجود لانه مخالف لما رآه و قرره في نبذته. و قد تقدم كلام الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – بحروفه في التنبيه الثامن فليراجع.
و كلام الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – هو حق بلا ريب و دليله حديث وائل بن حجر ، و حديث أنس ، و حديث أبي هريرة أيضاً بدون الزيادة التي رواها الدراوردي كما تقدم إيضاح ذلك.
و أما قول صاحب النبذة أنه ثبت لديه أنه لا تصح نسبة الرسالة إلى الإمام أحمد فهو مجرد دعوى لا دليل عليها و يا ليت شعري هل شهد عنده رجال مرضيون أن مهنا بن يحيى الشامي وضعها و نسبها إلى الإمام أحمد ، أو وضعها من دون مهنا من رواتها أو وضعها صاحب طبقات الحنابلة القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى بن الفراء.
و إذا لم يثبت عنده الوضع بشهادة العدول فهل في الرسالة ما يخالف قول الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في الأصول أو في الفروع حتى يستدل بذلك على أنها موضوعة أو محرفة بالزيادة و النقصان ، و إذا كان كل هذا معدوماً فلا دليل له إلا الرجم بالغيب و القول بغير علم. فإن قال إن الدليل على ذلك قول الذهبي فيها " و أخشى أن تكون موضوعة ".

فالجواب عنه من وجوه : أحدها ان الذهبي – رحمه الله تعالى – قد حماه الله بالورع فلم يجزم بالوضع بغير دليل كما فعل صاحب النبذة. و إذا كان الذهبي لم يجزم بالوضع فأي متعلق لصاحب النبذة في قوله. الثاني : لو قدرنا أن الذهبي جزم بذلك فجزمه غير مقبول إلا ببينة. الثالث : أن الشيخ الموفق أبا محمد بن قدامة المقدسي – رحمه الله تعالى – قد نقل من الرسالة في كتابه المغني جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – و لم يعب ذلك عليه أحد لا من الحنابلة و لا من غيرهم. و قد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نقله صاحب المغني و أقره.
و كذلك الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر نقل في كتابه الشرح الكبير من الرسالة جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد ، و كذلك العلامة الحافظ ابن القيم – رحمه الله تعالى – نقل منها في كتاب الصلاة جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد و لما انتهى ما نقله قال بعده : هذا كله كلام أحمد. و نقل من مضمونها في موضع آخر ثم قال و قد احتج أحمد بهذا بعينه.
و كذلك الشيخ محمد بن مفلح قد نقل منها في كتاب الفروع جازماً بنسبتها إلى الإمام أحمد . و كذلك غيرهم من أئمة الحنابلة. و لا نعلم أحداً عاب على هؤلاء الأئمة الأعلام لا في نقلهم منها و لا في نسبتهم لها إلى الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.

و قد قرر الأصوليون أن المثبت مقدم على النافي. هذا إذا كان كل منهما جازماً في دعواه ، و أما من لم يجزم فلا عبرة بقوله. و هؤلاء الأئمة من أكابر الحنابلة قد جزموا بنسبة الرسالة إلى الإمام أحمد و هم أعلم بكلام إمامهم و كتبه و مذهبه ممن سواهم من أهل المذاهب ، و قد تلقاها من قبلهم و من بعدهم من الحنابلة و غيرهم من أهل العلم جيلاً بعد جيل جازمين بنسبتها إلى الإمام أحمد و لم يقدح فيها أحد لا من الحنابلة و لا من غيرهم حتى جاء الشيخ الألباني في آخر القرن الرابع عشر فقد فيها و في نسبتها إلى مصنفها بغير مستند يسوغ به القدح ، و لو استجاز الناس ما استجازه الشيخ الألباني لأوشك أن تنكر كتب السلف أو أكثرها لأن كثيراً منها لم تبق أسانيدها متصلة إلى اليوم ، و إنما تعرف بالنسبة و الاستفاضة و التلقي جيلاً بعد جيل ، و كذلك غالب كتب العلماء بعدهم ليس لها أسانيد متصلة و إنما تعرف بالتلقي و النسبة و الاستفاضة و تناسب كلام المصنف و التئام بعضه مع بعض ، و ما زال أهل العلم يكتفون في نسبة الكتب إلى مصنفيها بمجرد التلقي و الاستفاضة ، و ينكرون منها ما لم يلتئم مع كلام المنسوب إليه و ما كان مخالفاً لاقواله في الأصول أو في الفروع.

و من تأمل رسالة الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – وجدها ملائمة لكلامه و موافقة لمذهبه ، و من أنكرها أو أنكر شيئاً منها لذلك لقلة علمه بكلام أحمد و مذهبه. و أن العجب لا ينقضي من سوء جراءة الشيخ الألباني و اقدامه على القدح في تلك الرسالة الجليلة بغير برهان ، فالله المستعان و عليه التكلان و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و هو حسبنا و نعم الوكيل ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، و سلم تسليماً كثيراً.

و قد وقع الفراغ من تسويد هذه التنبيهات في أثناء سنة 1376 ثم كان الفراغ من كتابة هذه النسخة في يوم الجمعة سادس عشر ربيع الأول سنة 1382 على يد كاتبها و جامعها الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله التويجري غفر الله له و لوالديه و لجميع المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

تم بحمد الله