النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شرح حديث (أنها ستكون بعدي أثرة..) من رياض الصالحين للامام ابن عثيمين رحمه الله.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2011
    الدولة
    ......
    المشاركات
    1,355

    شرح حديث (أنها ستكون بعدي أثرة..) من رياض الصالحين للامام ابن عثيمين رحمه الله.

    شرح حديث (أنها ستكون بعدي أثرة..) من رياض الصالحين للعلامة الامام ابن عثيمين رحمه الله.


    عن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ‍قالوا : يا رسول الله ، فما تأمرنا ‍قال : تودون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم ))(161) ( متفق عليه ) .

    (( والأثرة )) الانفراد بالشيء عمن له فيه حق .

    عن أبي يحي أسيد بن خضير ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا من الأنصار قال : يا رسول الله ، ألا تستعملني كما استعملت فلانا ؟ فقال (( إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ))(162) ( متفق عليه ) .


    (( وأسيد )) بضم الهمزة . (( وحضير )) بحاء مهملة مضمومة وضاد معجمة مفتوحة ، والله أعلم .


    الشرح


    هذان الحديثان : حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وحديث أسيد بن حضير ـ رضي الله عنه ـ ذكرهما المؤلف في باب الصبر لأنهما يدلان على ذلك .

    أما حديث عبد الله بن مسعود فأخبر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( إنها ستكون بعدي أثرة ) والأثرة يعني : الاستئثار بالشيء عمن له فيه حق .

    يريد بذلك صلى الله عليه وسلم أنه سيستولي على المسلمين ولاة يستأثرون بأموال المسلمين يصرفونها كما شاؤوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها .

    وهذه أثرة وظلم الولاة ، أن يستأثروا بالأموال التي للمسلمين فيها الحق ، ويستأثروا بها لأنفسهم عن المسلمين . ولكن قالوا : ما تأمرنا ؟

    قال : (( تودون الحق الذي عليكم )) يعني : لا يمنعكم استئثارهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوهم من السمع والطاعة وعدم الإثارة وعدم التشويش عليهم ، بل اصبروا واسمعوا وأطيعوا ولا تنازعوا الأمر الذي أعطاهم الله ((

    وتسألون الله الذي لكم )) أي : اسألوا الحق الذي لكم من الله ، أي : اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدوكم الحق الذي عليهم لكم ، وهذا من حكمة النبي صلي الله عليه وسلم ؛ فإنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ علم أن النفوس شحيحة ، وأنها لن

    تصبر على من يستأثر عليهم بحقوقهم ، ولكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أرشد إلى أمر قد يكون فيه الخير ، وذلك بأن نؤدي ما علينا نحوهم من السمع والطاعة وعدم منازعة الأمر وغير ذلك ، ونسأل الله الذي لنا ، وذلك إذا قلنا : اللهم اهدهم

    حتى يعطونا حقنا ، كان في هذا خير من جهتين .

    وفيه دليل على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر بأمر وقع ، فإن الخلفاء والأمراء منذ عهد بعيد كانوا يستأثرون المال ، فنجدهم يأكلون إسرافا ، ويشربون إسرافا ، ويلبسون إسرافا ، ويسكنون ويركبون إسرافا ، وقد استأثروا

    بمال الناس لمصالح أنفسهم الخاصة ، ولكن هذا لا يعني أن ننزع يدا من طاعة ، أو أن ننابذهم ، بل نسأل الله الذي لنا ، ونقوم بالحق الذي علينا .

    وفيه ـ أيضا ـ استعمال الحكمة في الأمور التي قد تقتضي الإثارة ، فإنه لا شك أن استئثار الولاة بالمال دون الرعية يوجب أن تثور الرعية وتطالب بحقها ، ولكن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر بالصبر على هذا ، وأن نقوم بما يجب

    علينا ، ونسأل الله الذي لنا .


    أما حديث أسيد بن حضير ـ رضي الله عنه ـ فهو كحديث عبد الله بن مسعود أخبر النبي صلي الله عليه وسلم (( إنها ستكون أثرة )) ولكنه قال : (( اصبروا حتى تلقوني على الحوض )) .

    يعني : اصبروا ولا تنابذوا الولاة أمرهم حتى تلقوني على الحوض ، يعني أنكم إذا صبرتم فإن من جزاء الله لكم على صبركم أن يسقيكم من حوضه ، حوض النبي صلي الله عليه وسلم ، اللهم اجعلنا جميعا ممن يرده ويشرب منه .

    هذا الحوض الذي يكون في يوم القيامة في مكان وزمان أحوج ما يكون الناس إليه ؛ لأنه في ذلك المكان وفي ذلك الزمان ، في يوم الآخرة ، يحصل على الناس من الهم والغم والكرب والعرق والحر ما يجعلهم في أشد الضرورة إلى الماء ،

    فيردون حوض النبي صلي الله عليه وسلم ، حوض عظيم طوله شهر وعرضه شهر ، يصب عليه ميزابان من الكوثر ، وهو نهر في الجنة أعطية النبي صلي الله عليه وسلم ، يصبان عليه ماء ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ،

    وأطيب من رائحة المسك ، وفيه أوان كنجوم السماء في اللمعان والحسن والكثرة ، من شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبدا . اللهم اجعلنا ممن يشرب منه .

    فأرشده النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى أن يصبروا ولو وجدوا الأثرة ، فإن صبرهم على ظلم الولاة من أسباب الورد على الحوض والشرب منه .

    وفي هذين الحديثين : حث على الصبر على استئثار ولاة الأمور في حقوق الرعية ، ولكن يجب أن نعلم أن الناس كما يكونون يولى عليهم ، إذا أساؤوا فيما بينهم وبين الله فإن الله يسلط عليهم ولاتهم ، كما قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ

    الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام:129) ، فإذا صلحت الرعية يسر الله لهم ولاة صالحين ، وإذا كانوا بالعكس كان الأمر بالعكس .

    ـ ويذكر أن رجلا من الخوارج جاء إلى على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وقال له : يا على ، ما بال الناس انتقضوا عليك ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر ؟

    فقال له : إن رجال أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أنا وأمثالي ، أما أنا فكان رجالي أنت وأمثالك ، أي : ممن لا خير فيه ؛ فصار سببا في تسلط الناس وتفرقهم على على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وخروجهم عليه ، حتى قتلوه رضي

    الله عنه .

    ـ ويذكر أن أحد ملوك بني أمية سمع مقالة الناس فيه ، فجمع أشراف الناس ووجهاءهم وكلمهم ـ وأظنه عبد الملك بن مروان ـ وقال لهم : أيها الناس ، أتريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر ؟

    وقالوا : نعم ! فال إذا كنتم تريدون ذلك فكونوا لنا مثل رجال أبي بكر وعمر !! فالله سبحانه وتعالى حكيم ، يولي على الناس من يكون بحسب أعمالهم ، إن أساؤوا فإنه يساء إليهم ، وإن أحسنوا أحسن إليهم .

    ولكن مع ذلك لاشك أن صلاح الراعي هو الأصل ، وأنه إذا صلح الراعي صلحت ، لأن الراعي له سلطة يستطيع أن يعدل من مال ، وأن يؤدب من عال وجار . والله الموفق .


    التعديل الأخير تم بواسطة عمر الاثري ; 11-07-2014 الساعة 04:48 PM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2011
    الدولة
    ......
    المشاركات
    1,355
    شرح حديث يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي - للعلامة الامام صالح الفوزان - حفظه الله -.


ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •