ّقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :

"ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال‏.‏ ويعتقدون معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا‏)‏ ‏[‏رواه أحمد ‏(‏2/472‏)‏ وأبو داود ‏(‏4682‏)‏ والترمذي ‏(‏1162‏)‏ وابن حبان ‏(‏1311‏)‏ عن أبى هريرة‏.‏ وصححه الترمذي وابن حبان‏]‏‏.‏ ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك‏.‏ وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق‏.‏‏.‏ ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفسافها‏.‏ وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة‏.‏ " متن الواسطية .

قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :

" يهتم أهل السنة بالأخلاق فيتحلون بالأخلاق الفاضلة ويرغبون فيها غيرهم فهم ‏(‏يدعون إلى مكارم الأخلاق‏)‏ أي‏:‏ أحسنها‏.‏ والأخلاق‏:‏ جمع خلق، بضم الخاء واللام وهو الصورة الباطنة، والخلق‏:‏ بفتح الخاء وسكون اللام هو الصورة الظاهرة، وهو الدين والسجية والطبع، ويدعون إلى ‏(‏محاسن الأعمال‏)‏ كالكرم والشجاعة والصدق والأمانة ‏(‏ويعتقدون معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ أي‏:‏ يؤمنون به ويعملون بمقتضاه‏.‏ ‏(‏أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا‏)‏ رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏أحسنهم خلقًا‏)‏ أي‏:‏ ألينهم وألطفهم وأجملهم‏.‏
ففي الحديث الحث على التخلق بأحسن الأخلاق‏.‏ وفيه أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان‏.‏ وأن الإيمان يتفاضل‏.‏ وأهل السنة يدعون إلى التعامل مع الناس بالتي هي أحسن، وإلى إيتاء ذوي الحقوق حقوقهم، ويحذرون من أضداد تلك الأخلاق من الكبر والتعدي على الناس، فهم ‏(‏يندبون‏)‏ أي‏:‏ يدعون ‏(‏إلى أن تصل من قطعك‏)‏ أي‏:‏ تحسن إلى من أساء إليك ‏(‏وتعطي من حرمك‏)‏ أي‏:‏ تبذل العطاء وهو التبرع والهدية ونحوها لمن منع ذلك عنك لأن ذلك من الإحسان، ‏(‏وتعفو عمن ظلمك‏)‏ أي‏:‏ تسامح من تعدى عليك في مال أو عرض، لأن ذلك مما يجلب المودة ويكسب الأجر والثواب‏.‏
‏(‏ويأمرون‏)‏ أي‏:‏ أهل السنة بما أمر الله به من إعطاء ذوي الحقوق حقوقهم ‏(‏ببر الوالدين‏)‏ أي‏:‏ طاعتهما في غير معصية والإحسان إليهما بالقول والفعل‏:‏ ‏(‏وصلة الأرحام‏)‏ أي‏:‏ الإحسان إلى الأقربين، والأرحام‏:‏ جمع رحم وهو من تجمعك به قرابة ‏(‏وحسن الجوار‏)‏ أي‏:‏ الإحسان إلى من يسكن بجوارك يبذل المعروف وكف الأذى ‏(‏والإحسان إلى اليتامى‏)‏‏:‏ جمع يتيم، وهو لغة‏:‏ المنفرد، وشرعًا‏:‏ من مات أبوه قبل بلوغه‏.‏ والإحسان إليهما هو برعاية أحوالهم وأموالهم والشفقة عليهم‏.‏ ‏(‏والمساكين‏)‏ أي‏:‏ والإحسان إلى المساكين، جمع مسكين، وهو المحتاج الذي أسكنته الحاجة والفقر، والإحسان إليهم يكون بالتصدق عليهم والرفق بهم ‏(‏وابن السبيل‏)‏ أي‏:‏ والإحسان إلى ابن السبيل، وهو المسافر المنقطع به الذي نفدت نفقته أو ضاعت أو سرقت، وقيل‏:‏ هو الضيف‏.‏ ‏(‏والرفق بالمملوك أي‏:‏ ويأمرون بالرفق بالمملوك، وهو الرقيق، ويدخل فيه من البهائم، والرفق ضد العنف وهو لين الجانب‏.‏
‏(‏وينهون عن الفخر‏)‏ وهو المباهاة بالمكارم والمناقب من حسب ونسب ‏(‏والخيلاء‏)‏ بضم إلخاء‏:‏ الكبر والعجب ‏(‏والبغي‏)‏ وهو العدوان على الناس ‏(‏والاستطالة على الخلف‏)‏ أي‏:‏ الترفع عليهم واحتقارهم والوقيعة فيهم ‏(‏بحق وبغير حق‏)‏ لأن المستطيل إن استطال بحق فقد افتخر، وإن استطال بغير حق فقد بغى، ولا يحل لا هذا ولا هذا‏.‏ ‏(‏ويأمرون بمعالي الأخلاق‏)‏ أي‏:‏ يأمر أهل السنة بالأخلاق العالية‏.‏ وهي الأخلاق الحسنة ‏(‏وينهون عن سفاسفها‏)‏ أي‏:‏ رديئها وحقيرها، السفساف‏:‏ الأمر الحقير والرديء من كل شيء، وهو ضد المعالي والمكارم، وأصله ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل والتراب إذا أثير‏.‏
‏(‏وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة‏)‏ أي‏:‏ كل ما يقوله وفعله أهل السنة ويأمرون به وينهون عنه مما تقدم ذكره في هذه الرسالة وما لم يذكر؛ فقد استفادوه من كتاب ربهم وسنة نبيهم، لم يبتدعوه من عند أنفسهم ولم يقلدوا فيه غيرهم‏.‏ فقد قال الله تعلى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شيئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا‏}‏ والأحاديث في هذا كثيرة منها ما ذكره الشيخ‏.‏ "

أنظر شرح الواسطية للعلامة بقية السلف صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.