يعتبر علماء الحنابلة من أكثر علماء أهل السنة انتقادا للتصوف وأهله ، لأنهم ورثوا عن إمامهم موقفه المتشدد من الصوفية عندما ذم طريقتهم ،و حذر من صحبتهم[1] . و لما رأوه في سلوكهم من انحرافات كثيرة عن الشرع [2] .و من أشهرهم نقدا لهؤلاء ثلاثة من كبار علمائهم ، هم : ابن عقيل ، و ابن الجوزي ، و ابن تيمية .

أولا : نقد ابن عقيل للتصوف و الصوفية :
انتقد أبو الوفاء بن عقيل(ت513 ه/1119م) ، الصوفية في منهاجهم و سلوكياتهم ، فمن ذلك أنه ذكر أن مما يسقط مشايخهم في عينيه ،هو أن أحدهم إذا خوطب بمقتض الشرع قال :عادتي كذا و كذا .يشير إلى طريقة قد قننها لنفسه تخرج عن سمت الشرع ؛فهو إذن مختلق طريقة ،وكل مختلق مبتدع ولو كان في ترك السنن ، لأن الاستمرار على تركها خذلان[3]. و أعاب عليهم كذلك تغيير أسماء بعض المحرمات ،و اطلاق عليها عبارات أخرى ، كقولهم في الاجتماع على الغناء : الأوقات ،و في المعشوقة :أخت ،و في المرأة المحبة :مريدة ،وفي الرقص و الضرب :الوجد ،وفي اللهوي والبطالة : رباط ،و هذا تحريف و تمويه غير مباح شرعا[4].

و قارنهم بالمتكلمين فإنتهى إلى أن أهل الكلام يفسدون عقائد الناس ،بتوهيمات شبهات العقول ،و الصوفية يفسدون الأعمال ،و يهدمون قوانين الأديان ،و يحبون البطالات و سماع الأصوات ,و ما كان السلف الصالح على ذلك المنهاج ،فقد كانوا في العقائد عبيد تسليم ،و في الأعمال أرباب جد[5].و فضل عليهم أي الصوفية المتكلمين الذين يزلون الشك ،أما هم فيوهمون التشبيه في مجال الصفات[6].وهو قد فضل عليهم المتكلمين لغلبة علم الكلام عليه لأن من طغى عليه النظر العقلي كان ذمه لمنحرفة العباد ،أكثر من ذمه لمنحرفة المتكلمين[7].

واتخذ ابن عقيل موقفا حازما من دعوى الصوفية :يسلّم للشيخ حاله .فيرى أنها دعوى اتخذها مشايخ الصوفية للتسلطن بها على اتباعهم ،و دفعا للاعتراض عليهم .وإلاّ فإن الاعتراض مشروع على كلّ إنسان ، ألم ترى أن الصحاب- رضي الله عنهم –قد اعترضوا على النبيّ –عليه الصلاة و السلام –عندما أظهر لهم أشياء لم يفهموها يوم الحديبية .و حتى الملائكة تسألوا عندما قالوا لله تعالى : ((أتجعل فيها ))-سورة البقرة/ 30- وقال موسى عليه السلام : ((أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ))[8]-سورة الأعراف -/155- .ثمّ أننا نجد شيخ رباط يخلوا بأمرد و يسمع منه أو من امرأة حرة الغناء ،و يأكل الحرام و يرقص ، ولا يسأل الفقهاء ،ولا يبني أمره على الشرع و يتصرف انطلاقا من وجدانه و واقعاته ، و يقول اتباعه : (( الشيخ يسلم إليه طريقته )) . ثم قرر ابن عقيل أنه لا طرقة مع الشريعة ولم يبق لأحد معها قول ،و ما جاءت هي إلاّ بهدم العوائد ،و نقض الطرائق ، و (( ما على الشريعة أضرّ من المتكلمين و المتصوفة ))[9].و على العكس منه نجد الفقيه تاج الدين السبكي الشافعي يدعوا إلي الاعتقاد في الصوفية و التسليم لهم في أحوالهم و حسن الظن بهم ، و انتقد الفقهاء الذين يحكمون على ظاهر هؤلاء[10] .

وردا عليه أقول : إن الله –عز و جل- قد أوجب على كل مسلم الخضوع لشرعه، (( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم))-سورة النساء/65- و من ثم لا يحق للصوفية ن و لا لغيرهم من الناس أن يستثنوا أنفسهم من الخضوع للشرع و الاحتكام إليه .و أما انتقاده للفقهاء في حكمهم على الصوفية من خلال ظاهرهم ، فهم على صواب و هو على خطأ ، لأن الشريعة الإسلامية تحكم على الناس بناء على ظاهرهم ، و تترك بواطنهم لعلام الغيوب ، لذا كان الرسول-عليه الصلاة و السلام- يعامل المنافقين معاملة المسلمين ، و هو يعلم ما يكنونه في صدورهم من كفر و نفاق و خداع[11] . لذا فإني أوافق ابن عقيل في اعتراضه على الصوفية ،،و رده عليهم في دعوى: تسليم للشيخ حاله . لأن حجته في ذلك قوية دامغة .

و أوجب ابن عقيل ذمهم-أي الصوفية- و وصفهم بأنهم : زنادقة في زي عباد شرهين ،و مشبهة خلعاء . لأفعالهم المنكرة المخالفة للشرع ، فهم يحبون البطالات و الاجتماع على الملذات، و ويعتمدون على بواطنهم و يتكلمون كالكهان ،و يقول أحدهم: (( قال لي قلبي عن ربي ))[12]. و يستميلون المردان و النسوان بإلباسهم خرقة التصوف و جمعهم في السماعات . كما أنهم يفسدون قلوب النساء على أزواجهم ،و يقبلون طعام الظلمة و الفساق ، و لا عمل لهم في أربطتهم إلا الأكل و الرقص و الغناء، مع تمزيق الثياب ،و الصعق و الزعق و التماوت ، و تحريك الطباع و الرعونات بالأسجاع و الألحان[13] .