قال العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- في القواعد المثلى (ص128):

«وذهب بعض الناس إلى قوله تعالى في الحديث القدسي: (أتيته هرولة) سرعة قبول الله تعالى وإقباله على عبده المتقرب إليه المتوجه بقلبه وجوارحه، وأن مجازاة الله للعامل له أكمل من عمل العامل، وعلل ما ذهب إليه أن الله تعالى قال: (ومن أتانـي يمشي) ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله عز وجل الطالب للوصول إليه لا يتقرب ويطلب الوصول إلى الله بالمشي فقط بل تارة يكون بالمشي كالسير إلى المساجد ومشاعر الحج والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارة بالركوع والسجود ونحوها، بل قد يكون التقرب إلى الله وطلب الوصول إليه والعبد مضطجع على جنبه كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}([1])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صل قائماً فإن لم تستطع فجالساً فـإن لم تستـطع فعلى جنب) ([2]).

قال: فإذا كان كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله سبحانه وتعالى العبد على عمله وأن من صدق في الإقبال على ربه وإن كان بطيئاً جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل.
وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه، وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية لم يكن تفسيره به خروجاً به عن ظاهره ولا تأويلاً كتأويل أهل التعطيل فلا يكون حجة لهم على أهل السنة ولله الحمد، وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر، لكن القول الأول([3]) أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف.([4])
ويجاب عما جعله قرينة من كون التقرب إلى الله تعالى لا يختص بالمشي: لأن الحديث خرج مخرج المثال لا الحصر فيكون المعنى من أتانـي يمشي في عبادة تفتقر إلى المشي لتوقفها عليه لكونه وسيلة لها كالمشي إلى المساجد لصلاة وماهيتها كالطواف والسعي والله تعالى أعلم».

------------------------------------------
([1]) سورة آل عمران الأية: 191.
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/376) والترمذي في الجامع الكبير (2/208) وأبو داود في السنن (1/250) وابن ماجه في السنن (1/386) وأحمد في المسند (4/426) وابن خزيمة في صحيحه (2/89) و(2/242) والدارقطنـي في السنن (1/380) وابن الجارود في المنتقى (1/67) وابن حبان في صحيحه (6/285) والروياني في المسند (1/137) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/396) وأبو عبدالله الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/460) والبيهقي في السنن الكبرى (2/304) و (3/155) وفي السنن الصغرى (1/362) وفي معرفة السنن والآثار (2/138) والخطيب في تاريخ بغداد (6/24) وابن عبدالبر في التمهيد (1/135) وابن الجوزي في التحقيق في أحاديث الخلاف (1/327).
([3]) يقصد الشيخ بالقول الأول أن الهرولة صفة.
([4]) ولم يجزم الشيخ ابن عثيمين أن هذا هو مذهب السلف وشتان بين هذا وذاك علماً بأن العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- قال: إن الهرولة صفة لله عز وجل في الجواب المختار لهداية المحتار (ص24) وفي مجموع فتاواه (1/182)، ولكن في شرحه للعقيدة السفارينية وكذا في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري - وهذا الشرح من آخر شروحاته - قال: بأن الحديث خرج مخرج ضرب المثل، وسوف يأتي الكلام بتمامه.


منقول